أصبحت لدي قناعة بأن غالبية الناس عندنا لا تقرأ. وإذا قرأت لا تفهم. وإذا فهمت لا تستوعب. وإذا استوعبت لاتدرك, ولاتكلف نفسها عناء استخلاص النتائج وبناء الواقع عليها.. وهذه هي الشعوب التي اعتادت ألا ترهق نفسها بالتفكير واستشارة العقل. بل تنتظر من يختار لها ويقرر مصيرها. وأفضل شيء لهم ـ في ظل سيطرة الصورة الملونة علي شاشات التليفزيون ـ أن يتلقوا معارفهم ومعتقداتهم من زعيم في السلطة, أو رجل دين تحيطه هالة, أو مذيع تليفزيوني لبق, أو معلق كروي جريء, أو مقدمة برامج حسناء.. تهرش أمخاخهم حتي تصبح جزءا من العادات السمعية.
وحين تصل الثقافة السمعية إلي درجة الادمان التي تستغني عن التفكير, لا يتساءل أحد عن صحة ما يسمعه أو يشاهده.الناس في بلادنا تعتاد علي المعلومات الجاهزة المعلبة, التي سبق مضغها وهضمها وانتاجها في أبسط صورة تختزل الحقيقة, تماما مثل الملخصات التي يستذكرها التلاميذ عن ظهر قلب ثم يستفرغونها في امتحانات شكلية, تمر عليهم الحقائق والتجارب مر السحاب في يوم صيف قائظ..وقبل أيام واجهت تجربة من هذا النوع, أكدت لي أنه ـ حتي المتعلمين ـ لا يستوعبون ما قرءوا غير ما استقر في وعيهم.
. فحين كتبت مؤيدا ما نبه إليه الإعلامي جمال الشاعر, عن الحاجة إلي ثقافة جديدة للتبرع الخيري, تراعي عدالة التوزيع بين مؤسسات مثل مستشفي سرطان الأطفال57 تحظي بدعم شبه رسمي أدي إلي تدفق الملايين عليها, بينما لا تذهب إلي مراكز أخري لعلاج الأورام والسرطان, تعاني من الشظف المادي, ولا تقوي علي تلبية الاحتياجات العلاجية لآلاف من أطفال مرضي السرطان.. وقلت إن المجتمع يعاني من عدم التوازن في كل شيء حتي في أعمال الخير, إسراف هنا وتقتير هناك.. هبت علي عاصفة من الايميلات والاتصالات تراوحت بين اللوم والتأنيب, بحجة أنني غمطت قدر الجهد الهائل والخدمات الطبية العالية لمستشفي57.وبالطبع فان هذا ما لم يتطرق إليه قلمي ولا فهمي, ولا أملك إلا أن أكذبه جملة وتفصيلا.
. كل ما طالبت به أن يوجه أهل الخير تبرعاتهم إلي مراكز أخري تستحق الرعاية والمساندة حتي وإن لم تكن مدعومة من شخصيات مرموقة في الدولة. وأن تقتصد الجهات العاملة في الحقل الخيري في إنفاق تبرعاتها علي الإعلانات الباهظة الثمن.. صحيح أننا ينقصنا فن جمع التبرعات لأعمال طوعيةFundRaising الذي برعت فيه مجتمعات أخري, ولكن هذا لا يمنع من مساعدة المراكز الأخري علي أن تحذو حذو مستشفي57, لتحقيق النجاح المنشود.. فلا يكون عندنا مستشفي سرطان واحد ناجح لعلاج الأطفال, بل نعمل علي تحقيق العدالة والكفاءة في الخدمات الصحية لدي الجميع.. إذ لا فائدة في النهاية من نجاح مؤسسة تتألق وحدها وسط بحر من المعاناة والمرض واللامبالاة!!
Saturday, April 5, 2008
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment