Friday, December 21, 2007

ببساطة

بقلم : ســيد عـلــي‏
*‏ كلما زادت الأصفار علي يمين بعض القيادات تزداد قيمتهم‏,‏ لأن الأصفار أمام الواحد تضاعف قيمته‏.

*‏ أسقط موظفو الضرائب العقارية للأبد فلسفة اللامركزية‏.

*‏ لم نسمع يوما عن ناشط إسرائيلي ذهب يشكو إدارته للبيت الأبيض وعاد لكي تحتفي به المعارضة‏.‏

*‏ النظام الرشيد هو الذي يناقش الحلول الجماعية‏,‏ ولا ينشط في الحلول الفردية لأنها رشوة رسمية ورخصة بالتظاهر‏.‏

*‏ لم يعد أمام الفقراء سوي بيع لحمهم لحين ميسرة‏.‏

*‏ في كل دول العالم الحزب الذي لاينجح له عضو في الانتخابات يحل نفسه أو يتم الغاؤه‏,‏ ولو تم تطبيق هذه القاعدة في مصر ستعود مرة أخري صيغة الاتحاد الاشتراكي‏.‏‏

Saturday, December 15, 2007

عجبى


حبيبتى يا مدينه *متزوقه وحزينه *فى كل حاره حسره *وف كل قصر زينه *ممنوع من انى اصبح *بعشقك او ابات *ممنوع من المناقشه *ممنوع من السكات *وكل يوم فى حبك *تزيد الممنوعات .وعجبى

www.democraticfront.org

Tuesday, December 11, 2007

صورة للشعب التعبان تحت الراية المكسورة!

جمال فهمي

د أجزم أن 99 في المائة علي الأقل من المصريين لم يكونوا يعرفون، قبل أسبوع واحد، أن في القاهرة شارع اسمه حسين حجازي، كما أن النسبة نفسها (أو أكثر) منهم لم يسمعوا أبداً، حتي أسابيع خلت، عن قضية موظفي الضرائب العقارية ومطالبهم ومعاناتهم. بل ربما عزيزي القارئ لو ذهبت معي في الصراحة إلي أبعد من ذلك فسوف تشاركني اليقين أن أغلبية كبيرة من سكان هذا البلد كانت تجهل أصلاً أن هناك شيئاً يسمي "الضرائب العقارية" إما لأنهم غير معنيون بالموضوع باعتبارهم ليسوا من ملاك العقارات ولا غيرها، أو لأن الاسم الشائع لهذه الضريبة هو "العوائد" وليس الضرائب.
لكنك تقرأ الآن هذه السطور بينما شارع حسين حجازي صار يسبح في شهرة شارع الشانزليزيه الباريسي بعدما افترش رصيفه بضعة آلاف من موظفي الضرائب العقارية احتجاجاً علي تجاهل الحكومة (منذ عقود طويلة) مطالبهم العادلة التي إذا تحققت كلها فلن تتلون حياتهم باللون البمبي وإنما قد يبتعدون قليلاً عن حافة الموت جوعاً وسيبقون يصارعون مع غالبية الشعب المصري صعوبة الحياة وقسوتها تحت وطأة البؤس والفقر والعدم.
إذن.. نجح مواطنون (رجال ونساء وأطفال) منسيون اعتصموا بالعراء وصمدوا أمام البرد والزمهرير في شارع منسي أن يدخلوا بقضيتهم دائرة الضوء والاهتمام الإعلامي الذي لا يقترب عادة من أمثالهم إلا في مناسبات أو مهرجانات الموت والإبادة الجماعية من نوع مقتلة "العبَّارة" أو محرقة "قطار الصعيد" وخلافه. وأعترف بأنني أكتب في الموضوع بعدما شبع تعليقات تناولت كل أبعاده وتفاصيله ودلالاتها ابتداء مما يشي به هذا التحرك الغاضب من مواطنين فاض بهم الكيل والمعاناة لدرجة دفعتهم للتصرف عكس طبيعتهم المستكينة المستنيمة التي تخاصم التمرد، وانتهاء بالاجتهاد في رصد دلالات انفجار غضب هذا النوع من المواطنين وما يحمله من إشارة قوية علي أن ثمة نذر تتجمع في الأفق وتبشر بنهاية سوداء لسياسات اقتصادية واجتماعية جاهلة وفاسدة ورعناء طالت بنتائجها الكارثية أغلب طبقات وفئات المجتمع ووضعته علي شفير بركان مدمر.
غير أنني التقطت من لوحة وقائع إضراب واعتصام موظفو الضرائب العقارية واقعة إصرار الحكومة علي استخدام جحافل الأمن والمباحث لزحزحة المحتجين وإبعادهم من شارع مجلس الشعب حيث يتجاور مقر الحكومة ومقر مجلسها الذي ينسب نفسه للشعب زوراً وبهتاناً، ودفعهم بالقوة إلي شارع حسين حجازي الذي يبعد أمتاراً قليلة عن المقرين لكنها كافية لئلا تقع عيون الحكومة الكحيلة علي هؤلاء المواطنون الفقراء.
أعرف أن هناك تفسيرات جاهزة ومشهورة لهذا الإصرار الحكومي علي منع تواجد المصريين عموماً وأغلبيتهم الفقيرة بالذات في مرمي بصر أهل الحكم، ومنها الحفاظ علي صورة البلد كما ترسمها تصريحات كبار المسئولين، أي مجتمع ينعم بالاستقرار والاستمرار (أكثر من 62 عاماً حتي الآن) ويرفل سكانه في نعيم الرخاء والنماء والهناء، فضلاً عن حكمة الرئيس حسني مبارك التي صارت هدفاً لحقد وحسد الحاسدين في أركان الدنيا الأربعة. لكن هذا التفسير وغيره من التعليلات الكسلانة التي تستسهل "التحسيس" علي ظاهر الوقائع والحوادث دون تجشم مشقة الغوص في عمقها لم تعد قادرة علي إقناعي، لذلك اجتهدت في التنقيب عن سر استماتة الحكومة ومباحثها في إبعاد المواطنين المعتصمين من شارع مجلس الشعب إلي شارع حسين حجازي بحيث تحجب المباني الفاصلة بين الشارعين المتوازيين تماماً منظرهم الذي يصعب علي الكافر عن عيون الداخلين والخارجين من وإلي مقر الحكومة ومجلسها الموقر.
وبعد تفكير وتمحيص اكتشفت أن السر كله يرقد في شعار "ضرورة مراعاة" البعد الاجتماعي الذي لطالما استخففنا به وتندرنا واتريقنا علي المسئولين الكبار قوي وهم يلوكونه في أفواههم كاللبانة. ولأن هؤلاء المسئولون القاعدون حالياً علي قمة هرم الحكم في البلاد أصبحوا (بحكم المنشأ والأصل) نوعين وليس نوعاً واحداً كما أيام زمان، فإن لكل منهم مفهومه الخاص لحكاية البعد الاجتماعي وتطبيقاتها، فرغم أن كليهما يفهم هذا "البعد" علي أنه عكس "القرب"، أي "إبعاد" للشعب عن المنطقة كلما كان ذلك ممكناً، إلا أن دوافع الفريقين للحرص علي هذا الإبعاد مختلفة، فبينما يري فريق الديناصورات القديمة أن إبعاد الشعب عن خلقتهم أمر ضروري لاعتبارات صحية بحتة علي أساس أن وجوده أمامهم يذكرهم بجريمتهم، فإن فريق أطفال الأنابيب من المليونيرات والمليارديرات زملاء وأصدقاء وتوابع الأستاذ جمال مبارك يعتبرون حضور الشعب في المشهد أمر يتناقض مع "الفكر الجديد" ويؤثر سلباً علي السياحة والاستثمار الأجنبي، والأخطر أن ظهور أي واحد من سكان البلد الأصليين يشوش علي الصورة الذهنية البلاستيكية للمصريين التي تظهر واضحة في ملصقات دعاية الحزب الحاكم ويبدو فيها العامل والفلاح والطالب والموظف والمرأة (بنوعيها المحجب والسافر) جميعهم مواطنون صالحون مستوردون للتو من ألمانيا، لهذا تجد- سيادتك- أمارات السعادة تمرح وتسبح دائماً علي وجوههم بدون مناسبة!

الشفقة

أشفقت علي مالية السلطان قابوس الذي لم يتحصل حتي تاريخه إلا علي 500 مليون دولار هو مجموع ما يملكه من حطام الدنيا، وهو مبلغ أعرف أن الكثير من أصدقائي ( الغلابة) قد تجاوزوه منذ فترة طويلة،، والرجل يحكم سلطنة عمان منذ مدة لم أعد اذكر من طولها متي بدأت ولا يبدو أن لها نهاية، مثله مثل بقية حكام العرب، تعرف متي تبدأ مدة حكمهم ولكنك لا يمكن أن تعرف نهايتها لأنه لا يعلم موعد الموت غير الله سبحانه وتعالي، ومع ذلك بقي السلطان في ذيل قائمة فقراء حكام العرب الذين نشرت مجلة فوربس ثروات بعضهم في الجردة الأخيرة لثروات مشاهير العالم والتي أعلنت مؤخراً.
ولفت نظري أن الحكومة السعودية حظرت النسخة العربية لمجلة فوربس، بسبب مقال اقتطع من قائمة فوربس واقتصر علي الحديث عن ثروة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز و 6حكام عرب آخرين بلغ مجموع ثرواتهم حسب قائمة فوربس 60 مليار دولار ، ضمت قائمة الحكام العرب الأغني كلا من الشيخ خليفة بن زايد رئيس الإمارات والذي قدرت ثروته 21 مليار دولار، بالإضافة إلي العاهل السعودي الذي بلغت ثروته 19 مليار دولار، وكذلك الشيخ محمد بن راشد حاكم دبي الذي بلغت ثروته 16 مليار دولار، وفي ذيل القائمة جاء العاهل المغربي الملك محمد السادس الذي لم تتعد ثروته ملياري دولار باعتبار أنه مستجد في الحكم، وذكرت المجلة أن ثروة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة وقفت عند مليار دولار، وجاء في أسفل ذيل القائمة كلا من الشيخ صباح جابر الأحمد الصباح أمير الكويت والسلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان اللذين لم تتعد ثروة كل منهما حاجز الخمسمائة مليون دولار.
وطبعا لست في وارد حفلة نق وحسد علي أصحاب المليارات من الحكام العرب، خاصة وأن هناك مواطنين عرب تبلغ ثرواتهم أرقاما أكبر من تلك التي يمتلكها الكثير من الحكام العرب، بل لعلني أجد نفسي مدفوعاً بالشفقة علي إخواننا من الحكام الذين لم تبلغ ثروة أحدهم أكثر من مليار دولار، وربما يغفر لي إخواني من المواطنين إذا تبنيت دعوة الشعوب العربية لعمل حملة تبرعات سخية لجمع الدولارات التي تكفي لكي يتساوي الحكام العرب في الثروة، فلا يصح أن يكون هناك حاكم يملك أكثر من عشرين مليار دولار في الوقت الذي لا يجد حاكم آخر زميل له في القمة العربية ويحضر إلي جانبه في المؤتمرات العربية ولم تبلغ ثروته إلا 500 مليون دولار فقط، ولا يجوز أن يكون هناك مواطن عربي يملك ثروة أكبر مما يملكه الحاكم، وهي سبة في وجه الحكام جميعا، بل هي تفرقة لا تجوز بين حكام العرب الذين يجب أن يتضامنوا من أجل ألا يكون هناك حاكم بمثل هذا الفقر المدقع،.!!
وأرجوك لا تحاول أن تغرق في التفكير في هذه الأرقام الكبيرة التي يملكها بعض حكامنا العرب، ولا تشغل بالك بتحويل قيمتها إلي العملة المحلية لأنك يمكن أن تدوخ وتقع من طولك، لو حسبت أن احدهم يملك ما يوازي 150 مليار جنيه مصري علي سبيل المثال.!! وأرجوك لا تحاول أن تجمع ثروات الملوك والأمراء والرؤساء الست المذكورين والتي تبلغ أكثر من ستين مليار دولار لأنك ستجدها تساوي ميزانيات كلا من مصر والمغرب وتونس والأردن علي البيعة، كما أرجوك ألا تحاول أن تجمع ثروة حاكمين من أصحاب المليارات الكثيرة لأنك ستجدها تساوي ميزانية بلد مثل مصر، ومعني هذا أنك ستكتشف أن ثروة شخصين تساوي ميزانية بلد يقترب عدد مواطنيه من ثمانين مليون نسمة.!!!!
ولا أنصحك بأن تفكر فيما إذا كان حكام العرب من أصحاب المليارات يخرجون زكاة أموالهم ويضعونها في مصارفها الشرعية لأنهم لو كانوا يفعلون لأفاضوا علي شعوبهم خيراً كثيراً، وأرجوك حاول أن تنسي هذا الفقر المنتشر في عالم العرب وفي العالم الإسلامي، ولا تحاول أن تتذكر الجوعي في الصومال ولا المحاصرين في فلسطين، ولا المشردين في ربوع العالم من المسلمين، واعلم أن عين ابن آدم لا يملؤها غير التراب، وغداً يملأ التراب أعينهم جميعاً، ولا تنس أن الأرقام المذكورة تناولت فقط ستة من حكام العرب، وما خفي كان أعظم.!!

نصدَّق مين؟

نورالهدي زكي

الرئيس مبارك في لشبونة يقول: إنه لا أساس لكل ما تردد حول إلغاء الدعم أو التخلي عنه، وأنه لا زيادة في أسعار الخبز أو الطاقة، وأن الدعم مستمر لأن الفقراء يستفيدون منه، هذا كلام الرئيس الذي قاله لطاقم رؤساء تحرير الصحف الحكومية الذين رافقوه في رحلته إلي اليونان التي لا يعرف أحد في مصر لماذا ذهب إليها حتي الآن؟ أما كلام رئيس الوزراء فهو شيء آخر.. يقول نظيف: "إن دعم سلعة كالبنزين لا يخدم سوي 5% من الأسر المصرية" وطبعاً المعني مفهوم وهو أن نسبة الـ5% هذه نسبة ضئيلة للغاية ويمكن معها إلغاء الدعم عن البنزين.
ويكمل نظيف: "إن أزمة الثقة بين الشعب والحكومة سببها أن الشعب لديه طموحات زائدة وتاريخياً توجد أزمة ثقة بين الشعوب والحكومات" وإلي هنا وأنا شخصياً أعترف بعبقرية وحكمة واستنارة عقل رئيس الوزراء فتاريخياً توجد طبعاً أزمة ثقة بين الشعوب والحكومات خاصة الحكومات التي تكذب طوال الوقت والشعوب التي لا تريد إلا الستر وأن تمشي بجوار الحيط، أما حكاية أن الشعب لديه طموحات زائدة فهذه العبارة هي بالذات عين عقل السيد نظيف، طبعاً نحن شعب لديه طموحات في أن يأكل رغيفاً بخمسة قروش ويركب مترو الأنفاق أو الميكروباص أو التاكسي ويذهب أبناؤه إلي المدارس، ويشعلوا الدفاية شعلة واحدة في الشتاء ومروحة اشتروها بالتقسيط في الصيف، كل هذه طموحات زائدة وكان علي الشعب أن يحمد ربنا ويبوس إيد نظيف وش وضهر علي انه تركه يعيش في هذه (الهلمة).
المهم الرئيس قال: لا أساس ولا مساس، ونظيف قال فيه أساس وفيه مساس! السؤال: نصدق من؟ الرئيس أضاف: ان الهدف من إثارة قضية الدعم هو إقامة حوار عام وشعبي للبحث في أفضل السبل لوصول الدعم إلي مستحقيه الحقيقيين، وأن جملة الإنفاق علي الدعم المباشر وغير المباشر تقترب من 001 مليار، وأنه لا تغيير في النظام الحالي إلا بعد أن يقول الناس رأيهم.. الحكاية شكلها (لخبط)، ولكن يبدو أن الكلام واحد.. فإذا كان الدعم لا يصل إلي مستحقيه فلا مانع أن نصبر عاماً أو أكثر، الناس تتحاور فيه والصحافة تكتب، وإذا كان جملة الإنفاق 001 مليار فلا مانع أن تستقطع 99 ملياراً منها خصوصاً مع وجود يوسف بطرس،
وإذا كان الهدف هو إقامة حوار عام وشعبي مع أن الناس لا تثق في الحكومة وأن طموحاتهم زائدة، تبقي النتيجة واحدة أن الشعب يتكلم شوية والدعم مع السلامة شوية بشوية.

حكاية اليابان مع مصر

منير عامر

يدهشك اليابانيون بمدي تأملهم لبطاقة التعريف "الكارت" المطبوع عليه اسمك حين تقدمه لهم. وتهجم عليك تساؤلات كثيرة، تبدأ من "ماذا يقرأون في حروف لم يتعلموا لغتها ؟ ، وتنتهي بتساؤل ساخر ضاحك "تري هل يقومون بقراءة تعاويذ تضمن لهم رضوخك لافكارهم ؟. واخيرا عرفت انهم يتصرفون هكذا كي يختبروا مشاعرهم تجاه درجة صدقك ومدي دقتك في الكلام معهم.فهم لايعولون كثيرا علي ذكاء الفرد، قدر ما يستخلصون من كلماتك مدي قدرتك علي التعاون مع غيرك من البشر المحيطين بك.
قال لي شيروناكاتا سكرتير اتحاد الاديان الياباني ذات مرة"انتم اكثر ذكاء، و اكثر خفة دم، ولكن ينقصكم دائما التعاون معا وخبرة العمل الجماعي، فانتم لاتحبون هذا النوع من العمل الجماعي". ورددت عليه بسؤال رغبة في الهرب من المأزق الذي وضعني فيه "ولكن لماذا تتبعون انتم كلمات الكبار في العمر منكم فوق كل اعتبار؟ اليس هذا هربا من التعاون معا، وتملص من خبرة العمل الجماعي؟" اجابني الرجل "لعلك لا تلحظ ان الكبير في العمر عندنا لايتكلم إلا اخيرا، بعد ان يكون قد استمع إلي كل من يبدون رأيهم، وهذا منطق قادة الحروب الذين يرغبون في صيانة حياة المقاتلين، ولما كانت اليابان فد وضعت حدا لفكرة المشاركة في اي حرب بعد سقوط القنابل الذرية علي هيروشيما وناجازاكي، لذلك انتقلت خبرة صيانة الحياة من ميادين القتال إلي الحياة اليومية، وكانت تلك هي اكبر مكاسب الهزيمة في الحرب، وهي ان يسمع الكبير في العمر والمقام من هم اصغر منه ويتصرف علي ضوء ما يقدمه الصغار من آراء، فآراء الصغار طازجة وجريئة، وان كانت تنقصها الخبرة، ومن المهم ان تمتزج الشجاعة والطزاجة والجراءة مع الخبرة، ولذلك تتقدم اليابان في الستين عاما التي تلت الحرب العالمية الثانية فوق خيال اي احد، فهم لايلقون بقديمهم من حالق، ولايحتقرون جديدهم بدعوي التمرد.
وكلما قرأت عن اليابان خبرا، فانا استعيد علي الفور رحلة التأمل في اي بطاقة تعريف يقدمها الشخص لأي ياباني، وعليه ان ينتبه وهو يري كيف يسمعه الياباني فهو يفتش في كلماته عن مدي قدرته علي التعاون مع غيره، وتلك بديهيات التقدم.
نسيت ان اذكر ان اليابان هي اول بلد في الكون انشأ اتحادا للأديان، ولا يناقشون في هذا الاتحاد الخلافات بين الاديان، ولكنهم يناقشون ماذا يمكن ان تقدم الاديان جميعها لخدمة اليابانيين كلهم، لان اليابان فوق الجميع.

ديون رئيس جمهورية؟!

بقلم : يوسف القعيد

قابلت مو إبراهيم في منزل الدكتور أحمد العزبي. كان قد جاء مع صديقه شاعر العامية الكبير سيد حجاب.
وعندما استغربت إسم مو. قال لي سيد أن اسمه محمد. ولكنه ينطق في الغرب من باب التبسيط: مو. لفت نظري فيه أنه إنسان متفائل. يتكلم بأكبر قدر من التفاؤل وينظر للأمور في عالمنا العربي. وفي بلدي مصر. وفي بلده السودان. بنفس التفاؤل. والمتفائل الآن إما أنه يري ما لا نراه ويدرك ما لا ندركه.
أو أنه أغمض عينيه نهائياً عن آلام البشر. وقرر التعامل معها بطريقة رومانسية. أو أنه لا يسمع ولا يري ما يحل بالناس من حوله. وأنا لا أتهم مو بأي اتهام من الاتهامات السابقة. ولكني أتعامل مع التفاؤل بطريقتي الخاصة. كان عليّ سفر في فجر الغد. مع أنه لم يتركنا قبل الثانية فجراً.
قال إنه تشغله مؤسسته الخيرية. وتقوم فكرتها بكل بساطة علي منح أي رئيس أفريقي من دول جنوب الصحراء. يترك السلطة من تلقاء نفسه. وبدون أي ضغط من الضغوط ويكون منتخباً انتخاباً حراً لا شبهة فيه. خمسة ملايين دولار أمريكي. علاوة علي مبلغ 300 ألف دولار تصرف له كل سنة. سألته.
وما الهدف من وراء المشروع؟ قال لي لو عرفت إسم المؤسسة كله لأدركت الهدف. المؤسسة اسمها بالكامل: مؤسسة مو إبراهيم للحكم الرشيد. ومن رشد الحكم ألا يصبح الحكم أبدياً. فأبدية الحاكم في الحكم هي التي تفتح الباب للكثير من المفاسد والاستبداد والمظالم.
قال أيضاً أن كوفيعنان سيكون رئيس لجنة التحكيم. وأنه من باب البعاد عن الوطن العربي بكل ما فيه. فإن لندن هي المكان المختار لمؤسسته. ثم سافر مو إبراهيم. ولم يبق منه سوي ما يقوله لي عنه سيد حجاب - معرفتنا المشتركة - في لقاءاتنا التي تصنعها الصدفة. خلال هذه الفترة. وقبيل إعلان الجائزة قال لي المثقف علي أبو شادي. أمين عام المجلس الأعلي للثقافة. أراهنك أن الجائزة ستذهب لسوار الذهب.
الرئيس السوداني. وعندما سألته عن السبب. قال لي جملة من الأسباب. أولها أن مو سوداني. قلت له أعرف ذلك. وأنه من الطبيعي أن ينتصر لسودانيته. ثم أن سوار الذهب ترك الحكم في السودان بناء علي رغبته الشخصية. وأنه لم يتعرض لأي ضغوط. حتي يترك الحكم.
إلي أن قابلت مو إبراهيم - بالصدفة أيضاً - في برقاش. في عزبة الأستاذ هيكل. خلال الاحتفال الذي أقامة لوداع سفير بريطانيا في مصر. بعد انتهاء فترة عمله المصرية. بناء علي رغبته الشخصية.
كان مو قد جاء إلي مصر لتسليم الجائزة الأولي عرفته علي عبد الرحمن الأبنودي. وقال لي أنه يدعوني للمشاركة بحضور الاحتفال بتسليم الجائزة. قلت له متأثراً بالحوار الذي دار مع علي أبو شادي قبل فترة. وحصل عليها سوار الذهب؟! وقبل أن أجيب عاجلته بالملاحظة التي قد تربكه كثيراً عندما قلت له أنه لم ينس سودانيته وانتصر لسوار الذهب.
قال لي: وهل جاء سوار الذهب للحكم عبر انتخابات حرة؟ ثم أكمل. لقد تسرعت في الحكم. مثل كل المثقفين العرب. والجائزة ذهبت للرئيس الموزمبيقي شيسانو الذي رفض الترشيح لولاية ثالثة رغم أن دستور بلاده يتيح له ذلك.
وقد جاء للحكم منتخباً. انتخاباً حراً فيه أقدر قدر من الشفافية. فضلاً عن الإصلاحات الديمقراطية التي قام بها في بلاده. لقد تسلم بلداً مزقتها الحروب الأهلية. والصراعات.
وترك بلداً مستقراً. وهذا يؤكد أركان الديمقراطية الرشيدة في موزمبيق وفي القارة كلها
. سألته عن لجنة التحكيم التي قررت هذا. مجموعة ممن لديهم خبرات ومعرفة بأفريقيا. كوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة.
ومارتي أهتيساري رئيس فنلندا السابق. وإيشاباه ديالو وزير تربية غينيا السابق. ونجوزي أوكونجو أوبالا وزير خارجية ومالية نيجيرا السابق. وميري روبنسون رئيسة أيرلندا السابقة.
وسليم سليم رئيس وزراء تنزانيا السابق. والأمين العام السابق لمنظمة الوحدة الأفريقية. والأخير هذا نعرفه بإسم أحمد سالم. بعد قليل عرفت أن الملايين الخمسة ستصرف للرئيس الفائز علي مدي عشر سنوات وأن المعاش السنوي سيكون 200 ألف دولار وليس 300.
لم تمكنني ظروفي الخاصة من الذهاب إلي الإسكندرية لحضور احتفال تسليم الجائزة والحفل الذي أقيم بعد ذلك. وقد جري هذا في مكتبة الإسكندرية. حيث حرص الطرفان مو والمكتبة.
علي القول أن المكتبة مجرد مكان لتسليم الجوائز والحفل. ولا علاقة لها بمحتوي الحكاية. عرفت بعد حكاية جائزة مو إبراهيم. صدرت تعليمات لمؤسسات الدولة بعدم توجيه دعوات لرؤساء سابقين لزيارة مصر. ما لم يتم الرجوع للجهات السيادية العليا قبل ذلك.
أخطر ما في قضية الجائزة ما قاله رئيس موزمبيق السابق. جواكيم شيسانو حيث أعلن في الإسكندرية. أنه سيقوم بتسديد ديونه من المبلغ الذي سيحصل عليه. وبعد تسديد الديون لا يعرف كيف سيتصرف.
في الباقي. ربما يسأل بعض أصدقائه من المصرفيين ورجال المال عن طريقة الاستثمار. مما يدر عليه عائداً هو في أمس الحاجة إليه. هذا الكلام لابد وأن يلحقه عدد هائل ومهول من علامات الاستفهام.
وحيث أننا لا نعرف في هذا الجزء من العالم رئيساً سابقاً أو أسبق. أيضاً نحن لم نعرف أبداً الرئيس المديون. الذي يسدد ديونه بعد تركه الحكم. ولولا صدفة هذه الجائزة ما تمكن من تسديد هذه الديون.

ملوك الطلصأة

بقلم جمال الشاعر
يا سيادة الوزير.. خدعوك فقالوا كل شيء تمام.. كل شيء علي ما يرام.. والحقيقة غير ذلك.. عشرات الملايين، التي أنفقت علي ترميم القاهرة الفاطمية ضاعت في دهانات وترميمات من علي الوش وفي الداخل كوارث محققة.. المياه الجوفية أكلت الأساسات..
والحجارة باشت يا سيدي.. كله من فوق الوش، كما تفعل الزوجة الكسولة في تنظيف المنزل علي عجل، خوفًا من زوجها الذي تسمع وقع أقدامه علي درجات السلم.. تكنس البيت في كروتة شديدة وتضع الكناسة تحت أقرب سجادة وبعدين يحلها الحلال..
نفس المنطق في منطقة القاهرة الفاطمية وشارع المعز ومجموعة السلطان قلاوون وبيت القاضي والسلطان برقوق وخلافه.. لوحة جميلة من الخارج وترميمات خارجية للشروخ ولكن ما خفي كان أعظم.. أنا رأيت بعيني أحد المهندسين يجس حجارة أساس أحد البيوت الأثرية بذراع نظارته الطبية..
مرة أخري بذراع نظارته الطبية.. فيحدث حفرة وتخرج كلكوعة صغيرة من الحجر الجيري يفركها بين أصابعه بسهولة جدًا.. هل ستصمد هذه الأبنية أمام الرطوبة والتصدعات؟!.. كم من الزمن يمكنها أن تقاوم الانهيار؟.. المهندس الخبير قال لي لو صمدت عشرين سنة تبقي معجزة.. هل هذا كلام؟!..
ميزانيات تتجاوز المائتي مليون جنيه تعجز عن حل هذه المشكلة.. لو قام السيد فاروق حسني بزيارة مفاجئة مع مجموعة خبراء في الهندسة المعمارية والإنشائية وقاموا بعمل مجسات للأساسات واختبارات لقدرة ومتانة حجارة هذه القواعد لاكتشف المصيبة.. بل إنه لا يحتاج إلي جيش من المهندسين.. المسألة واضحة للعيان بمجرد النظر.. الرطوبة والرشح وصلا إلي ارتفاعات الأبنية الأثرية.. وزارة الثقافة استعانت بشركة إيطالية لإنارة شارع المعز والأبنية من الخارج والإضاءة في الأرضية بجوار الأرصفة.. ولا توجد أعمدة ولا لمبات تعلق خارج المحال والدكاكين والبيوت القديمة..
رائع.. ولكن هذه الإضاءة سوف تساهم في تحلية المواقع الأثرية وإضافة حالة من الغموض عليها.. إضاءة خافتة غير مباشرة وبالتالي ستظل الشروخ تتزايد والرشح يتصاعد للأعلي دون أن ننتبه.. إن مشروع تحويل القاهرة الفاطمية إلي متحف مفتوح، مشروع رائع يستحق منا جميعًا أن نتحقق من مواصفات الجودة في إعادة الأحياء والتجميل وقبل كل شيء.. أساسات وأعمدة المباني والهياكل والكتل الحجرية ومخاطر المياه الجوفية.. الكارثة الكبري أن يتحول الأمر إلي عمليات تجميل خارجية وديكورات والأساس «مخوخ»..
عندنا عاهة مصرية اسمها «الطلصأة» اذهب إلي ميكانيكي سيقول لك «العربية» سوف تفتح بطنها.. نصيحتي تلم الموضوع وتقضي بها المشوار.. وبعدين يحلها الحلال.. ثقافة المسكنات والزواق الخارجي لا تصلح مع المشروعات القومية الطموح.. الثروة الأثرية والتاريخية في القاهرة الفاطمية مهددة بالفناء والانهيار..
أدخل إلي المنطقة من أي ناحية.. من الأزهر أو باب زويلة أو بوابة المتولي أو من الناحية الأخري.. من باب النصر أو باب الفتوح وتأمل الوكالات والتكايا والأسبلة المهجورة والمدفونة بين العشوائيات.. الجوامع الأثرية تحف معمارية مخربة إلا قليلا..
ولا يعقل أن ننتظر إمدادات مالية من الطرق الصوفية والإسماعيلية لتجديد هذه المساجد وتبليطها بالرخام، ثم إعلانها محمية دينية مثل جامع الحاكم بأمر الله، الذي أصبح في يد جماعة البهرة الهنود.. إنني أدعو وزارة الثقافة لتشكيل مجلس أمناء لمشروع القاهرة الفاطمية يضم نخبة من الأثريين والمعماريين والمهندسين والمفكرين ورجال الاقتصاد والأعمال والعلماء،
لوضع تصورات مستقبلية طموح لهذه المنطقة ويساهم في توفير الموارد المالية ومراقبة عمليات التنفيذ.. إن السكوت علي ظاهرة «الطلصأة» في منطقة الجمالية جريمة بكل المقاييس.. ولن أزيد.

وسائل النقل الجماعي لا السيارة

بقلم خالد عزب

منذ سنوات ووسائل الإعلام تكرس لدي المصريين أفضلية من يقود السيارة، حتي صار يدعي لدي الآخرين الباشا، صار حلم امتلاك السيارة يداعب خيال الجميع، لكن لم يدرك أحد أن السيارة لها سلبياتها، سواء البيئية أو الاقتصادية، أو حتي علي ازدحام المدن.
كم يبلغ قيمة ما تستورده مصر سنوياً من سيارات وقطع غيارها، لاشك أن هذه المبالغ تمثل كارثة علي الاقتصاد القومي، بل حتي علي التوازن بين مصر والعديد من الدول في مجال الاستيراد والتصدير، بل إن السيارة صارت رمزاً للأنانية لدي الكثيرين، وتسعي أسر كثيرة في مصر نحو امتلاك سيارة، نتيجة لكونها أداة النقل الوحيدة المتيسرة، والتي تتيح لها الحركة داخل المدينة أو بين المدن المصرية بسهولة ويسر.
لذا فقد باتت هناك حاجة ملحة، نحو رسم استراتيجية وطنية مصرية للنقل الجماعي، الذي يعد صديقاً للبيئة، داعماً لسياسة توفير الوقود علي المستوي الوطني، الذي كثيراً ما دعت الدولة إلي رفع الدعم عنه، لذا فأول خطوة يجب اتباعها في هذا المجال تبدأ من القاهرة بسرعة إنجاز عدد ٨ خطوط مترو، أي خمسة، بالإضافة إلي الخطين الحاليين والثالث القادم، وإتاحة مسارات تكون فيها الأفضلية لوسائل النقل الجماعي.
في أكسفورد، تري أستاذاً جامعياً له مكانته يذهب إلي عمله بدراجة هوائية. في مصر استخدام الدراجة كوسيلة انتقال، يعد عيباً اجتماعياً، ولتبديد هذا العيب يجب إلغاء تخصيص سيارات لمدراء العموم في الدولة، وهو ما سيوفر آلاف، بل ملايين الجنيهات، كما أن مدينة كالإسكندرية لاتزال بها وسائل النقل العام، دون المستوي، فالترام يجب أن تتحول خطوطه إلي القطار المحمول فائق السرعة ذي القضبان الممغنطة، وهو سيتيح اتساعاً أكبر لشوارع المدينة،
كما يجب الإسراع في خط المترو من أبوقير إلي محطة مصر، بدلاً من القطار المتهالك، كما أن خطوط الأتوبيسات لا تغطي المدينة بصورة ملحوظة، بل لم تحدث إضافات تذكر لها منذ سنوات، بل إنك تعجب حين تكتشف أنه لا توجد خطوط من جميع أنحاء المدينة إلي المجمع النظري، ومكتبة الإسكندرية في الشاطبي، حيث من المفترض أن حركة مليون ونصف المليون راكب يومياً من هذه المنطقة، تتطلب أن تكون بداية ونهاية أتوبيسات النقل العام بصورة مكثفة.
إن الاتجاه نحو استخدام وسائل النقل العام في كل أنحاء العالم، أمر يؤذن بتقلص دور السيارة كوسيلة انتقال، خاصة لكلفتها، سواء علي ميزانية أي أسرة أو حتي علي الدخل القومي لأي بلد، ونحن لسنا أكثر ثراءً في مصر من بريطانيا أو فرنسا أو إيطاليا أو ماليزيا، التي اتجهت لسياسات تشجيع النقل العام علي حساب السيارات الخاصة، فمتي تكون هناك في مصر سياسة استراتيجية تحترم الإنسان، وتشجعه علي استخدام وسائل نقل عام آدمية.. مريحة.. سريعة.. آمنة متنوعة.. منضبطة.. أحلم بيوم لا أقود فيه سيارتي وأقرأ كتاباً وأنا في طريقي للعمل.

حلاوة شمسنا

بقلم د.درية شرف الدين

حلاوة شمسنا وهي تنتقل عبر كابلات تمر تحت سطح البحر المتوسط لتصل إلي معظم أنحاء القارة الأوروبية، أما كيف ستتولد تلك الطاقة الشمسية فالإجابة أنه سيتم بناء محطات عملاقة مزودة بمرايا ضخمة في المناطق الصحراوية المقابلة لشواطئ البحر المتوسط في مصر، وفي دول أفريقيا والشرق الأوسط تولد الطاقة الكهربائية التي يتم نقلها.. إلي أين؟ إلي دول أوروبا حيث تكفي سدس احتياجاتها من الطاقة. ومن سيقيم هذه المولدات؟ أوروبا بالطبع ومقدر لها أن تتكلف عشرة مليارات دولار أمريكي لعدد مائة مولد.
وأين نحن من هذه العملية؟ واضح أننا سنساهم فقط بالشمس، وهو مجهود يفوق الطاقة، وقد يحتاج الأمر إلي الحصول علي موافقتنا علي تأجير جزء من أراضينا أو بيعه، حيث إننا نفضل البيع حاليا، لإقامة المولدات ومد الكابلات حتي تنعم أوروبا بالدفء والحرارة والكهرباء وتستطيع تشغيل محطات تحلية المياه بكفاءة أكبر. ومن قرر ذلك؟ قررته دراسة علمية نشرتها صحيفة الأوبزرفر البريطانية، وأسندتها إلي الاتحاد الأوروبي الذي يبدو أنه درس وخطط وقرر وقدر التكلفة.
ولا غبار علي الذين يدرسون ويفكرون ويتطلعون إلي المستقبل حتي ولو كان ما يفكرون فيه يرتبط بشمسنا نحن، لكن السؤال هنا إذا كانت شمسنا بهذه الوفرة وبهذه القدرة فلم لا تكون لنا؟ وإذا كنا لا ننعم بوفرة البترول كدول الخليج، ومع اقتراب نفاد الغاز الذي يذهب إلي الأردن وإسرائيل وإسبانيا بتراب الفلوس، ولا نعتمد علي مصادر بديلة للطاقة، ومازلنا في طور التفكير في استخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية ونعلم- ومن زمان- أنه يمكننا أن نستغل الطاقة الشمسية المتوفرة لدينا ببلاش والتي تتجدد- بفضل الله- يوميا، وأن تكون مصدرا نظيفا وآمنا لإنتاج طاقة لا تنضب ولا تتناقص ولا تتكلف ما يتكلفه توفير الطاقة عن طريق وسائل أخري،
ولنتعلم من غيرنا الذين ساروا أشواطا طويلة في طريق إنشاء محطات الطاقة الشمسية، في استراليا مثلا أعلنت بلدة كلونكري في أقصي الشمال أنها ستتحول إلي استخدام الطاقة الشمسية بشكل كامل ولكل الأغراض خلال سنتين فقط، وأعلنت حكومة ولاية كونيز لاند التابعة لها البلدة أنها ستبني محطة طاقة شمسية بتكلفة ستة ملايين ونصف المليون دولار فقط وطاقتها ١٠ ميجاوات، وبالمحطة ثمانية آلاف مرآة تعكس ضوء الشمس علي قوالب من الجرافيت وستضخ المياه خلال القوالب لتوليد البخار بعد مغيب الشمس مما يسمح لموالدات الكهرباء بالعمل ليلا وفي الأيام القليلة الغائمة، وأن هذه المحطة ستنتج حوالي ٣٠ مليون كيلووات في الساعة من الكهرباء سنويا وهي قدرة تكفي لإمداد البلدة بأكملها بالطاقة.
وهذه تجربة حديثة وتعتمد علي تقنية مختلفة عن تجربة أوروبا التي تريد أن تنقل الطاقة المتولدة عن الشمس عبر البحر إلي دولها علي الجانب الآخر، أما تجربة المدينة الصغيرة في استراليا التي تشبه مدننا في مصري فهي- حسب الرواية الأسترالية- تكلف المدينة الواحدة ٦.٥ مليون دولار، أي ما لايزيد علي أربعين مليون جنيه وتوفر أمامها تكلفة الطاقة المستخدمة بالفعل أضعاف هذا المبلغ سنويا وستصبح المسألة بهذا الشكل مربحة، وموفرة، وتستحق التفكير والتدبير.
الشمس لدينا، ولدينا بوفرة نستحق عليها الحسد، فهي لا تكاد تغيب حتي في أشهر الشتاء المحدودة، فهل سنكتفي بالفرجة علي دول الاتحاد الأوروبي وهي تجمع أشعتها في محطات عملاقة تقيمها فوق أراضينا وتنقلها عبر البحر إليها ونهلل بأننا ندفئ أوروبا ونمد ماكيناتها ومصانعها بالطاقة وأراضيها بالمياه المحلاة؟ هل سنظل نهدر هذه الثروة التي تتجدد وتتبدد يوميا دون أن ننتبه إليها ونمسك بها بينما العالم الآن يتجه إلي استيرادها عبر البحار؟
أما آن الأوان أن نرقب العالم وما يجري فيه من تجارب تهدف إلي إيجاد مصادر نظيفة ورخيصة للطاقة حتي وصل الأمر إلي التفكير في استخراجها من الحبوب بما سيؤثر من جديد علي تكلفة استيراد الحبوب من جانب الدول التي لا تزرع القمح مثلا بكميات كافية وتلجأ إلي استيراده؟
الشمس شمسنا ولا مانع إطلاقا من بيع أشعتها إلي دول أوروبا المجاورة بشرط أن نقيم مولدات موازية أو محطات للطاقة الشمسية علي أرضنا يستخدم ناتجها في الصناعة والزراعة وفي الأغراض المنزلية تعوض ما ينقصنا من مصادر الطاقة وتجعل أسعارها في متناول الجميع ولا نكتفي فقط بموقف المتفرج.

Monday, December 10, 2007

لوي الذراع

جمال بدوى

انتشرت في أوساط الادارة العليا، وبين كبار المسئولين، عبارة »أنا ماحدش يلوي ذراعي«.. وكان أحدث الناطقين بها -حسب رواية »المصري اليوم«- الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية، في أزمته الحالية مع العاملين في الضرائب العقارية، فهو يعترف بأنهم »تعبانين وحالتهم سيئة« إلا أنه يري أن حل الأزمة يتم في الوقت الذي يراه هو مناسبا، وليس في الوقت الذي يناسبهم، وهو ينظر إلي استمرار الاعتصام علي أنه محاولة منهم لإجباره علي سرعة البت، ولايري حرجا في دوام الاعتصام بالشارع في هذا البرد الشديد »!!«
** والمفروض في طبقة الوزراء ومن في مستواهم أنهم خدام للشعب وأن مهمتهم الاساسية هي تلبية حاجات المواطنين، وتوفير عناصر الراحة والطمأنينة والأمان للفئات التي تشكو الظلم والعنت، ودستورنا ينص علي أن السيادة للشعب، وهو نص ليس مجرد شعار براق نتشرف به ونتباهي امام الأمم، ولكن المفروض أن يترجم إلي سلوك عملي تلتزم به الدولة ورجالها لازالة كل مظاهر الظلم حتي يصل العدل إلي مستحقيه.
** لقد انعكست الآية: وتحولت الطبقة الحاكمة إلي فئة علوية ممتازة لاتقبل الازعاج أو التدخل في شئونها، وفرضت علي نفسها حصانة غير مكتوبة، وتحولت الفئات الشعبية إلي شراذم مهضومة الحق، مسلوبة السيادة، ولاتملك سوي الاعتصام في الشوارع والوقوف علي أبواب الوزراء في انتظار الفرج»!!«
** كيف يتذوق الحكام طعم النوم والكثرة الغالبة من الشعب تبيت علي الطوي، وتستجدي الطعام والعلاج والدواء من أيدي المحسنين، ومتي سيضع الوزراء ومن إليهم من أركان الحكم، نصب أعينهم تخفيف ويلات الفقراء والمستضعفين وأصحاب الحاجات الذين يصرخون في البرية، ولكن البعض يزعجهم الصراخ لانه يثير أعصابهم فيحسبونه »ليا« للذراع.

من يحاسب من.. في مصر؟

بقلم د.صلاح الغزالى حرب
من منا لم يسمع بهذا السؤال التهكمي وهو يتردد علي ألسنة جميع المصريين علي اختلاف توجهاتهم وثقافاتهم في السنوات الأخيرة؟ وهو سؤال يعكس الحالة المتردية التي وصلها المجتمع في الآونة الأخيرة، والتي نعيش جميعاً ظواهرها ونعايشها باستسلام غريب ينبئ إما عن إحباط شديد وصل بنا إلي درجة اليأس التام، وإما عن وهم إمكانية الإصلاح بمعجزة من السماء وهو ما يتعارض كلية مع قوله سبحانه وتعالي: «إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم».
وسوف أسرد بعض ما تيسّر من أمثلة هذا التسيب وهذه الحالة من اللاحساب:
١- من يعلم من أبناء الشعب المصري حقيقة ما حدث ويحدث في مشروع توشكي الذي صرفت عليه الدولة من أموال هذا الشعب المليارات؟ وهل يجرؤ مسؤول في هذا البلد أن يعلن الحقائق الكاملة حول هذا المشروع؟
٢- هل يمكن أن نحاسب ذلك الذي قرر أن يبني ثم قرر أن يهدم جراج رمسيس بتكلفة حوالي أربعين مليوناً من الجنيهات من أموالنا.. نحن أبناء هذا الشعب؟
٣- من يمكنه في هذا البلد أن يحاسب السادة المحافظين وأعوانهم من رؤساء الأحياء والقري والمدن علي هذا التدهور غير المسبوق الذي آلت إليه مختلف المرافق والطرق في مصر، بحيث أصبحت القاهرة والجيزة علي سبيل المثال من أقذر مدن العالم وأكثرها تلوثاً علي أيدي هؤلاء المسؤولين؟
٤- من يحاسب المسؤول عن انتشار ظاهرة الحلول الذاتية للحصول علي الحقوق بعد أن أصبح اللجوء إلي القضاء والاحتكام إلي القانون في الكثير من الحالات يعني الدخول في نفق مظلم ما لم تكن هناك واسطة، أو محسوبية تساعد في الحصول علي الحق حتي وإن كان القضاء قد حسم الأمر؟ فقد اختفي القانون، وضاعت هيبته.
٥- من يمكنه محاسبة المسؤول عن إنفاق مئات الملايين علي المهزلة المسماة العلاج علي نفقة الدولة في نفس الوقت الذي تنفق فيه نفس الدولة مئات الملايين الأخري للعلاج علي نفقة الدولة أيضاً من خلال المستشفيات العامة والمراكز الصحية في المدن والقري؟ أليس هذا نوعاً من السفه وخداع الناس وتضليلهم؟
٦- من يمكنه أن يطالب بكشف حساب عن هذا الإنفاق المستفز وغير المبرر في هذه المهرجانات والمؤتمرات والحفلات المظهرية والسفريات في الوقت الذي يرزح فيه ما يقرب من نصف الشعب المصري تحت خط الفقر؟
وبعد.. إنني أؤمن بأن نظاماً لا يستطيع أن يسيطر علي الشارع وأن ينظم المرور، وأن يقضي علي التلوث لا يصح له أن يتحدث -مجرد الحديث- عن أحلام الدخول إلي العصر النووي.
كما أن نظاماً لا يمكنه أن يوفر لأبنائه الحد الأدني من المتطلبات الأساسية من التعليم والصحة والغذاء والأمن ليس جديراً لا بالاحترام ولا بالطاعة.
لقد أصبح الحساب والعقاب في مصر المحروسة مقصوراً فقط وبشدة علي من يحاول أن يمس أمن النظام وأصحابه.. أما ما عدا ذلك فهي الفوضي في أسوأ صورها وأشكالها.
ومع كل ذلك فإنني لم أفقد الأمل بعد.. بل إنني أشعر وبحق أن غداً لناظره قريب.

مصر بتتغير.. بينا

مجدى الجلاد
ليسمح لي عباقرة الحزب الوطني الديمقراطي، من أصحاب وخبراء «صك الشعارات»، أن أستخدم شعارهم الجامع المانع والفاتن في المؤتمر الأخير «مصر بتتقدم بينا».. وليسمحوا لي أن أستبدل فيه كلمة واحدة، ليصبح «مصر بتتغير بينا».. فلا شيء علي أرض هذا البلد يقول إننا نتقدم.. إلا إذا كان التقدم الذي يقصده الحزب الوطني يعني «التقدم للخلف».. أما مظاهر التغيير ودلالات التغيير فهي كثيرة.
التغيير الذي أقصده هو تغيير قسري، رغماً عن النظام الحاكم.. تغيير من القاعدة، وليس القمة.. من الشارع، لا من الرئاسة والحكومة والحزب الحاكم والبرلمان.. من المواطنين البسطاء، الذين أصابهم اليأس والقنوط، وأيقنوا أن النظام لن يمنحهم حقوقهم طواعية، وأن انتزاع هذه الحقوق، بالتظاهر والاعتصام والإضراب، هو السبيل الوحيد للتعامل مع حكومة «لا تسمع.. لا تري.. لا تتكلم».
«مصر بتتغير»، ليس بأحمد نظيف، ولا بصفوت الشريف، ولا بجمال مبارك.. وإنما بـ١٠ آلاف موظف من الضرائب العقارية، قرروا أن يعتصموا أمام مقر الحكومة، أياماً وأسابيع وأشهراً، حتي يحصلوا علي حقوقهم.. عزيمة بلا خوف في مواجهة «عناد» يوسف بطرس غالي،
وزير المالية.. حناجر وسواعد متعاضدة ضد تجاهل حكومي وسلبية رسمية.. نساء تركن بيوتهن وأقمن في الشارع، بعد أن هدّهن الفقر، وأعيتهن الحاجة.. أطفال يهتفون ضد الحكومة ومبارك والأمن والحزب الوطني.. فلا شيء يمكن أن نخشاه، مادام «كوب الحليب» عَزَّ علي أفواه الأولاد والبنات.
«مصر بتتغير» بالسيدة «سناء...»، التي قالت لنا، وهي تجلس علي الرصيف: «لن أترك حقي».. عبارة لم نكن نسمعها في الماضي.. وصوت كان مكتوماً عقوداً طويلة.. كنا نخاف من «هراوات الأمن».. واليوم أصبح الأمن يعمل «ألف حساب»،
قبل أن يرفع هراوة في وجه مظلوم.. فعلاً.. مصر بتتغير.. وإلا ما استجاب الرئيس مبارك لهؤلاء المطحونين، وأدخل تعديلاً علي القانون، تمهيداً لعرضه علي البرلمان.. «مصر بتتغير»، وإلا ما رضخت الحكومة، أكثر من مرة، لعمال غزل المحلة، وأقالت رئيس شركتهم، خوفاً من الغضب الصاعد.. «مصر بتتغير»، لأن أناساً ودّعوا السلبية والخوف.. وقرروا أن يقولوا «لا» في عرض الشارع.

«مصر بتتغير»، لأن شيئاً من الخوف بات يقطن المكاتب الرسمية.. الشارع أصبح له وجود، بعد أن غاب أكثر من ٥٠ سنة.. أبرموا معنا «عقداً غير مكتوب»، بأن نترك لهم حكم البلاد، دون مشاركة، مقابل «الحد الأدني» من كل شيء «مساكن شعبية تخنق الروح.. ملابس رثة من صيدناوي.. لقمة بلا طعم، وشربة ماء ملوثة»..
الآن ثبت أننا أخطأنا حين انسحبنا من الشارع.. تركنا لهم البلد، فالتهم الفساد ثروتنا.. مكثنا في بيوتنا انتظاراً لعطايا الحاكم.. فتوهم أنه يمنحنا الفتات من فيض كرمه.. جلسنا علي المقاهي نندب حظنا العاثر وبختنا المايل في «حكومات متعاقبة»..
فاعتقدت الحكومة أن الله منحها تفويضاً سماوياً ببهدلة هذا الشعب.. وأن علي كل مواطن أن يصلي لها، حتي ترضي عنه.. ورضا الحكومة لا يعني منح المواطن ما تجود به.. وإنما إعفاءه أحياناً من البطش والقمع.. فمجرد الحياة بـ«الحد الأدني» في كل شيء بات إنجازاً في مصر.
يوسف غالي في مواجهة الآلاف أمام مقر «د. نظيف».. معركة عضلات.. هم أقسموا ألا يغادروا الشارع، حتي يحصلوا علي حقوقهم، ولو اقتضي الأمر أن يؤدوا صلاة عيد الأضحي هناك.. وهو يقول: «ماحدش يلوي دراعي.. خليكم في الشارع».. والدكتور نظيف يتفرج..
وبصرف النظر عن الكاسب والخاسر في نهاية المعركة، فإن الجديد والمكسب الكبير هو أن ثمة معركة حالية: بين الشارع والحكومة.. المواطنين والنظام.. وأن أحداً منا لن يجلس في بيته - بعد الآن - مكسوراً.. مدحوراً.. مقهوراً، في انتظار عطايا الحاكم والحكومة.
.. ألم أقل لكم إن «مصر بتتغير.. بينا»!

التوريث علي طريقة سرور

بقلم على السيد

من أين ابتدأت الحكاية؟ وأين انتهت؟ ابتدأت من اختيار النخبة. أية نخبة وأي اختيار؟ النخبة المسيطرة، واختيار منهج وطريقة الحكم. لنبدأ بالنخبة التي تتلاعب بالشعب وبالقانون كما بهلوانات السيرك، ومروضي الأسود والثعابين والقردة، فهذه النخبة المزورة الاثمة، المتغطرسة والمتعجرفة، الأنانية والمستفزة، المتلونة والمخادعة، لا تنظر إلا تحت أقدامها ولا تهتم سوي بمصالحها الشخصية، ولا تحافظ إلا علي مكاسبها التي تحققت في زمن التسلق والقفز والهبش، والقهر، ولا تفكر سوي في مستقبلها وحدها أياً كانت النتائج من خواء في البيوت وخراب في الشوارع وانسحاق تام أمام رغيف الخبز، الذي أصبح، وحده الحاكم الفعلي للسواد الأكبر من الناس، ولا تعترف إلا بقانونها الخاص، إنها نخبة ثقيلة كالجبل، غامضة كالليل، متهورة كالريح، جائعة كالنار، مخيفة كالرعد، لا تهدأ ولا تشبع من أكل الأحياء، كالأسود المسعورة.
ومن زمن، وهذه النخبة التابعة والمنافقة والمداهنة للنظام الحاكم تلعب بمستقبل الوطن كأنها تخطط لمستقبل الرئاسة في مجلس محلي، وليس دولة، كانت مهمة يوماً ما، وفي سبيل تحقيق مأرب هذه الطغمة سار المخطط بوتيرة محددة ومحسوبة، من حيث ترتيب الخطوات وزمن التحقق الفعلي للسيطرة، أو ضمان استمرار النهج الحالي للسلطة، كي تظل المقاعد المتهالكة مرهونة لفئة بعينها، وكي تبقي المصالح والمناصب كما هي، أو تورث هي الأخري،
لذا أخرجت هذه النخبة وفي الوقت المحدد موضوع توريث الحكم من دائرة العتمة والكواليس، إلي دائرة النور مع تغيير بسيط في المسميات،إذ تم تغيير مصطلح التوريث لمصطلح الانتخاب، وكان أول من جهر بذلك في الحزب الوطني الحاكم الدكتور حسام بدراوي، وأول من آمن بها ودعا إليها، الدكتور فتحي سرور، الذي كسر كل القواعد، وجعل من الوضع المزري وضعاً حضارياً، ومن البؤس والفقر رفاهية وعزاً وكأن رئيس البرلمان المصري لا يعرف أن الناس تحجز أماكنها في طابور طويل أمام أفران العيش من الساعة الثالثة صباحاً لكي تشتري في السابعة صباحاً بجنيه عيش لا تأكله الحيوانات، وحتي هذه اللقمة المرة لا يريدها أصحاب اليد العليا، الذين يجاهدون من أجل إلغاء الدعم، الذي لو حدث لأيده برلمان سرور،
إذ كالعادة طل علينا الدكتور فتحي سرور بتصريحات، نافياً حدوث توريث في الرئاسة المصرية، أي أن الرئيس مبارك لن يورث نجله مقعده في الرئاسة، إنما، وفقاً لتفسير سرور، الفقيه القانوني سيتم ذلك بالانتخاب وهو ـ أي الدكتور سرور ـ يقبل بجمال مبارك رئيساً.. شكراً يادكتور علي المعلومة الجديدة، كأننا لم نكن نعلم أن جمال سيأتي رئيساً بـ«تمثيلية الانتخابات» والتي من أجلها عدل الدستور وجهزت القوانين ليمر الأمر كشكة الدبوس، ويفتينا مفتي القوانين أن هذا شرعي ودستوري، فجمال مواطن مصري يحق له الترشح للانتخابات الرئاسية.
عجيب والله هذا الكلام يادكتور، فلا يوجد طفل ساذج في قرية نائية لا يعرف هذا الكلام، والاعتراض يبدأ أو ينتهي عنده، فإن لم يكن جمال ابن رئيس الدولة هل كان يمكن أن يصل إلي درجة السيطرة التامة علي الحزب والحكومة، وأقسم لك يادكتور أنه لولا أنك تعلم أن الأمر سيؤول لجمال ما قلت هذا الكلام، رغم يقينك أن ذلك سيحدث بكل الأساليب التي أخذت ورتبت بعيداً عن أعين الناس، الذين لا يملكون أي خيار في هذا الأمر، وبالتالي لم يكن مهماً أن يكون جمال مبارك مقبولاً عند الشعب أو غير مقبول، ولم يكن مهماً أن يعبر الناس له عن حبهم أو سخطهم، ولا يضيف جديداً إن قالوا له نعم أو لا، رغم أنني علي يقين أن جمال مبارك كانت أمامه فرصة ذهبية، لكي يأخذ عيون الشعب لو أراد ذلك لأعطوها له عن طيب خاطر، لكن للأسف الرجل جاء من علٍ، وظل بحاشيته وتابعيه ومرائيه بعيداً عن عيون وقلوب الناس.
وفي تصريح، ليس مفاجئاً، للدكتور فتحي سرور يقول: «إن جمال صاحب فكر متطور وناهض وقاد أمانة السياسات في مرحلة مهمة من تاريخ البلاد...» ما علاقة أمانة السياسات بالمرحلة المهمة، التي لا أحد يعرف أهميتها، ثم ما علاقة أمانة السياسات بتاريخ البلاد؟ إلا إذا كان الدكتور سرور يريد صنع تاريخ ومسؤوليات تليق بمن سيرث عرش مصر، والعرش هنا لا ينفي صفة الجمهورية عن الوطن، فبقاء رؤساء الجمهوريات في مناصبهم مدي الحياة يجعل البلاد في حالة أقرب للملكية منها للجمهورية، وتلك حالة لا تحدث إلا في البلاد المرتبكة، والتي يحكمها حكام وليس قوانين، كما قال فرانسوا كيناي: «ماذا تفعل لو كنت ملكاً؟
ـ لا أفعل شيئاً!
ـ ومن الذي يحكم؟
ـ القوانين».
ويلمح الدكتور سرور إلي أن أمانة السياسات لها اليد العليا والأمر القاطع علي السياسات الحكومية. دون أن يخبرنا عن هوية أعضاء هذه الأمانة ودورهم في الحياة السياسية والعامة في مصر.
وأسأل الدكتور سرور: لماذا لا تتحدث عن الحقائق برمتها وتفهمنا أن تعديل المادة ٧٦ لم يكن إلا لخاطر جمال في ظل الضعف المتعمد والمنظم للأحزاب؟ ولماذا تتحدث الآن عن قبولك جمال رئيساً، طالما جاء عبر إجراءات دستورية وبإرادة الشعب، رغم غياب الاثنتين، فالإجراءات الدستورية لا تتم إلا بشكل صوري فقط وحسب رغبة السلطة ومتي شاءت، فضلاً عن أن إدارة الشعب ملغاة أو مجمدة في ظل التزوير الفج وكسر الأذرع الطويلة؟
ثم لماذا تدلل بمثل فاسد ساهم في تخريب مصر، وهو وراثة القضاة وأساتذة الجامعات والصحفيين، علي وراثة رئاسة الدولة؟ ولماذا تتحدث عن شرف النسب والعائلة الآن وكأننا نعيش عصوراً جاهلية جديدة.
وأخيرا أسألك: هل لو كان جمال رجلاً يتمتع، كغيره، بصفات مميزة، وموقعه في الضفه الأخري، ووالده ليس الرئيس، هل كنت ستقبل به رئيساً؟ ستقول نعم، لأن السياسة غير ماتضمر.
آخر سطر:
يقول مونتسكو:
«موقف الطاغية، هو موقف ذلك الذي يقطع الشجرة لكي يقطف ثمرة..»
يقول المتنبي:
جوعان، يأكل من زادي ويمسكني
لكي يقال عظيم القدر مقصود

Saturday, December 8, 2007

درس اليونان

جمال بدوي

سبحان مغير الأحوال.. انتعشت اليونان اقتصاديا حتي صارت جاذبة للأيدي العاملة الأجنبية، وفي مقدمتهم المصريون، فهاجروا منذ سنوات، وانخرطوا في دوامة العمل، وهم يتقاضون أجورًا مجزية تعتبر من الموارد المالية التي تعتمد عليها الأسرة المصرية في محنتها، مما شجع أفواج العاطلين علي الهروب والتسلل إلي السواحل اليونانية في زوارق ورقية تغوص بهم في أعماق البحر، وبعضهم يتحايل علي دخول اليونان بعد عبور الأراضي السورية والتركية.
ومعظمهم يقع في قبضة الأمن فيتم القبض عليهم ومحاكمتهم وإعادتهم بصورة مهينة. وكان آخر هذه الحوادث القبض علي 200 شاب مصري أبحروا علي ظهر سفينة بضائع غرقت بهم أمام سواحل كريت. وتم إنقاذهم وإيواؤهم تمهيدًا لمحاكمتهم.
** لقد انعكست الآية..
فقبل ستين عامًا فقط، كان اليونانيون يهاجرون إلي مصر فيجدون فيها فرص العمل. وكانت الجالية اليونانية من أكبر الجاليات الأجنبية. وأكثرها تداخلا في المجتمع المصري وذلك بحكم العشرة الطويلة، فالوجود اليوناني قديم قدم الإسكندرية التي بناها الإسكندر المقدوني قبل ثلاثة آلاف سنة. ومن يومها لم ينقطع تدفق اليونانيين علي مصر، وانتشروا في المدن والريف.. كان يندر أن تخلو مدينة من محل بقالة أو مقهي نظيف يملكه يوناني. وهم الذين ابتدعوا تجارة أوراق الياناصيب واستخراج الفلين من البحر، وعمل أثرياؤهم في صناعة الاقطان وحلجها وصناعة الزيوت والصابون. وتغلغلوا في الحياة الاجتماعية. ومنهم من دخل مجلس الأمة في العهد الثوري هو طناش جناكليس صاحب مزارع العنب الشهيرة.
** بعد هوجة التأميمات عاد (الأجريج) وهي التسمية الشعبية للاغريق إلي وطنهم الأم، ولكنهم لم يبكوا علي اللبن المسكوب، وإنما انطلقوا في إقامة المشروعات الاقتصادية الصغيرة، وتحولت الأسرة اليونانية إلي خلية نحل منتجة، وانخرطوا في مشروعات تدر عائدًا سريعًا أنعش الاقتصاد اليوناني، وأغني الأسرة عن الوقوف علي باب الحكومة في انتظار الوظيفة أو استجداء الدعم. واليوم نطلب من رجال الأعمال اليونانيين أن يستثمروا أموالهم في مصر، وأن يقيموا مشروعات تمتص الأيدي العاملة بدلا من هروبها إلي اليونان في مغامرات فاشلة (!!).
** إن درس اليونان يستحق أن ندرسه جيدًا حتي نشجع الأسرة المصرية علي إقامة المشروعات الصغيرة ذات العائد السريع، ونوفر عليها سؤال الحكومة (!!).

و.. عادت مراكب ممدوح إسماعيل!!

سعيد عبدالخالق


ممدوح إسماعيل عضو مجلس الشوري الذي ارتبط اسمه بكارثة غرق العبارة السلام ،98 والتي راح ضحيتها 1300 راكب في مياه البحر الأحمر.. اكتشفت أنه صاحب قوة ثلاثية!. كما تبين أنه من الفئة التي تفعل ما تشاء، وتعود إلي أوضاعها الطبيعية مرة أخري!. ومن مظاهر قوته قبل حادث غرق العبارة.. خروج المهندس عصام شرف وزير النقل من الوزارة عقاباً له علي إصراره التحقيق مع طاقم مركب السلام 95 التي تسببت في غرق مركب قبرصية في ميناء السويس!!.
وخرج عصام شرف، وذهب يعمل مستشاراً للطرق في ديوان رئيس دولة الإمارات، وبقي ممدوح إسماعيل يتفاخر بإنجازاته حتي وقعت كارثة العبارة السلام ،98 وقامت الدنيا لارتفاع أعداد الضحايا واستقل ممدوح إسماعيل الطائرة إلي الخارج تصحبه دعوات الأهل والأصدقاء بالعودة سالماً غانماً!!.
المهم.. شهد النقل البحري بالبحر الأحمر أزمات حادة جداً، وارتبكت عمليات نقل البضائع والركاب من ميناءي السويس وسفاجة المصريين إلي ميناءي ضبا وجدة السعوديين، وافترش المعتمرون أراضي الميناء في مصر وجدة لعدم توافر عبارات النقل.. وتعطلت لواري البرادات التي تنقل سلعاً غذائية تعرضت للتلف، وضاعت ملايين الجنيهات، وانتقلت الأزمة من أرض الواقع إلي وسائل الإعلام التي أبرزت شلل عمليات النقل!!، وتجاهلت إبراز الأزمات التي تعرضت لها شركات النقل البحري الوطنية والأجنبية عندما حاولت دخول البحر الأحمر!!.، فقد فوجئت هذه الشركات بالعراقيل في محاولة لإرباك عملية النقل عبر البحر الأحمر، وتعرضت شركات الملاحة لخسائر فادحة.. اضطرت معها للهروب »بجلدها« من البحر الأحمر!. وأصبح المسرح خالياً، وارتفعت النبرة في الصحف مع مواسم العمرة والحج، ولم يعد هناك من منقذ سوي ممدوح إسماعيل.. ولتذهب أرواح الضحايا إلي الجحيم، ولتخسر مصر عائدات السفن الوطنية والأجنبية التي »نفدت بجلدها« من البحر الأحمر، وسبق أن نبهت منذ فترة إلي العراقيل التي تتعرض لها سفن هذه الشركات ابتداء من دخولها ميناء بورسعيد حتي وصولها إلي ميناء سفاجا أو غيره من الموانئ المصرية، ووصلت العراقيل إلي الموانئ الأخري!! علي الضفة المقابلة!!.
وجاءت مراكب ممدوح إسماعيل.. »السلام« وغيرها يوم »الخميس« الماضي من ميناء بورسودان، وعادت لنقل التعساء من المصريين والبضائع أيضاً، وبدأت سيطرة ممدوح إسماعيل مرة أخري علي البحر الأحمر، وباي باي مصلحة مصر.. وحياة المصريين!.

وبالأمس تراجع الخبير المفتي الذي جاء من السلامة البحرية عن تقريره الأولي أمام النيابة التي حققت في قضية غرق العبارة السلام ،98 وفوجئنا به من الجلسة الأخيرة من المحكمة يعدل عن أقواله من أجل تبرئة ممدوح إسماعيل وولده »عمرو«، وألقي بالمسئولية كاملة علي قبطان المركب!. وهذا معناه.. ان المسرح يستعد لاستقبال ممدوح اسماعيل بعد انتهاء المحاكمة المقدم فيها بتهمة جنحة قتل خطأ أي تراخي في الابلاغ عن غرق السفينة!. وبالمناسبة.. العبارة السلام 98 مخصصة أصلاً لنقل المواشي، وتحولت إلي مركب لنقل أفراد بدون وسائل إنقاذ، وانتهي عمرها الافتراضي، ولم تعد صالحة للابحار، وصدرت منها اشارات استغاثة قبل الغرق، ونقلتها المركب سانت كاترين المملوكة لنفس الشركة المالكة للعبارة الغارقة، ولم يتحرك مسئول بالشركة لإنقاذ العبارة.. أي أننا أمام جريمة قتل بالترك.. فقد امتنع ممدوح إسماعيل عن ابلاغ السلطات لإنقاذ الركاب قبل غرقهم!!.

سيارات القاهرة

محمد مصطفي شردي

تفاقمت مشكلة المرور في العاصمة واختنقت شوارعها بدرجة بشعة بدأت تؤثر علي العمل والاقتصاد. وأصبح الذهاب إلي أي موعد في القاهرة بمثابة قرار غير محمود العواقب، فأنت لا تعلم متي ستصل الي موعدك... ولا متي ستعود وتلقي بنفسك في غابة من السيارات والعادم والازدحام لتلعن اليوم الذي قررت فيه أن تخرج من مكتبك إلي الموعد. ولاشك ان صراخ المواطنين قد وصل الي قيادات المرور في القاهرة...
ومنذ فترة خاصة في أعقاب شهر رمضان وبداية المدارس. ولكن وللأسف لم نلمس أي تطور أو أي محاولة لمجرد التنظيم والتدخل السريع. كل شيء مازال يجري بلا تنظيم علي الاطلاق.
ولقد تعجبت عندما قرأت خبر التكليف الصادر من الدكتور احمد نظيف الي الدكتور عبد العظيم وزير محافظ القاهرة بتشكيل لجنة لوضع اقتراحات خاصة بتحديد سقف اعداد السيارات التي تسير في شوارع القاهرة واقتراح كيفية الحد منها ووضع شروط خاصة بالأمن والمتانة يتم تطبيقها بحزم عند الترخيص. وتعجبي هو ان رئيس الوزراء حدد نوعية الحل المطلوب من اللجنة، لم يطلب منهم اقتراح حلول بل كلفهم بدراسة كيفية تطبيق حل بعينه. أي أن الحكومة قررت الحل. وهو غالباً شبيه بالحل الذي حاولت بعض عواصم العالم تطبيقه بتخصيص يوم لسير السيارات ذات الأرقام الفردية وآخر للأرقام الزوجية.
وهذا الاقتراح لن ينجح أبداً في مصر لأن أساس تطبيقه هو توفير البديل.. والبديل مش موجود وهو النقل الجماعي أو وسائل المواصلات المحترمة. فلا هيئة النقل العام تقدر علي توفير مواصلات آدمية بأسطولها الذي أعلنت انه متهالك ولا يصلح للسير. ولا المترو بتكدسه واعطاله وإدارته يستطيع أن ينقذ العاصمة. وبما أننا بلد بتاعة وسايط ولا نلتزم بأي قانون أو قاعدة أبداً فلن يستطيع أي نظام تطبيق أي خطة مثل هذه.
والحل، أقول للسادة في المرور وللمحافظ وللسيد رئيس الوزراء. لو بدأ المرور فعلاً في التحرك لايقاف وضبط الميكروباصات التي تهدد الأرواح وتسير بلا أرقام وبحالة متهالكة سنبدأ في حل الأزمة.
وبعد الميكروباصات هناك تنظيم عمليات الوقوف علي الكباري ومنع مخالفات سائقي الأوتوبيسات. ويستطيع المحافظ ان يساعد بشراء أي أرض فضاء في أي مكان بالقاهرة ويبني جراجات متعددة الطوابق، بدون محلات ولا وجع دماغ.

ثم ان القاهرة أو مصر هي احدي الدول القليلة في العالم التي يمكن استخراج رخصة سيارتك أياً كانت حالتها لو فتحت مخك... وعندنا سيارات تعمل منذ أكثر من 50 عاماً وتسير في الشوارع، قبل ان نفكر في منع سير بعض السيارات ابدأوا أولاً حلولاً صغيرة في عدة قطاعات وستجدون انها طريقة أسرع لحل الأزمة.

ببساطة

ســيد عـلــي‏

*‏ إذا نفذ المسئولون طلب الرئيس بأن يرحل كل من لا يستطيع تحمل مسئوليته ستخلو مناصب كثيرة‏.‏

*‏ من المضحكات المبكيات ان نحتفل بذكري مرور‏140‏ عاما علي مولد طلعت حرب‏,‏ في نفس الوقت الذي نقتل فيه افكاره بتمصير البنوك‏.‏

*‏ الاحترام واجب لشعب فنزويلا الراقي لأنه رفض الاستفتاء علي تعديلات شافيز‏,‏ لأنه ليس قطيعا في حظيرة السلطة‏.‏

*‏ سقطت كل وسائل الإعلام المصرية مهنيا عندما تجاهلت أحداث المؤتمر السنوي الأول لحزب الوفد‏.‏

*‏ أظــن أن هذا هو الوقت المناسب لكي تطلب الدول العربية خلع عملاتها من الدولار باستثناء بعض الدول التي عقدت زواجا كاثوليكيا بين النفط والدولار‏.‏‏

‏ عندما يزيد هامش الربح في الاستثمار العقاري عن‏100%‏ تصبح المسألة نصبا واخطر من تجارة الحشيش والذي منه‏.‏

*‏ كثير من الذين يكتبون عن الفقر لا يستطيعون التنازل عن جزء بسيط من رفاهيتهم لصالح فقير واحد‏.‏

*‏ حتي الآن لا أصدق أن الحاصلين علي تراخيص سليمة في مساكن شيراتون مهددن بالطرد والهدم‏,‏ إلا إذا كانت السيئة تعم والحسنة تخص‏.‏

*‏ مصيبة مصر الراهنة هي‏'‏ الشلة‏'‏ التي أصبحت تسيطر علي كل مجالات الحياة من السياسة للاقتصاد للاعلام‏

Thursday, December 6, 2007

إلي أن ينطق الحجر

د. إبراهيم السايح


اعتصام أو تظاهر موظفي الضرائب العقارية هو الأول من نوعه طوال التاريخ المصري، فعلي الرغم من السلبية العمومية للشعب المصري ظلت بعض فئاته قادرة علي التحرك والمقاومة، وهذه الفئات ـ علي سبيل الحصر ـ هي العمال والفلاحون والطلاب والجماعات الدينية، وأحيانا ينضم إليهم العسكريون والعاطلون والصيع!.. أما الموظفون فهم الأبناء الشرعيون الصامتون السلبيون لكل الحكومات والنظم السياسية طوال تاريخ مصر.

في الحقبة الفرعونية كان كل من يعرف القراءة والكتابة يعمل في خدمة الملك أو الكهنة، وفي الحقب الاستعمارية التالية كان الموظف المصري متعاونا بالضرورة مع السلطة التي تحكم البلاد، وفي عهد محمد علي صار الموظفون علي رأس رعايا وخدم الحكومة وتعلموا المزيد والمزيد من قيم النفاق والانتهازية والطاعة العمياء، وبعد ثورة يوليو كان إخواننا الموظفون ـ ومازالوا ـ هم الرصيد الحكومي الأول في تزوير الانتخابات وإفساد الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. الموظف المصري يكاد يعبد ختم النسر دون الله أو معه أو بعده. لا يفهم إلا الأوراق والأوامر الرسمية، لا يعشق ولا يهوي إلا الروتين القاتل الغبي، ولا يتحرك إلا بتأشيرة رسمية من الساعة التي تتصدر الديوان الحكومي الذي يعمل به، ويقال إن بعض غلاة الموظفين لا يتزوج أحدهم ولا ينجب ولا يمرض ولا يموت إلا بعد استئذان رئيسه المباشر!!.

وحين تتحرك الآن بعض أطراف هذه الكتلة الصماء السلبية التي يبلغ قوامها أكثر من ستة ملايين مواطن يعولون أكثر من عشرين مليون مواطن آخر، فإن هذا التحرك يعني أننا أمام حدث جلل، مظاهرات موظفي الضرائب العقارية تؤكد أن استبداد وفشل النظام السياسي المصري وصل بالبلاد إلي مرحلة استنطاق الحجر، فهذه الفئة من المصريين كانت تتحايل علي الحياة بشتي السبل دون أن تفكر علي الإطلاق في الثورة أو الغضب أو التظاهر أو الإضراب أو حتي الشكوي من مرارة الحياة، هذه الفئة من المصريين لا تقرأ إلا صحف الحكومة ولا تسمع إلا إذاعة الحكومة ولا تشاهد سوي تليفزيون الحكومة، ولا تشجع إلا المنتخب القومي وفريق النادي الأهلي، هذه الفئة من المصريين هي التي يشحنها رؤساؤها في سيارات نصف النقل والأتوبيسات وعربات الكارو إلي لجان الانتخاب لإعطاء أصواتها بالأمر لمرشحي الحكومة والحزب الوطني ومباحث أمن الدولة.

مظاهرات الموظفين لم تحدث في مصر حتي في عهد المجاعة الفاطمية الشهيرة التي كان المصريون يأكلون خلالها القطط والكلاب والدواب والجيران والمارة!!وهذه المظاهرات تؤكد أن حسني مبارك هو الحاكم المصري الوحيد الذي نجح في إنقاذ المصريين من غيبوبة عمرها سبعة آلاف سنة، وأنه سوف يظل في الحكم إلي أن ينطق الحجر ويقول للناس «هذه حكومة ورائي فاخلعها.. أو اقتلها»!! <

خبطتان في الدماغ

محمود سلطان
خبطتان في الدماغ "توجع" كما يقول المثل، الأولى عندما تسلم حاكم موزمبيق السابق " يواكيم شيتسانو" جائزة "الحكم الرشيد" في احتفالية أقيمت في مكتبة الإسكندرية!الجائزة خصصها الملياردير السوداني " محمد فتحي إبراهيم" وقيمتها 5 ملايين دولار، تكون نصيبا لمن استوفى عددا من الشروط من الزعماء الأفارقة، وعلى رأسها "ترك الحكم طواعية"، بجانب شروط أخرى تتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان ، وهي مواصفات وضعها أستاذ في "جامعة هارفارد" اسمه "البروف روبرت روتبرغ" حول الحكم الرشيد!

الحدث له دلالتان ، الأولى: مكانة مصر في "الريادة السياسية"، إذ سبقتها موزمبيق تلك الدولة المنسية في مجاهيل وغابات أفريقيا الوعرة .
الدلالة الثانية : أن رجل الأعمال السوداني يعمل في ذات المجال التي يعمل بها رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس ، فهو مؤسس شركة "سيلتل انترناشيونال" للاتصالات.. لكن الفارق بينهما كبير، فالأول "أخذ" ولكن حاول أن "يعطي" من خلال هذه الجائزة التي تفوق جائزة "نوبل" (1,4 مليون دولار)، أملا في النهوض بالقارة السمراء، معتقدا أن "جائزته" تضع خيارات أخرى أمام القادة الأفارقة الذين يواجهون حاليا خيارات ثلاثة: إما الفقر وإما مد فترة الحكم وإما الفساد، فيما "أخذ" الثاني ولم يعط لبلده ما من شأنه حل مشكلة التعليم أو الصحة أو الفقر وخلافه.الخبطة: درس على المستويين : "السياسي" و"البزنس" .. فارق كبير بين الرئيس ورجل الأعمال عند الأفارقة، ونظيريهما في بلد العشر آلاف سنة حضارة!

الخبطة الثانية كانت "أوجع" .. وحدثت في "دولة الموز" وهي في وزن دول الهامش الأفريقي.. في فنزويلا.. ففي الأول من ديسمبر الجاري وقف الرئيس "هوغو شافيز" بين عشرات الآلاف من أنصاره قائلا لهم " إنني أريد أن أحكم حتى عام 2050" ! في إشارة إلى التعديلات الدستورية التي يقترحها وتتيح له أن يكون رئيسا لفنزويلا مدى الحياة! وتمايل طربا وهو يسمع صراخهم من حوله" شافيز نعم نعم.. شافيز إلى الأبد"!بعدها بيوم وأمام صناديق الاقتراع وجه الشعب الفنزويلي صفعه لرئيسه "المحبوب" بتصويته بـ"لا" .. شافيز الذي هاجم خصومه عشية الانتخابات ووصفهم بـ"الخونة" والعملاء لـ"الأمبراطورية الأمريكية"، تراجع وتقبل الهزيمة وهنأ وشكر من كانوا "خونة" و"عملاء" من قبل لأنهم "عبروا عن رأيهم بديمقراطية".خلف المشهد الفنزويلي كثير من التفاصيل المهمة التي لم يلتفت إليها الإعلام بشكل كاف، خاصة الدور الذي لعبه طلاب الجامعات ومنظمات حقوق الإنسان ورجال الأعمال وأحزاب المعارضة والكنيسة الكاثوليكية وحلفاء شافيز السابقين وزوجته السابقة.
الدرس الفنزويلي سهل وواضح ولا لبس فيه ، ولا يحتاج إلى دروس خصوصية ولا تلخيص مناهج ولا غش في الاختبارات ، ولا وسطات من عواصم صناعة القرار الدولي.. يحتاج فقط إلى همة "التلامذة" ورغبتهم الحقيقية في "النجاح" .

الصوت الذهبي

سليمان جودة

فشل رئيس فنزويلا، هذا الأسبوع، في الحصول علي موافقة شعبه، علي أن يبقي في الحكم إلي عام ٢٠٥٠، كما حدد هو مسبقاً.. وحين أجري استفتاءً علي تعديل الدستور، بحيث يسمح له بأن يظل يحكم إلي هذا التاريخ، رفض الناس هناك، وقال ٥٠.٧% منهم «لا».. بينما قال ٤٩.٣% نعم.. فخسر الرئيس الرهان علي كرم مواطنيه.
وكان شافيز قد وصل إلي السلطة عام ٩٩، وحين جاء ليؤدي اليمين الدستورية في ذلك العام، فاجأ الجماهير بأن قال ما يلي: «أُقسم علي أن أحترم هذا الدستور الميت حتي يتم دفنه!!».
بعدها بعام واحد، أجري تعديلاً دستورياً، نص الدستور بمقتضاه علي أن يحكم الرئيس فترتين فقط، كل فترة ست سنوات، وهلل أبناء فنزويلا له، كما لم يهللوا لأحد من قبله، ولا بعده!
وتحول تهليلهم إلي فعل، حين أعادوه إلي قصر الرئاسة عام ٢٠٠٣، عندما أطاحت به المخابرات الأمريكية من فوق الكرسي في انقلاب شهير.. فقد خرج الناس في الشوارع وظلوا يتظاهرون ويهتفون بحياته، حتي عاد من جديد أكثر قوة!!
ولكن.. يبدو أن تدليل الجماهير له قد أفسده تماماً، وأن وقوفه مع كاسترو رئيس كوبا، ومعهما رئيس بوليفيا، في وجه الولايات المتحدة، جعل الغرور يركب الرجل، لدرجة أنه قرر أن يعيد تعديل الدستور مرة أخري، ولكن إلي الوراء، هذه المرة، وليس في اتجاه أن يقضي فترتيه وينصرف لحال سبيله.. كما يفعل أي رئيس في العالم، يحترم شعبه!
ولم ييأس الرئيس من نتيجة الاستفتاء، ووصفها بأنها شيء مؤقت، بما يعني أنه سوف يعاود الاستفتاء من جديد، حين يري أن الوقت مناسب!
وليس مهماً أن خمر السلطة قد لعب برأسه، وأفقده توازنه.. ولا المهم أنه يريد أن يكرر، في بلاده، تجربة «كاسترو» الذي يحكم في كوبا منذ نصف قرن، ولايزال يحكم من فوق سرير المرض من خلال شقيقه وذويه!!.. ولا المهم أن رئيس فنزويلا، يطيح يميناً وشمالاً هذه الأيام، فهو تارة يهدد بقطع صادرات بلاده من النفط عن الولايات المتحدة، رغبة في الكيد لبوش!!.. وتارة أخري يشتبك في معركة كلامية ساخنة مع ملك إسبانيا، خلال قمة انعقدت مؤخراً في تشيلي، ثم يتمادي، ويطالب الملك بأن يعتذر له، عما صدر منه في حقه خلال القمة، وإلا قطع العلاقات بين البلدين!!
كل ذلك ليس هو المهم.. فالأهم أن شافيز كان في إمكانه أن يستعين بهوانم البرلمان في القاهرة، اللائي استطعن تمرير تعديل الدستور المصري في نصف ساعة عام ١٩٨٠، بحيث يبقي الرئيس في منصبه إلي الأبد!
خاب أمل شافيز في هوانم فنزويلا.. وكانت هوانم مصر من أعضاء البرلمان، قادرات علي إنقاذه بصنعة لطافة!
طبعاً نقول هذا الكلام علي سبيل السخرية.

. أما الكلام الجد بصحيح، فهو أن هذا الواحد في المائة الذي أطاح بآمال شافيز في البقاء المفتوح، يمثل ٤٠٠ ألف صوت انتخابي تقريباً، وهذا العدد، تحديداً، الذي رجح الذين قالوا «لا» علي الذين قالوا «نعم»، هو الذي يستحق كل واحد فيه جائزة، لأنهم معاً، حددوا مستقبل بلد بكامله، وأنقذوه من الحكم الأبدي الذي يستنزف بطبيعته ثروة البلد..
هؤلاء هم الذين يؤكدون للعالم كله أن صوت المواطن ليست له قيمة عظمي فقط، وإنما يظل هو الحاسم، في رسم معالم مستقبل الوطن، وملامحه.. تماماً كما حدث ويحدث في المكسيك وتشيلي وغيرهما من بلاد أمريكا اللاتينية، حالياً.. هذا هو الصوت الذهبي حقاً، الذي يكبح جماح الرئيس، ويوقفه عند حده.. أما حين يبقي الرئيس حاكماً، بصوت وبغير صوت.. باستفتاء وبغير استفتاء.. فالصوت يفقد قيمته، وكذلك المواطن، يصبح بلا قيمة!!

Tuesday, December 4, 2007

العراف العجوز

بقلم حمدى رزق

برؤية طائر محلق رسم «جو» العجوز السيناريو الأسوأ للتغيير في مصر، عندما تتلاحم الكتل البشرية المجروحة كرامتها، المهدرة آدميتها، المكبوتة غضباً، وتتجاسر علي هيبة الدولة، كل من له ثأر من النظام يخرج من كل فج عميق، الحشود تهدر مدمدمة، تزيح في طريقها كل السدود، النهر الرائق مخيف إذا فاضت به المرارة.
المخرج العجوز يوسف شاهين في فيلمه الجديد «هي فوضي؟» يفزعنا، يخيفنا من مصيرنا، جميعا نذهب الي قاع البئر، ظلام مرعب ما ينبئنا به العراف العجوز.
(حاتم) صار قاسيا، مجرما، شرها، يلغ في عرض (نور) يهتك شرفها، إلا الشرف، إلا العرض.. من مات دون عرضه فهو شهيد، دون شهادة من المفتي.
قطرات الدماء التي لوثت موطن عفة نور خلعت قلوب المشاهدين، سالت دموع في الظلام الحالك، هاج الصامتون، ثار الصابرون، حتي القسس والمشايخ نطقوا، الأرض كالعرض، وحاتم خرق الأرض والجبال طولا.
جسد شاهين وابنه الأثير خالد يوسف علي الشاشة السيناريو الذي نخشي، من منا لا يخشي الفوضي، ما نخشاه يستوي، فوضي خلاقة كالتي يبشرنا بها الأمريكان، أو فوضي هدامة تستمد آلياتها من تراث مصري مروع، مزيج من حريق القاهرة (١٩٥٢) وانتفاضة الخبز (١٩٧٧) مشاهد الفوضي في الفيلم رأيت بعضا منها من قبل.
حاتم ليس حالة فردية كما حاول «جو» الإيحاء في وثيقة شكر قدمها لوزارة الداخلية تصدرت الفيلم، وظلم لوزارة الداخلية أن يحسب عليها حاتم، حاتم أكبر من مجرد أمين شرطة فاسد، حاتم هو الفساد الوطني العام، الفساد المتوطن الذي التف علي جدر البلد من تحت، يمتص الرحيق ويكبر ليسد عين الشمس.
حاتم موجود في كل وزارة ومصلحة ومؤسسة، كلهم حاتم، أكاد أسمع جملته الأثيرة «اللي مالوش خير في حاتم.. مالوش خير في مصر» تتردد صدي في كل مكان من ناطحات السحاب حتي تحت الكباري، حيث يقضي البعض حاجته في العراء.
حاتم يوزعونه علي الوزارات، هناك مشروع قومي لتعميمه، حاتم يباع في السوبر ماركت مع تخفيض، مع هدايا رأس السنة والأعياد، الكل يرتدي ماسك حاتم، حاتم تحت جلد بعض من رجال النظام بفساده وبشاعته، هناك حاتم رابض خلف كل قناع.
حاتم مُركز فساد، يذيبونه في مياه الشرب، يلوث مياه النيل، الشرب من مياه النيل الآن يورث جنون العظمة والخبل والشره والنزق والسادية وكل أمراض السلطة.. لا أعرف كيف يشاهد نفر من إخوة حاتم أنفسهم علي الشاشة، أتوقع من بعضهم جلد يوسف شاهين وولده علي صفحات الصحف والفضائيات، حاتم يفرض إتاوة حتي علي الصحافة.
علي الأصابع نعد، كل منا يعد كم حاتماً يعرفه، أري في كل شق حاتماً ثعباناً متلمظاً يرقب مصر من شباك الحمام، المكان الأثير للنفوس الوضيعة، يعريها بعينيه، ينزع عنها الشرف، يطفئ النور، آخر شعاع نور.. وعيني عليك يامصر.
(بحثت عن الرقيب في فيلم هي فوضي؟ فعثرت علي توقيع علي أبوشادي.. احترم توقيع أبوشادي علي الفيلم.. الرقابة هي البطل) .

Sunday, December 2, 2007

لماذا في بورما وجورجيا وليس في بلاد العرب؟

د. معتز بالله عبد الفتاح

المشهد الأول:مئات الآلاف من المسلمين يصلون في الحرم الشريف يدعون الله أن يولي أمورهم خيارهمالمشهد الثاني: مئات الآلاف من البورميين (من مواطني بورما) يخرجون مع قادتهم الدينيين في مظاهرات يطالبون بالديمقراطية

عمَّ يبحث اللاهثون بالدعاء في المشهد الأول؟ وفي ماذا يأمل الخارجون إلي الشوارع في المشهد الثاني؟

الفريق الأول يبحث في سنن الله الخارقة كأن يدمر أعداء المسلمين وأن ينصر المؤمنين وأن يحل لهم مشاكل الدنيا والدين.
أما الفريق الثاني من البورميين فلم يذهبوا إلي المعابد في سباق محموم من أجل أن يتقبل عنهم ربهم دعاءهم ويزيل عنهم حكامهم، بل قرروا أن يحلوا مشاكلهم بأيديهم.
إن المسلمين في مأزق، إنهم يريدون الجهاد من دون أن يعدوا له ما استطاعوا، ويريدون تصحيح صورتهم عند غير المسلمين من دون أن يجتهدوا بالقدر الكافي لتصحيح واقعهم، ويريدون أن يولي أمورهم خيارهم من دون أن يتحملوا أكثر من مشقة الدعاء، انهم «أرادوا الخروج» من دون أن «يعدوا له عدته» فألقوا بأنفسهم في مفارقة الأمل في سنن الله الخارقة من دون العمل من أجل سنن الله الجارية.
إن الرسول الكريم أعد عدة الهجرة من طعام وشراب ودابة ورفيق ودليل (وإن كان كافرا) آخذا بسنن الله الجارية، ثم جاء احتياجه لسنن الله الخارقة حين قال صاحبه: «لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا»، فتدخل الله بسننه الخارقة بأن أوحي لعبده ألا يحزن فإن الله معه. وكأنه يكرر مقولة موسي عليه السلام يوم أخذ بسنن الله الجارية بأن أسري بعباد الله ليلا لأنهم متبعون، وحين احتاج المؤمنون مع موسي لسنن الله الخارقة كان الله عونا لهم فقال موسي «إن معي ربي سيهدين». إن عظمة الحضارة الإسلامية لم تأت من قدرتها علي خرق العادات والارتفاع فوق قوانين الطبيعة وتحدي سنن الله في خلقه، بل باكتشافها والتفاعل معها. فقدروا العقل ورفعوا منزلته، وطوروا مناهج وأدوات بحث جديدة اختلفت جوهرياً عما خلفه اليونان القدماء. لقد اخترعوا علوما كالجبر مثلا، وصححوا مسارات أخري كالكيمياء والفيزياء والطب، لقد جمعوا سيادة الكون وعبادة الله في معادلة تؤمن بسنن الله الكونية وتستلهم العمل من دون البحث عن خرق القوانين.
قال أحدهم: للجهاد معجزاته والموت في سبيل الله أسمي أمانينا حتي من دون أن نكون أقوي من عدونا، فلا ينبغي أن نؤجل الجهاد في فلسطين والشيشان وأفغانستان والعراق، قلت: ولكنك تخليت عن سنة الله في خلقه، فالموت وحده ما كان أسمي أماني المؤمنين الأوائل، فلو صح هذا لما عاد خالد ابن الوليد بالجيش من مؤتة بعد أن تبين له استحالة النصر وهلكة الجيش، وقد أقره الرسول صلي الله عليه وسلم علي هذا من باب «ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة» (البقرة 195). إن نصرة دين الله هي أسمي أمانينا، أما الشهادة، بنصر أو من دون نصر، فهي نتيجة سعينا للنصر وليست هدفا في ذاتها.
فلقد أجل الرسول بعض المعارك (كغزوة ذات الرقاع مثلا)، إلي ما بعد صلح الحديبية حتي يأخذ بسنن الله الجارية في الإعداد والتخطيط والنصر. لقد استعان الرسول بسنن الله في خلقه بأن جعل الحكمة والعلم ضالة للمؤمن، وقد وجدهما المسلمون عند الفرس في فكرة حفر الخندق، وعند الرومان حينما استعان المسلمون بالمنجنيق لفتح الطائف، وعند المنافق (صفوان بن أمية) لحرب هوازن. إن المسلمين قد ابتلوا بمرض تسجيل المواقف (بالدعاء مثلا) أكثر من السعي العملي لحل المشكلات (بالتفكير العلمي من أجل التخطيط لمستقبلهم). وإن سنن الله الخارقة لا يمكن التخطيط لها لأنها ليست بأيدينا، وإنما بيد الله يقلبها كيف يشاء «وما يعلم جنود ربك إلا هو« (المدثر 31)، ويمكن أن تعمل في صالح المؤمن كما للكافر. فالله «رب العالمين»، وليس فقط «رب المسلمين»، ومن هنا كانت التفرقة بين عطاء الربوبية الذي لا يفرق بين مؤمن وكافر، كما في قوله: «كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا» (الإسراء 20). وعطاء الألوهية الذي يمنّ الله به علي عباده الذين جمعوا بين صفتي الإيمان بالله (قلبا ويقينا) والعمل الصالح وفق سننه كما في قوله: «الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا» (الكهف 30). وعلي هذا فالعاقل المخلص في عمله، وإن كان كافرا سينتصر علي المزيف والمتواكل وإن بدت عليه أمارات الإيمان.
إن مثل حال المسلمين كمن يرفض أن يتعلم السباحة ويخطط أن يغزو محيطات وبحار العالم بالدعاء من دون العمل.
إنني كم كنت أتمني أن يطلب الأئمة والمشايخ من المسلمين أن يستبدلوا التزيد في بعض السنن، بجهد منظم لتنظيف شوارعهم من القاذورات، طالما أن النظافة فرض علي المسلمين. إن أنفس المسلمين عامرة بالرجاء في الله والخوف منه، لكنها ليست عامرة بعلم سننه وتأمّل قوانينه والبحث العملي عن علاج لمشاكلهم.
إن مثل مواطني جورجيا أو بورما الذين خرجوا مطالبين بحقهم في رفض الاستبداد، ومثل المسلم الذي يدعو الله أن يولي أمور المسلمين خيارهم، كمثل المتوكل الذي أخذ بسنن الله في خلقه وكونه، والمتواكل الذي يدعو الله أن «تسقط عليه السماء ذهبا وفضة». إننا بحاجة لإعادة ترتيب الأولويات لنجعل قيم العلم والعمل والمشاركة والابتكار والإتقان في المقدمة علي قيم الصبر المتخاذل والتواكل الساذج ودعاء العجزة وانتظار المعجزات، اللهم أعطنا قلوب أهل الحرم وعقول أهل جورجيا وأوكرانيا وبورما.. آمين!

Monday, November 26, 2007

الجبلنة

د. إبراهيم السايح

لا أحد في مصر أو خارجها يهتم بقياس درجة «الجبلنة» لدي أي شخص يقبل التواجد كوزير أو مسئول سياسي أو رئيس وزراء في دولة الرئيس حسني مبارك، فالسيد الرئيس سالف الذكر اعتاد طوال عهده ـ أو عهوده ـ عدم احترام السادة الوزراء والسادة رؤساء الحكومات كلما اتخذ أحدهم قراراً دون الرجوع إليه، وأحياناً يطيح سيادته
بقرارات اتخذوها تقرباً منه ونفاقاً له ولنظامه.رئيس الوزراء كمال الجنزوري ذهب إلي غير رجعة حين حاول ممارسة بعض اختصاصات منصبه دون الاسترشاد المباشر والصريح والمعلن بتوجيهات وأوامر السيد الرئيس السيد وزير العدل الحالي قام الرئيس بإلغاء بعض القرارات التي اتخذها تنكيلاً بالقضاة لصالح النظام!!

السيد وزير الزراعة السابق تمت إقالته لأنه حاول تنفيذ بعض السياسات التي تحقق مصالح الدولة والشعب علي حساب التوجهات الاستراتيجية لنظام حسني مبارك.السيد وزير التموين الأسبق أطاح به الرئيس لأنه كان يبدو منحازاً للفقراء حريصاً علي دعمهم ولو علي حساب إخوانه وأسياده المستثمرين والمحتكرين.السيد وزير المالية الأسبق لفقوا له قضية وسجنوه لأنه لم يكن متعاوناً مع الكبار وأصحاب الشأن بالقدر المطلوب.
السيد وزير الزراعة الحالي اتهمه الرئيس بالجهل والفشل ورغم هذا لم نسمع عن إقالته أو استقالته.والسيد رئيس الحكومة الحالي أعلن منذ عدة أيام أن حكومته سوف تنشئ عاصمة بديلة للقاهرة ثم أعلن الرئيس في اليوم التالي أن هذا الكلام غير صحيح وأن الحكومة مكلفة حالياً «بمشروع» العدل الاجتماعي دون سواه!!
لم تحدث طوال عهد الرئيس مبارك حالة غضب أو استقالة من جانب أي وزير أو مسئول ممن تعرضوا لإهانات معلنة من السيد الرئيس ولم يجرؤ مسئول واحد ـ باستثناء الدكتور يحيي الجمل ـ علي إعلان خلافه أو اختلافه مع الرئيس حتي بعد الإقالة والخروج النهائي من خدمة النظام.التعاون مع النظام المصري في عهد الرئيس مبارك يتطلب عقداً اجتماعياً فريداً يتنازل المسئول بمقتضاه عن شخصيته ومبادئه وأفكاره ورؤيته وجانب كبير من حريته وكرامته لصالح النظام. والمشكلة أن النظام المصري ليس الرئيس وحده، ولكنه يشمل إلي جانب الرئيس جهات سيادية أخري مثل الديوان الرئاسي والجهات الرقابية والأمنية والسياسية المتصلة مباشرة برئاسة الجمهورية، فضلاً عن الصحف القومية التي تخاطب الرئيس وأجهزته علي حساب أي شخص أو أي شيء آخر، هذا إلي جانب السادة كبار المستثمرين والسادة كبار السفراء والسادة كبار العائلة!!
وفي مثل هذه الأجواء عليك ـ أخي المواطن الكحيان ـ أن تقبل يديك وقدميك وتسجد شكراً لله لأنك خارج حسابات القصر الجمهوري، فالمواجهة مع ضابط أو أمين شرطة أهون بكثير من مواجهة أنصاف الآلهة!!

Saturday, November 24, 2007

كله دردشة وكلام

د.طارق الغزالى حرب

منذ ما يقرب من عشرين عاماً، والشعب المصري يطالع ويسمع يومياً تعبيرات ضخمة كبيرة وتنويهات عن خطط وعن برامج ودراسات في جميع أوجه الحياة علي أرض المحروسة.. في السياسة والاقتصاد والتعليم والصحة والنقل والمواصلات والإسكان وغيرها.. واعتمدت الحكومات المتعاقبة طوال السنين علي حالة التوهان وفقدان الذاكرة والسلبية التي أصابت الغالبية العظمي من جماهير الشعب المصري في العقود الأخيرة..
فصارت تكرر الكلام عن البرامج الطموحة والمستقبلية كل عدة سنوات حول نفس الموضوعات تقريباً ولا يلمس معظم الناس شيئاً حقيقياً علي أرض الواقع.. بل علي العكس ربما زادت أمورهم تدهوراً وانحداراً في مناح كثيرة يأتي علي رأسها التعليم بجميع أنواعه، ومعظم الخدمات وأساسيات الحياة الإنسانية السليمة كمياه الشرب والصرف الصحي والسكن والعلاج ووسائل النقل، وحظيت بالتأكيد قلة قليلة من أفراد هذا الشعب بمستوي من المعيشة والخدمات لا يقل عما تتمتع به مجتمعات الأغنياء في الغرب والشرق..
وكنت دائماً أسأل نفسي: تري ما سر عدم تنفيذ هذه الوعود البراقة والآمال العريضة التي ظل وزراؤنا المتعاقبون يشنفون بها آذاننا سنوات وسنوات ولم نر أثراً لها علي أرض الواقع، إلي أن حدث ما حدث في الأيام القليلة الماضية، ورأينا الصحف تنشر في صفحاتها الأولي بشري انتهاء حكومتنا السنية من دراساتها لإنشاء عاصمة جديدة لمصر.. تلك الأخبار التي استقبلها جميع أفراد الشعب، غنيهم وفقيرهم بقدر كبير من السعادة والارتياح، لأن الجميع يعيش يومياً حياة قاسية يندر أن يكون لها مثيل علي وجه الأرض في تلك العاصمة التي صارت بالفعل قاهرة للصحة والنظافة والجمال بل للعقل والنفس البشرية، استبشر الجميع خيراً ورأي البعض أنها ربما تكون نقطة البداية لمشروع قومي كبير يخلص الملايين من أبناء هذا الشعب المنكوبين من جحيم العيش علي أرض المحروسة..
ولكن لم تكد تمر ٤٨ ساعة حتي فاجأ الرئيس الجميع بكلمات صادقة، وجدت فيها التفسير لسؤالي، والتعبير الحقيقي عن كل ما كنا نسمعه طوال عقود مضت..

لقد قال الرئيس عما نقلته الصحف عن السيد صفوت الشريف رئيس مجلس الشوري وعما وصل إليه من دراسات أتمتها الحكومة، إنه «مجرد دردشة وكلام»!! لم أجد أصدق من هذا التعبير في وصف الوعود ومعسول الكلام الذي يتصدر عناوين صحفنا القومية وإعلامنا الحكومي مراراً وتكراراً.. لقد نقلت الصحف الحكومية منذ أسابيع قليلة أحاديث عن أحلام فئة ما في قمة السلطة حول عزمهم علي أن تكون القاهرة عاصمة الشرق وأفريقيا قبل منتصف هذا القرن..
ثم فوجئنا بأن هناك فئة أخري في قمة السلطة أيضاً تتحدث عن عاصمة جديدة!!، وأخيراً انجلت الحقيقة ناصعة بأن كله «دردشة وكلام»!! تحدثوا عن مشروع قومي للتعليم وعن أن التسعينيات ستكون «عقداً للتعليم»، وعن الإتاحة والجودة وعن.. وعن.. وليته ظل حال التعليم كما هو، بل يزداد سوءاً وانحداراً، وصرنا نجد الحاصل علي الشهادة ولا يجيد كتابة اسمه والذين يتخرجون ولا يعرفون شيئاً، وانحدرت اللغة العربية إلي الحضيض، واحتل المدرسون الخصوصيون البيوت في المدن والقري وصارت المدارس حجراً وبشراً أكذوبة كبري نخادع بها أنفسنا.. فأدركت بعد كلمات الرئيس أن ما كنا نسمعه طوال عشرين عاماً مضت لم يكن أكثر من «دردشة وكلام»!!
إن الأمثلة كثيرة وأكثر من أن تعد وتحصي، ولكني اخترت مجال التعليم كمثال، لأنه أساس البلوي وسرها!!، أخشي ما أخشاه أن يكون الحديث الذي ذاع صيته منذ عام مضي عن دخول عصر الطاقة النووية هو من قبيل هذه الدردشة، وأن يكون كذلك الحديث عن قانون جديد للتأمين الصحي يغطي أبناء الوطن كلهم، غنيهم وفقيرهم.. لأن بصراحة شديدة هذه المشروعات الكبيرة تحتاج لتمويل ضخم، ولجهد وتضحيات، لا يقدر عليها النظام الحالي.. فطموحاته مازالت - وبعد أكثر من نصف قرن من قيام ثورة يوليو - لا تزيد علي تحقيق العدالة الاجتماعية ومكافحة الفقر والجهل والمرض!! بالله عليكم ألم تكن هذه هي طموحاتنا في السنوات السابقة للثورة بالإضافة إلي تحقيق الاستقلال التام.. يا إلهي.. أكثر من نصف قرن ومازالت طموحاتنا وآمالنا عند الحد الأدني!! ليرحمنا الله..

Friday, November 23, 2007

نصائح الرئيس مبارك ثمينة

د. محمد السيد سعيد

يجتمع الرؤساء والملوك العرب كثيرا ويصغون لنصائح الرئيس مبارك ويذهبون لحال سبيلهم ولا يفعلون شيئا حيال أزماتهم وعلاقاتهم الدولية المضطربة. وتصغر مصر في عيونهم علي نحو متواصل لأنهم لا يحصلون منها إلا علي النصائح كلما توقعوا منها قيادة حقيقية للعرب وسط عواصف السياسة الدولية.
ولابد أن نعترف بأن نصائح الرئيس مبارك ثمينة جدا. ومشكلتها الوحيدة أن السياسة الخارجية لا تتحرك بالنصائح وحدها. بل يجب أن يكون وراءها رؤية وقيم كبري وقوة حقيقية تساند أهداف السياسة الخارجية. وفي العالم العربي لدي الجميع نصائح وأحكام ثمينة جدا أيضا.. وغايتها جميعا: لا تفعلوا شيئا وخافوا من قوة الأمريكان.وبعض إخوتنا العرب يحبون نصائح الرئيس مبارك كثيرا لأنهم يخشون طائرات الأمريكان أو يحبون دولاراتهم.
والحمد لله أن بعض إخوتنا العرب لم يصغوا للنصائح الثمينة للرئيس مبارك وناضلوا ضد الظلم الأمريكي بقدر ما تسعفهم الإمكانيات. فحزب الله ألحق بإسرائيل الهزيمة الوحيدة التي تلقتها في حروبها ضد العرب حتي الآن. وإخوتنا العراقيون يلحقون بقوات الغزو الأمريكية خسائر يومية فادحة لن تضطرهم للانسحاب يوما ما فحسب بل قد تجبرهم علي إعادة صوغ سياساتهم الدولية المغرورة والعدوانية، ورغم أن الانتفاضة الفلسطينية هبطت قليلا بسبب تخلي العرب عنها فهي تثبت قدرة الشعب الفلسطيني علي النضال الشاق لمئات الأعوام.
وببساطة لم يصغ جميع العرب لنصائح الرئيس مبارك التي تنضح بالسلبية وتعترف بالعجز عن التأثير علي مجري السياسة الدولية وتشكك في المقاومة وتنتظر الفرج من أمريكان "عاقلين" يؤمنون بنصائح الرئيس مبارك!وفي حدود علمنا لم يتوافر هؤلاء الأمريكان بعد بأعداد كافية في مواقع اتخاذ القرار. فالكونجرس بأسره يؤيد إسرائيل تأييدا أعمي وأبرص وأكتع. والإدارة الديمقراطية المقبلة قد لا تكون أفضل كثيرا من الإدارة الجمهورية الحالية، والإعلام بقيادة "فوكس نيوز" يكن احتقارا شديدا للعرب. باختصار ليست هناك فرصة كبيرة في أن يستمع الأمريكان لنصائح الرئيس مبارك، ولا يهمهم سوي الحسابات المادية لموازين القوي.
ومشكلة السياسة الخارجية المصرية أنها ليس لديها موارد قوة تحولها من نصائح ورغبات إلي ضغوط ونضالات.

عزف منفرد علي أوتار وطن‏

مفيد فوزي
ـ هل نكتب لنسلي الناس أم لنملأ مساحات في الصحف أم لنعبر عن أنفسنا؟ وهل للكتابة جدوي؟ وهل مازال الناس يقرأون أم انصرفوا الي ما هو أكثر ابهارا‏..‏ من الحروف والكلمات؟ وهل يقرأ أولو الأمر ما نكتب اذا مس وترا في المجتمع؟ وهل بإمكان مقال اسقاط حكومة؟‏!‏ ومتي نلصق تهمة‏(‏ التقصير‏)‏ لمسئول؟

ـ لماذا المجتمع في حالة تربص كل للآخر؟ لماذا النجاح متهم؟ لماذا الكراهية قبل الحب دائما؟ لماذا شهوة التنكيل بآخر؟ لماذا الود مشبوه؟ لماذا الصدق كاذب؟ لماذا لقمة العيش تذل أعناق الرجال؟ لماذا الأنانية تعشش في الصدور؟ لماذا نصافح بحذر ونصادق بحذر ونثق بحذر‏...‏؟‏!

‏ـ لماذا ندس أنوفنا في شئون الآخر؟ لماذا أحكامنا جزافية علي الناس؟ لماذا ذاكرتنا ضعيفة أمام الحسنات ويقظة للسيئات؟ لماذا صار جيراني في حالهم وأنا في حالي؟ لماذا الترابط الأسري تفكك‏,‏ والتكافل الاجتماعي تصدع‏,‏ واحترام الكبير تعثر؟ لماذا الزيارات العائلية قلت‏,‏ والمراسلات علي الورق انقطعت وزهور المودة ذبلت؟ـ أين ذهبت البساطة في المعاملات؟ أين ذهب التسامح الذي نادي به السيد المسيح؟

أين ذهبت قيم الانتماء والعتاب والصفح والعفو عند المقدرة؟ أين ذهبت دقات الباب للاستئذان في الدخول؟ أين ذهب أدب التخلي عن مقعد لحامل أو لمعوق؟ أين ذهبت فضيلة الاجتماع حول المائدة والبدء بالشكر علي هذه النعمة؟ أين ذهبت عادة نوم الأطفال في الثامنة مساء بدلا من السهر مع الكبار للثامنة صباحا؟ أين ذهب احترام الأولاد الصبيان للآباء ولا أقول أين تقبيل اليد؟ أين ذهبت الأذن المصغية من البنات للأمهات؟ هل استغنين عن نصائح الأمهات النكدية؟ أين ضاعت اللمة في البيت المصري حين كان الآباء والأمهات يعرفون ملفات أولادهم وشئونهم الخاصة؟‏!

‏ـ أين ذهب الوعي بأمور وطن؟ لماذا انحصر اهتمامنا بذواتنا فقط؟ لماذا ضعف انتماؤنا الي ما تحت الصفر؟ هل ارتبك شبابنا وفقدوا البوصلة واختلط الحابل بالنابل في تاريخنا؟ من الوطني؟ من الانتهازي؟ من الأمين؟ من المقامر؟ ومن الذي باع ومن الذي اشتري؟ هل لدينا رؤية واضحة للغد؟ هل نتحسس مستقبل أيامنا واحفادنا بثقة؟ هل الأمان لبكرة وارد؟ هل هناك قوي ملثمة تسعي للوجود؟ هل نعرف نوع المولود في بطن المجهول؟ هل كرة الأيام تتدحرج دون لجام؟ هل حصان الزمن يجري بنا ونحن مستسلمون؟ هل أيامنا القادمة أقل تعاسة؟ هل هناك فرائض غائبة في منهجنا القومي؟ هل الأيام حبلي بالمفاجآت؟ هل نملك ثقافة إدارة أزمات الوطن؟ هل تأخذنا ـ الي حد الاستغراق ـ اللحظة الآنية؟ـ

من هو المثقف؟ هل المثقف هو الذي دفع بأوراقه الي مطبعة أخرجت له كتبا تحمل اسمه؟ هل المثقف تواصل مع هموم مجتمعه أم مع همومه الخاصة؟ هل هو الذي احترف الظهور علي الشاشات يدلي برأيه في كل قضية من الخلاف الفلسطيني ـ الفلسطيني الي طفشان الشباب الي السواحل الأوروبية الي انفلونزا الطيور؟ هل أدي المثقف واجبه نحو المجتمع أم اكتفي بتدبيج مقال أو خطبة مسجوعة؟ هل المثقف هو الذي يعشق أن يكون في الصورة؟ ما دور المثقف حين يري النقابات وقد مزقتها التيارات والمذاهب؟ ما دور المثقف لحماية‏(‏ الهوية‏)‏ في بلده؟ بالكلام؟ بالسفر في المؤتمرات والشوبنج؟

ـ في الحياة‏:‏ هل نأخذ الأشياء بسطحية تجنبا لصدمات متوقعة؟ هل لدينا القدرة علي تهميش التوافه أم هي تسكن جدران عقلنا الباطن؟ هل نقدم للمجتمع أوراق اعتمادنا بالذكاء أم بالتذكي وبالغباء أم بالتغابي؟ هل نواجه‏(‏ تحولات‏)‏ الأصدقاء بقبول الواقع وأي دمعة حزن لا؟‏!‏ هل نقبل ـ بصدر رحب ـ مشاعر الغيرة والحسد والحقد؟ هل نمضي في مشوارنا ولا نلتفت خلفنا لنداء أو استغاثة أو استجداء ويحكمنا‏(‏ اتق شر من أحسنت إليه‏)‏؟ هل نقبل بصدر رحب معادلات الحياة كما هي أم نجهد النفس في التمحيص والتحليل؟ هل يحقق‏(‏ الاستغناء‏)‏ قدرا من الراحة بعيدا عن مهاترات وصراعات رخيصة؟ وماذا يفيد الانسان ـ كما جاء في الانجيل ـ لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟‏!‏

Thursday, November 22, 2007

مواقف

أنيس منصور

‏*‏ لا حرب سعيدة ولا سلام تعيس‏

‏*‏ من عاش بلا أمل أصبح الموت هو الأمل‏!

*‏ القاموس به غلطة واحدة خطيرة‏:‏ ان كلمة‏(‏ نجاح‏)‏ تجيء قبل كلمة‏(‏ عمل‏)!

*‏ التأمين علي الحياة‏:‏ نظام يجعلك تعيش فقيرا وتموت غنيا‏!

المحطات السبع الكبرى في انحطاط المسلمين

د. معتز بالله عبد الفتاح

يحاول هذا المقال أن يقف أمام بعض المحطات التاريخية التي شهدت تراجع الحضارة الإسلامية عن مكانتها الرائدة التي شغلتها في بداياتها. ودون الإغراق في المقدمات فلننفذ إلى محطات أربع في تاريخنا كان لكل منها أثره الممتد حتى يوم الناس هذا، ثم سأعقبها بمحطات ثلاث أخرى في مقال قادم ومعها نظرة على حلول مقترحة عسانا نصوب ما أخطأناه ونتجاوز ما فوتناه.
أولا تراجع الخلافة وسيادة الملك العضوض، تراجع عمر وسيادة معاوية:
لا شك أن منطق تداول الحكم على أساس من الوراثة عكس ما عمل له وعليه السابقون من الخلفاء كان نقطة التراجع الأولى في دولة الإسلام بحكم أنها نقلت موقع أحاد الناس من فاعلين سياسيين يشاركون في أمر الحكم عن طريق البيعة من ناحية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من ناحية إلى أخرى إلى رعايا لهم الأمان ما أمن الحكام مكرهم. ومن هنا كانت المقولة الشائعة لمعاوية: "لا نحول بين الناس وألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين ملكنا." وقد سارت منهجا التزمه اللاحقون. وقد انتزعت الدولة الأموية من الفقهاء المسلمين أنذاك السند الشرعي لطاعة ولي الأمر بغض النظر عن مدى شرعية وصوله للسلطة طالما أنه يلتزم شكلا بقواعد الإسلام واحترامه لطقوسه مثل إقامة الصلاة والدعاء للخليفة على المنبر وتطبيق الحدود والتوسع في جهاد الدفع أي رد أعداء الدولة الإسلامية عنها وجهاد الطلب أي التوسع في حدود الدولة الإسلامية.
ورغما عن أن هذا التحول الخطير في شكل نظام الدولة وأسس شرعية القائمين عليها إلا أن أخطر ما فيه أنه كان مقدمة لتحول في علاقة الدولة بالمجتمع، فبدلا من منطق أن الحاكم خادم للمجتمع المسلم وموظف عام يقوم على شئونه باختيار المجتمع ورضاه، تحول المجتمع إلى تابع للدولة توجهه وتفرض عليه شروطها. فمن عمر الذي كان يقول: " إنما أرسل لكم الولاة خادمين ومعلمين" إلى معاوية الذي قال: "إن لم يكن هذا (أي ابنه يزيد) فهذا (أي السيف)."
مات عمر، ويجلس على عروش الحكم تلاميذ معاوية، رضي الله عنهما.
ثانيا تراجع العالم الناقد لصالح عالم التقية، تراجع ابن حنبل وتقدم ابن معين :
لقد كانت فتنة خلق القرآن الكريم أكثر كثيرا من مجرد اختلاف فلسفي بشأن هل القرآن الكريم مخلوق كرد فعل لحوادث الدنيا، وبالتالي كان من الممكن نظريا أن تتغير بعض آياته لو تصرف أبو لهب على عكس ما تصرف مثلا أم أنه قديم قدم الدهر وكأن الله خلقه أصلا قبل خلق البشر ثم سير الأمور كي تستقيم مع القرآن الكريم. أقول هذا النقاش الفلسفي نفسه كان يمكن أن يمر مرور الكرام كما مر غيره لكنه تحول إلى علامة فاصلة في تاريخ المسلمين من زاويتين على الأقل: فهو أولا قد رسخ نمط السلطة القاهرة في مواجهة عالم الدين المعارض. فكان تعذيب ابن حنبل على يد ثلاثة من خفاء العباسيين درسا وعاه معظم علماء الدين في عصر الفتنة وممن أتوا بعدها. وسار في الإسلام نمطان: نمط شجاعة ابن حنبل المعذب بسبب صلابته في الدفاع عما رآه الحق، وتقية يحي ابن معين الذي قال إن القرآن مخلوق حتى يريح نفسه من العذاب. ويذكر هنا أن يحي بن معين، وهو بحق عالم كبير، دخل على الإمام أحمد رحمه الله وهو مريض فسلم عليه فلم يرد السلام، فما زال يعتذر متعللا بقوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}، فقلب أحمد وجهه على الجانب الآخر ناكرا على ابن معين ما فعل. ويبدو أن الكثير من علماء الدين في الإسلام قد أخذوا عن ابن معين منطقه ونسوا الرسالة الأولى لكل نبي وهو أن يجاهد بالكلمة مهما كلفه الأمر، لأنه قائد رأي عام في مجتمعه وقدوة لمن يسيرون خلفه. وهذا هو ما فعله موسى النبي مع فرعون المستبد، بل فعله كل نبي مع كل جبار، بل هو ما فعله فلاسفة عصر النهضة في أوروبا مع حكامهم المستبدين، وكان بعض هؤلاء الفلاسفة ملحدين، وهو ما حاوله حديثا نساك وعباد بورما حينما سار منهم عشرة ألاف حفاة في الشوارع يقودون المجتمع وينشدون كلمة واحدة يكررونها بوعي وإصرار: "الديمقراطية... الديمقراطية." أما في حياتنا الإسلامية المعاصرة، فتكون كلمة الحق عالية ضد صغائر المواطن متى أخطأ ولا تتخطاه إلى كبائر الحكام متى وقعوا في الخطيئة. مات في الكثير من علمائنا ابن حنبل... ويحي بيننا ابن معين.

ثالثا تراجع العقل وازدهار النقل، تراجع ابن رشد وازدهار الغزالي:
وقد كان لمحنة خلق القرآن مع غيرها من التفاعلات الأخرى أثر آخر امتد طويلا حتى يومنا هذا. هذا الأثر نلمحه في غلبة النص دون اجتهاد في فهمه وتطبيقه على بعض مذاهبنا الفقهية، والتي جعلت الكثرة الغالبة تخشى الذهاب بعيدا عن الاجتهادات الفقهية التي خلفها الأقدمون. فترتب على ذلك نوع من المبالغة في تقدير النص والخوف من العقل المفضي إلى الفتنة بما أخذنا بعيدا عن التوازن المنطقي.. فتأخرنا في كثير من ابتكاراتنا بل وفي قبول الكثير من المبتكرات التي جاءت إلينا من الأمم الأخرى.
وبما أن العقل البشري قد أفضى للتفكير في هذه القضايا من قبيل القرآن قديم أم مخلوق فضلا عن ترجمة عشرات الكتابات من الفلسفة اليونانية القديمة وما ترتب على ذلك من طرح أسئلة لم تكن من السهل التفكير فيها من قبل العقل المسلم آنذاك فقد ساوى بعض الفقهاء بين الفلسفة والزندقة وكان الحل ذا شقين: الأول مزيد من التمسك بالأقوال المنسوبة للرسول (ص) والصحابة العظام والتابعين، ثم من ناحية أخرى ما عرف بغلق باب الاجتهاد.
فعلى مستوى التمسك بالنصوص المنسوبة للرسول (ص) وصحابته تبين لنا لاحقا أن الأغلبية الساحقة من هذا الأقوال ليست بأحاديث تنسب للرسول الكريم. فمثلا يروى أن الحسن البصري قد حفظ 600 ألف حديث، كما قيل إن الإمام أحمد كان يحفظ ألف ألف (أي مليون) حديث ولكنه وضع في مسنده أربعين ألفًا فقط، تكرر منها عشرة آلاف حديث في حين أننا نعرف الآن أن عدد الأحاديث التي يصح نسبتها للرسول (ص) وفقا للمحدث المعاصر الشهير ناصر الدين الألباني لا يزيدون عن ثمانية ألاف. أي أن العقل المسلم كان يسير لمدة طويلة من الزمن ومعه آلاف الأحاديث ظانا أنها تنسب للرسول الكريم، ثم تبين لنا أنها ليست كذلك؛ فتخيل معي أنك تسير في الشارع وعلى ظهرك مئات الكتب التي لا ينفعك منها إلا كتاب أو كتابان وأنت تظن خطأ أنها كلها مفيدة. وقد كان لهذا الكم المهول من الأحاديث المكذوبة دورها في تشويش العقل المسلم.
هذا على مستوى النصوص، لكن هناك رد فعل آخر على مستوى منهج التناول والذي تعامل مع قضايا الفقه بمنطق المتخوف من كل ما هو جديد أخذا بالأحوط واستنادا إلى مفهوم "سد الزرائع، وغلق مداخل الشيطان" وساد منهج ينسب في الأصل إلى الحنابلة والمالكية في سد الزرائع عند مجرد الظن وقوع المفسدة، حتى وإن لم تكن متيقنة.
وعلى هذا النهج كان الخلاف الشهير بين أبي حامد الغزالي الموصوف بـ "حجة الإسلام" وهو بالفعل عالم كبير، وبين واحد من رواد الفلسفة الغربية المسلم ابن رشد، الذي وجدت اسمه في العديد من الكتابات الغربية الكلاسيكية باعتباره من دعاة العقل والتنوير، وسببا من أسباب ازدهار الحضارة الإسلامية. وصح تحليل هؤلاء لأن وجود ابن رشد، حتى وإن كان تأثيره ضعيفا، كان مهما لتحريك المياه الراكدة. ولكن لما مات جسدا، وأمتناه فكرا، فقد ضاع التوازن بين العقل والنقل. وغلب منطق أبي حامد الغزالي الذي ضمن في كتبه آلاف الأحاديث التي عرفنا لاحقا أنها ضعيفة أو لا أصل لها. وساد عند كثيرين أن العقل "هوى" وأن النص مهما ضعف سنده، أفضل مما ينتجه العقل البشري. وأصبح ابن رشد ومدرسته بمثابة الشياطين والمارقين من الدين، وهو الموقف الذي ساد لدى شرائح المجتمع غير المثقفة حتى يومنا هذا. فيهتم العامة بحواديت وحكايات الدعاة الجدد عن الماضي التي لا نعرف مدى صحتها أكثر من اهتمامهم بأي حديث ديني أو فلسفي أو علمي جاد عن قضية من قضايا مجتمعنا المعاصر، فأصبحنا أمام ظاهرة المسلم الفخور بإسلامه الجاهل به وبواقعه.
وقد قرأت حديثا أن فقهاء الدولة العثمانية قد أفتوا بحرمة الشركات المساهمة (أي مثل الشركات التي تعمل في البورصة الآن) من باب سد الزرائع وأنها "فكرة شيطانية ربوية" في حين أن الغرب قد ابتكر هذا الاختراع واستفاد منه لمدة 200 عاما قبل أن يتبين لنا نحن المسلمين أن هذه الشركات لا حرام فيها وأنها مثلها مثل غيرها تكون حلالا إن عملت في إنتاج سلع وخدمات حلال. ولكن العقل المسلم كان قد تحجر وصعب عليه أن يتبين الفرق بين ضوء الشمس وظلام الكهوف.
ويذكر الشيخ عبد الوهاب خلاف بحق أن غلق باب الاجتهاد على ما أنتجه فقهاء المسلمين في قرون الإسلام الأولى يعني ضمنا غلق باب النظرة النقدية في كتب الأقدمين وترتب على ذلك انقسام المجتهدين إلى أحزاب، ولكلّ حزب مدرسته التشريعية وتلامذتها الذين يبالغون في تخريج النصوص وكأنها مباراة في البحث عن القديم وليس في النظر للمستقبل، فخلص ذلك إلى تعصب كل مدرسة لمبانيها الخاصة أصولا وفروعا. وهكذا انتشر المتطفلون على الفتوى والقضاء، فأدى ذلك إلى تقبّل سد باب الاجتهاد. وقد علق على ذلك الشيخ محمد الغزالي بقوله: إن إغلاق باب الاجتهاد هو اجتهاد، وهذا الاجتهاد بإغلاق باب الاجتهاد انتهى إلى ضرر، والضرر هو أن الأمة توقفت فعلاً عند التفكير القديم الذي كان سائداً في القرن الرابع تقريباً. وقد ترتب على هذا الغلق لباب الاجتهاد وغلبة النصوص التي كانت كالأشجار دون ثمار أن المسلم المعاصر يجد أنه من الأصلح له أن يستورد قانونا فرنسيا في الأمور التجارية عن أن يستند إلى قواعد المذهب الحنبلي أو المالكي أو الشافعي. لأن هؤلاء الأئمة العظام قالوا ما ناسب زمنهم، ولم نقل ما يناسب زماننا إلا بتحليل وتحريم ما نستورده من الغرب والشرق ولم نقم بدورنا في الاستحداث والإنشاء.
رابعا تراجع شرعية العدل، لصالح شرعية العسكر
في نفس الفترة التي ثار فيها الجدل بين الغزالي وابن رشد (القرن الثاني عشر الميلادي)، كان العالم الإسلامي يواجه خطر الحروب الصليبية وفي أعقابها غزوات التتار. وكلاهما خطر تتطلب عسكرة المجتمع بمعنى أن يعيش المسلمون لفترة طويلة من الزمن ستمتد إلى يومنا هذا، مع استثناءات قليلة، في حالة استعداد دائم لمعركة عسكرية قادمة. ومن هنا كان حكم الأيوبيين ثم المماليك ومن بعدهم العثمانيين للقيام بوظيفتين أساسيتين: منع الفتن الداخلية من جهة وحماية دار الإسلام من الخطر الخارجي من جهة ثانية. فلم يعد العلم الدنيوي والاجتهاد الشرعي إلا تابعين للوظيفة الأساسية وهي وظيفة درء الخطر الخارجي أساسا. وفي هذه الأحوال يبحث الإنسان عن شرعية القوي حتى وإن كان مخطئا جاهلا ظالما فاسدا وليس عن شرعية الضعيف حتى وإن كان مصيبا عالما عادلا نزيها، وحديثا قيل: "لا صوت يعلو على صوت المعركة." فكان المنطق الأسلم هو القبول بما سمي في الفقه ب "أمراء الاستيلاء" أو سموا لاحقا ب"أمراء التغلب" وانتهى الحال ببعض الفقهاء مثل الماوردي والجويني أن أعطوا لهؤلاء شرعية مستقلة عن شرعية الخليفة لأن سلاطين التغلب ينهضون بما نهض به الخلفاء قبلهم من حفظ الوحدة والدفاع عن دار الإسلام.
وهكذا بدلا من أن كانت شروط الخليفة أو ولي الأمر تجعل منه حاكما عالما مجتهدا عادلا حرا عاقلا قادرا على القيام بالتكاليف الشرعية والاستنباطات الفقهية، حاملا للرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح والكفاية الجسدية والقدرة على حماية البيضة وجهاد العدو، بدلا من كل هذه الشروط، تحول الأمر إلى "أصلح الله من أصبح" أي أصلح الله الحاكم الذي أصبح يحكمنا سواء وجدت فيه هذه الصفات أم لم توجد. وهو تطور خطير فبدلا من أن يزيد المسلمون من شروطهم في من يلي أمورهم، أصبحوا يقبلون من يحكمهم بنفس منطق قبولهم لنزول المطر أو غيابه، أو حدوث الزلازل أو امتناعها. أقصى ما يستطيعون هو الدعاء: "اللهم ول أمورنا خيارنا." وهي نظرة تواكلية ما أتى بها الإسلام ولكن ابتكرها الفقهاء المسلمون في عصور التخلف التي امتدت طويلا.
إذا نظرنا لهذه العوامل مجتمعة، فضلا عن المحطات ثلاث الأخرى التي سنتناولها في المقال القادم، يتبين أن بذور التخلف في مجتمعاتنا لها نصيب عميق الجذور، ولكن الحل لن يتطلب مئات السنين، فنهضة المجتمعات المعاصرة كانت سريعة بفعل عوامل العصر الذي نعيشه، على نحو ما سنرى، المهم أن نفهم أصل الداء وبدائل العلاج، والله المستعان.

Wednesday, November 21, 2007

إلي سلة المهملات

اسامة هيكل
لم يكلف الأمر الرئيس مبارك مجرد جرة قلم.. اكتفي بمجرد كلمتين في مؤتمر صحفي بالاسماعيلية ليلغي مشروع إنشاء عاصمة جديدة لمصر، وليحرج كل الذين شاركوا في المشروع، وكل الذين أيدوه وصفقوا له. منذ سنوات، والمصريون يستمعون لتصريحات عن عاصمة جديدة لمصر بدلاً من القاهرة التي أصبحت مكتظة بسكانها وسياراتها وعوادمها ومشاكلها.. ولكن خلال العام الماضي، زاد الحديث عن هذا الأمر بشكل ملحوظ،
وأعلن جمال مبارك الأمين المساعد وأمين سياسات الحزب الوطني عن مخطط عمراني جديد لتطوير القاهرة الكبري، ثم فجأة تحول الحديث علي المستوي التنفيذي إلي فكرة إنشاء عاصمة إدارية جديدة لمصر بدلاً من القاهرة، ولم يكن الأمر محل خلط أو سوء فهم.. فقد أعلن صفوت الشريف أمين عام الحزب الوطني ورئيس مجلس الشوري قبل أسبوع أنه تلقي خطاباً من رئيس الوزراء يطلب رأيه في موقع مجلسي الشعب والشوري الجديدين في التخطيط الذي انتهي للعاصمة الجديدة. وفي نفس اليوم، أكد الدكتور مفيد شهاب وزير الشئون القانونية والنيابية أهمية إنشاء عاصمة جديدة لمصر، وقال إن الحكومة تقوم بدراسات مستفيضة لحل مشكلة ازدحام العاصمة وتخفيف العبء السكاني بالقاهرة.
* وكان تقرير التنمية البشرية الصادر في 2006 بالتعاون بين الأمم المتحدة ومعهد التخطيط القومي قد طالب بخريطة عقارية جديدة لمصر، وركز علي ضرورة إنشاء عاصمة جديدة وإيجاد عناصر جذب السكان للمناطق الجديدة.
* كل هذه الدراسات التي أجرتها الحكومة المصرية مصيرها »سلة المهملات«.. كل الأموال التي أنفقتها الحكومة علي الدراسات المستفيضة للتخطيط الذي انتهي وفق التصريحات الرسمية، ضاعت هباء.. تماماً مثل مشروعات كثيرة بدأت وتوقفت.
* والحقيقية أن أسانيد الرئيس مبارك في رفضه للمشروع منطقيه.. فالعدالة الاجتماعية في حالة سيئة، ومصر ليست ذات اقتصاد منتعش لدرجة إنفاق عشرات المليارات علي عاصمة جديدة.. وبالتالي يجب توجيه الموارد لخدمة السكان.. ولكن السؤال، أليس الأجدر بالحكومة أنها تعلم حقيقة الوضع الاقتصادي ومعاناة الشعب وآلامه؟!
* الرأي النهائي في مشروع العاصمة الجديدة كان للرئيس مبارك.. ولكنني لا أعلم لماذا لم يعلن رأيه منذ بدء الحكومة في دراساتها التي تكلفت بالتأكيد مبالغ مالية ضخمة جداً؟! ولا أعلم هل بدأت الحكومة تلك الدراسات بمعرفة الرئيس أم بدون معرفته؟!
* المؤسف.. أن النموذج الذي ظهر به مستوي الأداء العام للدولة في هذه القضية يعكس أننا نعيش حالة من العشوائية.. ويؤكد أننا لانضع أمامنا هدفاً محدداً، وأن الحكومة تعمل بمزاجها بعيداً عن إستراتيجية محدده يعلمها الرئيس ويوافق عليها.. والنتيجة أن كل دراساتنا إلي سلة المهملات ومعها ملايين كثيرة يحتاجها المواطن.

Do you believe to see these humans in Egypt 2007?!!!!!



:))))))))))

نصائح ..نصائح

د.محمد السيد سعيد

الحمد لله أن السيد عمرو موسي ذهب إلي لبنان حتي لا يترك وزير الخارجية الفرنسي وحده محاولا دفع التوافق علي انتخاب رئيس جديد، فالدور الذي قام به الأمين العام للجامعة العربية هو الدليل الوحيد علي اهتمام مصر غير المباشر بالشأن اللبناني.
مصر غائبة في لبنان وهذا وضع تاريخي بدأ منذ بارك الرئيس السادات التدخل السوري الانفرادي في الحرب الأهلية اللبنانية عام 1976 .والواقع أن مصر غائبة عن مواقع الأزمات العربية جميعا ودون مبررات حقيقية، إذ لا يوجد ما يفسر غياب مصر العجيب في السودان. وسريعا ما قد يتدهور الوضع هناك وتعود الحرب بين الشمال والجنوب بما يفتح جميع الأسئلة والملفات القديمة، ويري البعض أن غياب مصر في العراق مفهوم بسبب الغزو والتطرف والفوضي. ولكن هذه الظروف لم تمنع دولا كثيرة من تأسيس حضور مباشر وغير مباشر في هذا البلد. ثم إن الحضور المصري في جميع البلاد العربية تراجع بصورة مخيفة حتي صرنا آخر من يهتم وآخر من يعلم وآخر من يفعل بل آخر من «تعمل له الحكومات العربية أي حساب». ومن هنا نفسر العدد الكبير من المصريين في السجون الكويتية وأكثرهم ضحايا شركات كويتية توردهم بالخديعة لقوات الاحتلال الأمريكية في العراق. ومن هنا نفسر أيضا القرارات التعسفية التي تصدرها السلطات الليبية بحق المصريين. التفسير الذي يقترح نفسه لفهم هذا الإهمال الجسيم للحضور المصري في العالم العربي هو شيخوخة النظام السياسي، فالقدرة علي صنع مبادرات مهيبة ومحترمة انتهت تقريبا.وهناك عامل مكمل وبالغ الأهمية وهو أن النظام السياسي في مصر لم يعد يمتلك وجهة نظر أو فلسفة أو رؤية لمستقبل المنطقة. كل ما دعا له الرئيس مبارك كبديل للفكرة القومية التي نادي بها ناصر هو مبدأ "عدم التدخل". وفي ظل هذا المبدأ تدخلت جميع القوي الدولية والإقليمية إلا مصر مما حرمها من الأوراق الضرورية للتأثير علي الأحداث في سائر البلاد العربية وضمان الحد الأدني من احترام المصالح المصرية.
والطريف في سياسة عدم التدخل أن الفرقاء في مختلف الأزمات العربية وخاصة لبنان والسودان واليمن والعراق جاءوا يطلبون من مصر القيام بدورها. ولم يكن لدي مصر ما تقوله أو ما تفعله سوي النصائح!

عقائد كافرة

محمد البرغوثي

لا تكاد تخلو الصحف اليومية هذه الأيام من أخبار متلاحقة عن «إحباط محاولة تسفير عدد من الشباب إلي أوروبا بطرق غير شرعية».. و«القبض علي عصابة من عصابات تهجير الشباب في قوارب الموت».
والملاحظ أن أجهزة الأمن المختصة بإحباط هذه المحاولات ومراقبة الساحل الشمالي المصري، استنفرت كل إمكاناتها بعد حادث غرق قاربين قبل أسبوعين، ونشطت في مراقبة السواحل وتجميع المعلومات عن سماسرة الهجرة غير الشرعية،
والمؤكد أن هذا الاستنفار سينتهي بعد أيام قليلة، دون أن يعالج شيئًا، أو يخفف من هذا النشاط الكثيف الذي تشهده سوق تهريب الشباب المصري إلي إيطاليا وأفريقيا وإسرائيل.
الظاهرة إذن مستمرة، لأن الأسباب المنتجة لها مازالت كما هي، ومازالت القوي الطاردة للشاب من بيته وقريته وبلده، أقوي من كل الأجهزة الأمنية ووسائل الإعلام، التي تحاول إحباط محاولات التهريب، أو توعية الشباب بمخاطر الهجرة غير الشرعية.
واللافت في هذه الظاهرة أنها لم تترك قرية مصرية واحدة إلا دخلتها، وسيطرت تمامًا علي عدد من شبانها لايكاد يجمعهم شيء غير أنهم يحلمون بالسفر إلي أوروبا.. فبعض هؤلاء الشبان من الحاصلين علي مؤهلات عليا، وبعضهم لم يحصل إلا علي الابتدائية، واللافت أيضًا أن هؤلاء الشباب ليسوا جميعًا فقراء، فبعضهم ينتمي لأسر ريفية مستورة تمتلك عددًا من الأفدنة، وبعضهم لا يملك إلا صحته واستعداده للمقامرة بحياته.
ما الذي يدفع هؤلاء جميعًا إلي الاشتراك في حلم واحد؟
لقد قرأت معظم ما نشرته الصحف علي ألسنة الناجين من حادثي غرق القاربين، واستمعت إلي بعض أبناء القري التي استقبلت جثث أبنائها الغرقي، ولم أقتنع أبدأ بأن الفقر أو البطالة هما سبب تفشي هذه الظاهرة الرهيبة في معظم القري المصرية.
نعم، الفقر والبطالة، حاضران، ولا يمكن استبعادهما، ولكنهما يفسران فقط رغبة شاب فقير وعاطل في تجريب هذه المغامرة، التي قد تنتهي بالراحة الأبدية من فقره وبطالته ومهانته، أو قد تنتهي بالوصول إلي شاطئ الحلم الأوروبي.
ولكن الفقر والبطالة لا علاقة لهما بانضمام آلاف الشبان من الأسر المستورة إلي قوافل المغامرين بأرواحهم في قوارب الموت، ومن يتحدث - بعيدًا عن وسائل الإعلام - مع عدد من هؤلاء الشبان سيكتشف علي الفور أنهم ضحايا ثقافة كونية سائدة، أهدرت كل القيم الإنسانية النبيلة، وأشاعت في العالم كله ثقافة بديلة لا قيمة لشيء فيها غير «المال».
«المال» في الثقافة الرأسمالية السائدة هو القيمة والمهابة.. وهو الوطن والعائلة، وهو القوة والسلطة والمعرفة أيضًا، و«المال» هو النسب والحسب وفصيلة الدم، ولا شيء غيره يستحق الاحترام أو يجلب التقدير.. وليس أدل علي ذلك من مذلة العلماء في معاملهم، ووحشة المفكرين في غرفهم الكئيبة، وانهمار الأضواء والوجاهة والعظمة علي كل تافه رقيع.. تمكن في زمن قياسي من جمع الملايين، لا لشيء، إلا لأنه تافه ورقيع!
في الريف والمدن، في الدول النامية والمتخلفة، والدول الناهضة والمتقدمة، أصبحت «صلة المال» أقوي ملايين المرات من «صلة الدم».. وأصبح «قريبنا» الفقير عبئًا لا يمكن احتماله، وتراثًا لا تستوعبه غير المتاحف، وأصبح «الآخر» الثري - حتي لو كان عدوا - ثقافة جديدة ينبغي اكتسابها.
وفي ظل هذه العقيدة «المالية» فقد كل شيء آخر قيمته.. وفقدت الحياة - من دون المال - أهميتها. ولهذا سيستمر الهرب والغرق، إلي أن تغرب شمس هذه العقيدة الكافرة.

Tuesday, November 20, 2007

الحكومة.. الحزب.. الرئيس!

محمد أمين

أشعر بقلق شديد إزاء ما يجري في دائرة صنع القرار.. علي مستوي الحكومة والحزب والرئيس.. كل يوم يصدر قرار ثم يصدر نقيضه في اليوم التالي.. وأتحدث عن قرار نقل العاصمة.. وبرغم أن الحكومة هي التي اخترعت مشروع نقل العاصمة.. فإن الحكومة أيضاً هي التي شطبته بأستيكه.. ثم عادت إليه مرة أخري.. فألغاه الرئيس في رحلة الإسماعيلية بقرار منه.. وكلام الرئيس قرار جمهوري غير مكتوب.. ولكنه قابل للتنفيذ، فور صدوره، ولا يجرؤ أحد هنا أو هناك علي مخالفته.. وكنت حتي ساعات قليلة مضت أشعر بأن الحلم تحقق،
وأن نقل العاصمة أصبح حقيقة لا تحتمل الشك.. فهناك خطاب من »نظيف«، وهناك إعلان من »الشريف«.. ومانشيت في جريدة »روزاليوسف« الحكومية.. يبشر بأننا سوف ننتقل إلي عصر جديد مع عاصمة جديدة!!
** ومرجع القلق هنا أن الحكومة هي التي قررت ثم أخطرت الحزب عن طريق أمينه العام صفوت الشريف.. في بادرة تدل علي التعاون بين الحكومة والحزب، والتنسيق التام.. وهي إشارة تدل علي أنها لقيت موافقة من القيادة السياسية.. فإذا بكل ذلك ينهار فجأة.. فلا خطاب، ولا إعلان.. ولا أي قرار غير قرار الرئيس.. وقرار الرئيس مع العدالة الاجتماعية في الوقت الراهن.. ومع مساكن الفقراء.. وهو شيء مطلوب.. وإن كان نقل العاصمة أيضاً لا يقل أهمية، بعد أن تحولت القاهرة إلي جراج مفتوح.... وزاد الأمر تعقيداً مع كل زيارة للرئيس.. سواء لمجلس الشعب أو حتي لمدينة 6 أكتوبر!!.
** وكنت أتصور في البداية أن خطاب »نظيف« جاء كرد فعل لما حدث في زيارات الرئيس.. وربما يكون كذلك.. ولكني أتوقف أمام سؤال عن الميزانية المطلوبة للتنفيذ.. وكيف كان »نظيف« سيدبرها.. وكيف كان الحزب سيوافق عليها.. ثم كيف كان كل ذلك يحدث.. وهو ليس في برنامج الرئيس.. مع أنه أهم مشروع تقريباً.. لو كان في البرنامج الرئاسي.. كما أن حيثيات الإلغاء التي أوردها الرئيس.. إنها مجرد خطط.. وقد لا يتم تنفيذها إلا بعد 15 عاماً.. عندما تسمح الظروف..، وعندما يأتي من يعمل علي تنفيذها.. فيستفيد من التخطيط أو يعدله أو حتي يلغيه.. وبعد هذا لا يملك نظيف إلا أن يصمت.. ويصمت معه »الشريف« للأبد!!