Monday, December 10, 2007

مصر بتتغير.. بينا

مجدى الجلاد
ليسمح لي عباقرة الحزب الوطني الديمقراطي، من أصحاب وخبراء «صك الشعارات»، أن أستخدم شعارهم الجامع المانع والفاتن في المؤتمر الأخير «مصر بتتقدم بينا».. وليسمحوا لي أن أستبدل فيه كلمة واحدة، ليصبح «مصر بتتغير بينا».. فلا شيء علي أرض هذا البلد يقول إننا نتقدم.. إلا إذا كان التقدم الذي يقصده الحزب الوطني يعني «التقدم للخلف».. أما مظاهر التغيير ودلالات التغيير فهي كثيرة.
التغيير الذي أقصده هو تغيير قسري، رغماً عن النظام الحاكم.. تغيير من القاعدة، وليس القمة.. من الشارع، لا من الرئاسة والحكومة والحزب الحاكم والبرلمان.. من المواطنين البسطاء، الذين أصابهم اليأس والقنوط، وأيقنوا أن النظام لن يمنحهم حقوقهم طواعية، وأن انتزاع هذه الحقوق، بالتظاهر والاعتصام والإضراب، هو السبيل الوحيد للتعامل مع حكومة «لا تسمع.. لا تري.. لا تتكلم».
«مصر بتتغير»، ليس بأحمد نظيف، ولا بصفوت الشريف، ولا بجمال مبارك.. وإنما بـ١٠ آلاف موظف من الضرائب العقارية، قرروا أن يعتصموا أمام مقر الحكومة، أياماً وأسابيع وأشهراً، حتي يحصلوا علي حقوقهم.. عزيمة بلا خوف في مواجهة «عناد» يوسف بطرس غالي،
وزير المالية.. حناجر وسواعد متعاضدة ضد تجاهل حكومي وسلبية رسمية.. نساء تركن بيوتهن وأقمن في الشارع، بعد أن هدّهن الفقر، وأعيتهن الحاجة.. أطفال يهتفون ضد الحكومة ومبارك والأمن والحزب الوطني.. فلا شيء يمكن أن نخشاه، مادام «كوب الحليب» عَزَّ علي أفواه الأولاد والبنات.
«مصر بتتغير» بالسيدة «سناء...»، التي قالت لنا، وهي تجلس علي الرصيف: «لن أترك حقي».. عبارة لم نكن نسمعها في الماضي.. وصوت كان مكتوماً عقوداً طويلة.. كنا نخاف من «هراوات الأمن».. واليوم أصبح الأمن يعمل «ألف حساب»،
قبل أن يرفع هراوة في وجه مظلوم.. فعلاً.. مصر بتتغير.. وإلا ما استجاب الرئيس مبارك لهؤلاء المطحونين، وأدخل تعديلاً علي القانون، تمهيداً لعرضه علي البرلمان.. «مصر بتتغير»، وإلا ما رضخت الحكومة، أكثر من مرة، لعمال غزل المحلة، وأقالت رئيس شركتهم، خوفاً من الغضب الصاعد.. «مصر بتتغير»، لأن أناساً ودّعوا السلبية والخوف.. وقرروا أن يقولوا «لا» في عرض الشارع.

«مصر بتتغير»، لأن شيئاً من الخوف بات يقطن المكاتب الرسمية.. الشارع أصبح له وجود، بعد أن غاب أكثر من ٥٠ سنة.. أبرموا معنا «عقداً غير مكتوب»، بأن نترك لهم حكم البلاد، دون مشاركة، مقابل «الحد الأدني» من كل شيء «مساكن شعبية تخنق الروح.. ملابس رثة من صيدناوي.. لقمة بلا طعم، وشربة ماء ملوثة»..
الآن ثبت أننا أخطأنا حين انسحبنا من الشارع.. تركنا لهم البلد، فالتهم الفساد ثروتنا.. مكثنا في بيوتنا انتظاراً لعطايا الحاكم.. فتوهم أنه يمنحنا الفتات من فيض كرمه.. جلسنا علي المقاهي نندب حظنا العاثر وبختنا المايل في «حكومات متعاقبة»..
فاعتقدت الحكومة أن الله منحها تفويضاً سماوياً ببهدلة هذا الشعب.. وأن علي كل مواطن أن يصلي لها، حتي ترضي عنه.. ورضا الحكومة لا يعني منح المواطن ما تجود به.. وإنما إعفاءه أحياناً من البطش والقمع.. فمجرد الحياة بـ«الحد الأدني» في كل شيء بات إنجازاً في مصر.
يوسف غالي في مواجهة الآلاف أمام مقر «د. نظيف».. معركة عضلات.. هم أقسموا ألا يغادروا الشارع، حتي يحصلوا علي حقوقهم، ولو اقتضي الأمر أن يؤدوا صلاة عيد الأضحي هناك.. وهو يقول: «ماحدش يلوي دراعي.. خليكم في الشارع».. والدكتور نظيف يتفرج..
وبصرف النظر عن الكاسب والخاسر في نهاية المعركة، فإن الجديد والمكسب الكبير هو أن ثمة معركة حالية: بين الشارع والحكومة.. المواطنين والنظام.. وأن أحداً منا لن يجلس في بيته - بعد الآن - مكسوراً.. مدحوراً.. مقهوراً، في انتظار عطايا الحاكم والحكومة.
.. ألم أقل لكم إن «مصر بتتغير.. بينا»!

No comments: