Thursday, December 6, 2007

إلي أن ينطق الحجر

د. إبراهيم السايح


اعتصام أو تظاهر موظفي الضرائب العقارية هو الأول من نوعه طوال التاريخ المصري، فعلي الرغم من السلبية العمومية للشعب المصري ظلت بعض فئاته قادرة علي التحرك والمقاومة، وهذه الفئات ـ علي سبيل الحصر ـ هي العمال والفلاحون والطلاب والجماعات الدينية، وأحيانا ينضم إليهم العسكريون والعاطلون والصيع!.. أما الموظفون فهم الأبناء الشرعيون الصامتون السلبيون لكل الحكومات والنظم السياسية طوال تاريخ مصر.

في الحقبة الفرعونية كان كل من يعرف القراءة والكتابة يعمل في خدمة الملك أو الكهنة، وفي الحقب الاستعمارية التالية كان الموظف المصري متعاونا بالضرورة مع السلطة التي تحكم البلاد، وفي عهد محمد علي صار الموظفون علي رأس رعايا وخدم الحكومة وتعلموا المزيد والمزيد من قيم النفاق والانتهازية والطاعة العمياء، وبعد ثورة يوليو كان إخواننا الموظفون ـ ومازالوا ـ هم الرصيد الحكومي الأول في تزوير الانتخابات وإفساد الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. الموظف المصري يكاد يعبد ختم النسر دون الله أو معه أو بعده. لا يفهم إلا الأوراق والأوامر الرسمية، لا يعشق ولا يهوي إلا الروتين القاتل الغبي، ولا يتحرك إلا بتأشيرة رسمية من الساعة التي تتصدر الديوان الحكومي الذي يعمل به، ويقال إن بعض غلاة الموظفين لا يتزوج أحدهم ولا ينجب ولا يمرض ولا يموت إلا بعد استئذان رئيسه المباشر!!.

وحين تتحرك الآن بعض أطراف هذه الكتلة الصماء السلبية التي يبلغ قوامها أكثر من ستة ملايين مواطن يعولون أكثر من عشرين مليون مواطن آخر، فإن هذا التحرك يعني أننا أمام حدث جلل، مظاهرات موظفي الضرائب العقارية تؤكد أن استبداد وفشل النظام السياسي المصري وصل بالبلاد إلي مرحلة استنطاق الحجر، فهذه الفئة من المصريين كانت تتحايل علي الحياة بشتي السبل دون أن تفكر علي الإطلاق في الثورة أو الغضب أو التظاهر أو الإضراب أو حتي الشكوي من مرارة الحياة، هذه الفئة من المصريين لا تقرأ إلا صحف الحكومة ولا تسمع إلا إذاعة الحكومة ولا تشاهد سوي تليفزيون الحكومة، ولا تشجع إلا المنتخب القومي وفريق النادي الأهلي، هذه الفئة من المصريين هي التي يشحنها رؤساؤها في سيارات نصف النقل والأتوبيسات وعربات الكارو إلي لجان الانتخاب لإعطاء أصواتها بالأمر لمرشحي الحكومة والحزب الوطني ومباحث أمن الدولة.

مظاهرات الموظفين لم تحدث في مصر حتي في عهد المجاعة الفاطمية الشهيرة التي كان المصريون يأكلون خلالها القطط والكلاب والدواب والجيران والمارة!!وهذه المظاهرات تؤكد أن حسني مبارك هو الحاكم المصري الوحيد الذي نجح في إنقاذ المصريين من غيبوبة عمرها سبعة آلاف سنة، وأنه سوف يظل في الحكم إلي أن ينطق الحجر ويقول للناس «هذه حكومة ورائي فاخلعها.. أو اقتلها»!! <

No comments: