بقلم : يوسف القعيد
قابلت مو إبراهيم في منزل الدكتور أحمد العزبي. كان قد جاء مع صديقه شاعر العامية الكبير سيد حجاب.
وعندما استغربت إسم مو. قال لي سيد أن اسمه محمد. ولكنه ينطق في الغرب من باب التبسيط: مو. لفت نظري فيه أنه إنسان متفائل. يتكلم بأكبر قدر من التفاؤل وينظر للأمور في عالمنا العربي. وفي بلدي مصر. وفي بلده السودان. بنفس التفاؤل. والمتفائل الآن إما أنه يري ما لا نراه ويدرك ما لا ندركه.
أو أنه أغمض عينيه نهائياً عن آلام البشر. وقرر التعامل معها بطريقة رومانسية. أو أنه لا يسمع ولا يري ما يحل بالناس من حوله. وأنا لا أتهم مو بأي اتهام من الاتهامات السابقة. ولكني أتعامل مع التفاؤل بطريقتي الخاصة. كان عليّ سفر في فجر الغد. مع أنه لم يتركنا قبل الثانية فجراً.
قال إنه تشغله مؤسسته الخيرية. وتقوم فكرتها بكل بساطة علي منح أي رئيس أفريقي من دول جنوب الصحراء. يترك السلطة من تلقاء نفسه. وبدون أي ضغط من الضغوط ويكون منتخباً انتخاباً حراً لا شبهة فيه. خمسة ملايين دولار أمريكي. علاوة علي مبلغ 300 ألف دولار تصرف له كل سنة. سألته.
وما الهدف من وراء المشروع؟ قال لي لو عرفت إسم المؤسسة كله لأدركت الهدف. المؤسسة اسمها بالكامل: مؤسسة مو إبراهيم للحكم الرشيد. ومن رشد الحكم ألا يصبح الحكم أبدياً. فأبدية الحاكم في الحكم هي التي تفتح الباب للكثير من المفاسد والاستبداد والمظالم.
قال أيضاً أن كوفيعنان سيكون رئيس لجنة التحكيم. وأنه من باب البعاد عن الوطن العربي بكل ما فيه. فإن لندن هي المكان المختار لمؤسسته. ثم سافر مو إبراهيم. ولم يبق منه سوي ما يقوله لي عنه سيد حجاب - معرفتنا المشتركة - في لقاءاتنا التي تصنعها الصدفة. خلال هذه الفترة. وقبيل إعلان الجائزة قال لي المثقف علي أبو شادي. أمين عام المجلس الأعلي للثقافة. أراهنك أن الجائزة ستذهب لسوار الذهب.
الرئيس السوداني. وعندما سألته عن السبب. قال لي جملة من الأسباب. أولها أن مو سوداني. قلت له أعرف ذلك. وأنه من الطبيعي أن ينتصر لسودانيته. ثم أن سوار الذهب ترك الحكم في السودان بناء علي رغبته الشخصية. وأنه لم يتعرض لأي ضغوط. حتي يترك الحكم.
إلي أن قابلت مو إبراهيم - بالصدفة أيضاً - في برقاش. في عزبة الأستاذ هيكل. خلال الاحتفال الذي أقامة لوداع سفير بريطانيا في مصر. بعد انتهاء فترة عمله المصرية. بناء علي رغبته الشخصية.
كان مو قد جاء إلي مصر لتسليم الجائزة الأولي عرفته علي عبد الرحمن الأبنودي. وقال لي أنه يدعوني للمشاركة بحضور الاحتفال بتسليم الجائزة. قلت له متأثراً بالحوار الذي دار مع علي أبو شادي قبل فترة. وحصل عليها سوار الذهب؟! وقبل أن أجيب عاجلته بالملاحظة التي قد تربكه كثيراً عندما قلت له أنه لم ينس سودانيته وانتصر لسوار الذهب.
قال لي: وهل جاء سوار الذهب للحكم عبر انتخابات حرة؟ ثم أكمل. لقد تسرعت في الحكم. مثل كل المثقفين العرب. والجائزة ذهبت للرئيس الموزمبيقي شيسانو الذي رفض الترشيح لولاية ثالثة رغم أن دستور بلاده يتيح له ذلك.
وقد جاء للحكم منتخباً. انتخاباً حراً فيه أقدر قدر من الشفافية. فضلاً عن الإصلاحات الديمقراطية التي قام بها في بلاده. لقد تسلم بلداً مزقتها الحروب الأهلية. والصراعات.
وترك بلداً مستقراً. وهذا يؤكد أركان الديمقراطية الرشيدة في موزمبيق وفي القارة كلها. سألته عن لجنة التحكيم التي قررت هذا. مجموعة ممن لديهم خبرات ومعرفة بأفريقيا. كوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة.
ومارتي أهتيساري رئيس فنلندا السابق. وإيشاباه ديالو وزير تربية غينيا السابق. ونجوزي أوكونجو أوبالا وزير خارجية ومالية نيجيرا السابق. وميري روبنسون رئيسة أيرلندا السابقة.
وسليم سليم رئيس وزراء تنزانيا السابق. والأمين العام السابق لمنظمة الوحدة الأفريقية. والأخير هذا نعرفه بإسم أحمد سالم. بعد قليل عرفت أن الملايين الخمسة ستصرف للرئيس الفائز علي مدي عشر سنوات وأن المعاش السنوي سيكون 200 ألف دولار وليس 300.
لم تمكنني ظروفي الخاصة من الذهاب إلي الإسكندرية لحضور احتفال تسليم الجائزة والحفل الذي أقيم بعد ذلك. وقد جري هذا في مكتبة الإسكندرية. حيث حرص الطرفان مو والمكتبة.
علي القول أن المكتبة مجرد مكان لتسليم الجوائز والحفل. ولا علاقة لها بمحتوي الحكاية. عرفت بعد حكاية جائزة مو إبراهيم. صدرت تعليمات لمؤسسات الدولة بعدم توجيه دعوات لرؤساء سابقين لزيارة مصر. ما لم يتم الرجوع للجهات السيادية العليا قبل ذلك.
أخطر ما في قضية الجائزة ما قاله رئيس موزمبيق السابق. جواكيم شيسانو حيث أعلن في الإسكندرية. أنه سيقوم بتسديد ديونه من المبلغ الذي سيحصل عليه. وبعد تسديد الديون لا يعرف كيف سيتصرف.
في الباقي. ربما يسأل بعض أصدقائه من المصرفيين ورجال المال عن طريقة الاستثمار. مما يدر عليه عائداً هو في أمس الحاجة إليه. هذا الكلام لابد وأن يلحقه عدد هائل ومهول من علامات الاستفهام.
وحيث أننا لا نعرف في هذا الجزء من العالم رئيساً سابقاً أو أسبق. أيضاً نحن لم نعرف أبداً الرئيس المديون. الذي يسدد ديونه بعد تركه الحكم. ولولا صدفة هذه الجائزة ما تمكن من تسديد هذه الديون.
Tuesday, December 11, 2007
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment