بقلم على السيد
من أين ابتدأت الحكاية؟ وأين انتهت؟ ابتدأت من اختيار النخبة. أية نخبة وأي اختيار؟ النخبة المسيطرة، واختيار منهج وطريقة الحكم. لنبدأ بالنخبة التي تتلاعب بالشعب وبالقانون كما بهلوانات السيرك، ومروضي الأسود والثعابين والقردة، فهذه النخبة المزورة الاثمة، المتغطرسة والمتعجرفة، الأنانية والمستفزة، المتلونة والمخادعة، لا تنظر إلا تحت أقدامها ولا تهتم سوي بمصالحها الشخصية، ولا تحافظ إلا علي مكاسبها التي تحققت في زمن التسلق والقفز والهبش، والقهر، ولا تفكر سوي في مستقبلها وحدها أياً كانت النتائج من خواء في البيوت وخراب في الشوارع وانسحاق تام أمام رغيف الخبز، الذي أصبح، وحده الحاكم الفعلي للسواد الأكبر من الناس، ولا تعترف إلا بقانونها الخاص، إنها نخبة ثقيلة كالجبل، غامضة كالليل، متهورة كالريح، جائعة كالنار، مخيفة كالرعد، لا تهدأ ولا تشبع من أكل الأحياء، كالأسود المسعورة.
ومن زمن، وهذه النخبة التابعة والمنافقة والمداهنة للنظام الحاكم تلعب بمستقبل الوطن كأنها تخطط لمستقبل الرئاسة في مجلس محلي، وليس دولة، كانت مهمة يوماً ما، وفي سبيل تحقيق مأرب هذه الطغمة سار المخطط بوتيرة محددة ومحسوبة، من حيث ترتيب الخطوات وزمن التحقق الفعلي للسيطرة، أو ضمان استمرار النهج الحالي للسلطة، كي تظل المقاعد المتهالكة مرهونة لفئة بعينها، وكي تبقي المصالح والمناصب كما هي، أو تورث هي الأخري،
لذا أخرجت هذه النخبة وفي الوقت المحدد موضوع توريث الحكم من دائرة العتمة والكواليس، إلي دائرة النور مع تغيير بسيط في المسميات،إذ تم تغيير مصطلح التوريث لمصطلح الانتخاب، وكان أول من جهر بذلك في الحزب الوطني الحاكم الدكتور حسام بدراوي، وأول من آمن بها ودعا إليها، الدكتور فتحي سرور، الذي كسر كل القواعد، وجعل من الوضع المزري وضعاً حضارياً، ومن البؤس والفقر رفاهية وعزاً وكأن رئيس البرلمان المصري لا يعرف أن الناس تحجز أماكنها في طابور طويل أمام أفران العيش من الساعة الثالثة صباحاً لكي تشتري في السابعة صباحاً بجنيه عيش لا تأكله الحيوانات، وحتي هذه اللقمة المرة لا يريدها أصحاب اليد العليا، الذين يجاهدون من أجل إلغاء الدعم، الذي لو حدث لأيده برلمان سرور،
إذ كالعادة طل علينا الدكتور فتحي سرور بتصريحات، نافياً حدوث توريث في الرئاسة المصرية، أي أن الرئيس مبارك لن يورث نجله مقعده في الرئاسة، إنما، وفقاً لتفسير سرور، الفقيه القانوني سيتم ذلك بالانتخاب وهو ـ أي الدكتور سرور ـ يقبل بجمال مبارك رئيساً.. شكراً يادكتور علي المعلومة الجديدة، كأننا لم نكن نعلم أن جمال سيأتي رئيساً بـ«تمثيلية الانتخابات» والتي من أجلها عدل الدستور وجهزت القوانين ليمر الأمر كشكة الدبوس، ويفتينا مفتي القوانين أن هذا شرعي ودستوري، فجمال مواطن مصري يحق له الترشح للانتخابات الرئاسية.
عجيب والله هذا الكلام يادكتور، فلا يوجد طفل ساذج في قرية نائية لا يعرف هذا الكلام، والاعتراض يبدأ أو ينتهي عنده، فإن لم يكن جمال ابن رئيس الدولة هل كان يمكن أن يصل إلي درجة السيطرة التامة علي الحزب والحكومة، وأقسم لك يادكتور أنه لولا أنك تعلم أن الأمر سيؤول لجمال ما قلت هذا الكلام، رغم يقينك أن ذلك سيحدث بكل الأساليب التي أخذت ورتبت بعيداً عن أعين الناس، الذين لا يملكون أي خيار في هذا الأمر، وبالتالي لم يكن مهماً أن يكون جمال مبارك مقبولاً عند الشعب أو غير مقبول، ولم يكن مهماً أن يعبر الناس له عن حبهم أو سخطهم، ولا يضيف جديداً إن قالوا له نعم أو لا، رغم أنني علي يقين أن جمال مبارك كانت أمامه فرصة ذهبية، لكي يأخذ عيون الشعب لو أراد ذلك لأعطوها له عن طيب خاطر، لكن للأسف الرجل جاء من علٍ، وظل بحاشيته وتابعيه ومرائيه بعيداً عن عيون وقلوب الناس.
وفي تصريح، ليس مفاجئاً، للدكتور فتحي سرور يقول: «إن جمال صاحب فكر متطور وناهض وقاد أمانة السياسات في مرحلة مهمة من تاريخ البلاد...» ما علاقة أمانة السياسات بالمرحلة المهمة، التي لا أحد يعرف أهميتها، ثم ما علاقة أمانة السياسات بتاريخ البلاد؟ إلا إذا كان الدكتور سرور يريد صنع تاريخ ومسؤوليات تليق بمن سيرث عرش مصر، والعرش هنا لا ينفي صفة الجمهورية عن الوطن، فبقاء رؤساء الجمهوريات في مناصبهم مدي الحياة يجعل البلاد في حالة أقرب للملكية منها للجمهورية، وتلك حالة لا تحدث إلا في البلاد المرتبكة، والتي يحكمها حكام وليس قوانين، كما قال فرانسوا كيناي: «ماذا تفعل لو كنت ملكاً؟
ـ لا أفعل شيئاً!
ـ ومن الذي يحكم؟
ـ القوانين».
ويلمح الدكتور سرور إلي أن أمانة السياسات لها اليد العليا والأمر القاطع علي السياسات الحكومية. دون أن يخبرنا عن هوية أعضاء هذه الأمانة ودورهم في الحياة السياسية والعامة في مصر.
وأسأل الدكتور سرور: لماذا لا تتحدث عن الحقائق برمتها وتفهمنا أن تعديل المادة ٧٦ لم يكن إلا لخاطر جمال في ظل الضعف المتعمد والمنظم للأحزاب؟ ولماذا تتحدث الآن عن قبولك جمال رئيساً، طالما جاء عبر إجراءات دستورية وبإرادة الشعب، رغم غياب الاثنتين، فالإجراءات الدستورية لا تتم إلا بشكل صوري فقط وحسب رغبة السلطة ومتي شاءت، فضلاً عن أن إدارة الشعب ملغاة أو مجمدة في ظل التزوير الفج وكسر الأذرع الطويلة؟
ثم لماذا تدلل بمثل فاسد ساهم في تخريب مصر، وهو وراثة القضاة وأساتذة الجامعات والصحفيين، علي وراثة رئاسة الدولة؟ ولماذا تتحدث عن شرف النسب والعائلة الآن وكأننا نعيش عصوراً جاهلية جديدة.
وأخيرا أسألك: هل لو كان جمال رجلاً يتمتع، كغيره، بصفات مميزة، وموقعه في الضفه الأخري، ووالده ليس الرئيس، هل كنت ستقبل به رئيساً؟ ستقول نعم، لأن السياسة غير ماتضمر.
آخر سطر:
يقول مونتسكو:
«موقف الطاغية، هو موقف ذلك الذي يقطع الشجرة لكي يقطف ثمرة..»
يقول المتنبي:
جوعان، يأكل من زادي ويمسكني
لكي يقال عظيم القدر مقصود
Monday, December 10, 2007
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment