Tuesday, December 11, 2007

ملوك الطلصأة

بقلم جمال الشاعر
يا سيادة الوزير.. خدعوك فقالوا كل شيء تمام.. كل شيء علي ما يرام.. والحقيقة غير ذلك.. عشرات الملايين، التي أنفقت علي ترميم القاهرة الفاطمية ضاعت في دهانات وترميمات من علي الوش وفي الداخل كوارث محققة.. المياه الجوفية أكلت الأساسات..
والحجارة باشت يا سيدي.. كله من فوق الوش، كما تفعل الزوجة الكسولة في تنظيف المنزل علي عجل، خوفًا من زوجها الذي تسمع وقع أقدامه علي درجات السلم.. تكنس البيت في كروتة شديدة وتضع الكناسة تحت أقرب سجادة وبعدين يحلها الحلال..
نفس المنطق في منطقة القاهرة الفاطمية وشارع المعز ومجموعة السلطان قلاوون وبيت القاضي والسلطان برقوق وخلافه.. لوحة جميلة من الخارج وترميمات خارجية للشروخ ولكن ما خفي كان أعظم.. أنا رأيت بعيني أحد المهندسين يجس حجارة أساس أحد البيوت الأثرية بذراع نظارته الطبية..
مرة أخري بذراع نظارته الطبية.. فيحدث حفرة وتخرج كلكوعة صغيرة من الحجر الجيري يفركها بين أصابعه بسهولة جدًا.. هل ستصمد هذه الأبنية أمام الرطوبة والتصدعات؟!.. كم من الزمن يمكنها أن تقاوم الانهيار؟.. المهندس الخبير قال لي لو صمدت عشرين سنة تبقي معجزة.. هل هذا كلام؟!..
ميزانيات تتجاوز المائتي مليون جنيه تعجز عن حل هذه المشكلة.. لو قام السيد فاروق حسني بزيارة مفاجئة مع مجموعة خبراء في الهندسة المعمارية والإنشائية وقاموا بعمل مجسات للأساسات واختبارات لقدرة ومتانة حجارة هذه القواعد لاكتشف المصيبة.. بل إنه لا يحتاج إلي جيش من المهندسين.. المسألة واضحة للعيان بمجرد النظر.. الرطوبة والرشح وصلا إلي ارتفاعات الأبنية الأثرية.. وزارة الثقافة استعانت بشركة إيطالية لإنارة شارع المعز والأبنية من الخارج والإضاءة في الأرضية بجوار الأرصفة.. ولا توجد أعمدة ولا لمبات تعلق خارج المحال والدكاكين والبيوت القديمة..
رائع.. ولكن هذه الإضاءة سوف تساهم في تحلية المواقع الأثرية وإضافة حالة من الغموض عليها.. إضاءة خافتة غير مباشرة وبالتالي ستظل الشروخ تتزايد والرشح يتصاعد للأعلي دون أن ننتبه.. إن مشروع تحويل القاهرة الفاطمية إلي متحف مفتوح، مشروع رائع يستحق منا جميعًا أن نتحقق من مواصفات الجودة في إعادة الأحياء والتجميل وقبل كل شيء.. أساسات وأعمدة المباني والهياكل والكتل الحجرية ومخاطر المياه الجوفية.. الكارثة الكبري أن يتحول الأمر إلي عمليات تجميل خارجية وديكورات والأساس «مخوخ»..
عندنا عاهة مصرية اسمها «الطلصأة» اذهب إلي ميكانيكي سيقول لك «العربية» سوف تفتح بطنها.. نصيحتي تلم الموضوع وتقضي بها المشوار.. وبعدين يحلها الحلال.. ثقافة المسكنات والزواق الخارجي لا تصلح مع المشروعات القومية الطموح.. الثروة الأثرية والتاريخية في القاهرة الفاطمية مهددة بالفناء والانهيار..
أدخل إلي المنطقة من أي ناحية.. من الأزهر أو باب زويلة أو بوابة المتولي أو من الناحية الأخري.. من باب النصر أو باب الفتوح وتأمل الوكالات والتكايا والأسبلة المهجورة والمدفونة بين العشوائيات.. الجوامع الأثرية تحف معمارية مخربة إلا قليلا..
ولا يعقل أن ننتظر إمدادات مالية من الطرق الصوفية والإسماعيلية لتجديد هذه المساجد وتبليطها بالرخام، ثم إعلانها محمية دينية مثل جامع الحاكم بأمر الله، الذي أصبح في يد جماعة البهرة الهنود.. إنني أدعو وزارة الثقافة لتشكيل مجلس أمناء لمشروع القاهرة الفاطمية يضم نخبة من الأثريين والمعماريين والمهندسين والمفكرين ورجال الاقتصاد والأعمال والعلماء،
لوضع تصورات مستقبلية طموح لهذه المنطقة ويساهم في توفير الموارد المالية ومراقبة عمليات التنفيذ.. إن السكوت علي ظاهرة «الطلصأة» في منطقة الجمالية جريمة بكل المقاييس.. ولن أزيد.

No comments: