Saturday, April 5, 2008

مستعمرة للفساد

د. إبراهيم السايح
هواة الحرية المطلقة نجحوا في إقامة مستعمرات ونواد للعراة يعيشون فيها «علي راحتهم» دون أي نوع من الملابس ودون أن يجرؤ أحد علي خدش حيائهم أو الاستياء منهم أو البحلقة في أجسادهم العارية. هذه الفكرة الجريئة التقطها عباقرة النظام السياسي المصري وصنعوا من مصر
بأكملها «مستعمرة للفساد» حيث لا يصح إقامة مستعمرات العراة في مجتمع إسلامي محترم يحرص كل سكانه علي ستر عورة الرجل وشعر المرأة!! في مستعمرات العراة ينسي الرواد عوراتهم وعورات الآخرين بعد ساعات قليلة من انخراطهم سوياً في المكان الذي يجمعهم.

وفي مستعمرات الفساد ينسي الناس المخالفات عند ظهور التجاوزات، ثم ينسون التجاوزات عند ظهور الجنايات، ثم يتحملون الجنايات عندما تظهر الكوارث، ثم لا يلبث الجميع أن ينخرطوا في هذه الأجواء الفاسدة الملوثة ويتعايش كل منهم معها في هدوء وأمان وسلام مثلما يتعايش مرضي السكر مع المرض وحقن الأنسولين. في مستعمرة الفساد يستغيث المظلوم برئيس الجمهورية رغم علمه بأن هذا الرئيس يتولي منصبه بالتلفيق الدستوري بديلاً عن الشرعية الحقيقية. ويلجأ الناس إلي نواب مجلس الشعب رغم أن هؤلاء النواب دخلوا المجلس بالتزوير والرشاوي والبلطجة.
ويدفع المواطن الرشاوي للحصول علي حقه ثم يتقاضي هو نفسه الرشوة من أطراف أخري لتعويض الرشاوي التي يدفعها!! في مستعمرة الفساد يترحم الناس علي مصائب يوم السبت حين يشهدون كوارث يوم الأحد، ويتندرون علي كوارث الأحد وهم يغرقون في مستنقع يوم الاثنين، ولا يأتي الثلاثاء إلا وهم يغبطون موتاهم الذين استراحوا من مصيبة الحياة في هذا البلد! لم يعد المصريون يخجلون من الكذب أو التزوير أو التلفيق أو الرشوة أو السرقة أو النصب أو تجارة المخدرات أو الغش التجاري والتعليمي أو الجهل أو الغباء أو الحماقة أو النفاق أو التخاذل أو الأنانية أو أي لون آخر من ألوان الفساد المادي والمعنوي.
صارت «البجاحة» شعاراً للجميع علي غرار ما يحدث في مستعمرات العراة. صار القوادون والعاهرات من نجوم المجتمع المصري وصارت أخبارهم تتصدر صفحات الجرائد المستقلة والحزبية والقومية وقنوات التليفزيون الفضائية والأرضية. وصارت «أم الدنيا» تلقن أبناءها أصول وفنون الدعارة السياسية والفكرية رغم الحجاب الذي لم تزل تحتفظ به فوق رأسها!!

No comments: