بقلم حمدى رزق
برؤية طائر محلق رسم «جو» العجوز السيناريو الأسوأ للتغيير في مصر، عندما تتلاحم الكتل البشرية المجروحة كرامتها، المهدرة آدميتها، المكبوتة غضباً، وتتجاسر علي هيبة الدولة، كل من له ثأر من النظام يخرج من كل فج عميق، الحشود تهدر مدمدمة، تزيح في طريقها كل السدود، النهر الرائق مخيف إذا فاضت به المرارة.
المخرج العجوز يوسف شاهين في فيلمه الجديد «هي فوضي؟» يفزعنا، يخيفنا من مصيرنا، جميعا نذهب الي قاع البئر، ظلام مرعب ما ينبئنا به العراف العجوز.
(حاتم) صار قاسيا، مجرما، شرها، يلغ في عرض (نور) يهتك شرفها، إلا الشرف، إلا العرض.. من مات دون عرضه فهو شهيد، دون شهادة من المفتي.
قطرات الدماء التي لوثت موطن عفة نور خلعت قلوب المشاهدين، سالت دموع في الظلام الحالك، هاج الصامتون، ثار الصابرون، حتي القسس والمشايخ نطقوا، الأرض كالعرض، وحاتم خرق الأرض والجبال طولا.
جسد شاهين وابنه الأثير خالد يوسف علي الشاشة السيناريو الذي نخشي، من منا لا يخشي الفوضي، ما نخشاه يستوي، فوضي خلاقة كالتي يبشرنا بها الأمريكان، أو فوضي هدامة تستمد آلياتها من تراث مصري مروع، مزيج من حريق القاهرة (١٩٥٢) وانتفاضة الخبز (١٩٧٧) مشاهد الفوضي في الفيلم رأيت بعضا منها من قبل.
حاتم ليس حالة فردية كما حاول «جو» الإيحاء في وثيقة شكر قدمها لوزارة الداخلية تصدرت الفيلم، وظلم لوزارة الداخلية أن يحسب عليها حاتم، حاتم أكبر من مجرد أمين شرطة فاسد، حاتم هو الفساد الوطني العام، الفساد المتوطن الذي التف علي جدر البلد من تحت، يمتص الرحيق ويكبر ليسد عين الشمس.
حاتم موجود في كل وزارة ومصلحة ومؤسسة، كلهم حاتم، أكاد أسمع جملته الأثيرة «اللي مالوش خير في حاتم.. مالوش خير في مصر» تتردد صدي في كل مكان من ناطحات السحاب حتي تحت الكباري، حيث يقضي البعض حاجته في العراء.
حاتم يوزعونه علي الوزارات، هناك مشروع قومي لتعميمه، حاتم يباع في السوبر ماركت مع تخفيض، مع هدايا رأس السنة والأعياد، الكل يرتدي ماسك حاتم، حاتم تحت جلد بعض من رجال النظام بفساده وبشاعته، هناك حاتم رابض خلف كل قناع.
حاتم مُركز فساد، يذيبونه في مياه الشرب، يلوث مياه النيل، الشرب من مياه النيل الآن يورث جنون العظمة والخبل والشره والنزق والسادية وكل أمراض السلطة.. لا أعرف كيف يشاهد نفر من إخوة حاتم أنفسهم علي الشاشة، أتوقع من بعضهم جلد يوسف شاهين وولده علي صفحات الصحف والفضائيات، حاتم يفرض إتاوة حتي علي الصحافة.
علي الأصابع نعد، كل منا يعد كم حاتماً يعرفه، أري في كل شق حاتماً ثعباناً متلمظاً يرقب مصر من شباك الحمام، المكان الأثير للنفوس الوضيعة، يعريها بعينيه، ينزع عنها الشرف، يطفئ النور، آخر شعاع نور.. وعيني عليك يامصر.
(بحثت عن الرقيب في فيلم هي فوضي؟ فعثرت علي توقيع علي أبوشادي.. احترم توقيع أبوشادي علي الفيلم.. الرقابة هي البطل) .
Tuesday, December 4, 2007
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment