Saturday, April 5, 2008

أرجوك اقلق

بقلم د. طارق عباس

١- من خلال الأخبار المنشورة عن جريمة ذبح القطط والكلاب والحمير والحيوانات النافقة، وبيعها للمستهلك المصري، عن طريق المحال الصغيرة والهاي لوكس، في المطاعم والفنادق، في الأحياء الشعبية والراقية، يتضح أنه كان لكل منا نصيب مؤكد في الفوز بريش كلب، أو بيت لوح حمار، أو كبدة حصان نافق، أو مفروم في صورة كفتة أو حواوشي والذي منه ومع كل ذلك المعدة المصرية حديد، وسوف تهضم كل شيء وأرجوك لا تقلق.
٢ - هناك بعض التقارير التي أكدت قيام بعض الشركات الأمريكية بعمليات تذويب للحوم الفئران والخنازير ومشيمات الإجهاض، في درجة حرارة مرتفعة جدا تصل إلي حوالي ٢٨٠ درجة لتحويلها إلي مواد بروتينية يتم استخدامها في صناعة الهمبرجر واللنشن والسجق والبلوبيف ثم تقوم بتصديرها إلي الدول العربية ومنها مصر، ولأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، فأرجوك لا تقلق.
٣ - بلغ التهاون في تلوث المياه حداً مفزعاً لا يمكن تصوره، لأسباب كثيرة، منها: تلوث مخازن المياه، وانتشار الطحالب فيها، وتحول نهر النيل - شريان الحياة في مصر - إلي مستودع خطير لنفايات المصانع والمزارع والصرف الصحي والقمامة والمصادر الأخري، محملاً بأعلي درجات التلوث ومع ذلك أقول: أرجوك لا تقلق.
٤ - كنت أتصور أن غش اللبن يتم بخلطه بالماء، أو بحقن الحيوانات المدرة له طمعا في زيادة كميته لكنني اكتشفت أن هذه الطرق في الغش قد أصبحت موضة قديمة جدا، وتم استبدالها بإضافة سموم جديدة إلي الحليب مثل: سماد اليوريا، وبودرة السيراميك المكونة من زهرة الغسيل الزرقاء، وثاني أكسيد سليكون الرمل، والفورمالين، والكلور والبوتاسا وغيرها من المواد المدمرة للجسم البشري، وهو ما يعني ضمنا أننا قد ودعنا الحليب الذي نعرفه، وأهلا بالحليب الذي يخترعه السماسرة وتجار الغش ومع ذلك أقول لك، أرجوك لا تقلق.
٥ - لقد طال الغش كل شيء العسل - الدقيق - الزيوت - الوجبات التي يتم توزيعها علي الأطفال برعاية وزارة التربية والتعليم - الأدوية المصنعة تحت بئر السلم - الدجاج الذي تغذي علي أعلاف مختلطة بالدماء - الخضروات والفواكه المحقونة بالمبيدات المسرطنة - العصائر المخلقة من مستحضرات كيماوية ورغم كل ذلك أقول: أرجوك لا تقلق.
بالطبع لم أكن أقصد من دعوتي هذه - عدم القلق - أن أعلم الناس التنبلة أو الرضا بهذه الكوارث، وإنما كل هذه الموبقات يمكن وقفها فورا إذا وجد نظام يحترم إنسانية الإنسان، ويفعل القانون ويريد محاربة الفساد، لكن الذي يقلقني فعلا هضم هذه السياسة المسؤولة الوحيدة عن اغتيال أمن وأمان المواطن، والمتورطة ضمنيا مع قتلة الرقابة علي الأسواق، والمحتكرين المتسببين في إشعال نار الأسعار في جسد المواطن، والعابثين بصحة الناس وأرزاقهم.
في الصين يعمل للكلب ألف حساب وتخصص له المصحات والملاجئ والأغذية اللائقة بكلبيته، وفي أمريكا أعدوا له مراحيض عامة، وفي أستراليا حفظت كرامة الخروف، ورفضت توريده إلي مصر حتي لا يساء إليه في عملية الذبح، وفي ألمانيا وإنجلترا تقدر قيمة الحمار وتحترم حموريته،
أما في مصر بلد الثروات والقيم، فتهدر كرامة المواطن ولا تحترم آدميته، يحتمي أطفال الشوارع بالخرابات والكباري والأماكن المهجورة، ويلتحف الشباب بالبطالة والمخدرات، وتتعرض الفتيات للتحرش الجنسي وربما الاغتصاب في الشوارع العامة و في وضح النهار.
الحقيقة التي لا مجال للشك فيها هي أنه تم حرماننا من العيش الحاف، والفول وطبق السلطة، وأكلنا الكلاب والقطط والحمير والخنازير، والسؤال الذي يشغلني: بعد أن تنفد الحيوانات الضالة والنافقة، وتختفي نهائيا من الوجود، هل ستكون التجارة القادمة هي الاتجار في لحوم البشر؟
طبعا الإجابة لن تكون بالنفي، فقد أكلنا الكلاب والقطط وغيرهما دون أن ندري، فما الذي يمنع في ظل هذا التسيب من أن يأتي اليوم الذي نأكل فيه الجثث البشرية النافقة بعد فرمها وإضافة كل أنواع البهارات إليها لإخفاء معالمها، وحتي لا يأتي هذا اليوم الأسود.. أرجوك أرجوك اقلق.

No comments: