Saturday, December 8, 2007

درس اليونان

جمال بدوي

سبحان مغير الأحوال.. انتعشت اليونان اقتصاديا حتي صارت جاذبة للأيدي العاملة الأجنبية، وفي مقدمتهم المصريون، فهاجروا منذ سنوات، وانخرطوا في دوامة العمل، وهم يتقاضون أجورًا مجزية تعتبر من الموارد المالية التي تعتمد عليها الأسرة المصرية في محنتها، مما شجع أفواج العاطلين علي الهروب والتسلل إلي السواحل اليونانية في زوارق ورقية تغوص بهم في أعماق البحر، وبعضهم يتحايل علي دخول اليونان بعد عبور الأراضي السورية والتركية.
ومعظمهم يقع في قبضة الأمن فيتم القبض عليهم ومحاكمتهم وإعادتهم بصورة مهينة. وكان آخر هذه الحوادث القبض علي 200 شاب مصري أبحروا علي ظهر سفينة بضائع غرقت بهم أمام سواحل كريت. وتم إنقاذهم وإيواؤهم تمهيدًا لمحاكمتهم.
** لقد انعكست الآية..
فقبل ستين عامًا فقط، كان اليونانيون يهاجرون إلي مصر فيجدون فيها فرص العمل. وكانت الجالية اليونانية من أكبر الجاليات الأجنبية. وأكثرها تداخلا في المجتمع المصري وذلك بحكم العشرة الطويلة، فالوجود اليوناني قديم قدم الإسكندرية التي بناها الإسكندر المقدوني قبل ثلاثة آلاف سنة. ومن يومها لم ينقطع تدفق اليونانيين علي مصر، وانتشروا في المدن والريف.. كان يندر أن تخلو مدينة من محل بقالة أو مقهي نظيف يملكه يوناني. وهم الذين ابتدعوا تجارة أوراق الياناصيب واستخراج الفلين من البحر، وعمل أثرياؤهم في صناعة الاقطان وحلجها وصناعة الزيوت والصابون. وتغلغلوا في الحياة الاجتماعية. ومنهم من دخل مجلس الأمة في العهد الثوري هو طناش جناكليس صاحب مزارع العنب الشهيرة.
** بعد هوجة التأميمات عاد (الأجريج) وهي التسمية الشعبية للاغريق إلي وطنهم الأم، ولكنهم لم يبكوا علي اللبن المسكوب، وإنما انطلقوا في إقامة المشروعات الاقتصادية الصغيرة، وتحولت الأسرة اليونانية إلي خلية نحل منتجة، وانخرطوا في مشروعات تدر عائدًا سريعًا أنعش الاقتصاد اليوناني، وأغني الأسرة عن الوقوف علي باب الحكومة في انتظار الوظيفة أو استجداء الدعم. واليوم نطلب من رجال الأعمال اليونانيين أن يستثمروا أموالهم في مصر، وأن يقيموا مشروعات تمتص الأيدي العاملة بدلا من هروبها إلي اليونان في مغامرات فاشلة (!!).
** إن درس اليونان يستحق أن ندرسه جيدًا حتي نشجع الأسرة المصرية علي إقامة المشروعات الصغيرة ذات العائد السريع، ونوفر عليها سؤال الحكومة (!!).

No comments: