بقلم شيماء البردينى
هل كان عادل أمام محرضا علي العصيان عندما أطلق نداءه «الكباب الكباب لنخلي عيشتكوا هباب؟».. علي العموم فإن الشعار لم يقدر علي الاستمرار، وأبطاله لم يعودوا مجرد مجموعة موظفين جمعتهم الظروف في مبني مجمع التحرير، ففي ظرف ١٥ عاما تغير الشعار وهبط سقفه إلي أدني حد ممكن، وحل محله شعارا موازيا «ادونا العيش.. ادونا رغيف» وردده قطاع أكبر من مرددي الشعار الأول.. قطاع تجاوز عدده تعداد المصريين أنفسهم.
شعور جد مؤلم أن تجد أناسا يتصارعون علي رغيف خبز سبق لك أن رميته أو تطاولت عليه وأهنته واعتبرته طعاما للبهائم، وقارنته بما تأكله من توست وكيزر وعيش فينو، والأكثر إيلاما أن تجد مسؤولا يندهش من الناس التي تتكالب علي العيش «أبوشلن»، ويتساءل: لو مش لقيينه ما يشتروا أبو ربع جنيه؟
الألم زاد عندما خلعت زميلة صحفية حذاءها أبوكعب عال، وجلست حافية في صالة التحرير من فرط الألم الذي عانته في طابور العيش، حيث تقضي ساعة يوميا في الطابور لتفي باحتياجات أبنائها الأربعة من الخبز والذي يمثل لها نصف غذائهم، ورغم أن صاحب المخبز يعرف أنها صحفية، فإنه لا يحاول تفضيلها علي الآخرين وعندما سألتها عن السبب ردت: «يا ماما كلنا أمام الطابور سواسية.. والكل جاي وفي عرض رغيف».
في هذه السنوات القليلة انحدرت مطالب المصريين وتضاءلت من الكباب الذي كان سعره وقتها ٤٠ جنيها ووصل الآن لأكثر من ١٥٠ جنيها، إلي مجرد العيش الحاف الذي كان وقتها طعاما للبهائم والدواجن المنزلية، ووصل سعر بعض أنواعه إلي ٧٥ قرشا، وأصبح بقدرة قادر مطلبا شعبيا، ويتطلب توفيره قرارا سياديا من رئيس الجمهورية لا يقل بحال عن قرار خوض الحرب لتحرير فلسطين.
الغريب في المطلبين علي اختلافهما والفارق بينهما أن كليهما لم يتحقق وبقي في إطار المستحيل، فلم تنعم فئات كثيرة من المصريين حتي الآن بتناول الكباب المزعوم، وعندما اقتربت فئات أخري من تناول الكفتة وأخواتها اكتشفت أنها كفتة «علي قد فلوسهم»، منزوعة من لحوم كلاب وقطط وحمير طالما صالت وجالت في مناطقهم الشعبية، وبعد أن كان الخبز في كل بيت لا يؤكل إلا صابح «من الفرن للمعدة»، أصبح يبيت في الثلاجة أكثر من عشرة أيام، إذا نجحت ربة المنزل في الحصول عليه أساسا.
وهكذا لم يعد بوسع أحد إرسال طفله الصغير إلي الفرن لشراء بنصف جنيه عيش، لأنه لا يضمن عودته سالما، فقد يقضي نحبه في الطابور، أو تدهسه أقدام المتصارعين في سبيل لقمة عيش ممزوجة بحصي ومسامير وبقايا صراصير وكائنات حية، واقتصرت مهمة الذهاب إلي المخبز علي القادرين ومن استطاع إليه سبيلا، والسبيل هنا ليس مجرد القروش التي سيخوض بها معركة البحث عن رغيف، بل هناك سبل أخري، مثل أن يتمتع الواقف في الطابور ببنية عضلية وجسمانية تساعده في التصدي لأي اعتداء «طابوري» أو محاولة للسطو علي مكانه المقدس فيه.
يالله.. كيف تدنت مطالبنا من البحث عن الكباب إلي البحث عن المياه والخبز.. غريب هذا الشعب يعيش حياته يطارد أحلامه ولا ينالها، وكلما يحاول خفض سقفها تزيد ابتعاداً.. فهل بعد رغيف «العيش» من تنازل؟!
Wednesday, April 9, 2008
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment