Tuesday, December 11, 2007

حكاية اليابان مع مصر

منير عامر

يدهشك اليابانيون بمدي تأملهم لبطاقة التعريف "الكارت" المطبوع عليه اسمك حين تقدمه لهم. وتهجم عليك تساؤلات كثيرة، تبدأ من "ماذا يقرأون في حروف لم يتعلموا لغتها ؟ ، وتنتهي بتساؤل ساخر ضاحك "تري هل يقومون بقراءة تعاويذ تضمن لهم رضوخك لافكارهم ؟. واخيرا عرفت انهم يتصرفون هكذا كي يختبروا مشاعرهم تجاه درجة صدقك ومدي دقتك في الكلام معهم.فهم لايعولون كثيرا علي ذكاء الفرد، قدر ما يستخلصون من كلماتك مدي قدرتك علي التعاون مع غيرك من البشر المحيطين بك.
قال لي شيروناكاتا سكرتير اتحاد الاديان الياباني ذات مرة"انتم اكثر ذكاء، و اكثر خفة دم، ولكن ينقصكم دائما التعاون معا وخبرة العمل الجماعي، فانتم لاتحبون هذا النوع من العمل الجماعي". ورددت عليه بسؤال رغبة في الهرب من المأزق الذي وضعني فيه "ولكن لماذا تتبعون انتم كلمات الكبار في العمر منكم فوق كل اعتبار؟ اليس هذا هربا من التعاون معا، وتملص من خبرة العمل الجماعي؟" اجابني الرجل "لعلك لا تلحظ ان الكبير في العمر عندنا لايتكلم إلا اخيرا، بعد ان يكون قد استمع إلي كل من يبدون رأيهم، وهذا منطق قادة الحروب الذين يرغبون في صيانة حياة المقاتلين، ولما كانت اليابان فد وضعت حدا لفكرة المشاركة في اي حرب بعد سقوط القنابل الذرية علي هيروشيما وناجازاكي، لذلك انتقلت خبرة صيانة الحياة من ميادين القتال إلي الحياة اليومية، وكانت تلك هي اكبر مكاسب الهزيمة في الحرب، وهي ان يسمع الكبير في العمر والمقام من هم اصغر منه ويتصرف علي ضوء ما يقدمه الصغار من آراء، فآراء الصغار طازجة وجريئة، وان كانت تنقصها الخبرة، ومن المهم ان تمتزج الشجاعة والطزاجة والجراءة مع الخبرة، ولذلك تتقدم اليابان في الستين عاما التي تلت الحرب العالمية الثانية فوق خيال اي احد، فهم لايلقون بقديمهم من حالق، ولايحتقرون جديدهم بدعوي التمرد.
وكلما قرأت عن اليابان خبرا، فانا استعيد علي الفور رحلة التأمل في اي بطاقة تعريف يقدمها الشخص لأي ياباني، وعليه ان ينتبه وهو يري كيف يسمعه الياباني فهو يفتش في كلماته عن مدي قدرته علي التعاون مع غيره، وتلك بديهيات التقدم.
نسيت ان اذكر ان اليابان هي اول بلد في الكون انشأ اتحادا للأديان، ولا يناقشون في هذا الاتحاد الخلافات بين الاديان، ولكنهم يناقشون ماذا يمكن ان تقدم الاديان جميعها لخدمة اليابانيين كلهم، لان اليابان فوق الجميع.

No comments: