Wednesday, October 31, 2007

الاحترام سهل جداً

أسامة هيكل

* يوم الاثنين الماضي وقبل أن تنطلق الشائعات أعلن إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي في مؤتمر صحفي أنه مريض بسرطان المثانة.. وشرح حالته الصحية بكل وضوح لكل المواطنين الإسرائيليين بمختلف انتماءاتهم السياسية.. ولم يخف أياً من تفاصيل مرضه، وقال إن هذه الحالة المرضية والجراحة التي سيجريها لا تمنعانه من ممارسة مهام عمله كرئيس للوزراء. * وأنا لا أميل للمقارنة بين مصر وإسرائيل.. فمصر هي الدولة الأكبر والأقدم في المنطقة، وتقوم علي أسس شرعية، بينما إسرائيل دولة مغتصبة ليس لها حقوق مشروعة.. ولكن المقارنة جاءت رغماً عني..
فحينما سرت شائعة مرض الرئيس، لم يخرج علينا في مؤتمر صحفي ليشرح لنا كمواطنين حالته الصحية.. وقد كان ذلك أمراً سهلاً للغاية، لأنه يتمتع بالفعل بصحة جيدة، والنفي بمجرد ظهور الشائعة كان واجب التصديق.. والناس تحب المكاشفة والمصارحة، ولا أدري من الذي أشار علي الرئيس بالنفي غير المباشر، وزيارة القرية الذكية ثم مدينة برج العرب، ثم زيارات ميدانية رمضانية في مختلف المحافظات.. وبالتأكيد استغرقت تلك الزيارات والجولات جهداً أكبر من الرئيس والحكومة والأجهزة المعاونة والمعنية بأمن الرئيس.
* لماذا اختار الرئيس الطريق الصعب والذي راحت ضحيته حرية بعض الصحفيين؟! ولماذا لم يعلن صراحة وعلناً وفوراً وفي مؤتمر صحفي أن ما كان يشاع وقتذاك كان خاطئاً!!
* الحقيقة أن القيادات المصرية تتعب نفسها وتتعبنا معها.. وكلهم علي اختلاف مستوياتهم القيادية لا يعترفون بحق المواطن في المعلومات والمعرفة.. رغم أنه لا ديمقراطية بدون شفافية.. ورغم أن كل المتغيرات التي تدور في العالم، والطفرات التي تحدث، وصعوبة إخفاء أي سر في هذا الزمان حتي لو كان حربياً، فإن القيادات المصرية تتعامل معنا كشعب علي أننا قصر لا يجب أن نطلع علي كل شيء، لأننا لسنا علي مستوي الفهم المطلوب للإلمام بكل شيء.
* الدنيا تغيرت.. والإعلام أصبح سيد الموقف.. وقد فعل أولمرت الذي لا يهمنا في شيء الصواب، ولم يعط فرصة لأي شائعة كي تطلق، ولم ينتظر حتي يتورط صحفيون في شائعات ممتدة.. وما فعلناه كان عين الخطأ.
* الحقيقة أننا نحتاج لأن نشعر بأن الرئيس مبارك يهتم بحقنا نحن الثمانين مليون مصري في أن نعلم تماماً، كما أعطي أولمرت الحق لخمسة ملايين إسرائيلي كي يعلموا.
* لو لم تحترمنا قياداتنا مهما زاد عددنا لن يحترمنا العالم.. ولو احترمتنا قياداتنا مهما كنا قلة سنكسب احترام العالم.. وإذا عاد حق المواطن المصري في العلم، ستعود الثقة في القيادات، وسيختفي الإحباط من حياتنا، ولن يكون هناك مجال لإطلاق الشائعات.
* طريق الاحترام سهل للغاية.. أسهل مما يتصوره البعض.

من هو المستفيد

جمال بدوى

طالعتنا »الأهرام« فى صدر صفحتها الأولى أمس بخبر عرض بنك الفلاحين للبيع أو الإيجار.. و»بنك الفلاحين« هو الاسم السياحى لبنك الائتمان الزراعى الذى أقيم فى ثلاثينيات القرن الماضى تحت اسم بنك التسليف الزراعى والتعاونى، ليشد من أزر الفلاح المصرى أثناء الأزمة العالمية، ويقدم إليه الخدمات والقروض، ويحرره من طغيان المرابين والبنوك الأجنبية. ** لقد أقيم البنك الجديد على أرض مملوكة لوزارة الزراعة، وفى أحد الأحياء الراقية بجوار نادى الصيد، وروعى فى البناء أن يكون حائزاً على معالم الفخفخة والبذخ ليناسب المكانة الأثيرة للفلاحين عند الدولة،
فتكلف البناء مائة وثلاثين مليوناً من الجنيهات. ويبدو أن عيون الحساد أصابت المبنى فاستكثروا أن يكون للفلاحين بنك على هذه الحالة من البذخ.. ولما كانت حكومتنا متعطشة الى المال من أى سبيل، فقد ضنت بالبنك على الفلاحين، وصدرت تعليمات رئىس الوزراء إلى وزارة المالية بدراسة الموضوع، والمفاضلة بين البيع أو الإيجار(!!).
** يطرح محرر »الأهرام« عبد الوهاب حامد، سؤالاً وجيهاً: لماذا كان البناء بهذه الفخامة لبنك الفلاحين؟ ثم لماذا البيع الآن؟ ومن شأن هذا السؤال أن يجر وراءه عشرات الأسئلة عن عشرات المشروعات التى أقيمت بطريقة ارتجالية، ثم هدمت بطريقة ارتجالية، ويحضرنى فى هذا المقام جراج ميدان رمسيس، الذى تكلف بناؤه عشرات الملايين، وتكلف هدمه عدة ملايين دون أن يعرف الشعب لماذا كان البناء.. ولماذا كان الهدم؟، ولم تتحرك جهة مسئولة لتجيب عن هذه التساؤلات مع أن الدولة تهتز وتنتفض إذا أقيم بناء ـ ولو عشة فراخ ـ على غير رغبتها، وتحرك عضلاتها الفولاذية إذا هدم بناء دون إذنها(!!).
** هل لنا أن نعرف من هو المستفيد فى حالتى البناء والهدم؟ هل للشعب أن يعرف اسم صاحب المنشار الذى يستحوذ على الأموال طالما المنشار يتحرك علواً وهبوطاً.. وهدماً وبناء.. ومن هم أصحاب الكروش المنتفخة بالمال الحرام من إقامة مشروعات أو بيع مصانع.. أو تعمير أراض أو هدم فيلات وقصور(!!).

مصر هي الباقية

مجدى مهنا

عن جد ـ بلهجة المذيعات اللبنانيات ـ وحشتني مصر هذه المرة.
لا أرغب في الدخول في تفاصيل حياتي الصحية.. المشوار طويل.. وعلي أن أتقبله بنفس راضية مرضية، وأن أشكر الله في السراء والضراء.. فليس أمامي طريق آخر لمشوار غيره، لكي أسلكه، وسوف يؤيدني الله بنصر من عنده.
وحشتني مصر، ولا أعرف لماذا؟ ولماذا في رحلة السفر الماضية كرهتها، ولم أكن أطيق سماع اسمها، ولا أريد العودة إليها، وكأنني في سبيلي إلي اتخاذ قرار مصيري بالابتعاد عن هذا الوطن الذي عشت له.
ليس هناك منطق أو فلسفة أو مبرر أقدمه.. ولا أعرف لماذا وحشتني مصر كثيرًا.. وليس لدي أسباب سوي أن الذي يحب لا يمكن له أن يعرف الكراهية.. لكنها لحظة خرجت فيها أحاسيس علي هذه الصورة، وكتبتها سابقا، وما يهمني هو الصدق .. قارئ كان دائما كريما معي.. يعرف أنني أحبه وأقدره وأخلص له.. وأعرف أنه يبادرني الشعور نفسه.
لا يمكن لي أن أكره بلدي.. إنني أكره الأوضاع التي تعيش فيها، وأريد تغييرها.. وأكره السياسات التي أوصلتنا إلي هذه الأوضاع.. وأريد نسفها.. وأكره أن يضيع العمر مني، مع ضياع الآمال والأحلام، وكل «وجع القلب» علي امتداد سنوات طويلة.
هذا ما أكرهه في مصر، ولن أكتب حرفًا واحدًا عن حبي لها، فهي تعرف من يحبها، وأنا أعرف أنني أعشقها.. فالكلام أصبح رخيصًا.. والذين يصدعون أدمغتنا بحب مصر هم أول الذين يمسكون بضرعها ويمتصون حليبها، حتي آخر نقطة، وآخر نفس. وهؤلاء تستطيع أن تشير لهم بالاسم في جميع المواقع.
أعرف أن القارئ سوف يصدقني عندما أقول له إنه ليست لي أحلام وآمال خاصة بي في هذا الوطن.. وأن آمالي وأحلامي هي أن نعيش في وطن حر وديمقراطي.. الحاكم، في أي موقع، وفي أرفع موقع، هو خادم المواطن، وليس سيده.
هذا ما أريده.. لكنني للأسف لا أري منه شيئًا يتحقق.. وربما هذا هو ما جعلني أتهور في لحظة ما، وقلت إنني لا أريد العيش في هذا الوطن.. الذي لا يستطيع أن يستوعب آمالي وأحلامي، التي هي آماله وأحلامه، دون زيادة أو نقصان، ودون رغبة مني في أن يزداد الدور الذي أقوم به أو يتقلص.. فما أكثر الشرفاء والمخلصين في هذا البلد.. لكنهم يجدون أمامهم اللصوص والانتهازيين يتقدمون الصفوف.. وأنا لا أتحدث عن الصحافة، حتي لا يفهم أحد كلامي خطأ.. إنما أتحدث عن أهل السياسة والحكم.. وحتي هذا الكلام ينطبق أيضا علي الصحافة.. لكن هذا لم أكن أقصده.
أعرف أن كل شيء تركته في وطني هو في نفس موضعه.. أو علي «حطة يدي» لا شيء قد تغير.. ولا شيء سوف يتغير.. هكذا تعودنا وتأقلمنا.. وهكذا تمضي الحياة بنا.
والحديث دائر الآن حول المؤتمر التاسع للحزب الوطني، والكلام حول التفاصيل الصغيرة واللمسات النهائية للمؤتمر.
حتي الكلام ساخن حول دور جمال مبارك.. هل يتسع في المرحلة القادمة، ويجري تصعيده، أم يبقي الحال علي ما هو عليه حتي إشعار آخر.. لم يعد يثير اهتمام أحد.. فما أشدها من خسارة أن يتحدد مصير وطن ومستقبله علي مصير ومستقبل شخص واحد؟ وما أتعسها من نهاية؟ وهذا ما يجعلني أقول دائما إنها مرحلة وستمضي إلي حال سبيلها.. لكن مصر هي الباقية.

ما يحتاجه البيت.. والجامع

بقلم سليمان جودة

أهم شيء أعلنه الرئيس مبارك صباح أمس، ليس هو قرار بدء بناء عدد من المحطات النووية لتوليد الكهرباء، كما قد توحي بذلك المانشيتات العريضة باللون الأحمر في الصحف..
فقرار الرئيس في هذا الشأن كان متوقعاً بشكل أو بآخر، كما أن الموضوع في إجماله ليس جديداً بالنسبة للقارئ، فقد سبق الإعلان عنه في مؤتمر الحزب الوطني في سبتمبر قبل الماضي، وبالتالي كان قرار الرئيس بالبدء الفعلي تحصيل حاصل لما سبق الترويج له طوال أكثر من عام، من أول مؤتمر الحزب الماضي إلي مؤتمره المنعقد صباح السبت المقبل!
الجديد حقاً، والمثير فعلاً، هو أن الرئيس طلب من الحكومة، للمرة الأولي، إعادة هيكلة أسعار الطاقة، للتفرقة بين القادرين، وبين غير القادرين، المستهلكين لها.. ثم إن القيادة السياسية، للمرة الأولي أيضاً، هنأت الحكومة علي قرارها منذ شهر تقريباً، برفع الدعم عن الطاقة للمصانع كثيفة الاستهلاك لها، بما يوفر للدولة، كما أعلن المهندس رشيد محمد رشيد وقتها، ١٥ مليار جنيه، علي مدي السنوات الثلاث المقبلة.
وليس سراً أن «المصري اليوم» كانت هي الأولي، بلا منازع، ولا منافس، في المطالبة، طوال ثلاث سنوات مضت، بما أعلنه الرئيس صباح أمس.
وإذا كان لابد من ترجمة كلام الرئيس إلي مستوي آخر، بعيداً عن عبارة إعادة الهيكلة، التي تبدو صعبة بطبيعتها، فالرئيس يريد من الحكومة أن تعيد النظر في ٤٥ مليار جنيه تدعم بها الدولة مستهلكي الطاقة سنوياً، وتشعر وتعرف، في الوقت نفسه، بأن أكثر من ٩٠% من هذا المبلغ يذهب إلي غير مستحقيه، ويتسرب إلي الأثرياء.. وبالتالي فالطلب بوضوح هو أن مستحق دعم الطاقة، بدءاً من اليوم، سوف يحصل عليه، وغير المستحق لن يراه مرة أخري بعد اليوم!!.. هكذا بالعربي الفصيح!
وحين يأتي طلب من هذا النوع، من رئيس الدولة، فهو ليس مثل طلبي وطلبك، وإنما سوف يتحول علي الفور إلي قرار له قوة القانون.. ولكن الشيء الفاصل في الأمر كله، والذي لم يتضح بعد، هو الجهة التي سوف تستفيد بما سوف يتوفر من مليارات الدعم.. فالرئيس لم يحددها، ومن الطبيعي في بلد مثل مصر، يحكمه نظام رئاسي، يضع كل شيء في يده، وفي يد الرئيس تحديداً، أن الحكومة لن تحدد، وحدها، إلي أين يمكن أن يذهب عائد رفع الدعم، عن غير مستحقيه..
وإذا لم يحدد الرئيس للحكومة فلن تحدد هي، ولن يتطوع لها أحد، بتوجيه العائد إلي ما يجب أن يتجه إليه فعلاً.. ونحن في كل الأحوال لا نريد أن يتوجه العائد إلي البنية الأساسية في المناطق الصناعية، كما قيل صباح أمس عن ٢ مليار و٦٥ مليون جنيه، هي عائد بيع تراخيص الأسمنت الجديدة.
لا.. ليس هو المطلوب.. ولا هو الهدف، ولا ينبغي أن يكون.. ولابد من أن تكون هناك أولوية يتوجه إليها عائد رفع الدعم عن الطاقة، بلا نقاش، وبلا ترد.. وهذه الأولوية لا نعتقد أن أحداً سوف يجادل في أنها التعليم، ثم التعليم.. ثم التعليم.. وإذا لم يتدخل الرئيس، ويتبني هذه الأولوية، وينتصر لها، ويتمسك بها، فإن الدعم المهدر في الطاقة، سوف يتم إهداره في مواقع أخري، وبالسفه نفسه، والجنون نفسه!
وإذا كان الشيخ محمد بن راشد، حاكم دبي، قد أعلن أمس الأول، وفي نفس يوم قرار الرئيس، عن توجيه ١٠ مليارات دولار إلي المعرفة والتعليم والترجمة في بلاده، وفي العالم العربي كله.. فنحن نريد توجيه الـ٤٥ مليار جنيه إلي ذات الاتجاه، ولكن من الإسكندرية إلي أسوان.. فما يحتاجه البيت يحرم علي الجامع، وحالة البيت، من حيث مستوي التعليم فيه، كفيلة بأن تجعل كل فلوس البلد مُحرمة علي كل الجوامع، وغير الجوامع، إلي أن ينصلح الحال في المدارس والجامعات!

Tuesday, October 30, 2007

الخروج من الصندوق‏

جمال الشاعر

الدكتور عصام شرف وزير النقل والمواصلات السابق شديد الإعجاب بكتاب فرانك برنس الخروج من الصندوق وأنا أشاطره هذا الإعجاب بشدة‏..‏ حل مشكلة مصر هو الخروج من الصندوق‏..‏ تحرير العقل من صناديق التفكير التقليدية وإطلاقه إلي آفاق التفكير الإبداعي والابتكاري‏..‏ ما هي قصة هذا الكتاب؟‏..‏ نعيش منذ الولادة في صناديق تبدأ بسرير الطفولة وحجرة اللعب والبيوت الصناديق‏..‏ من المدرسة وهي صندوق كبير نعيش فيه أحلي سنين العمر‏..‏ وصولا إلي صندوق الوظيفة الكبير ما بقي من عمر‏..‏ كيف تخرج من الصندوق؟‏..‏ ابحث عن السوستة أو اليويو مثلما فعل بطل قصة الخروج من الصندوق‏..‏كان يعيش حياته بطريقة روتينية ويقوم بأعماله بطريقة أوتوماتيكية داخل صندوق الوظيفة وهو مغمض العينين وفي يوم من الأيام وجد سوستة في الصندوق جرب أن يقذفها في الحائط فعادت إليه‏.‏ قذفها إلي الأعلي فاصطدمت بسقف الصندوق وهبطت علي الأرض‏..‏ وقف علي السوستة اليويو فقذفته إلي الأعلي فارتعب وعاد إلي الصندوق‏..‏ أعجبته اللعبة عاود الكرة وصعد فوق السوستة وضغط بقوة فوجد نفسه خارج الصندوق‏..‏ انتابته مشاعر الهلع وعاد سريعا داخل الصندوق‏..‏قرر أن يغامر وأن يخرج أحيانا ويرجع إلي الصندوق مرة أخري ويستمتع باكتشاف العالم من حوله‏..‏ اكتسب مهارات وخبرات وتفانين جديدة جعلته يطور حياته وأساليب عمله فحقق مكسبين كبيرين‏..‏ استمتاع بالحياة والحرية والخروج من الصندوق إلي عوالم مدهشة من الإبداع والابتكار‏..‏ الدكتور يوسف إدريس رحمه الله سبق فرانك برنس إلي نظرية الخروج من الصندوق بنظريته المشاغبة الخروج من الجزمة‏..‏ فاجأ جماهير معرض الكتاب بأن لديه حلا لمشاكل الاقتصاد المصري ثم استطرد الحل في تغيير الجزمة‏..‏ طول عمرنا لابسين نفس الجزمة أيام الانجليز وأيام الملك وبعد الثورة‏..‏ الدنيا اتغيرت والجزمة ضاقت علي رجلنا ولا فائدة‏..‏ حبسنا أنفسنا في أحذية الشعارات‏..‏ الاشتراكية انتهت ومازلنا نمشي في أحذيتها‏..‏ العالم ذهب للرأسمالية والحداثة وما بعد الحداثة ونحن مازلنا نرتدي نفس الأحذية القديمة‏..‏الحل هو تغيير الحذاء أو الخروج من الصندوق‏..‏ خبراء الإدارة ومنهم نسيم الصماوي ينصحونك قائلين اكسر الصندوق‏..‏ خصص خمس دقائق للتخيل صباح ومساء كل يوم‏..‏ تخيل نفسك رئيس مجلس إدارة لمدة يوم‏..‏ غير عاداتك‏..‏ تعلم العزف علي آلة موسيقية‏..‏ اخلع حذاءك وجوربك وامش حافي القدمين علي الحشائش الخضراء‏..‏انزل البحر بملابسك‏..‏ فاجيء نفسك بأشياء‏..‏ فالروتين والاعتياد هما عدوك اللدود‏..‏ تسلق شجرة‏..‏ اذهب إلي رحلة سفاري وعسكر في الصحراء‏..‏والا سوف تختنق داخل الصندوق وتتقولب وتتحول إلي مجرد رقم أو ماكينة انتاج ولا أقول ماكينة فلوس‏..‏ من هم أحوج الناس إلي الخروج من الصندوق‏..‏ السياسيون‏..‏ جربوا أن تتركوا المكاتب المكيفة وربطات العنق وتنزلوا إلي الشارع‏..‏ عندها سوف يخرج الناس من صناديقهم ويشاركون‏..‏ المهم أن يكون المفتاح في يدك وليس الصندوق‏..‏ فقديما قالوا في الأمثال‏..‏ سرقوا الصندوق يا محمد‏..‏ لكن مفتاحه معايا‏.‏

التوك توك والهامر

بقلم جمال الشاعر
مشكلة المرور في مصر أصبحت مشكلة المشاكل والنكتة تحكي أنهم أتوا بفريق خبراء عالميين لدراسة المشكلة وعندما رأوا شوارع القاهرة وحركة السيارات المجنونة والعشوائية فيها.. قالوا والله هذه فكرة رائعة وتقليد جديد أن يكون لديكم يوم للمرور الحر..
كل إنسان يسوق سيارته كيفما اتفق ومع ذلك لا تحدث كوارث كثيرة.. حجم الكوارث تحت السيطرة.. فكرة جيدة.. نخرج من النكتة إلي معضلة النقل في مصر.. والمعادلة معروفة سلفًا.. الانفجار السكاني يولد انفجارات متتالية في التعليم والصحة والتلوث والنقل والمواصلات.. عندنا في مصر بدائل ولكنها غير مستخدمة أهمها النقل النهري.. مجري ملاحي يمتد من أسوان حتي دمياط ورشيد..
وسيلة ممتازة للنقل تخفف من آثار الزحام الشديد مع السيارات المتهالكة والشوارع الضيقة.. أيضًا المترو والقطارات.. يجب التفكير في شبكة قطارات ضخمة تربط القاهرة بالمحافظات الأخري بالمدن الجديدة.. وفروا عربات مترو وعربات قطارات آدمية والناس سوف تترك سياراتها وتركب المراكب والقطارات فتساهم في حل مشكلتين في آن واحد.. المرور.. وأزمة الطاقة..
يا ألطاف الله علي أسعار البنزين المتوقعة قريبًا.. البترول وصل إلي تسعين دولارًا للبرميل وأسعار المنتجات سوف تشتعل علي كل الأصعدة.. والحكومة سوف ترفع الدعم عن الطاقة.. هذا ما قرأته في تقرير مهم وقع تحت يدي مؤخرًا، يؤكد نية الحكومة رفع أسعار الطاقة وعلي رأسها البنزين.. ولن أستطيع أن أفشي اسم الجهة المهمة جدًا التي أعدته..
يقول التقرير إن انخفاض أسعارالطاقة يؤدي إلي الهدر في استخدامها.. فمن غير المعقول أن يدفع راكب الهامر نفس أسعار لتر البنزين التي يدفعها راكب التوك توك ومن غير المعقول أن يدفع الموظف الغلبان نفس سعر كليوات الكهرباء الذي يدفعه الملياردير صاحب المصانع.. في هذه الحالة ستكون الأوضاع معكوسة..
الحكومة تدعم الأغنياء بدلاً من أن تدعم الفقراء.. وزارة الصناعة والتجارة تسعي الآن لرفع أسعار الطاقة للمصانع.. مصانع الحديد والأسمنت والسيراميك والثلاجات والسلع المعمرة.. هذه خطوة مهمة جدًا لكن تتعالي الأصوات من رجال الأعمال والصناعة بأن هذه الخطوة سوف تضعف موقف المنتجات المصرية في سوق المنافسة لأن الأسعار سوف تتزايد وبالتالي تهدد مثل هذه القرارات مستقبل التصنيع في مصر..
طبعًا هذه مغالطات ومفهوم من نبرة أصحابها أنها نوع من الدفاع عن المصالح.. نعود إلي أزمة الطاقة.. قطاع النقل الداخلي يحظي بدعم يزيد علي ستة عشر مليار جنيه فقط في مجال وقود السولار، هذا بخلاف دعم مصادر الطاقة الأخري الكهرباء والبنزين وغيرهما التي تدعم بعشرات المليارات..
كيف نعيد ترشيد الطاقة وتقييم الدعم ونفكر في حلول مستقبلية للقاهرة بعد عشرين عامًا وربما خمسين عامًا؟!.. هذا هو التحدي الذي يدعو إلي التفكير في بدائل للطاقة وبدائل للنقل.. فالتاريخ يعلمنا أن مشروع النهضة يبدأ دائمًا بشبكة طرق ومواصلات.. أنشئ طريقًا جديدًا وخط سكك حديدية وتأكد أن العمران قادم لا ريب فيه بسرعة الإكسبريس الأسرع من الصوت.

رموز وطنية

بقلم خيري رمضان

لو أردت أن تقول لابنك: «أحب أن أراك مثل فلان»، فمن هو هذا الفلان؟ هل هناك طبيب يمكن أن تعلن اسمه، لأنه عالم كبير أضاف إلي عالم الطب ما يستحق أن يحكي؟ هل هناك مهندس يمكن أن تذكر اسمه علي سبيل الفخر والتباهي بما أنجزه في عالم البناء؟
قد يقول البعض لدينا ممدوح حمزة، ولكن ثق بأن ابنك سيقول لك: كيف ورئاسة الجمهورية شطبت اسمه من كشوف الحاضرين في مكتبة الإسكندرية وهو بانيها؟!
من؟.. فكر معي بصوت عالٍ؟ لأني فشلت في إيجاد شخصية بارزة تساهم في بناء هذا الوطن، نرصد جميعا حجم إنجازاتها وعبقريتها؟ ضابط مثلا؟.. كل الأطفال عندما نسألهم: ماذا تحب أن تكون عندما تكبر؟ فيرد عليك بلا تردد: ضابط شرطة، أما الآن، فأتحدي أن يقول طفل هذا، بعد أن تم اغتيال صورة الضابط الذي يطارد اللصوص فقط ويثير الذعر في قلوبهم، سواء بسبب سلوك بعض الضباط المنفلت، أو بسبب الإعلام بتفتيشه عن سوءات وخطايا ضباط الشرطة.
لن أقول عالمًا، لأني في هذا الوضع أكون من المازحين، ماذا تبقي؟ أستاذ جامعة؟ لن أقول اذكروا اسما، ولكن لا أريد أن أظلم ابني وأجعله إما أستاذا فاسدا، يثري من خلال بيع الامتحانات، أو إعطاء دروس خصوصية، أو أجعله يعيش أستاذا فقيرا، يكابد من أجل العيش دون أي فرصة لمزيد من البحث العلمي.
هل يمكن أن يختار ابنك أن يكون صحفيا؟ لا أعتقد وهو يري الصحفيين، خاصة رؤساء التحرير، يذهبون إلي السجون كل يوم، وهو يري الصراع في داخل جماعتهم، ويسمع عن اتهامات بالفساد تطال الكثير منهم.
ماذا تبقي؟ رجل أعمال؟ الفكرة مغرية، قد يقول لك أتمني أن أصبح مثل أحمد عز، أو نجيب ساويرس، ولكنه لن يقول لك لماذا اختار هذين الاسمين، ولكن اختياره سيكون نابعا من رغبته فيما يمتلكون من مال وحظوة ـ مع الاحتفاظ بالفوارق الواضحة بين الاثنين ـ ولن يكون أبدا اختياره انطلاقا من تاريخيهما اللذين لا يعرفهما، ولا لدورهما الوطني المؤثر مثلما كان رجال الأعمال في مصر قبل الثورة وبعدها بقليل.
إن الجيل الجديد من أبنائنا، حُرم من وجود رموز وطنية في كل المجالات ينظر إليها بانبهار، أو يتمني أن يكون مثلها، الجيل الجديد يري مصر المعتمة، يرصد ويفهم كل المساوئ الموجودة في حياتنا، ولو تشككت الحكومة في هذا الرأي، أدعوها من خلال وزيري التعليم والتعليم العالي بأن يأمرا بحصة في يوم واحد لكل الطلاب من الابتدائي وحتي الجامعة،
يطلب فيها المدرس من طلابه كتابة موضوع إنشاء بمنتهي الحرية تكون صياغته: «قل بكل صراحة وتفصيل رأيك في مصر، بمحاسنها ومساوئها»، علي ألا يكتب الطلاب أسماءهم لأن بعضهم سيكون مصيره الإعدام!
أبناؤنا اختاروا رموزهم من خارج مصر: عالم أجنبي، ممثل، لاعب كرة، كاتب، أما مصر، فالوحيد الذي يجمعون عليه ويرونه مثلا أعلي، هو الكابتن محمد أبوتريكة، حفظه الله للنادي الأهلي وللمنتخب!!

سوق الصين العظيم

بقلم محمود مسلم
كل شيء في الصين يتميز بكبر الحجم، بداية من الشوارع والسيارات والطائرات والمباني، حتي الغرف والقاعات، إلا الإنسان الصيني فهو صغير الحجم، وهناك صعوبة كبيرة في إيجاد ملابس للأحجام المصرية في الأسواق الصينية.. في المقابل هناك صعوبة في تمييز الصينيين عن بعضهم البعض، فالوجوه متشابهة لدرجة أنك تعجز عن تمييز من تقابلهم اليوم عمن ستقابلهم بعد قليل أو غدا..
ومع ذلك فهذا الشعب أنجز خلال السنوات القليلة الماضية ما يفوق عقل البشر، ففي شنغهاي أبراج عملاقة كثيرة تنبهر بجمال عمارتها وتنوعها، وهناك متحف للتخطيط العمراني بالمدينة، به ماكيت للشوارع والمباني علي درجة كبيرة من التقنية، بالإضافة إلي عروض أخري استخدمت فيها تكنولوجيا عالية،
وأصر الصينيون أن يركب د. فتحي سرور، رئيس الوفد البرلماني المصري، ماكيت سفينة ظل يقودها لمدة نصف ساعة وأمامه شاشة علي شكل بحر، ويتحرك سرور يمينا ويسارا، وينطلق سريعا أحيانا ويهدئ من سرعة السفينة، ويمر بالسفينة من تحت كوبري كبير في منظر بديع، أشاد به كل المحيطين بسرور من نواب مجلس الشعب، فقد نجح الصينيون في توظيف التكنولوجيا
وهو ما حدث أيضا عندما ركبنا القطار المغناطيسي الذي يتحرك بسرعة تفوق الـ٤٥٠ كيلو مترا في الساعة، وهو ما أعجب قيادات الوفد البرلماني: مفيد شهاب وكمال الشاذلي ود. زكريا عزمي بالإضافة إلي المخضرم حمدي الطحان، رئيس لجنة النقل والمواصلات بمجلس الشعب، ومحمد أبوالعينين وحسين مجاور.
وفي بكين، كان الانبهار في زيارة القرية الأوليمبية لدورة بكين، فكل المنشآت قاربت علي الانتهاء، والتخطيط والتنفيذ علي أعلي مستوي من الجدية سواء الاستاد الرئيسي الذي سينتهي العمل به في مارس المقبل قبل بدء الدورة بخمسة أشهر علي الأقل، بينما ستنتهي قبل نهاية العام الحالي، فهناك لا يوجد كلام عن الساعة ٢٥ لدرجة أن الصينيين يخططون لما بعد الدورة الأوليمبية، ومنها أن يتم استثمار سكن أعضاء الدورة للشركات بعد ذلك،
وقد حرص أعضاء الوفد من نواب المجلس علي الاستفسار عن بعض الأمور الرياضية، ومنهم كمال أحمد وفاروق عاشور وأحمد دياب، والأخير متخصص في اللغة الصينية، واعتمد عليه الوفد المصري في أمور كثيرة.
لكن أهم ما في سوق الصين العظيم، التي تمتلئ بجميع المنتجات ـ أن الجميع يعمل بجد، وأن الشباب يحتل مساحة كبيرة في إنجازات هذا البلد العملاق، ويحظي بثقة القيادات هناك فلم يكن مستغربا أن يكون المترجم المصاحب للدكتور سرور شابا في العشرينيات من عمره، بل والأغرب أن هذا الشاب واسمه شاكر هو الذي ترجم لقاء الوفد المصري مع أكبر قيادات الصين، سواء رئيس الوزراء أو رئيس مجلس الشعب أو غيرهما بكل ثقة،
ودون خوف ومراجعة من أحد ولم يكن مستغربا أن ينبهر النائب كمال أحمد، بالفتاة التي صاحبت الوفد المصري أثناء زيارتهم القرية الأوليمبية، لشرح ماكيت المنشآت دون أن يكون في استقبالنا هناك وزير الشباب ووكيل الوزارة والمدير العام والمشرف ورئيس القسم، فكل هؤلاء لم يكن لهم دور معنا، طالما أن هناك فتاة قادرة علي أدائه بتميز.. ولنا في الصين أسوة حسنة!

يسقط العلم ويحيا الاستعراض

محمد أبوالغار
إنه من المذهل أن تتصرف الدولة المصرية بأكملها وعلي جميع مستوياتها بهذه الطريقة تجاه التعليم ومستقبله في مصر. إذا تغاضينا عن بدايات النهضة في اليابان ومصر في عهد محمد علي، وانتقلنا إلي أربعينيات وأوئل خمسينيات القرن الماضي فإن مصر والهند ابتدأتا ثورة تعليمية مستقبلية وتذكرون جميعا أنه في هذه الفترة أنشئ المركز القومي للبحوث ومركز بحوث الطاقة النووية وأنشئ أول مفاعل ذري مصري وخرجت البعثات المصرية شرقا وغربا في العلوم والرياضيات والكيمياء والزراعة وبدأ التفكير في تطوير الجامعات المصرية التي كان بها فطاحل من العلماء ذوي المستوي العالمي.
وكانت مشكلات الهند أكبر وأصعب بسبب التعداد الكبير للسكان وتعدد العرقيات والأجناس والأديان. انظر ماذا حدث! انهارت الجامعات المصرية وأصبح المركز القومي للبحوث مكدسا بعقول مصرية لا تستطيع أن تفعل شيئا وانهارت هيئة الطاقة الذرية، وأصبح القسم الوحيد للهندسة النووية في جامعة الإسكندرية لا يلقي إقبالا، ومشروع الضبعة علي وشك التحول إلي منتجع سياحي،
بينما أصبحت الهند قوة علمية كبري بها المصانع العظيمة والأبحاث العلمية الجبارة، وأصبحت من أكبر الدول المنتجة لتكنولوجيا المعلومات والكمبيوتر خلال عام ٢٠٠٧ وحتي شهر أكتوبر كانت الاستثمارات العالمية الجديدة في الهند ٢٩ مليار دولار واستثمارات الهند في الخارج ١٨ مليار دولار، بالإضافة إلي أضعاف ذلك من استثمارات محلية وهو شيء خيالي بالنسبة لحجم الاستثمارات المصرية والأجنبية في مصر هذا هو النتاج الحقيقي للبحث العلمي والتصنيع الجاد.
كل مشروعات السياحة المصرية الحالية والمستقبلية لا تساوي قطرة من إنتاج الهند الثابت المتنامي الذي لا يمكن أن ينهار بسبب حادثة إرهاب.
وللأسف الشديد فإن الدولة المصرية البائسة قصيرة النظر لا تفكر في المستقبل، لقد تقدم د. أحمد زويل بمشروع جامعة علمية بحثية تكون نواة لإنتاج علماء مصريين وطنيين وقام مفيد شهاب وزير التعليم آنذاك بوضع حجر الأساس للمشروع الذي تحول إلي مقبرة للعلم لأنه لا أحد يريد هذا المشروع الذي لن يكون لقمة سائغة يعين فيه من يريد ويرقي فيه من يريد وليس عند أي من المسؤولين من التفكير العلمي ما يفيد ولن يكون مكانا مناسبا للاحتفاليات والمنظرة.
كل وزراء التعليم الذين تربوا في حضن السلطة همهم الأول هو المحافظة علي الكرسي والتسلط علي مرؤوسيهم، أما مستقبل الأجيال القادمة فلا يهمهم في شيء، وبينما نحن نصدر العمالة غير المدربة بمرتبات متدنية في الخليج تصدر الهند العمالة المدربة المنتظمة للخليج، أما كبار الباحثين ومطورو برامج الكمبيوتر فيصدرونهم إلي أمريكا، وفي السنة الأخيرة بدأ الهنود في العودة لبلدهم للعمل هناك لأن الفرص أصبحت أكبر والمرتبات ارتفعت ووصل الأمر الآن إلي أن أصبح أهم موقعين علي الإنترنت وهما ياهو وجوجل يعملان ويطوران من الهند وبهما مئات المبرمجين والباحثين.
تقدمت الهند بالديمقراطية والبحث العلمي الذي طور الصناعة الهندية وتخلفنا لأننا تخلينا عن الديمقراطية ونسينا العلم وركزنا علي الهمبكة والمنظرة.كلنا قرأنا ما كتبه الأستاذ المحترم لبيب السباعي رئيس صفحة التعليم في الأهرام وما قاله د. محمد غنيم مرارا وتكرارا وما كتبه حديثا الأستاذ مجدي مهنا عن الجامعة العلمية الجديدة في السعودية، ولكن لا أحد يفكر في المستقبل ولا أحد يأخذ الموضوع بجدية.
انظر مثلا إلي مكتبة الإسكندرية وهي مشروع حضاري جيد ويبذل فيه مجهود فقد أصبح في نظر الدولة واجهة العلم ومستقبل مصر، ولكن في حقيقة الأمر فإن هناك الكثير من الأمور المظهرية والاستعراضية والفخفخة التي تتكلف الملايين، مثال علي ذلك دعوة ٣٠٠ شخصية من الخارج لحضور الاحتفال بمرور خمس سنوات علي افتتاح المكتبة،
وفي النهاية لن تتقدم مصر ولن يرتفع مستواها العلمي والاقتصادي والصناعي بمشروعات المكتبة، ولكنها سوف تتقدم بمركز زويل العلمي والقواعد العلمية القوية في جامعة الإسكندرية والجامعات الأخري، ويبدو أن هناك توجها واضحا لدي الدولة الآن بأن المكتبة هي كل شيء وهي المستقبل وسوف تبتلع الجامعة والأرض والمدينة كلها بالفنادق الكبيرة وليحي الاستعراض وليسقط العلم والتكنولوجيا والبحث العلمي والمستقبل.

Monday, October 29, 2007

اللهم ارفع غضب الحكومة عن صندوق علاج الأطفال

سعيد عبدالخالق

أعلن الدكتور مجدي اسحق، رئيس جمعية الأطباء المصريين في لندن، عن قيام ثلاثة من المهاجرين المصريين بالمملكة المتحدة، بالتبرع بمبلغ ثلاثة ملايين جنيه استرليني لإنشاء صندوق من أجل علاج أطفال مصر المحتاجين! وأشار الخبر الذي نشرته »الأهرام« في عددها الصادر يوم السبت الماضي، إلي رفض المصريين الثلاثة الذين يقيمون في بريطانيا منذ 30 عاماً، الكشف عن أسمائهم.
واشترطوا وضع آلية لا تسمح بالاستثناءات أو علاج أطفال من أسر ميسورة، وضرورة بحث كل حالة علي حدة بصرف النظر عن الديانة. كما أعربوا عن رغبتهم في التعاون مع الجمعيات الخيرية للتأكد تماماً من عدم وجود استثناءات! ويستمر عمل الصندوق لمدة خمس سنوات.
ومنذ أيام.. أذاع التليفزيون الأمريكي الذي يغزو 120 دولة حلقة للمذيعة العالمية أوبرا وينفري.. استضافت فيها الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، وأزاحت »وينفري« في برنامجها عن الوجه الآخر للرئيس كلينتون. بدأت الحلقة بتصوير الرئيس السابق يتوجه في بساطة غير مفتعلة، وبدون هيصة وزيطه إلي إحدي المدارس، والتقي بطلاب وطالبات المدرسة في قاعة الاحتفالات بعد استئذان مديرة المدرسة. وقال »كلينتون« لهم: أنا جئت اليوم للحديث مع الطالبة فلانة الفلانية. وطلب منها الصعود إلي المنصة، وخرجت الطالبة من بين صفوف زملائها، واستقبلها »كلينتون« بترحاب شديد، وقال لها: إنه قرأ في الصحف عن الحملة التي تبنتها لعلاج أطفال أفريقيا المصابين بالإيدز، كما أعرب عن إعجابه برغبتها في أن تبدأ الحملة بعلاج طفل من مصروفها الخاص لمدة عام، وأخبرها بأنه تأثر بما قرأه حول إصرارها علي جمع مليون دولار لإرساله إلي أطفال أفريقيا المصابين، وأنهي »كلينتون« حديثه قائلاً لها، بأنه حضر اليوم للقائها في المدرسة حتي يوفر عليها مشقة نصف الطريق. وقدم لها شيكاً بمبلغ نصف مليون دولار مساهمة في الحملة من فاعل خير يرفض ذكر اسمه!، وضجت القاعة بالتصفيق، وذرفت عيون الحاضرين الدموع. وقاطع »كلينتون« التصفيق قائلاً، بأنه استأذن من مديرة المدرسة لاصطحاب الطالبة معه للمشاركة في برنامج المذيعة أوبرا وينفري الذي سيذاع علي الهواء. وبعد عرض هذا الفيلم.. ظهر »كلينتون« بصحبة الطالبة مع المذيعة، وبدأ حديثه برواية قصة هذه الفتاة الصغيرة التي قدمها إلي العالم، واعتبرها رمزاً للعطاء! وشاهد الناس في 120 دولة هذه الفتاة الإنسانة التي أزاح الشعار عنها الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون تقديراً لها!
يا تري.. كيف ستتعامل الحكومة المصرية مع مبادرة المهاجرين المصريين الثلاثة الذين قرروا تقديم مليوني جنيه استرليني لعلاج أطفال مصر خلال خمس سنوات؟! وكما رأينا.. الرئيس الأمريكي السابق يتوجه إلي طالبة في إحدي المدارس تقديراً لعطائها، وقدمها إلي العالم في برنامج مخصص للحديث معه فقط! ماذا سنفعل مع المهاجرين الثلاثة الذين يبدو أنهم اشترطوا عدم تدخل الحكومة في هذا العمل الإنساني.. ونعلم جميعاً أنه إذا دخلت الحكومة في مشروع.. أي مشروع ولو خيري.. جرت معها الاستثناءات والوساطات والمجاملات والمظهرية وكاميرات التليفزيون! وإذا لم تدس أنفها.. تفاجأ بالعراقيل.. وأذكر أن آل فايد المهاجرين المصريين في بريطانيا.. قرروا توريد كميات ضخمة من كراسي المعاقين لتوزيعها مجاناً علي المحتاجين. وفوجئنا بالحكومة وقتها ترفض الإفراج عن الشحنة قبل سداد الرسوم الجمركية!!
العالم يكرم أهل الخير.. والحكومة المصرية تطاردهم باعتبارهم مجرمين ـ ما دام هذا الخير ـ ليس من خلالها. خالص التقدير للثلاثة المصريين المهاجرين، وتعالوا ندعو الله عز وجل أن يغمض عيون حكومة مصر عن صندوق الخير الذي قرروا تأسيسه لعلاج أطفال مصر!!

الدكتور زويل.. والسعودية

أحمد المسلماني

عند البحر الأحمر تجري أحداث مثيرة، تبني مصر المزيد من القري السياحية علي الساحل الغربي، وتبني السعودية واحدة من كبري جامعات العالم علي الساحل الشرقي.. وسط السحابة السوداء، وإضرابات عمال المحلة ونتائج الاستفتاء علي مسلسلات رمضان، لم ينتبه الكثيرون لما يجري، غير أن الكاتب الكبير الأستاذ مجدي مهنا قد انتبه وغضب وكتب.
أشار الأستاذ مجدي مهنا، في مقاله المهم «دوام الحال من المحال»، إلي إعلان نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» علي صفحتها الأخيرة، جاء فيه اسم «جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا kaust» كاسم وحيد لجامعة عربية من بين مائة جامعة عالمية.
قال الأستاذ مجدي مهنا: «إن جامعة الملك عبدالله هي الأقرب إلي فكرة الدكتور أحمد زويل بإنشاء مركز علمي، كالذي اقترح تنفيذه في مصر علي الرئيس مبارك، وقام بوضع حجر الأساس له، ثم قال: «الذي حدث بعد ذلك كلنا عرفناه.. إنها البيروقراطية المصرية، والغيرة من أن ينسب نجاح الفكرة إلي الدكتور زويل، ثم كان العجب العجاب أن تطلب حكومة أحمد نظيف من الدكتور زويل تدبير الأموال اللازمة لإنشاء الجامعة التكنولوجية، وكأنها خاصة بالدكتور زويل وأسرته»، ثم اختتم الأستاذ مجدي مهنا مقالته بالقول: «أسعدني أن يتبني الملك عبدالله فكرة الدكتور زويل، وأغضبني أن تعارض مصر الفكرة».
***
يشرف علي جامعة الملك عبدالله للعلوم المهندس «علي النعيمي»، وزير البترول، ويضم المجلس الاستشاري العالمي عشرة أعضاء، من بينهم شخصية سعودية واحدة هو الدكتور خالد السلطان، مدير جامعة الملك فهد، أما التسعة الآخرون فمن الشخصيات البارزة في العالم، يتصدرهم الدكتور أحمد زويل، ورؤساء جامعات ولاية أوهايو، طوكيو، سنغافورة الوطنية، كورنل، امبريال كولدج، بالإضافة إلي مدير المعهد الفرنسي للبترول، والرئيس الشرفي للأكاديمية الأمريكية للعلوم، والرئيس السابق لشركة «تاتا» الهندية، الذي يوصف بأنه الروح الدافعة في صناعة برامج الحاسب الآلي في الهند.
يتكلف إنشاء الجامعة، التي ستقام علي مساحة ٣٦ كيلو مترا مربعا منها ستة عشر كيلو مترا مربعا علي البر، وعشرون كيلو مترا مربعا علي البحر، أكثر من ثلاثة مليارات دولار، وتعني الجامعة بالطاقة والموارد الطبيعية والتكنولوجيا الحيوية وعلوم وأبحاث المواد الدقيقة مثل النانو تكنولوجي والرياضيات التطبيقية وعلوم الكمبيوتر، كما تعني بدراسات تحلية المياه وعلوم البحار.
***
اتصلت بالدكتور أحمد زويل، الذي كان عائدا للتو من مدينة هيوستن في ولاية تكساس إلي مكتبه في ولاية كاليفورنيا، سألت الدكتور زويل عما جاء في مقال الأستاذ مجدي مهنا وعن ظروف عضويته في المجلس الاستشاري العالمي في جامعة الملك عبدالله؟ فقال لي الدكتور زويل: زارني وزير البترول السعودي المشرف علي المشروع في مكتبي في الولايات المتحدة، وعرفت منه مدي استعداد المملكة لمشروع ضخم كهذا، وحين اجتمعنا نحن أعضاء المجلس الاستشاري العالمي، وجدنا الجدية الكافية، وقررنا الاستقلالية الكاملة للمشروع، وهي الاستقلالية التي كنت أنادي بها في مصر.
في مصر كانت هناك أفكار عن الاكتتاب العام، كما فعل طلعت حرب في إنشاء «بنك مصر»، وكنت قد اتفقت مع نحو عشرة علماء، من الحائزين علي جائزة نوبل، ليمثلوا المجلس الاستشاري الأعلي للمشروع دون أن يكلفوا المشروع شيئا، ولكن أيا من ذلك لم يحدث، وفي السعودية دفعت الدولة كامل التكلفة، ووافقت علي الاستقلالية الكاملة، سألت د. زويل: هل حضرتم حفل وضع حجر الأساس؟ قال: كان ذلك يوم الأحد الماضي، وقد تلقيت الدعوة من العاهل السعودي للمشاركة في الحفل، لكنني اعتذرت، لأنني كنت في هذه الأثناء رئيس «المؤتمر الدولي لعلم الأحياء الطبيعية»، وهو المؤتمر الذي عقد في مدينة هيوستن بعنوان «من الذرة إلي الطب»، وحضره ألف عالم، من بينهم ستة علماء من الحائزين علي جائزة نوبل.
***
يبقي القول إن ما كتبه الأستاذ مجدي مهنا كان مخلصا وموجعا، وإن ما سمعته من الدكتور زويل، يؤكد إيمانه بالمسؤولية إزاء حالة العلم في العالمين العربي والإسلامي، وهو إذ يساهم في النهضة العلمية للسعودية، إنما يمثل ذلك امتدادا لمساهمات شملت الإمارات والكويت وقطر، وامتدت شرقا إلي ماليزيا.. هي مساهمات تؤكد، في مجملها، حجم الوظيفة الحضارية التي بات يمثلها الدكتور زويل بعد أن تآكلت الوظيفة الحضارية للدولة المصرية!

تحت الحصار

د.يحيى الجمل
يوم الثلاثاء الماضي - أي منذ أسبوع بالتمام والكمال - ذهبت إلي الجامعة قاصداً حضور مجلس قسم القانون العام بكلية الحقوق، وصعقت بمنظر الجامعة عندما اقتربت منها، الجامعة محاصرة من كل جانب بقوات الأمن، والجنود يلبسون ملابس الميدان، وللحظة تصورت أن غارة قد وقعت علي الجامعة من جهة معادية، وأن هؤلاء الأشاوس قد جاءوا لحماية الجامعة وإنقاذها من براثن المعتدين، ثم استرجعت أفكاري وأدركت أن هؤلاء «العساكر» الذين يقدر عددهم بالآلاف، وأن هذه السيارات المصفحة التي يقدر عددها بالمئات، والتي تحيط مباني الجامعة من كل جانب، إنما جاءت لتحاصر الجامعة ولتردع طلبتها، وتبث في نفوسهم الرعب وتحول بينهم وبين ما قد يقدمون عليه مما ينغص (الأمن العام والنظام).
وبحكم انتمائي لأعضاء هيئة التدريس في الجامعة سُمح لي بالدخول، وعندما دخلت كلية الحقوق واقتربت من قسم القانون العام علي يمين الداخل، وجدت اثنين من شباب هيئة التدريس يجلسان وأمامهما أوراق، وتصورت - خطأ للمرة الثانية - أن هناك لجنة من لجان امتحانات الدراسات العليا، وسألتهم فإذا بهم يقولون لي إنهم لجنة انتخاب وليسوا لجنة امتحان ولكنهم يجلسون من الصباح لا يعملون شيئاً، لأن الطلاب لم يحضروا، ولم يقبل أحد علي الانتخابات، وهنا أدركت لماذا تحاصر الجامعة.
هناك احتمال أن تجري انتخابات اتحادات الطلاب، وهناك احتمال أن تكشف هذه الانتخابات عن اتجاهات الطلاب الحقيقية، وهناك احتمال أيضاً أن تكون هذه الاتجاهات غير متطابقة تماماً مع اتجاهات النخبة الحاكمة والحزب الوطني ولجنة السياسات ووزارة الداخلية، ومن أجل هذا الاحتمال جري حصار الجامعة وجري منع الطلاب من دخول الجامعة، ومنعهم من الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات، اعتماداً علي أن هناك من سيقومون عنهم بهذه المهمة، وسيدلون لهم بأصواتهم.
وتساءلت: إلي متي ستستمر هذه الممارسات المنافية لكل مبادئ الديمقراطية والحكم الرشيد؟! وتساءلت أيضاً: ولصالح من تستمر هذه الممارسات؟!
يقيناً ليس لصالح مصر تستمر هذه الممارسات.
يقيناً هذه الممارسات تريد في النهاية أن تدمر كل صوت حر في مصر، وتريد ألا تظهر إرادة الشعب الحقيقية سواء في الانتخابات الرئاسية أو الانتخابات التشريعية، أو حتي الانتخابات الطلابية.
لماذا؟
ببساطة لأننا نخاف من أن تظهر إرادة الشعب علي حقيقتها، ونريد أن نعلن ما نريد أن نعلنه، لا ما يريد الشعب أن يعبر عنه.
إن النخبة الحاكمة في مصر تدرك حقيقة عزلتها عن الشعب وحقيقة الفجوة التي تفصل بينها وبين الجماهير، وكان أمام هذه النخبة خياران:
الخيار الأول والأسلم هو أن تحاول الاقتراب من الشعب وأن تحاول أن تفهم احتياجاته وهمومه ومتاعبه، وأن تحاول التخفيف منها، أيضاً أن تحاول هذه النخبة أن تعمل وسط الجماهير عملاً سياسياً، عملاً سياسياً يسعي لمعرفة مشاكل الناس من ناحية واجتذاب الناس بالاقتناع للاقتراب من سياسة الحكم من ناحية أخري، هذا هو الاختيار الأول، وهو وإن كان الاختيار الأسلم فإنه الاختيار الذي يحتاج جهداً ويحتاج قيادات مؤمنة بالشعب ومستعدة للبذل والعطاء والتضحية بالجهد والوقت.
أما الاختيار الثاني فهو الاختيار الأمني، ومعني هذا الاختيار أن (رجال الأمن) يقدرون علي كل شيء، يقدرون علي مواجهة كل المشاكل وحلها.
وتقديري أن هذا الحل، وإن كان في المدي القصير يبدو الحل الأسهل، فإنه في الحقيقة أكثر الحلول قصوراً وأقلها حصافة.
لا أحد يقول إن «الأمن ورجاله»، غير ضرورين أو لازمين، الذي يقول ذلك يبدو مخرفاً.
ولكن الذي يمعن في الخرافة أكثر هو الذي يتصور أن (الحل الأمني) يكفي وحده لمواجهة كل المشاكل.
والذي يبدو أن النظام في مصر اختار الحل الأمني لكي يواجه به كل مشاكل مصر.
المشاكل السياسية والمشاكل الاقتصادية والمشاكل الاجتماعية كلها تواجه مواجهة أمنية، ولا شيء غير المواجهة الأمنية.
والذي لا شبهة فيه لدي أي عاقل ينظر خطوتين إلي الأمام أن المعالجة الأمنية وحدها لن تقضي علي مشكلة واحدة من مشاكل مصر، وأن علاج هذه المشاكل في جملتها أو في جزئياتها يحتاج إلي درس وبحث وحلول وسياسات وحوار ويحتاج إلي اقتراب حقيقي من الناس ويحتاج معرفة بمواقف الناس واتجاهاتهم وآرائهم.
بعبارة أخري: إن الحلول الحقيقية للمشاكل تعتمد علي العمل السياسي بكل صوره. وتعتمد علي إطلاق حرية العمل السياسي في كل صوره التي تعرفها نظم العالم الرشيدة.
لابد أن يدرك الحزب الوطني الحاكم في مصر أن يده الأمنية وحدها قد ترهب الناس وتسكتهم وتخمد حركتهم فترة، ولكنها غير قادرة علي قهر الناس إلي الأبد، ودليل ذلك هذا الحجم المتزايد من الإضرابات والاختناقات والتوترات والمصادمات التي تتصاعد كل يوم، والتي يستطيع الأمن أن يحاصرها ولكنه لن يستطيع أبداً أن يعالجها.
ليت الحزب الوطني الحاكم يدرك في مؤتمره المقبل أنه حتي يكون حزباً حقيقياً لابد أن يتخلي عن توحده مع أجهزة السلطة، ليته يدرك ضرورة أن يقف علي ساقيه وليس علي حراب الأمن وسياراته ورجاله، وليته يدرك قبل ذلك كله وبعد ذلك كله أن مظلة الرئيس هي التي تحميه وهي التي تعطيه ما يتصور أنه قوة حقيقية للحزب، وهي في الحقيقة قوة مستوردة أو مستعارة، وليست قوة أصيلة ذاتية.
وعندما يدرك الحزب الوطني ذلك سيدرك في نفس الوقت مسألة أخري، وهي ضرورة أن تقوم في مصر إلي جواره أحزاب حقيقية تنشأ نشأة حقيقية، تعيش حركة حرة غير مقيدة ولا مكبلة بالأغلال الأمنية، عندئذ سيحدث في مصر حراك سياسي حقيقي، وعندئذ ستكون الحلول السياسية هي التي ستواجه مشاكل مصر، وتتصدي لها، وتقترب من حلها حلولاً حقيقية.
وعندئذ سيدرك الناس أنه لا حل دون الديمقراطية.
والديمقراطية نظام واضح وبسيط.
تعددية سياسية حقيقية.
سيادة للقانون واستقلال للقضاء.
انتخابات حقيقية تظهر إرادة الناس.
تعدد السلطات واستقلالها عن بعضها وتعاونها في ذات الوقت.
تداول للسلطة بحيث لا تكون حكراً دائماً علي حزب أو شخص.
هذه هي الديمقراطية.
وليت الحزب الوطني (الديمقراطي) الحاكم في مؤتمره المقبل ينحاز إلي الحلول السياسية، وليس إلي الحلول الأمنية، بعبارة أخري: ليته ينحاز إلي الديمقراطية.

أمة في خطر

عادل السنهورى

نتحدث عن التعليم..فالدولة التي ترغب في أن يكون لها مكان ومكانة بين أقرانها في العالم لابد أن يكون هاجسها وقضيتها المصيرية وأمنها القومي وخطها الأحمر الأول هو التعليم ،لإعداد أجيال متفوقة علميا وفقا لنظام تعليمي مخطط وموجه ومحدد الأهداف ويلبي حاجات ومتطلبات الدولة في القدرة المعرفية والتفوق العلمي.
والدولة التي يتسم نظامها التعليمي بالتخبط والعشوائية واللاتخطيط واللاهدف تكون قد تعدت مرحلة الخطر وقفزت بإرادتها مباشرة إلي مرحلة الضياع والانهيار.
لن نقارن بين نظامنا التعليمي- إذا كان لدينا نظام تعليمي في الأساس - وبين النظم التعليمية الأخري في باقي دول العالم، فالنتيجة في غير صالحنا، بل ظالمة ومجحفة في حق أمة تحتضر بسبب انهيار تعليمها.
وهل تنهار الأمم بسبب ضعف مستوي التعليم؟الإجابة معروفة وتستدعي من الدولة التي يتدني مستوي التعليم فيها حشد جميع قواها وخبراتها، وإعلان حالة الحرب علي الأسباب التي أدت إلي ذلك.
الولايات المتحدة الأمريكية القوة الكبري اقتصاديا وعلميا وتكنولوجيا وعسكريا في العالم صدر بها تقرير عجيب في عام ١٩٨٣ في عهد الرئيس الراحل رونالد ريجان، يحمل عنوانا ضخما باسم «أمة في خطر» بعد أن استشعر خبراء التعليم فيها أن هناك ٦٥ فردا من الشعب الأمريكي من أصل ٣٠٠ مليون نسمة لايحسنون القراءة والكتابة ويقرأون بصعوبة،
إضافة إلي أن هؤلاء الخبراء لاحظوا انتشار العنف والمخدرات في المدارس، فرفعوا شعار «أمريكا في خطر» وكان بمثابة صرخة مدوية في المجتمع الأمريكي، وقالوا: «لو كان التعليم بحالته الراهنة في الولايات المتحدة مفروضا من قوي خارجية لابد أن ننظر إليه كعمل عسكري ضد الشعب الأمريكي»!.
ثم ماذا حدث؟انطلقت خطوات الإصلاح من جميع القوي المجتمعية والحكومية لتشخيص الأسباب، وكان أولها ضعف مستوي المدرس، ولم يمر عام ٨٨ إلا وقد تم تطبيق نظام الكفاءة في ٤٤ ولاية أمريكية يتحدد بموجبه مدي كفاءة المعلم لشغل الوظيفة، ولم يتم الاكتفاء بذلك بل عمدت الأجهزة الحكومية إلي إعطاء المعلم مزيدا من المكانة المهنية والحرية والثقة بما يمنحه مكانة اجتماعية مميزة تعيده كقدوة لها احترامها ومكانتها في النفوس، عملا بمقولة أمير الشعراء أحمد شوقي «قف للمعلم وفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا». وحتي لاننسي أن شوقي شاعر مصري وليس أمريكيا.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تم نشر مشروع في عهد الرئيس بوش الأب عام ٩١ بعنوان «أمريكا عام ٢٠٠٠- استراتيجية للتعليم» بهدف تحقيق نظام تعليم يجعل الطالب الأمريكي في المرتبة الأولي عالميا في العلوم والرياضيات..
ومازالت الاستراتيجية مستمرة رغم تغيير الرؤساء والوزراء، فلم يأت وزير للتعليم ليعبث ويجرب في نظام التعليم، ويلغي مرة الصف السادس ثم يعيده، أو يضع نظاما للثانوية العامة ثم يلغيه وهكذا حتي أصبح نظامنا التعليمي حقل تجارب للهواة والجهلة وأصحاب المصالح دون وعي بخطورة ما يحدث وبتأثير ذلك علي مصير دولة وأمنها القومي.
فإذا كانت أمريكا وهي القوة العظمي لعقود طويلة قادمة أعلنت أنها «أمة في خطر» فماذا ياتري ستعلن دولة مثل مصر، نظامها التعليمي لا يمكن معرفة هويته وملامحه وخصائصه وأهدافه؟..
وإذا لم يكن من التبعية للولايات المتحدة في الوقت الراهن بد فلماذا لانتبعها في تجربتها لإصلاح حال التعليم وأمور أخري؟
مصيبة أخري تبكينا علي وضعنا التعليمي أيضا ما نشره مؤخرا تقرير منظمة التعاون والتنمية الأوروبية بعنوان «نظرة علي التعليم ٢٠٠٧» وذكر فيه أن «إسرائيل» تقدمت علي الولايات المتحدة الأمريكية في حجم الإنفاق علي التعليم، حيث بلغت نسبته ٨.٣ بالمائة من إجمالي الناتج المحلي مقابل ٤.٧ بالمائة للولايات المتحدة و٢.٧ بالمائة لكوريا الجنوبية.
يتبقي أن نشير هنا إلي أن غالبية الجامعات في تلك الدول التي تنتهج نظرية السوق الحرة في اقتصادها تخضع لإدارة الحكومة وتحظي بمكانة عالية مرموقة ويطمح إليها معظم الطلاب وبمصروفات دراسية منخفضة للغاية، بل بعض الدول مثل اليابان يتضمن نظامها التعليمي في مرحلة الجامعة تخصيص جامعات لتخريج طلاب في وظائف معينة، وفقا لمتطلبات واحتياجات الدولة وسوق العمل،
فجامعة طوكيو - مثلا - تخرج رجال الوظائف البيروقراطية العليا، وجامعة «واسيدا» تخرج السياسيين والصحفيين، وجامعة «كييو» تخرج رجال الأعمال التنفيذيين وهكذا باقي الجامعات. ولن نتحدث عن نظام التعليم الياباني بالطبع ولا عن المناهج أو عدد ساعات اليوم الدراسي ومكانة المدرس لأن مخرجات التعليم الياباني تنبئ بسلامة المنظومة بالكامل.
الحديث عن التعليم في تلك الدولة يصيب بالاكتئاب والحسرة والألم الموجع لكل ذي ضمير وإحساس وخوف علي مصير هذا الوطن و«الحكاية مش ناقصة».
فهل هناك أمل أن نشعر بأننا دولة في خطر بسبب غياب نظامها التعليمي أم أن الشعور تجاوز حد الخطر؟

Sunday, October 28, 2007

نحو الحرية الفرنسية المتمردة

وحيد عبدالمجيد

إلي أي صنف من النساء تنتمي هذه السيدة التي تركت قصر الإليزيه ولقب السيدة الأولي بكل مغرياتهما، وما أدراك ما هذه المغريات؟!، وفضلت أن تكون صادقة مع نفسها. الأكيد انها من صنف شديد الندرة يستحق الاحترام، ولكنه لا يصلح لأن يكون نموذجا، والفرق كبير حتي لا نخلط الأوراق فنشيع قيما يجدر بنا ان نقاومها. فلا يمكن ان تكون السيدة سيسيليا، التي تركت زوجها في خريف 2005 وذهبت الي صديقها وعاشت معه شهورا، نموذجا يقتدي به.
كان أجدر بها ان تطلب الانفصال رسميا، قبل ان تعبر المحيط الي صديقها. اما وانها لم تفعل، فقد أتت إثما لا غفران له وارتكبت جرما لا ريب فيه، حتي اذا كان دافعها الي ذلك هو عدم التشويش علي زوجها الذي كان يستعد لمعركة الرئاسة الصعبة. ومع ذلك فهي تستحق الاحترام لان مكانة السيدة الاولي ومزايا ساكنة الاليزيه لم تدفعها الي الكذب علي نفسها وخداع زوجها الذي غفر لها من قبل ما لا يمكن ان يغفر.
أرادت ان تعيش حياتها بدون كذب وخداع. وتخلت بكامل ارداتها عما تحلم ملايين السيدات بأقل منه.
ولا يعني ذلك بالضرورة انها امرأة فذة. يكفي ان نقول انها نادرة. فهي لا تكون فذة الا اذا كان قصر الاليزيه هو قمة أحلامها، ثم قررت ان تضحي به.
ولكن هذا النوع من الاحلام لم يداعبها يوما، لانها لا تهوي السلطة ولا الشهرة ولا يسعدها ان يتسابق الناس لخدمتها، بمقدار ما تحب ان تعيش علي سجيتها وتتصرف علي طبيعتها وتحيا بلا أكاذيب.
ولذلك يخطيء من يقارنها بأخريات مثل هيلاري كلينتون التي قبلت خيانة زوجها لها علي الملأ لانها كانت تحلم بان تجلس مكانه في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض. فالمقارنة لا تجوز الا بين وحدات تجمعها قواسم مشتركة. وليس هناك شيء البتة يجمع سيسيليا التي لفظت قصر الاليزيه وهيلاري التي تركض من أجل البيت الأبيض.
وإذا اردنا ان نلخص شخصية هذه السيدة الفرنسية التي ادهشت العالم كله، لقلنا انها حالة نادرة للتمرد الصادق مع النفس. وفي هذا النوع من التمرد شيء من الترفع الجدير بالاحترام، ولكن فيه ايضا جموح لا يصح ان يكون نموذجا أو قدوة.

قزازة الزيت هزمت الحكومة

عباس الطرابيلي

أتمني أن تدخل الحكومة معي في رهان.. هو أن تذكر لنا اسم مشكلة أو سلعة نجحت في مواجهتها. وأمامنا الدليل.. من الأسمنت إلي حديد التسليح إلي الدقيق إلي السكر.. بل وإلي مياه الشرب.. ورغيف العيش.. وآخر هذه البلاوي التي استسلمت لها الحكومة: بلوة زيت الطعام. وللأسف فإن أزمة الزيت لم تفاجئ الحكومة.. فهي تعلم حجم الاستهلاك.. وحجم الإنتاج.. وبالتالي حجم الاستيراد.. ولم تفكر في مواجهة الأزمة من سنوات
.. وأذكر هنا حكاية كان بطلها العصامي المصري العظيم: عثمان أحمد عثمان.. عندما قرر التوسع في زراعة الذرة وبالذات من منطقة الصالحية.. وأدخل هو وشقيقه وباقي الأسرة العظيمة نظام الري بالبقوت أي الري المحوري لزراعة كميات كبيرة دون فقد كميات كبيرة من مياه الري.. وكان هدفه المساهمة في إنتاج السكر والجلوكوز.. وزيت الطعام.. ولكن المشروع- لأسباب لا داعي لذكرها الآن- تعثر وانتهي هذا الحلم الجميل بسبب سطوة البعض.. وطمعهم!!
** والذي يتابع اعلانات التليفزيون يعتقد أن مصر بلد منتجة للزيوت: عباد شمس. ذرة نخيل.. بينما نحن نستورد أكثر من 90% من استهلاكنا من الزيوت.
وهنا نتساءل: ما الذي أدي إلي تزايد الفجوة بين إنتاج واستهلاك الزيوت في مصر.. ولا تقول لي: زيادة عدد السكان.. ولكنه غياب الدراسة والتخطيط والتنفيذ بين ما ننتج.. وما نستهلك.. وتعالوا نغوص أكثر في أعماق المشكلة.
** قبل زيت عباد الشمس وزيت الذرة كانت مصر تعرف زيت السيرج. وهو ينتج عن عصير السمسم، أكثر منتج من حيث الحجم.. وكانت معاصر السمسم »السيرجة« تملأ شوارع وحواري مدن مصر وقراها: وللأسف اقتصر استغلالها للسمسم علي انتاج الطحينة.. والحلاوة الطحينية.. ونسيناه كمنتج للزيت.. وكانت مصر مشهورة بإنتاج السيرج.. وكنا أيضا نأكل آخر منتجات العصير وهو »الكسبة« مثل الغموس!!
** وعرفت مصر الزيت الفرنساوي.. وهو نتاج عصر بذرة القطن.. وكان هو المنافس الأساسي للسيرج »أي الزيت البلدي« وكان الإنتاج عظيما لأن إنتاج مزارع القطن كان عظيما.. ثم انهارت صناعة زيت بذرة القطن بانهيار زراعة القطن. وخسرنا الكثير كزيت.. بل وخسرنا »الكسب« الذي كنا نتتجه من آخر مراحل عصر البذرة.. ونقدمه علفا للحيوانات من أبقار وجاموس فضلا عن خسارتنا للقطن نفسه..
** وعرفنا الزيت الحار، وهو ناتج عن عصر بذرة الكتان وكان يفضل استهلاكه شتاء. ولكن إنتاج وزراعة الكتان انهارت هي الأخري، فخسرنا الكتان كواحد من أهم الأقمشة التي عرفها المصري منذ العصر الفرعوني.. وكانت أتواب الكتان هي أفضل شيء عند المصري: في الحياة.. وفي لف الجسد بعد تمام تحنيطه.
وانتهي أيضا عصر الزيت الحار.. إلا فيما ندر.
** وعرفنا الزيت الطيب الذي ينتج من عصر الزيتون.. وكان أيضا من أقدم ما عرف المصري من زيوت!! بفضل جودة زراعة الزيتون في الاراضي الرملية في سيناء.. وفي واحة الفيوم وفي سيوة والوادي الجديد، وعلي طول الساحل الشمالي الغربي ورغم جودة بل امتياز- زيت الزيتون المصري، الا اننا نجد ان مصر غارقة في الزيت الايطالي واليوناني والاسباني والتونسي!!
** وعندما نفذنا مشروعات جديدة في مناطق جديدة: في شرق العوينات وفي توشكي وفي طريق اسكندرية الصحراوي وصحراء الاسماعيلية قالوا لنا اننا سنزرع مساحة كبيرة من هذه الاراضي الجديدة بما يوفر لنا احتياجاتنا من الزيت.
ولكن يبدو أن مافيا مستوردي الزيوت هزموا الحكومة.. وحطموا الحلم المصري في أن نقلل اعتمادنا علي الاستيراد.. وهكذا نجح المستوردون- في حكومة رجال الأعمال- في تصاعد فجوة الزيت في مصر.
** كيف نحقق الحلم.. أم أن قزازة الزيت هزمت الحكومة؟!

نهوض جديد لصراع الطبقات

أحمد بهاء الدين شعبان

لم تشهد الطبقات والفئات الكادحة المصرية في تاريخها المعاصر، منذ نصف القرن الماضي علي الأقل، تدهوراً في المستوي العام للمعيشة، وانهياراً للقدرة والمكانة، مثلما شهدت في العقد الأخير.
البطالة وأزمة السكن
فمنذ سنوات، اندفعت السلطة الحاكمة بفعل سيطرة جماعات من «الرأسماليين الجدد»، جلّهم من «المحدثين» الذين ظهروا علي سطح الحياة الاقتصادية والسياسية دون تاريخ سابق، مثل الطفح، وراحوا يتسابقون ــ مستندين إلي تغطية النظام وحمايته، وتحت شعارات خادعة براقة، من نوع: «إعادة الهيكلة» و«تحرير الاقتصاد» و«التكييف الهيكلي» إلخ، إلي التصفية المنظمة للملكية العامة بكل صورها، وإلي النهب المنظم للثروة الوطنية، وإلي التدافع لإرضاء المؤسسات المالية الغربية بتنفيذ تعليمات «البنك الدولي» و»صندوق النقد»، وغيرهما من الهيئات الشبيهة، الأمر الذي تسبب في تعريض وجود عشرات الملايين من المواطنين المصريين إلي أزمات متفاقمة مستمرة، حوّلت أيامهم الي جحيم مقيم وعذاب لا نهاية له، وضاعفت من حجم المعاناة الشاملة التي أصبحت الصفة العامة لحياتهم علي مدار الأيام.فبفعل التوجهات الأساسية للنظام، تم علي مدار العقود الثلاثة الأخيرة، وبوتيرة شديدة التسارع أخيرا، التخلص بيعاً وبأبخس الأسعار، وعبر عمليات مشبوهة (مثلما حدث في عملية بيع مؤسسة «عمر أفندي» التجارية الكبري بأقل من ربع الثمن المقدر بواسطة لجان التقويم الحكومية!) من الأغلبية العظمي من مصانع وشركات ومؤسسات القطاع العام، وعلي رأسها مؤسسات سيادية خطيرة، منها البنوك، دون أي اعتبار للمصلحة العامة أو المصالح الاستراتيجية العليا للبلاد. وألقي ــ بلا أدني رحمة ــ بمئات الآلاف من العمال والمستخدمين إلي سوق البطالة الذي يضم الآن نحو سبعة ملايين مواطن، يزيدون كل عام نحو مليون عاطل، بفعل استمرار الجامعات والمعاهد العليا والفنية في صب عشرات الآلاف من خريجيها إلي سوق العمل المكتظ، مع تخلي الدولة الكامل عن التزامها بواجباتها الاجتماعية الرئيسية، وفي مقدمتها توفير فرص العمل للمواطنين، ملقية هذا العبء علي كاهل «القطاع الخاص»، الذي تنصل ــ بدوره ــ من هذه المسئولية، فكان من نتيجة هذا الوضع أن استحال إيجاد فرصة عمل إلاّ لأبناء «المحظوظين»، أو القادرين علي دفع الثمن (الرشوة) لمن بيدهم القرار، أو للحاصلين علي تعليم مميز في جامعات النخبة، الباهظة التكاليف، وهو ما لا يتوافر لأغلبية أبناء الشعب.وأصبح من العسير علي أي شاب مصري ــ حتي من أبناء الأسر التي كانت ميسورة في الماضي، ممن كان يطلق عليها «الطبقة الوسطي» ــ الزواج، بفعل فداحة تكلفة متطلبات هذه العملية، وفي مقدمتها أسعار المساكن الباهظة التي واصلت التقدم إلي مستويات خرافية (وأدّت مضاربات فائض الأموال النفطية علي العقارات والأراضي، دوراً أساسيا في هذا الأمر).وقد أدي هذا الوضع الي ارتفاع متوسط سن الزواج في مصر إلي خمسة وثلاثين عاماً، (كانت تقترب من نصف هذا المعدل في جيل الآباء!). وحسب الإحصاءات الرسمية، فإن عدد المصريين الذين وصلوا هذه السن ولم يتزوجوا بعد، قارب نحو تسعة ملايين، منهم نحو أربعة ملايين من الإناث والباقي من الذكور، أغلبهم ــ بالطبع ــ من أبناء الطبقات الفقيرة والمعدمة. كما تزايدت حالات الطلاق بشكل غير مسبوق (أورد تقرير لـ «مركز الأرض لحقوق الإنسان» وقوع 264 ألف حالة طلاق خلال عام 2006، معظمها لأسباب اقتصادية).
«أحزمة البؤس» تحاصر العاصمة
وجبات إفطار مجانية في القاهرة (أرشيف ــ إي بي أي) وساعد انتشار الفقر علي تفاقم معدلات الانهيار في الأوضاع المعيشية للملايين من المصريين، وعلي انتشار العنف والجريمة، وتعدد حالات الانتحار بسبب الإملاق واليأس، وتعاظمت معدلات انتشار الرشوة والفساد، وتضاعفت أعداد «أطفال الشوارع» الذين يهيمون علي وجوههم جائعين في أسمالهم البائسة، وحاصرت تلال القمامة (التي فشل النظام في التخلص منها حتي بعد الاستعانة بخبرة «الخواجات» في الشركات الأجنبية)، القاهرة وضواحيها، وأحاطت «أحزمة البؤس» بعاصمة «المحروسة» إحاطة السوار بالمعصم، حيث تعيش «شريحة كبيرة ينساها المجتمع، تمارس حياتها شبه البدائية رغم وجودها في نتوءات داخل المدن، بلا مياه أو كهرباء أو صرف أو نظافة، يعيشون في أعشاش من الصفيح أو الخيش أو الكرتون أو الطين أو الحبيبي ــ نوع من الخشب الصناعي الرخيص ــ أو كسر الخشب، بلا دورات مياه، يقضون حياتهم في العراء، يعانون الفقر وسوء التغذية، أولادهم لا يذهبون إلي المدارس بسبب المصاريف، يتخذها بعض اللصوص والساقطات وتجار «الصنف» (المخدرات)، مقار بعيدة عن أعين الأمن (الذي تفرغ لملاحقة معارضي النظام!)، لتصدِّر شرورها للمجتمع الذي أهملها. وهؤلاء موجودون بكل المحافظات، يتزايد عددهم مع توالي الانهيارات المفاجئة للمباني القديمة، ومع الهجرة المستمرة إلي المدن المكتظة» فضلاً عن مئات الآلاف غيرهم يحيون وسط أجداث الموتي، في المقابر، يتزاوجون ويتناسلون، ويمارسون كل طقوس الحياة، بعدما أعيتهم الحيلة وفشلوا في الحصول علي موطئ قدم في مدن الأحياء!.
تراجيديا المرض والتلوّث
في ظل هذه الحالة، تدهورت الأوضاع الصحية للمصريين إلي حدود بالغة الخطر. وأيضاً بسبب القمح والأغذية الملوثة المستوردة، والمبيدات والأسمدة المسرطنة (الإسرائيلية) المنبع، وارتفاع معدلات التلوث البيئي الي أضعاف النسب المقبولة عالمياً (أخيراً نالت القاهرة المرتبة الأولي في نسبة التلوث علي المستوي العالمي!).ويشير تقرير صادر عن «برنامج الأمم المتحدة للإنماء والتنمية» بشأن الأوضاع الصحية للمصريين إلي إصابة 5 ملايين مصري بفيروس الالتهاب الكبدي الوبائي (فيروس (C))، وإلي تزايده بمعدل 750 ألف حالة سنوياً، حيث أصبحت مصر تحتل المرتبة الأولي علي المستوي العالمي للمصابين بهذا المرض.وهناك ــ حسب التقرير نفسه ــ 4 ملايين مواطن مصري مصاب بمرض السكر، و 14% من المواطنين يعانون من حساسية الصدر، وما يقرب من 15 مليون مصري مصاب بالأنيميا، ويصاب أكثر من 100 ألف ــ سنوياً ــ بالسرطان، بينهم نسبة ملحوظة من الأطفال، وأكثر من 25% من المصريين مصابون بفقر الدم.
التحدّي والاستجابة
علي هذه الخلفية التي عرضنا جانباً يسيراً منها وإن كان ذا دلالة، عاشت مصر طوال أشهر العام الماضي وما انقضي من أشهر هذا العام، حالة غير مسبوقة من انفجار الاحتجاج الاجتماعي المكبوت، اتخذ بُعداً واسعاً، رأسياً وأفقياً، طال معظم المحافظات المصرية حتي النائي منها، وزلزل قطاعات متعددة من الأعمال والمجالات الصناعية والخدماتية، وشارك فيه تجمعات شعبية كبيرة، منهم أبناء سيناء الذين خرجوا للاحتجاج علي الإهمال والتعنت، وتجاوزات أجهزة الأمن في التعامل العنيف، وغير المبرر، معهم!
الاحتجاج في مواجهة التوحش
وقد رصد «مركز الأرض لحقوق الإنسان»، في دراسته المهمة المعنونة «الاحتجاج في مواجهة التوحش»، الصادرة في يوليو 2007، وقوع 283 حالة احتجاج في النصف الأول من العام الجاري بالقطاعات الثلاثة: الحكومي، والخاص، والأعمال العام.من هذه الأنشطة الاحتجاجية التي قامت بها الطبقة العاملة المصرية : 117 حالة تجمهر، و85 حالة اعتصام، و66 حالة إضراب عن العمل، و15 حالة تظاهر، إضافة إلي العشرات من حالات الإضراب والاعتصام والتظاهر والاحتشاد، قام بها الأكاديميون الجامعيون، والقضاة، والمهندسون، والفلاحون، والطلاب، والصحافيون، والمطالبون ببديل عن مساكنهم المهدمة، والمتضررون من انهيار مؤسسات الدولة ونتائجها الكارثية، والمطالبون بمياه نظيفة للشرب ومياه لري الأرض الظمآنة، والمحتجون علي التجاوزات البشعة لأجهزة الأمن... وهلم جرّاً، في أوسع حالة احتجاج شعبي تاريخي دشنتها حركة «كفاية» بتظاهرتها الرائدة التي انطلقت من أمام «دار القضاء العالي» في قلب القاهرة، يوم 22 ديسمبر عام 2004، مطلقة دوامات من التفاعل، ومشجعة علي كسر حاجز الخوف من القمع، ومتحدية تقاليد العمل السياسي الحزبي المستقرة لأكثر من ثلاثة عقود بالتزام السكون في المقار الحزبية، وإطاعة تعليمات السلطة بعدم تجاوزها ـــــ بأي حال ـــــ إلي الشارع!
عشر ملاحظات
تشير حالة الاحتجاجات الجديدة إلي مجموعة من الدلالات البارزة:أولاً: اتساع النطاق الجغرافي لهذه الأفعال الاحتجاجية المشار إلي نماذجها، وامتدادها تقريباً إلي أغلب محافظات مصر وحتي مناطقها الحدودية النائية: سيناء في الشرق، الإسكندرية في الشمال، النوبة في الجنوب، والسلوم في الغرب (التي تحركت بعد أيام من هذا الرصد احتجاجاً علي قيام ضابط أمن بسكب الكحول علي شاب من المنطقة وإشعال النار فيه!). ثانياً: امتدادها إلي أغلب طبقات المجتمع وفئاته الاجتماعية: العمال ـــ الفلاحين ـــ فئات البرجوازية الصغيرة ـــ الشرائح الدنيا من الطبقة البرجوازية (الطبقة الوسطي) ـــ المثقفين إلخ ... ثالثاً: بروز الدور القيادي للمرأة في كثير من هذه الأنشطة الاحتجاجية، وبالذات للمرأة العاملة في المصانع، حيث لفت الأنظار مبادرتها وشجاعتها وحسمها، وهو ما ساعد علي نجاح العديد من هذه التحركات وإنجازها أهدافها. رابعاً: العديد من هذه الاحتجاجات العمالية استطاع أن يفرض علي السلطة التراجع أمامها، وأن تستجيب لمطالب المشاركين فيها، مثل حركة المعلمين وإضرابات عمال مترو الأنفاق وسائقي قطارات السكك الحديدية، والنقل الخفيف، وغزل المحلة... ويعود ذلك إلي أن هذه القطاعات التي نجحت في تحقيق مطالبها، كما يشير تقرير مركز الأرض، «هي القطاعات ذات التأثير المباشر علي الجمهور»، كما كان لحسن تنظيم الإضرابات ووجود خبرات عمالية نقابية متميزة، وتماسك المشاركين فيها، أثر كبير في إنجاحها والتوصل إلي نتائج إيجابية. خامساً: أظهرت هذه الاحتجاجات «ضعف التنظيم النقابي وتبعيته للحكومة»، مثلما يشير نفس التقرير، ومهدت الأرضية لاكتساب فكرة النقابات والروابط المستقلة جمهوراً أوسع، كأساس لبناء التنظيمات النقابية الجماهيرية والمتحررة من سيطرة النظام. سادساً: عكست هذه الموجة الاحتجاجية وعياً أولياً بالمصالح الاقتصادية للمحتجين، دون أن تتطور إلي رؤية سياسية شاملة تربط أزمة كل قطاع من القطاعات المحتجة مع باقي أزمات المجتمع، وتطرح استراتيجية شاملة للمواجهة ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية.وهذا المستوي الأوّلي من الوعي طبيعي وقابل للتطور، يعكس ـــ من منظور آخر ـــ انفصال الأحزاب السياسية عن هذه التحركات، فيما عدا بعض القيادات العمالية التقدمية، في بعض المواقع، التي تنتمي إلي أحزاب وحركات يسارية، فلم يكن للأحزاب بذاتها (والتقدمية منها أساساً) دور يذكر في تلك الهبّات الشعبية. سابعاً: أفرزت هذه التحركات الاحتجاجية جيلاً جديداً من القيادات العمالية الشابة، وكانت فرصة لأن يتمرس في النضال العمالي ومن أجل مصالح الطبقة العاملة، حتي يمكن الاعتماد عليه في المستقبل. ثامناً: كشفت هذه التحركات الاحتجاجية عن اضطرار السلطة للتراجع في الكثير من المواقع، والاستجابة لمطالب العمال المعتصمين، خشية امتداد الشرارة إلي أماكن أخري جاهزة للاشتعال. تاسعاً: وكما يقول تقرير مركز الأرض، فقد أوضحت الاحتجاجات الأخيرة «وحدة النسيج المصري في مواجهة الفقر والتعدي علي مصالحهم وحقوقهم. فلم نشاهد احتجاجات عمالية ظهرت فيها دعاوي خاصة بالعمال المسيحيين أو المسلمين»، وبالتالي كشفت عن زيف الدعاوي الحكومية بأن وراء الاحتجاجات جماعة «الإخوان المسلمين»، في محاولتها لعزل الحركة العمالية وضرب وحدة صفها وتشويه صورتها. عاشراً: في الكثير من هذه المعارك الاحتجاجية، تراجعت الحكومة تكتيكياً حانية رأسها للعاصفة، منتوية التحايل وعدم الالتزام بما قدمته من وعود، أو قدمت حلولاً لحظية مؤقتة، لا تعالج جوهر الأزمة أو تقضي علي الداء، وهو ما يشير إلي إمكانية كبيرة لتجدد موجات الاحتجاج في المستقبل، ويفتح الباب أمام احتمالات غير محدودة لنموها وتطورها.لقد وضح من الاستعراض السابق انقسام المجتمع المصري، حدياً، إلي قسمين لا جامع بينهما: «مصر العشة» و»مصر القصر». وهو ما يؤذن بنهاية عصر «تذويب الفوارق بين الطبقات» الذي حاول نظام الحكم بعد 23 يوليو أن يعتمده كبديل توافقي، افترض فيه أن يحل محل «صراع الطبقات» في المجتمع المصري.فمصر اليوم تشهد تفجراً غير مسبوق، لا في اتساع مداه ولا حدته، بين شرائح محدودة من طبقات المجتمع، بالغة الثراء، وبين الأغلبية العظمي من أبناء الشعب التي لا تملك قوت يومها، ولا تأمن علي حاضرها ولا مستقبلها.ولعلّ أخطر وأهم ما أشارت إليه هذه الموجة التي لا تزال مستمرة ـــ من الأنشطة الاحتجاجية التي تعمّ مصر من أقصاها إلي أقصاها ــ هو أنها تعكس نضج الشرط الموضوعي المناسب لعملية التغيير السياسي والاجتماعي في البلاد، مقابل غياب العامل الذاتي وتخلفه علي نحو ملحوظ. فالتحركات الاحتجاجية التي شملت أغلب قطاعات المجتمع ــ كما أشرنا ــ ينقصها تبلور القيادة المناضلة الواعية التي تمتلك مشروعاً مقنعاً، وخططاً تكتيكية واستراتيجية محددة، تستفيد من هذا الزخم الشعبي المتنامي، وتتفاعل معه إيجابياً من أجل إنجاز عملية التغيير السلمي، باستخدام أدوات النضال الجماهيري، ولبناء بديل ديموقراطي شعبي يعيد تشييد ما خربه تحالف الرأسمالية والبيروقراطية التابع، ويدفع مصر مجدداً إلي موقعها الطبيعي في قلب عالمها العربي، مركزاً للتقدم ورمزاً للتحرر والبناء.

Saturday, October 27, 2007

الهباب الأسود

جمال بدوى

لو كنت عضوا فى الحزب الوطنى الحاكم لطلبت من الأمانة العامة للحزب ادراج كارثة السحابة السوداء على رأس قائمة الموضوعات التي سيبحثها الحزب فى مؤتمره العام فى الأسبوع القادم، فعلى مدى عشر سنوات توطنت السحابة وباتت جزءاً لا يتجزأ من قائمة الأمراض المتوطنة مثل البلهارسيا والوباء الكبدى والفشل الكلوى والأورام السرطانية. وفشلت كل الوزارات المختصة فى القضاء على هذا الهباب الأسود الذى يقتحم علينا حياتنا، ويحرق صدورنا وعيوننا، ويفسد علينا طبيعة الهواء الذى نستنشقه، بعد أن فسد الماء الذى نشربه، فاختلط بمياه المجارى »!!«.
** لقد نشرت »الوفد« أمس صورة ناطقة للحرائق التى انتشرت فى حقول الدلتا، وهى صورة كفيلة بايقاظ الحكومة من غفلتها لتواجه هذه الكارثة القومية، ولا تقف أمامها موقف العاجز الذى يكتفى بالفرجة على حرائق قش الأرز وكأنها تجرى فى كوكب آخر. وفهمنا من تحقيق عاطف دعبس أن السبب فى زيادة الحرائق هذا العام: يعود إلى زيادة الأراض المزروعة أرزا زيادة رهيبة وبلغت فى محافظة الغربية وحدها 120% وهى مساحة تنتج كميات هائلة من القش تفوق طاقة المكابس التى وزعتها وزارة البيئة لتدوير قش الأرز بدلا من حرقه.
** إلا أن أغرب ما جاء فى التحقيق ان عدد المحاضر التى تحررت لأصحاب الحرائق لا تزيد على 46 محضراً، وأن 26 منهما أحيلت الى النيابة العامة لتحصيل ألف جنيه من كل مزارع كغرامة مقابل وقف سير الاجراءات الجنائية ضده. وهى تشبه الغرامة التي يدفعها المهرب فى الجمرك مقابل التنازل عن الأشياء المهربة، وهو اجراء لا يعالج أصل المشكلة ويحقق للحكومة دخلاً مالياً.
** أما أغرب ما جاء فى التحقيق فهو السماح للفلاحين بحرق قش الأرز نهاراً وحظره ليلاً.. وفى حدود خبرتى فان الهباب الأسود ينتشر فى أجران الفضاء فى ساعات اليوم، وبدون تفرقة بين ليل ونهار، فماهى الحكمة فى إباحة الحرائق بالنهار، ومنعها بالليل، وهل تملك الحكومة آلية تمنع الرياح من تحريك الهباب نهاراً؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا تمنعها بالكلية رحمة بالعباد وقد ضاقت صدورهم عن استيعاب هذا الهباب الأسود »!!«.

زراعة الضمير

نجح العلماء والأطباء في ظل التفوق العلمي الهائل علي المستوي الطبي في إحداث معجزات طبية كنا نقول عليها في الماضي مستحيل مثل زراعة الكلي والكبد وفص الرئة واستنساخ الأعضاء وغيره من العلوم المتقدمة وياليت الأطباء والعلماء الذين أخذوا نوبل في الطب نجحوا في زراعة الضمير، لأننا في حاجة ماسة إليه في مصر، لأن الإنسان الوحيد الذي ولد في العالم من غير ضمير موجود بيننا ولو كان عنده ضمير مكنش حصل لنا كل الكوارث في جميع المجالات وعلي جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكانت العبارة غرقت ولا كنا استوردنا مبيدات مسرطنة وقمحاً مضروباً، وكان الناس ماتت من تلوث المياه وإلقاء النفايات فيها ولو كان عندنا ضمير لما أصيبت الناس بفشل كلوي ولا فلوس البلد والغلابة هربت برة لو كان عندنا ضمير ما كنا بعنا البلد حتة حتة لأجنبي وأصبحنا غرباء في بلدنا ومش حاقول فوقوا يا ناس لأن الضمير مش نايم ولا غفلان لأنه أصلا معندناش ضمير، كما أنه لا يمكن شراؤه لأنه شاحح في السوق حبتين.

أ. أحمد شرابي المحامي

ومن يبلغ ضد من يسيئون للشعب فعليا ويوميا؟!

د. طارق الغزالي حرب

انتشرت في بر مصر في الأسابيع الأخيرة ظاهرة جديدة تضاف إلي ما تحفل به بلادنا من مضحكات مبكيات، وأعني بها ظاهرة هؤلاء الناس المجهولين الذين يقومون بعمل بلاغات للنائب العام ضد صحفيين وكتاب ورؤساء تحرير وأصحاب رأي.. منهم محامون من مناطق شعبية وآخرون من أحزاب وهمية لا يعرف أحد عنها شيئًا، وربما كانت هذه هي المرة الأولي - ونرجو أن تكون الأخيرة - التي تذكر فيها الصحف أسماء بعض من قيادات هذه الأحزاب الهلامية..
وتحفل هذه البلاغات بالعديد من الألفاظ الغليظة الطنانة، التي تتهم أصحاب الرأي هؤلاء بتهم فجة، غاية في الرعونة والاستخفاف بعقول الناس مثل الإساءة إلي مصر وتدمير الاقتصاد القومي وحتي الخيانة العظمي، وهي كما ترون تهم تستوجب الإعدام!! جمع أطراف هذه البلاغات المزرية شيء واحد هو أنهم جميعًا ليسوا ذوي صفة.. أي أنهم ليسوا ممثلين عن الشعب المصري أو من المسؤولين عنه مثلاً.. وجمعت بلاغاتهم الهشة أنها بلا دليل دامغ واحد، واعتمدت فقط علي عبارات إنشائية يكتبها بعض الموظفين في النشرات الحكومية المسماة الصحف القومية وبعض المرتزقة في وسائل إعلام أخري.
أدت هذه البلاغات الكيدية التي يقف وراءها نفر من أعضاء الحزب الحاكم إلي هذه الأزمة المستعرة بين نظام الحكم والصحافة المصرية الوطنية، وذلك لأن النظام استطاع تطويع نفر من السادة لصالح أهدافه الشيطانية في تكميم الأفواه وبث الخوف والرعب في قلوب الوطنيين الشرفاء أعداء الفساد والاستبداد.. فكانت الأحكام بالحبس علي خمسة من رؤساء تحرير الصحف المستقلة والحزبية مصير البعض، وكان الهروب والنفي الاختياري مصير بعض آخر
. إن لي رأيا أتمني أن يتبناه بعض من أصحاب الآراء الحرة والقلوب الجريئة المفعمة بحب هذا الوطن وأهله.. لماذا لا يكون الرد علي تصرفات هؤلاء الصغار الذين يحركهم البعض بخيوط من وراء ستار كما يحركون عرائس المسرح، لماذا لا يكون الرد عليهم بتقديم بلاغات إلي النائب العام ضد هؤلاء المسؤولين الذين يرتكبون يوميا العديد من الجرائم تجاه الشعب المصري، خاصة الفقراء والضعفاء منه؟!
لقد رأيت علي شاشة تليفزيون الدولة في نشرته الإخبارية مساء السبت الماضي تغطية إخبارية لحادث مروري بشع بمنطقة العياط بالجيزة راح ضحيته أكثر من اثني عشر شخصًا غير العديد من المصابين، فسمعت من المواطنين البسطاء ما يمكن أن يحدث زلزالاً سياسيا في أي بلد آخر في العالم غير مصر لو حدث هناك، فمنهم من قال إنه لا يكاد يمر أسبوع دون حدوث حادث مثل هذا بنفس المنطقة، ومنهم من قال إنهم جأروا بالشكوي من هذا الطريق لجميع المسؤولين الشعبيين والمحليين ولكن لا أحد اهتم بهم أو تحرك مسؤول لبحث الخلل علي هذا الطريق، لذلك فإنهم تعودوا علي فقد الأهل والأحباب كل يوم وأنهم ينتظرون رحمة الله ليرفع مقته وغضبه عنهم بإزاحة أولياء أمرهم الذين لا يملكون من أمرهم شيئًا!!
لماذا لا يتقدم بعض الشرفاء المهمومين بأحوال أهلهم في بر مصر ببلاغ إلي النائب العام ضد محافظ الجيزة مثلاً لإهماله في واجبات وظيفته وتقصيره وخيانته أمانة المسؤولية التي أقسم علي احترامها، فلم يفعل شيئًا والضحايا يتساقطون وتتزايد أعدادهم يومًا بعد يوم؟ إن المتقدمين بمثل هذا البلاغ لهم صفة ومصلحة حقيقية، والتهمة واضحة وضوح الشمس والأدلة والبراهين لا تحتاج إلـي تجميع محاضر الحوادث في هذه المنطقة لعام مضي فقط..
ولا أشك لحظة في أن القضاء المصري مازال يزخر بالرجال الذين لا يخشون في الحق لومة لائم، وقرارهم بإحالة مثل هذا المحافظ وجميع المسؤولين عن الطرق والمرور في محافظته إلي المحاكمة والعزل سيكون البداية لأن يتولي الشعب أمره بنفسه دون انتظار منة من أحد و فرج من الله. لقد ضربت مثلاً واحدًا لبلاغ لابد منه، ولكن والله الذي لا إله إلا هو فإن في العقل والقلب المئات من الأمثلة التي هي جرائم كبيرة في حق هذا الشعب المغلوب علي أمره تستدعي البلاغ للنيابات أهم وأكبر بكثير من تلك التفاهات المبهمة التي تقدم بها نفر خائب من أفراد الشعب المصري.. بل إنها تستدعي الدعاء إلي الله ليل نهار ألا يولي أمورنا من لا يخافه ولا يرحمنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله!!

المصريون في نعيم

د.طارق عباس

بصراحة وبكل صراحة، الحياة في مصر عال العال، والناس غارقة في السعد والنعيم والحريات، ولا هم للمسؤولين -الله يعمر بيوتهم- سوي رعايتنا والسهر علي راحتنا، وتحصيننا من شرور الحساد والعزال، وسلام علي الناس الحلوين، وألف كبة لمن يشوهون هذه الجهود ويسودون الدنيا في عيون الناس.
وبجد شكراً لوزير المالية لفرضه ضرائب جديدة علي الوحدات السكنية الخالية، ياسلام علي المشاعر الجياشة، ومنتهي الإحساس بالناس، هدية الوزير وصلتنا جميعاً والشعب قبل الهدية، والحكاية ليست حكاية ضريبة جديدة أضيفت إلي ضريبة المبيعات و ضريبة الدخول والدمغات وضريبة الأرباح التجارية...إلخ.
وإنما الحكاية حكاية حكومة أفلست بعد فقدانها كل مواردها، وبيعها معظم الأصول للأجانب بأرخص الأثمان، وتبرعت بالباقي منحاً وهبات للأحباء والجيران، ولم يعد أمامها سوانا، تمد يدها إلينا فهل نخذلها؟ وهل يصح أن نتركها للي يسوي واللي مايسواش؟ لا ياعم غالي، نحن جدعان جداً ولسنا أقل منك وطنية، ومتشوقون لدفع المزيد من الضرائب، ومستعدون للاستغناء عن أمتعتنا وخلع ملابسنا لأجل خاطر عيون الحكومة، نحن شعب مسالم لا يغضب ولا يثور ولا يعترض، يجيد السمع والطاعة وتنفيذ الأوامر، ربما يغفل عن كلمة حق لكنه لا يغفل أبداً عن كلمة نعم، ونحن معك يادكتور يوسف ووراءك، زد الرسوم والضرائب والدمغات والعوائد، وأعف سكان مارينا من كل ما يعكر صفو حياتهم، وارفع الدعم إذا شئت عن مستحقيه، فحكومتنا أولي بلحم ثيرانها.
ونرجو يامعالي الوزير أن تبلغ تحيتنا لوزير الإسكان، ذلك الفهد الذي وقف سداً منيعاً أمام السماسرة، ورفض العمل بسياسة البخت والقرعة والجلا جلا والمزايدات في عمليات التخصيص، ليقينه بأن هذه السياسة:
* لا تليق بوزارة الإسكان المصرية التي تعتبر من أعرق الوزارات في الشرق الأوسط، ولا يجوز ونحن في القرن الحادي والعشرين أن يكون همها الوحيد هو جمع المليارات بفكر مفلس، وإلا ما الفرق بينها وبين من يسوقون لثقافة (اليانصيب) عن طريق زيرو صفر ميه زيرو تلات نصبات؟
*الأرض ملكية عامة للمصريين ولا يصح التفريط فيها بالمضاربة حتي لا تكون الكلمة الأولي والأخيرة لتجار المخدرات وأصحاب غسيل الأموال، مما يجعل التنمية العقارية من الأمور المستحيلة.
* إن مثل هذه السياسة تخلق ارتفاعاً وهمياً في الأسعار، وتغذي في الناس ثقافة التكالب، وتخلق مناخاً سيئاً لاستثمار الوهم تكون نتيجته انهيار السوق العقارية انهياراً تاماً.
والشيء الوحيد الذي أعاتب عليه وزير الإسكان أنه يكلف نفسه فوق طاقتها، ويجهد نفسه في توفير شقق تتجاوز مساحتها ٤٠ متراً وهي مساحة كبيرة جداً، يرمح فيها الخيل، ورفاهية زائدة لا يستحقها محدودو الدخل، خاصة أن هناك دولاً أكثر تقدماً تكتفي ببناء شقق علي مساحة لا تزيد علي ٢٨ متراً بينما تكتفي دول ما وراء الترع بخمسة أمتار فقط للشقة، ومن الممكن أن يكتفي شبابنا بتخيل شقتهم ويسكنون في هذا الخيال لحماية الوزير من ارتفاع أسعار الطوب والأسمنت والحديد...إلخ.
ولسنا في حاجة للحديث عن مزيد من إنجازات بقية الوزراء، فهي أكثر من أن تحصي، وحصوة في عين من لا يصلي علي النبي، وكل ما علينا أن نقبل أيدينا وش وضهر، علي كل هذه النعم حتي لا تزول من وجهنا، ونعلن تفانينا في حب الحكومة، مهما جري لنا من تحت رأسها، لأن تعذيب الحبيب مثل أكل الذبيب، ومن المؤكد أن التراجع الذي نشهده في جميع مرافقنا العامة، وفقدان السوق كل الضوابط والرقابة، والارتفاع المزعج الرهيب في أسعار السلع الأساسية وغير الأساسية، كلها أمور افتعلتها الحكومة لتختبر بها صبر الناس علي تحمل البلاوي، وتقيس درجة توهج حرارة مشاعرهم تجاهها.
لكنها كانت تعمل في صمت وتتحرك بعجلة التنمية في الخفاء، لتحمينا من الحسد، ويمكنني التدليل علي ما قلت بما صرح به رئيس الوزراء يوم الأربعاء الماضي، وأكد فيه علي ازدهار الاقتصاد المصري، وارتفاع معدلات نموه لأرقام غير مسبوقة، وحدوث تطور هائل في الاستثمار الأجنبي والمحلي، ولا أعرف ماذا تفعل لنا الحكومة أكثر من هذه التصريحات العبقرية، إذن الدنيا بخير طالما لايزال مخزون القمح يكفينا لمدة شهر أو شهرين، الدنيا بخير طالما أن طن الحديد ارتفع فقط من ١٢٠٠ جنيه عام ٢٠٠١ إلي ٣٧٠٠ جنيه عام ٢٠٠٧، وطن الأسمنت من ١٢٠ جنيهاً عام ٢٠٠١ إلي ٤٢٥ جنيهاً عام ٢٠٠٧.
الدنيا بخير طالما أن العنصرية محدودة في توزيع الدخول، ويتقاضي البيض من الموظفين في الوزارات ثمانية أضعاف ما يتقاضاه السود من العاملين التابعين للمحليات، الدنيا بخير طالما تسير مصر نحو التفرد، فلأول مرة في تاريخنا المعاصر، يوافق نظام علي حبس خمسة رؤساء تحرير صحف حزبية ومستقلة دفعة واحدة ومعهم حبة فكة، وجمايل الحكومة علينا كثير وكلما زدناها حباً، زادتنا من مفاجآتها السارة.
ولا أوافق الدكتور (ميلاد حنا) علي ما صرح به لـ«الدستور» يوم السبت الماضي، وحمل الحزب الوطني مسؤولية انهيار الحياة السياسية في مصر وهو افتراء، فلا توجد حياة سياسية في مصر أصلاً، وكله بالبركة، واللي بنخاف منه مايجيش أحسن منه، ألم أقل لكم إن المصريين في نعيم، ولا ضرورة للتشاؤم لأنه سيقودنا للتهلكة، ولكي نتفهم واقعنا جيداً، علينا أن نراه بنظارات أعضاء الحزب الوطني، لنعرف متي نصمت ومتي نصمت؟ ماذا يجب علينا وماذا يجب علينا؟ متي نقول نعم ومتي نقول نعم؟
هكذا تكون الديمقراطية، وهكذا نضمن العيش في النعيم وتوتة توتة ماتت الحدوتة.

تغيير وزاري.. واحنا مالنا

أسامة هيكل

افترض أن الحكومة كلها تغيرت.. هل يعني ذلك لنا نحن المواطنين أي شيء؟ وهل يختلف الأمر لو حدث تغيير محدود؟
الرئيس مبارك استقبل منذ أيام الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء.. جاء اللقاء مفاجئا وغامضا.. والدكتور نظيف كعادته لم يدل بأي تصريح للصحافة عقب الذي تم في رئاسة الجمهورية بمصر الجديدة.. ولا أدري لماذا تم الإعلان عن اللقاء طالما أن أحدا لن يعرف ماذا تم خلاله؟. المهم.. بمجرد نشر الخبر الغامض الذي لم يضم أي تفاصيل، والذي يأتي قبل أيام قليلة من المؤتمر العام للحزب الوطني، بدأت التكهنات من جديد بقرب إجراء تعديل وزاري، وتباري مدعو العلم في فبركة أسماء الوزراء المغادرين، وتأليف الوزراء الجدد.
وليست هذه هي المرة الأولي التي يتوقع فيها إجراء تعديل وزاري.. ولكن الغريب أن الناس لم تتعلم من التغييرات الوزارية السابقة، ولايزال هناك من يهتم بأمر التعديل المرتقب أو التغيير.. فلم يؤثر أي تغيير وزاري في حياة الناس علي مدي ربع قرن مضي.. ولا أحد يعلم لماذا خرج الوزير الفلاني، أو لماذا استمر زميله العلاني؟، تماما كما لن يعلم أحد لماذا سيخرج وسيدخل الوزراء في أي تغيير قادم وزراء..
ولكن الأمر المؤكد الوحيد في التغييرات الوزارية أن الأداء ليس الأساس الذي تقوم عليه التغييرات والاختيارات.. فما أكثر الوزراء الذين مكثوا في مناصبهم سنوات طوالاً رغم رفض الناس لهم والتشكيك في ذممهم.. وماأكثر الوزراء الذين خرجوا بعد توليهم بشهور قليلة حتي قبل أن يظهر أداؤهم!!
والتجارب السابقة تؤكد أن الرئيس مبارك يحب الانفراد دائما بحق التغيير ومفاجأة الناس به.. والتجارب نفسها في التعديلات الوزارية تثبت أنه الوحيد في مصر الذي يعلم إذا كان هناك تغيير وزاري أم لا.. وهو أيضا الوحيد الذي يحدد موعد التغيير، بل إن البعض يري أن الرئيس مبارك ربما يتراجع عن التغيير الوزاري إذا تسربت الأخبار للصحف عن هذا التغيير، لدرجة أن الوزراء يسعدون بنشر هذه الأخبار لأنها تعني أنه لاتغيير، وربما يقوم بعضهم بتسريب أنباء للصحف لإجهاض التغيير.
. ولا أعتقد أن الرئيس مبارك لو أراد التغيير سوف يبلغ رئيس الوزراء بهذه النية.. والدكتور نظيف نفسه لم يكن مرضيا عنه خلال الشهور الماضية لأسباب لانعلمها، وتوقع الكثيرون تغييره هو شخصيا، وسري الأمر كما لو كان حقيقة مؤكدة، ولكن الشهور مرت ولايزال الدكتور نظيف مكانه ولم تتغير سياساته، ولم يف بوعوده الخاصة بخفض الأسعار.
إذن نحن كمواطنين لم نكن سببا في أي تغيير وزاري في أي يوم من الأيام.. ولم تكن طموحاتنا محل اعتبار في أي تغيير من التغييرات التي تمت.. ولم نحصل حتي علي حقنا الطبيعي في معرفة أسباب التغييرات والتي يتميز معظمها بالغموض.. ولانزال كلنا نذكر كيف اخترعنا مسمي جديداً وهو التبديل الوزاري، حينما تم خلع الدكتور ممدوح البلتاجي وزير الإعلام فجأة ليتولي منصب وزير الشباب، كما تم خلع أنس الفقي وزير الشباب من منصبه ليتولي منصب وزير الإعلام..
ولم يشرح لنا أي مسؤول الحكمة من هذا التبديل لأنه لو كان بينهما وزير فاشل لوجبت الإطاحة به من منصبه وليس مجاملته بالجلوس في مقعد وزاري آخر.. وانتهي الأمر الذي فاق قدرات المواطنين العقلية علي الفهم، والذي يستعصي علي أي محلل سياسي التعليق عليه.. والتغيير الوزاري بالطبع أمر يخص الوزراء في المقام الأول، ومعهم المنتظرون لتليفون التكليف بالوزارة.. وكل هؤلاء الآن مهمومون ومشغولون بمصائرهم.. فمن يستمر في الوزارة أو يكلف بها لأول مرة سينعم بالجاه والنفوذ والحرس.. ومن يخرج منهم سيبحث عن عمل بديل، وسيزول عنه سلطانه وجاهه وحرسه.. وقلبي عند هؤلاء جميعا بسبب القلق الذي يعيشون فيه هذه الأيام.
ولكننا كمواطنين لماذا ننشغل بأمر التغيير الوزاري؟ ما الذي سيعود علي المواطن من خروج وزير ودخول آخر مكانه؟، هل لو خرج أحمد المغربي من وزارة الإسكان بعد أن أشعل أسعار الأراضي والعقارات ووصلت لأرقام غير معقولة خلال أقل من عامين، سوف يأتي مكانه من يستطيع الهبوط بتلك الأسعار لمستوياتها التي كانت عليها؟، هل لو خرج محمد منصور من وزارة النقل، وجاء وزير بعده سوف تتوقف حوادث الطرق والقطارات والعبارات؟، هل لو خرج علي المصيلحي من وزارة التضامن الاجتماعي وجاء خلف له سيعود رغيف الخبز لسابق عهده من حيث السعر والجودة والتواجد؟، هل لو خرج أي وزير تضررنا من أدائه سيحل محله من هو أفضل؟
لا أريد أن أكون متشائما.. ولكن لايوجد ضمان واحد حقيقي لتحسن الأمور لو تغير الوزراء الحاليون.. ولو كان هناك أي أمل في التحسن لكان أمر التغيير الوزاري يعنينا كمواطنين.. أي مخلوق يعيش داخل الحدود المصرية - مهما علا شأنه - يتكهن بأن هناك تعديلاً وزارياً قادماً، ويدعي علمه بموعد التغيير والأشخاص الذين سيشملهم التعديل، هو بالتاكيد كذاب أشر.. فالوحيد الذي يعلم بأمر التغيير هو الرئيس مبارك.. وهو لايقول لأي أحد ماذا ينوي أن يفعل مهما كان قريبا منه.. فلا داعي إذن لإضاعة الوقت في موضوعات تهم أصحابها فقط، ولاتهمنا نحن كمواطنين من قريب أو من بعيد.. فالتغيير الذي نريده فعلا هو تغيير علاقة النظام بالشعب، وتغيير حقيقي في السياسات، وليس مجرد خروج وزير دمه ثقيل ودخول وزير أخف دما.

Thursday, October 25, 2007

خالد محيي الدين

مصطفى الفقي

قد يذكر التاريخ المعاصر أن «خالد محيي الدين» هو أبرز الشخصيات السياسية المصرية، علي امتداد الفترة منذ عام ١٩٥٢ حتي الآن، ولا يقاس الأمر هنا بالمناصب الرسمية أو المواقع السيادية، ولكن الفيصل هو تواصل العطاء لمصر والإخلاص للوطن الغالي. «وخالد محيي الدين» نموذج فريد لا نكاد نجد له نظيراً في تاريخنا الحديث،

وعلي الرغم من أن الرجل يحمل «ميدالية لينين الكبري» من قيادة الاتحاد السوفيتي السابق «والميدالية التذكارية لثورة ١٩٥٢» في عيدها الخمسين من الرئيس «مبارك» فإن مجلس قيادة الثورة، عندما منح كل أعضائه «قلادة النيل»، حرم ذلك الفارس النبيل «خالد محيي الدين» منها، وكأنما أخذ الرجل علي نفسه عهداً من ذلك الحين بألا يحضر مناسبات رسمية أبداً حتي لا يشعر، من خلال الترتيب «البروتوكولي»،

بالظلم الذي وقع عليه، وهو واحد من أبرز قادة تنظيم الضباط الأحرار، ومن أشجع ثوار «٢٣ يوليو» وأكثرهم ثقافة وإيماناً بالحرية ودفاعاً عنها، ورغم انتمائه العقائدي المعروف لليسار المصري فإنه وظف ذلك لخدمة الوطنية المصرية قبل أي اعتبار آخر. ولقد جمعتني بهذا الرجل العظيم فترة عضويته للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب المصري منذ عام ٢٠٠٠ حتي عام ٢٠٠٥،

حيث ترأسها في العام الأول الراحل «ماهر أباظة»، ثم انتُخبت بعده رئيساً لها، ولن أنسي حرص السيد «خالد محيي الدين»، بتاريخه الطويل واسمه الكبير وماضيه المشرف، علي حضور جلسات اللجنة في مواظبة شديدة والتزام واضح، وهو في ثمانينيات العمر، وهو أيضاً ذلك الثائر الذي قرر مجلس قيادة الثورة تعيينه رئيساً للوزراء، لامتصاص ثورة ضباط سلاح الفرسان، في وقت كنت أنا ومعظم زملائي في اللجنة لانزال نرتدي «الشورت» أطفالاً ونلهو في فناء المدرسة الابتدائية!

وقد كان حضور الرجل دائماً مؤثراً وفعالاً، فهو يشارك في الرأي ويبدي الملاحظات في لغة واضحة وسهلة مع عفة في اللسان وعمق في التفكير وسلام شديد مع النفس دون مرارة تنغص عليه حياته، بسبب الثمن الذي دفعه،

في شجاعة وتجرد، من أجل الديمقراطية فيما سُمي «أزمة مارس ١٩٥٤» وما بعدها، حيث فرض عليه رفاقه النفي في «سويسرا» ليبتعد بشعبيته داخل الجيش عن الساحة كلها، لأنه كان يحظي باحترام وحب شديدين بين الضباط من مختلف الرتب. وعندما قرر الدكتور «أحمد فتحي سرور»، رئيس مجلس الشعب، تشكيل وفد كبير لزيارة رسمية للبرلمان الأوروبي كان من أعضائه السادة «خالد محيي الدين»، «ومنير فخري عبدالنور»، «ومنصور عامر»، والدكتورة «فائقة الرفاعي».

حرص الدكتور «سرور» علي أن يستمزج رأي الأستاذ «خالد محيي الدين» في المشاركة ضمن وفد يترأسه رئيس لجنة العلاقات الخارجية، ولكن الرجل، بتواضعه المعروف وأدبه الجم وشخصيته الراقية،

لم يمانع في ذلك، وكان حضوره معنا في الوفد كشخصية تاريخية مرموقة قومياً ومعروفة دولياً ما أكسبنا مزيداً من الاحترام، وحقق لمهمتنا النجاح المطلوب، وكنت أحرص علي تقديمه عنا جميعاً، وأكاد أحمل عنه حقيبة يده أحياناً تقديراً لمكانته وحباً لشخصه. ولقد تسابق أعضاء الوفد في رعايته والحفاوة به، وأتذكر أنه عند زيارتنا مدينة «ستراسبرج»،

المقر التبادلي للبرلمان الأوروبي، أن نائباً فرنسياً يترأس لجنة المشرق ـ وهو جزائري الأصل ويعتبر شخصية برلمانية معروفة ـ قال لنا عندما رأي الأستاذ «خالد محيي الدين»: لقد تحققت أحد أحلامي، فلقد كنت أريد أن أري الرجل الذي قرأت عنه كثيراً، وها هو الحلم يتحول إلي حقيقة أخيراً!

إنه السيد «خالد محيي الدين» الذي ترك رئاسة «حزب التجمع» طواعية، في بادرة غير مسبوقة علي مسرح السياسة المصرية في العقود الأخيرة، حتي اختاره أعضاء الحزب رئيساً فخرياً لهم مدي الحياة، ولقد لفت نظري كثيراً أن هذا الرجل الكبير كان يحمل هموم دائرته الانتخابية في تفانٍ وإخلاصٍ واضحين،

ويساعد كل من يلجأ إليه، ويسعي لتلبية طلب كل من يتصل به، ولا أنسي أحاديثي الطويلة معه حول «٢٣ يوليو» وتحول أسلوبها إلي نمط سلوكي في السياسة والحكم داخل مصر وخارجها، وكان الرجل موضوعياً فيما يقول، صادقاً فيما يحكي، لا يتحامل علي أحد، ولا يشوه التاريخ، الذي هو جزء مهم منه،

وكان يتحدث عن «عبدالناصر» في مودة، وعن «السادات» في موضوعية، وهو صاحب التوليفة التاريخية بين «الفكر الماركسي» «والشخصية الإسلامية»، فلقد أجري الرجل مصالحة نفسية بينهما منذ البداية، وعاش في صدق مع الذات بصورة يحسد عليها. لقد عرفت «خالد محيي الدين» عن قرب لسنوات عديدة، وازددت كل يوم احتراماً له وتقديراً لدوره في الحياة السياسية والعمل الوطني علي امتداد ستة عقود. وسوف يظل «خالد محيي الدين» جزءاً لا يتجزأ من ضمير مصر وأمتها العربية، فالحوار معه ميزة، والاستماع إليه متعة. أمد الله في عمره رمزاً، ومكانة، وقدوة.

ثورة الأنذال والخونة

أسامة غريب

في روايته البديعة «القاهرة الجديدة» صاغ الأديب نجيب محفوظ شخصية محجوب عبد الدايم بأستاذية واقتدار. ثم صارت الرواية فيلماً سينمائياً باسم القاهرة ٣٠ علي يد المخرج صلاح أبوسيف، وقد جسد الفنان حمدي أحمد شخصية بطل الرواية الذي دفعه الفقر الي أن يبيع شرفه لمن يدفع الثمن.

بعد ذلك صار اسم محجوب عبد الدايم مضرباً للأمثال، وأخذ الناس يطلقونه علي من يصادفونهم في الحياة ممن يتسمون بانعدام النخوة والاستعداد للتضحية بالأخلاق والمبادئ في سبيل العيش وارتقاء سلم المجتمع الفاسد.

غير أنني عندما أفكر في نهاية الرواية حين انهار البطل وتهدمت دنياه بعد افتضاح أمره ومعرفة أبيه أن الابن المحترم ليس سوي قواد رخيص يبيع لحم امرأته للباشا الكبير.. أفكر في أن هذه النهاية المنطقية ربما ترجع إلي أن فترة الثلاثينيات من القرن الماضي علي كل ما بها من فقر كانت لا تزال تتسم بقدر من الإحساس بالعار عند حضور أسبابه، وهوالأمر الذي أتصور أنه قد انتفي من حياتنا اليوم أو كاد، وهذا الفارق قد يفيد هواة عقد المقارنات بين مصر الملكية ومصر اليوم.

فارق آخر أساسي يمكن أن نلمحه هو أن محجوب عبد الدايم وسالم «ابن العجّانة» وكل أشباههم من الراغبين في بيع أنفسهم كان بإمكانهم أن يجدوا أثرياء فاسدين مستعدين للشراء، وكان ضيق العيش في ذلك الزمان يطحن فقط أولئك الذين يصرون علي أن تكون لقمتهم شريفة، لكن المستعدين للبيع كانوا مع بعض الصبر دائماً ما يجدون المشتري. أما اليوم فإن هناك معاناة من نوع عجيب قد يكون مضحكاً وداعياً في الوقت نفسه للبكاء ..

تلك هي معاناة أولئك الذين حسموا أمرهم وقرروا أن يتخلوا عن الأخلاق والشرف والكرامة وأن يبيع المرء منهم أمه وأباه وزوجته، غير أن ضيق المجال ووفرة المعروض من الأنذال يجعلهم يتطاحنون علي اللقمة الخبيثة وقد يقتل بعضهم بعضاً في خناقة علي توريد امرأة لرجل أقام مناقصة للحصول علي الأقل سعراً والأعلي جودة!.ويكفي للاستدلال علي مأساوية الحالة أن يقوم أي أحد ولو علي سبيل الاختبار بطلب شهود زور قد تلقي شهادتهم ببريء في السجن مقابل مائة جنيه للفرد، وأنا متأكد أن النتيجة ستكون مروعة من حيث عدد المتقدمين ونوعياتهم ومؤهلاتهم!.

هذه هي المشكلة الآن.. عدد المستعدين للتفريط أصبح ضخماً للغاية، لكن أفق الخيانة مسدود أو يكاد في وجه المستجدين والمجال الحيوي للنذالة صار ضيقاً للغاية، حيث إن عدد الكفلاء الطالبين للخدمات البشعة وغير المعقولة، المستعدين لإيواء واستخدام هؤلاء لا يفي باستيعاب الأعداد الوافدة يومياً تطلب العضوية العاملة في نادي الأنذال!.

أنا لا أنكر أن الحكومة تقوم بمحاولات علي قدر عزم رجالها لضمان لقمة العيش الشريفة للمواطنين، لكني لا أستطيع أن أتجاهل أن جهود الحكومة في هذا الشأن تقصر عن بلوغ المراد، وأن جل ما أمكنها تقديمه في الفترة الأخيرة هو صفقة المائة وعشرون ألف خادمة اللائي سيشددن الرحال إلي دولة شقيقة عُرفت بحب مصر وتكريم العمالة المصرية. لكن حتي إذا قامت الحكومة بعمل معجزة واستطاعت من خلال وزن مصر ودورها الإقليمي ورصيدها الحضاري في المنطقة أن تصل إلي اتفاق لتشغيل مليون أو ٢ مليون خادمة، علاوة علي مليون أو ٢مليون كنّاس، بحيث لا يخلو بيت أوشارع خليجي من نفحات مصر وإشراقها علي محيطها العربي، فإن هذا في النهاية لن يكون كافياً لأن هناك الملايين غيرهم سيبقون بلا عمل، كما أن حاجز اللغة سيظل عائقاً عن الوصول لاتفاقات مماثلة مع دول الاتحاد الأوروبي ودول الكونكاكاف.

ولأني أري أن حكومتنا- مثل كل حكومات الدنيا- هي حكومة كل المواطنين، الشرفاء منهم والأنذال (خصوصاً أن الأنذال يملكون بطاقات انتخابية)، فإنني لا أتحرج من الدعوة إلي أن تنهض الحكومة بدورها كاملا ً في خدمة مواطنيها، وكما تفكر في توفير لقمة عيش شريفة للشرفاء عن طريق توظيفهم في مشروعاتها ومناشدة أصدقائها المستثمرين القيام بدور في تشغيل العاطلين، وإبرام اتفاقات تشغيل مع الدول المُحبة للمصريين..عليها أيضاً أن تجد حلاً لفئة كبيرة من المواطنين ممن صاروا يقبلون الفساد ولا يمانعون في أكل العيش من أي طريق..

وأنا لا أعرف علي وجه الدقة كيف يمكن أن يتم هذا، لكني أتصور أن ضخ مزيد من الفساد في السوق قد يعمل علي توسيع قاعدة الفاسدين الذين بدورهم سيحتاجون لخدمات الفقراء المستعدين للبيع، فيعم الخير علي الجميع وننقذ السلام الاجتماعي المعرض للانهيار!..هذا أو علينا أن نتوقع انفجاراً قريباً لن يبقي ولن يذر بعد أن يتجمع الأنذال الجدد الذين صنعتهم الحكومة بقسوتها وإهمالها ثم تخلت عنهم دون الاستفادة من نذالتهم، ويقومون بتنظىم صفوفهم مطالبىن بحقهم فى القىام بالأعمال القذرة، وقد ىأخذ تمردهم أشكالاً جدىدة تختلف عن احتجاجات الطلبة والعمال الشرفاء وتتسم بالغدر والضرب تحت الحزام وابتداع فنون من الأذي للوطن تليق بالأنذال والخونة الذين سُدت في وجوههم حتي سبل الخيانة!.

أنا وحدي الذي أحزن

مجدى مهنا

علي عكس الكثيرين، الذين يفرحون من نشر أخبار الاكتشافات البترولية في مدن وصحاري مصر، التي يعلن عنها المهندس سامح فهمي، وزير البترول، فهو، أينما ذهب وأينما تواجد، تخرج علي لسانه تصريحات باكتشاف بترول جديد.. لأن هذا الاكتشاف يزيد من إنتاج البترول في مصر بنسبة كذا.. ويرفع الدعم المقدم من قطاع البترول إلي موازنة الدولة بنسبة كذا.. بما يعني أن وزارة البترول تدعم موازنة الدولة بمليارات الدولارات سنوياً، لكي تقدمها الدولة إلي المواطنين في صورة دعم علي المنتجات البترولية، الذي يقدر أحياناً بأربعين مليار جنيه سنوياً، وأحياناً يقال ستين مليار جنيه.. والله أعلم.

إلا أنا وحدي الذي أحزن، ولا أفرح من كثرة الاكتشافات البترولية.. فهذا الاحتياطي الموجود في باطن الأرض المصرية.. إذا لم أكتشفه اليوم، فسوف أكتشفه غداً، أي أنه لن يسرق بواسطة المحتال أو النصاب، ثم عندما أكتشفه أقوم علي الفور ببيعه.. وهي السياسة التي درجت عليها وزارة البترول منذ سنوات.. فهذا معناه أنني أسدد عجزاً في موازنة الدولة.. وفي الوقت نفسه أحرم الأجيال القادمة من نصيبها في هذا البترول، الذي هو ملك لشعب مصر كله.. الأجيال الحالية والقادمة.. وليس ملكاً للأجيال الحالية وحدها.

ولا أفرح لأن المخزون البترولي يتناقص في العالم كله.. وحسب دراسة ألمانية نشرت مؤخراً، فإن إنتاج العالم من البترول سوف ينخفض بنسبة ٥٠% حتي عام ٢٠٣٠، أي بعد ٢٣ سنة فقط.. فما الذي يفرح من الإعلان عن اكتشاف بترول جديد، سوف نبيعه إلي الخارج.. دون الاستفادة من عائد هذا البترول في إنشاء صناعة بترولية تطيل من عمر هذا العائد، وتسهم في توفير عشرات الآلاف من فرص العمل للشباب؟!.

لكل هذه الأسباب.. لا أسعد بأي اكتشاف بترولي جديد.. ولا أعتبره مقياساً علي نجاح وزارة البترول في عملها.

Wednesday, October 24, 2007

مصر.. الوجوه الخمسة لدولة الإخوان الدينية!

الأخبار المفرحة في منطقتنا قليلة، ولكن واحدا منها جاء مؤخرا وهو أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر قررت تشكيل لجنة لمراجعة برنامج الحزب المقترح للجماعة بعد الثورة التي قامت على البرنامج. والخبر مفرح مرتين، مرة لأن هناك من يؤمن بفضيلة المراجعة، ولو أن كافة التيارات السياسية المصرية والعربية آمنت بهذه الفضيلة لربما صلحت أحوالنا كثيرا. ومرة لأن الرأي العام والمثقفين أصبح لهم وزن في العملية السياسية بحيث باتت تقييماتهم وآراؤهم أكثر وعيا مما كان عليه الحال في الماضي، ورغم الشعبية الكبيرة لحركة الإخوان في مصر، فإن أحدا ليس على استعداد لإعطائها، أو أي تيار سياسي آخر، شيكات على بياض. ومهما كانت العواطف الدينية طاغية فإن الناس تعرف عن يقين أن الدولة الدينية وحكم رجال الدين هي أقصر الطرق نحو الاستبداد والفاشية على الطريقة الطالبانية السنية الأفغانية أو الطريقة الخومينية الشيعية الإيرانية.

ولكن المراجعة لبرنامج الإخوان لن تكون حقيقية ما لم يتعد الوجه الشائع للدولة الدينية والمتعلق بهيئة علماء الدين الذين تم إعطاؤهم سلطة فوق السلطة التشريعية فيما يتعلق بالأمور قطعية الثبوت والدلالة، وهي أمور مختلف عليها بين العلماء في مدى اتساعها وضيقها بين الفقه الشيعي والسني، وحتى داخل الأخير فإن هناك ظلالاً وتنويعات شتى. فحتى لو تم تقنين هذا الوضع دستوريا فإن الفتنة الكبرى سوف تقوم فى كل مرة يختلف فيها ممثلو الشعب مع علماء الدين الذين سوف يعبرون عن السلطة الإلهية في هذه الحالة بينما ممثلو الشعب يمثلون سلطة دنيوية أقل شأنا لأنها محكومة بالبشر أهواء ومصالح!

هذا الوجه الأول للدولة الدينية الإخوانية، على أي الأحوال، قد بات مستنكرا ومرفوضا من جماعة معتبرة داخل الإخوان سواء استنادا إلى الانتهازية السياسية التي ترى أن الحالة السياسية لا تسمح بمثل ذلك، أو بسبب التطور الديمقراطي والحكمة الليبرالية داخل الجماعة والتي تعرف تماما معنى أن الشعب هو مصدر السلطات، وان الدولة المصرية دولة تقوم على أساس المواطنة منذ أن عرفت عند نشأتها العصرية أن الدين لله والوطن للجميع. وهنا على وجه التحديد نصل إلى الوجه الثاني للدولة الدينية داخل حركة الإخوان والذي ينبغي على لجنة المراجعة أن تنظر إليه بإمعان وتدقيق. فما حدث خلال الأعوام الماضية هي أن الجماعة قامت بتجزئة الدستور المصري إلى جانبين: جانب توجد فيه المادة الثانية للدستور التي تقول بأن الدين الإسلامي هو دين الدولة، وأن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع. وجانب آخر توجد فيه بقية مواد الدستور والبالغة 214 مادة. وجرى العرف داخل الجماعة على البدء بالجانب الأول ثم الانطلاق منه إلى الشريعة ونصوصها مع الإسقاط التام لكل ما هو موجود في الدستور بعد ذلك. وقد ظهر ذلك بشكل واضح عندما أقاموا هيئة العلماء لأنهم أسقطوا المادة الثالثة الدستور التي تقول بأن الشعب هو مصدر السلطات؛ وعندما وقفوا ضد حقوق البهائيين في حرية الاعتقاد، وضد المسلمين الذين يتحولون إلى الديانة المسيحية، في مخالفة واضحة لما جاء في المواد 40 و46 من الدستور المصري، وكلاهما تكفلان بلا لبس حرية الاعتقاد، كما تميزا ما بين الحرية الدينية وحرية المعتقد.

الوجه الثالث للدولة الدينية الاخوانية يأتي فورا كنتيجة منطقية للوجه الثاني، فلا تصير عملية التشريع غير واقعة بين بشر أعلم بشؤون دنياهم، يتبادلون المصالح ويبحثون عن الحكمة على أساس من الأغلبية والأقلية وكلاهما قابل للتغيير والتبديل مع الزمن والمصلحة والحجة؛ وإنما تصير عملية للإفتاء والفتوى والتفسير بين مذاهب ومدارس كل منها يعتقد أن الداخل فيها مؤمن والخارج عليها كافر. ويظهر ذلك فورا فى الباب الخاص بتطبيق الحدود في برنامج الحزب المقترح.

ولا أظن شخصيا أن هناك خلافا مع الإخوان على ضرورة تقوية الوازع الشخصي، ولا على وضع القوانين العادلة، أو زيادة كفاءة أجهزة الأمن، أو تحقيق التقدم الاجتماعي والاقتصادي الذي يقف سدا أمام الجريمة؛ ولكن كل ذلك أمر وتطبيق الحدود أمر آخر. وما جاء في برنامج الإخوان فيه قدر غير قليل من المراوحة في هذه القضية. فالبرنامج يقول على سبيل الحكمة «أنه كلما اشتدت العقوبة اشتدت إجراءات إثباتها مما يتيح الفرصة للمتهم للإفلات من العقاب»، كما يستشهد البرنامج بأن الرسول ـ صلعم ـ كان يلتمس أبسط الأعذار لعدم تطبيق العقوبة حتى أنها لم تطبق كثيرا. ولكن المعضلة هنا أن المجتمعات الحديثة لا تريد لمجرم أن يفلت من العقوبة لأن ذلك جزء من النظام العام والحفاظ عليه وعلى أمنه، وربما كان ذلك هو ما دفع واضعي البرنامج مرة أخرى للبحث عن أسباب ـ لا مصادر لها سوى الإخوان أنفسهم ـ في التاريخ الإسلامي، وفى الدراسات الاجتماعية الحديثة ـ بما فيها الغربية ـ والتي تقول بضرورة تطبيق الحدود. هنا فإن الأمر يحتاج إلى اجتهاد حقيقي لأن الأمر لم يعد متعلقا بنا وبتاريخنا فقط، وإنما بات متعلقا بوضعنا في العالم وما تواضع عليه من ضرورة حماية الجسد الإنساني، فلا أظن أن أحدا سوف يكون على استعداد للتجارة معنا، أو الاستثمار في أراضينا إذا ما تم تطبيق هذه العقوبات.

الوجه الرابع للدولة الدينية يظهر فورا مما جاء في البرنامج عن «وظائف الدولة الدينية»، ومن المدهش أن المثال الذي ذكر في هذا الصدد في برنامج الحزب المقترح قام على قرار الحرب باعتباره قرارا شرعيا، وهو ما أشرنا إلى خطورته الدينية والعملية في مقالين سابقين، إلا أن المسكوت عنه في البرنامج هو القرارات الدينية الأخرى التي على الدولة القيام بها. هنا فإن «الشيطان» وليس «الإيمان» هو الذي يكمن في التفاصيل، فالدولة الدينية التي ترى أن هدفها الأول هو خلق «الإنسان المؤمن» يعنى أن الدولة لن تكون معنية بوضع النظم والمؤسسات والقواعد، وإنما ستكون معنية بعملية قولبة الإنسان وإعادة صبه في صورة ملائكية. وفي التاريخ القديم، كما في التاريخ المعاصر، فإن مثل هذه الدولة تصبح في النهاية هي التجسيد الحي للفاشية والدولة الشمولية التي تقوم بقولبة الإنسان وصبه بطريقة لا تكفل له أبدا حرية للاختيار.

الوجه الخامس الذي على لجنة المراجعة إعادة النظر فيه، ويتعلق بمجموعة الرموز والشعارات التي ترفعها الجماعة في الحياة المدنية، والتي تبدأ من شعار «الإسلام هو الحل» ولا تنتهي بالسيوف المشهرة التي تحتضن القرآن وتقول للمؤمنين ـ أي الناخبين والمجتمع السياسي ـ أن يعدوا كل عناصر القوة كي يحاربوا أعداءهم. القضية الأساسية هنا في الدولة المدنية هي أن كل الأمور قابلة للسجال السياسي، والمخالفة الموضوعية، وهى موضوع للرفض والقبول؛ وكل ذلك تستحيل ممارسته مع هذه الشعارات الموضوعة لأنها تضع إيمان الإنسان في حالة من التعارض مع السلوك السياسي. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنه يعرض الكتب المقدسة إلى أهواء الدنيا وانحيازاتها، أما الناحية الثالثة فهي أن السياسة في المجتمعات تستبعد أول ما تستبعد السيوف وتضع مكانها الكلمة والحجة والمصالح العامة للمجتمع والدولة.

الإدارة بالأزمات

معتز بالله عبد الفتاح

إننا ننتظر حتى يتحول الأمر إلى أزمة وساعتها نبدأ في العلاج السريع ببصر دون بصيرة لأن الأزمة على الأبواب. ويبدو أن هذا النمط أصبح جزءا من الشخصية المصرية؛ فلا يستذكر معظم الطلاب إلا بعد أن يتحول الأمر إلى أزمة، ولا نعد مسلسلات رمضان إلا بعد أن نكتشف أن رمضان جاء فجأة، ولا ننكب لمناقشة الكثير من قضايانا إلا بعد أن تتحول إلى أزمة.

وأما وقد اخترنا أن نتخذ، في جل قضايانا، قراراتنا وفقا لمنطق الأزمة، فقد ضحينا بأن نتبنى منطق العلم والتبصر في ما نضحي به وفي عواقب أفعالنا على المدى الطويل. والأمر ليس بغريب، فمحاولة استخدام العلم لعلاج مشاكل مجتمع لا يعترف بالعلم هي محاولة غير علمية في حد ذاتها. فللعلم بيئته التي ينبغي أن يزدهر فيها، إن غابت هذه البيئة، أصبح العلماء والعدم سواء. ألم أقل لكم إنني حين أغادر مصر أكتشف أنني سافرت في الزمن وليس فقط في الجغرافيا. وصدق الله إذ قال: "أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى، أمن يمشي سويا على صراط مستقيم."

ماذا عن موريتانيا؟

د. معتز بالله عبد الفتاح

ماذا عن موريتانيا؟ وكيف تسبق شقيقاتها العربيات في هذا المجال. الحقيقة أن الفرق يكمن في كلمة واحدة وهي: "القيادة." فما حدث في موريتانيا لا يفرق على أساس أنه اختلاف بين بلد وبلد أو بين نظام حكم ونظام حكم. ولكنه حقيقة فارق بين رجل ورجال، وإن شأت فقل: فرق بين صنفين من الرجال. صنف إذا تحدث صدق، وإذا وعد وفى، وإذا استمع القول اتبع أحسنه، وصنف يرى أنه الضرورة وأنه الزعيم وأنه القائد وأنه المحبوب والمطلوب، الذي ساقته الأقدار لمنصبه. وحتى وإن كان هذا صحيحا، لكن العظماء يترفعون لأنهم يعلمون أن إرساء المباديء أهم من حل المشاكل الآنية والمباشرة. وكما قال عزيز أباظة في إحدى مسرحياته الشعرية: "إن النفوس إذا علمن سمون فعلون عن أرضية الخلجات".

دعوة للضحك والتفكير: التعديلات الدستورية والكوميديا المصرية

معتز بالله عبد الفتاح

المصريون فكهون أي يحبون روح الفكاهة. ولا أحسبني استثناء. وأجد نفسي مع أسرتي وأصدقائي أسترجع عددا من مشاهد الأفلام المصرية وأربطها ربطا مفتعلا، لكن لا يخلو من طرافة، بواقع حياتنا السياسية. وقد استرجعت عددا من مشاهد الأعمال الفنية المصرية وأنا أتذكر وقائع التعديلات الدستورية الأخيرة وردود أفعال قطاع من المصريين بشأنها.

وأول هذه المشاهد كانت لأنور وجدي حينما كان يشتري من البقال قطعة جبنة ثم قطعة من الحلاوة ويعطي للبقال قطعة الحلاوة ثمنا للجبنة فيسأله البقال فين الفلوس؟ فيقول أنور وجدي، فلوس إيه؟ فيقول له فلوس الجبنة؟ ويرد أنور وجدي، ما أنا أعطيتك الحلاوة مكان الجبنة!! فيقول البقال، هو إنت كنت دفعت فلوس الحلاوة؟ فيرد أنور وجدي، هل أنا أخذت الحلاوة؟ تذكرت هذا المشهد، وانا أستمع لبعض خبراء الحزب الوطني الذين قالوا إن التعديلات أعادت التوازن بين مجلس الشعب والحكومة. كيف؟ لأنها أعطت مجلس الشعب الحق في طرح الثقة من الحكومة. لكن نحن نعلم أنها أيضا أعطت لرئيس الجمهورية الحق في حل المجلس دون استفتاء من انتخبوه، وهو الشعب. وكأن الرسالة هي: لو حل مجلس الشعب، المنتخب من الشعب، الحكومة المعينة من رئيس الجمهورية، فإن رئيس الجمهورية سوف يحل مجلس الشعب المنتخب من الشعب. ولا ضير فالشعب لم يأخذ الجبنة ولكنه دفع ثمن الحلاوة.

وكذا نجاح الموجي في فيلم "زيارة السيد الرئيس" الذي كان يقوم فيه بدور حلاق القرية. وكان بعد أن يحلق ذقن الفلاحين الغلابة يضع في يده بعضا من الماء ويقوم بوضعها على ذقن الزبون، كما لو أنها كولونيا ويخرج من فمه صوتا من قبيل (هااااا) وكأن الكولونيا قد بلغت من وجه الزبون مبلغا يؤدي إلى الشعور بالألم، فينتفض الزبون وكأن هناك كولونيا فعلا في مشهد كوميدي لا يخلو من مبالغة من قبل الحلاق والزبون، الأول بكمية "الكولونيا" السخية التي يضعها على وجه الزبون والثاني نتيجة ارتياحه لأن وجهه قد أخذ نصيبا وافرا من "الكولونيا".

لو تخيلنا الحزب الوطني هو الحلاق، والشعب المصري هو الزبون المنتفض من فيض الديمقراطية، عفوا الكولونيا، ألا يكون ذلك تشبيها لطيفا؟ ربما...

وأنتقل الآن إلى إسماعيل ياسين، وهو إجمالا لا يضحكني، لكن له مشهد لطيف إذ كان يمر على أحد المجانين في فيلم "إسماعيل ياسين في مستشفي المجانين" وكان الرجل الذي يضع أذنه على الحائط منهمكا في الاستماع إلى حوار هام وحين مر عليه إسماعيل ياسين وأحدث شيئا من الضوضاء، كعادته، زجره المنصت وعنفه قائلا "هوسسس، إسمع..." فأخذ إسماعيل ياسين الموضوع بجدية وأنصت مهتما لما قد ينقله له الحائط من أصوات، وبعد لحظات قال له "إيه ده، أنا مش سامع حاجة!!"، فقال الرجل بجدية لا تنطلق إلا من واع بما يقول: "ما هو ده اللي مجنني!!"

ويبدو موقع الكثيرين من المواطنين المصريين من التعديلات الدستورية الأخيرة كموقع إسماعيل ياسين الذي دعي إلى الانصات وبعدما أنصت باهتمام اكتشف "لا شيء" وحينما تعجب وجد نفسه بلا قضية. ولسان حال الكثيرين من المصريين يقول ما هو ده اللي مجننا!!

وأتذكر كذلك مشهد عبد السلام النابولسي بعد أن وقع على رأسه طبق الملوخية من زينات صدقي في فيلم شارع الحب بعد أن أكثر من الدعاء: "ابسطها يا باسط"، فكان قوله بعد الطبق الشهي على رأسه: "ما تبسطهاش أكثر من كده." فأجد نفسي، وبكل سخرية وأذى، ألمح المعارضة التي كانت تدعو لتعديل الدستور تقول بعد أن تم تعديله وبنفس نزعة الأسى في صوت عبد السلام النابلسي وهو يرفع يده اليمنى قائلا: "بس ما تعدلهوش أكثر من كده."

ولعبد الفتاح القصري نصيب وهو يشير إلى "عنكب" تلك الخلطة الغريبة من الشومة والشاكوش والذي سأله عنه نجيب الريحاني فقال له ده من مخلفات الوالد الله يرحمه، ثم سأله عن مطرقة ضخمة فقال له بصوته الأجش وعينيه الجاحظتين، هذه الحاجة زهرة. فسأله نجيب الريحاني ودي من مخلفات مين؟ فقال له: لأ، دي من منشآتي أنا.

ويبدو الأمر مثيرا للتأمل والدولة تقول إنها ورثت حالة الطواريء عن عهود سابقة، فهي ليست مسؤولة عنها، كما ورث عبد الفتاح القصري عنكب، ولكنها استحدثت معها قانون الإرهاب، كما استحدث صاحبنا الحاجة زهرة. وفي ظل التركيبة الحالية والمتوقعة لمجلس الشعب ما أسهل أن تعلن الدولة حالة الطواريء في ظل وجود قانون الإرهاب أيضا. وهنا يكون السؤال: إذا كانت الدولة تريد أن تحمي المجتمع من إرهاب الخارجين على القانون، لكن من الذي يحمي المجتمع من إرهاب بعض القائمين على تنفيذ القانون مع يقيننا بأنهم قلة، لاسيما مع وجود أحكام قضائية كثيرة لا تنفذ، ومجلس شعب لا يستطيع طرح الثقة بالحكومة حتى لا يحله الرئيس؟

ويحضرني عادل إمام في مسرحية الزعيم وهو يوضح أهمية حضور "علي هابالو" إلى حفل رئاسي هام. ويرى عادل إمام في المسرحية أن علي هابالو شخصية مهمة بحكم أنه بطل العالم في اللعب في المناخير، على حد قوله، لأنه وضع إيده في مناخيره فجاب مخه من جوه، لكن الواد الروسي غلبه، حط إيده في مناخيره فجاب الغسيل من فوق السطوح!! هكذا يبالغ عادل إمام في أهمية هذه الشخصية "الأسطورية من الدرجة الثالثة" كما يصفها.

والحقيقة أنني كنت أخشى أن يلعب الواد الروسي لعبته في مصر، بأن يعلن أن نسبة الحضور إلى الاستفتاء 90% ونسبة من قالوا نعم 95% مثلا على نمط ما فعل صدام حسين حينما جاب الغسيل من فوق السطوح بأن جعل نتيجة آخر استفتاء 100% حضورا و100% صوتوا بنعم لبقائه في السلطة. أي أن أحدا من المواطنين العراقيين لم يصب بأي عائق يمنعه عن المشاركة في يوم الاستفتاء ولا يوجد بينهم شخص واحد له وجهة نظر معارضة.

ولمحمد صبحي نصيبه من الكوميديا في مسرحية تخاريف التي تنفع في التندر على واقعنا السياسي المثير للتأمل حين قرر أن يطبق "الرأسماكية" وهي خلطة من الاشتراكية والرأسمالية يعمل بموجبها الجميع عند الحكومة، والحكومة "تلم الفلوس"، وحين وجد قنبلة مشتعلة في الدرج صرخ قائلا: "ارميها على الشعب" وحين طلب "ابن الشعب" أن يتحدث إلى الناس في المايكروفون فرفض الديكتاتور إعطاءه إياه قائلا: "عايز المايكروفون علشان تفكه وتبيعه." وقد خاف التليفزيون الرسمي في مصر من أن يستضيف أيا من المعارضين للاستفتاء على أي من قنواته خلال الأيام الستة بين موافقة مجلس الشعب على التعديلات وبين الاستفتاء بل ووجه ضيوف التليفزيون الرسمي للمعارضين فيضا من الاتهامات بالتخاذل والإرهاب الفكري وعدم احترام الديمقراطية وغيرها دون أن يعطوا للمعارضين المايكرفون حتى لا يفكوه ويبيعوه، والله أعلم باللي في ضميرهم أثناء تعاملهم مع أبناء "الشششعب". وهو استمرار لحقيقة أن الحزب الوطني يخشى من أن يكون للأحزاب الأخرى قنواتها التليفزيونية والإذاعية حتى لا يكون للمعارضة فرصة في إفساد عقول الناس في ظل سيطرة الثقافة السمعية والبصرية على مجتمع ليس مشهودا له بعشق القراءة.

ولمحمد صبحي في شخصية عم أيوب عبرة لفهم الواقع المصري. فالرجل الذي يبدو بطيئا جدا لدرجة الملل في مشيه يدعوه الناس لكي يسرع في المشي، فيقول لهم بوضوح إن عملية المشي مستمرة من أول لحظة دخل فيها المسرح لكنه "يمشي في الجزمة الأول". وفجأة يهرول عم أيوب وكأن تباطاؤه السابق لم يكن لأي سبب واضح. وهكذا وجدت مصر نفسها في حالة انتظار تعديلات دستورية لسنوات طويلة وحينما تأتي التعديلات، تناقش في مجلس الشعب في أقل من يومين ويتم التصويت عليها خلال ستة أيام. ويخرج علينا من يقول إن التعديلات كانت بتناقش من زماااااااااان بس إحنا اللي ما كناش واخدين بالنا، وأترينا كنا بنمشي في الجزمة الأول.

وقد كانت قمة الإذعان حين ذهب العديد من المصريين إلى صناديق الاستفتاء وهم لا يعرفون على ماذا يُستفتون وكانت تُعطى لبعضهم، كما سجلت كاميرات التليفزيون، الورقة فيها الإجابة بنعم وفقا لنظرية الوفاء الثوري التي قال بها عادل إمام في مسرحية الزعيم. ولكن قمة الملهاة حين علقت إحدى المواطنات على مشاركتها في الاستفتاء بأنها قالت: "نعم للتعديلات، يمكن يرخصوا العيش". وكأنها تقول لهم: أنا ما عنديش تليفون لكنني سأدفع الفاتورة خوفا من أن يشيلوا العدة، وفقا لنظرية المواطن الأرنب الذي جسدته شخصية البطل في "شاهد ماشفش حاجة."

وهناك كذلك المواطن "أبو العريف" الذي يفتي في أي شيء وكل شيء مادام ضامنا أنه يحقق مكسبا ما، كأن يعتقد فيه أقرانه أو المحيطون به أنه ممن أوتوا جوامع الكلم. فتجد بعض الذين سُئلوا عن التعديلات الدستورية يبذلون مجهودا كبيرا في تبرير لماذا ذهبوا، ومن الواضح أنهم أجبروا على ذلك، أو لماذا لم يذهبوا ومن الممكن أن نجيب الإجابة البسيطة التي يقول بها كل ذي عقل: "لا أدري." وهو ما يذكرني بالحوار الطريف بين جورج سيدهم وسمير غانم في مسرحية المتزوجون بشأن الفراولة. فيسأل جورج: هل أكلت الفراولة؟ وكان يمكن أن يرد سمير ببساطة: لأ. ولكنه قال: مش البتاعة الحمرة الصغيرة دي؟ دي مقلب... اسمع كلامي دي مقلب... كلها نوى (أي فيها نواة مثل البلح). وهي إجابة مضحكة لكنها كاشفة عن أن بعضنا لا يكتفي بجهله ولكنه يجتهد في نشره على الآخرين. والمشكلة هنا أن هذه النزعة للرغي بلا أساس تضيع قيمة العلم والمعرفة والاطلاع من باب "أهو كله كلام!" و"حد عارف حاجة؟"

ورغما عن أنها ليست كوميدية لكنها مثيرة للتأمل تلك الأبيات التي قالها فؤاد نجم عن الشعب المصري، "فاهمين وبنتغابى... خيخة لا ناب ولا فم." وكان ذلك في قصيدته المشهورة "غابة". وهي نظرية متكاملة في عدة أسطر. المصريون ليسوا أغبياء، حتى لو قابلنا بعض غير المبالين والمتواكلين أو المبالغين في الاستخفاف بمشاعر ومصالح الآخرين، لكنهم يختارون أن يتصرفوا بغباء مصطنع كوسيلة للدفاع عن النفس أو لتحقيق مصالح غير مبررة. لماذا؟ لأنهم خيخة لا ناب ولا فم، أي بلا قدرة على التغيير الفعلي، ألفوا الكسل واعتادوا اللامبالاة وأصبح جزءا من شخصية المصري أن يتكيف مع واقعه، لكنه لا ينسى أن يلعنه.

فالموظف الذي يرفض إعطاء المواطن حقه إلا بعد دفع "الشاي" أي الرشوة المحرمة شرعا ليس غبيا لكنه من الممكن أن يتصرف بغباء وظيفي (أي له وظيفة مباشرة) كي يعطل مصالح المواطنين من قبيل الحاجة إلى طابع أو أن الختم غير واضح أو هات شهادة تثبت أنك لم تزل حيا. أي فوضى لغوية ... المهم الزبون يدفع.

وهذا النقد ليس المقصود منه اليأس، وإنما هذه هي نقطة البداية الحقيقية في أي نهضة. وسأشير فقط إلى النقد الحاد الذي وجهه مهاتير محمد لمسلمي ماليزيا لتكاسلهم وتواضع أدائهم المهني والعلمي مقارنة بالأقليات الأخرى في ماليزيا. وقد يكون هذا موضوعا لمقالات قادمة إن شاء الله.

وفي آخر مسرحية الزعيم، أبيات شعر غير كوميدية لكنها ذات دلالة هامة... حيث يقول جمع الناس لزينهم، الزعيم الجديد: إنت الفارس، إنت الحارس، إنت مفجر ثورة مارس، ابني لنا مستشتفيات ومدارس... وقول للعفاريت حابس حابس. فيرفض زينهم ويرد بلسان من وعي الدرس: لأ لأ، تاني هانبدأ، الشعب اللي مصيره في إيده هو الفارس هو الحارس... الأحلام مش عاوزة فوارس... الأحلام بالناس تتحقق. نعم، الأحلام بالناس تتحقق.

وأختم هذه النكتة الطويلة بمقولة نجاح الموجي في إحدى المسلسلات حيث كان يعمل سباكا، وكان يختم كل حوراته بهز كتفيه ثم يقول: "هاتسلك... هاتسلك" وهي نظرة تفاؤلية تذكرنا بأنه طالما أن الماسورة الأم في مصر مسدودة فإن شاء الله هاتسلك...

هل نحن نضحك فرحا؟ لا، ولكنه كضحك من لا يريد البكاء. وكما قال الشاعر:

لا تحسبن أني أرقص فرحا *** فالطير يرقص مذبوحا من الألم

أخيرا أقول: اضحكوا حتى نتجنب الموت... وفكروا حتى نجد الحل ... وشاركوا حتى لا نفقد الأمل...

المرأة في صدر الإسلام

أرسلت لي شابة محبطة تقول: "دكتور جلبي... أنت كسرت أصفادك وأغلالك وحلقت... وأغلال عقل كل منا بيديه مفاتيحها، لكن من ليست بعض أغلاله بيديه، كما هو الأمر بالنسبة لي وكثير من الإناث غيري، كيف يكسرها؟ لأضمن ليس فقط تحليقا عقليا وإنما كليا... جزيت خيراً".

وجوابي عليها أولاً من قصة الفاروق عمر، وسبب إسلامه امرأة. يروون عن إسلام عمر ثلاث روايات، دفعت كل واحدة منهن الأخرى، حتى استسلم لوهج الإيمان؛ وشرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه، وتحول من عمر الجاهلية، إلى محطم عروش الظلم، ومحرر منطقة الشرق الأوسط من الأوثان، والأهم أن اسمه في التاريخ أخذ لقب الفاروق العادل، وقد أورده "مايكل هاردت" في كتابه عن الشخصيات المائة الأهم في التاريخ الإنساني.

كانت الحادثة الأولى في آيات سمعها من الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فقد أراد تخويفه فاختبأ في أستار الكعبة، ثم تسلل والرسول يصلي فأنصت للذكر الحكيم، وقال أهو شاعر؟ وإذا بالآية تجيبه: "وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون". ردد عمر في نفسه هو بالتأكيد كاهن مأفون! وإذا بالآية تجيبه: وما هو بقول كاهن قليلاً ما تذكرون". صدم عمر وتأثر، وتتابعت الآيات من سورة الحاقة، تصعق وتحرق وتخرق:

"تنزيل من رب العالمين. ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين. وإنه لتذكرة للمتقين. وإنا لنعلم أن منكم مكذبين. وإنه لحسرة على الكافرين. وإنه لحق اليقين. فسبح باسم ربك العظيم...".

وتتعلق الحادثة الثانية بتأثره من منظر امرأة تهاجر مع زوجها فراراً بدينها من قريش. سألها عمر إلى أين أنت ماضية يا أمة الله؟ قالت آذيتمونا فنفر بديننا منكم. تأثر عمر وغص بريقه، إذ يكتشف نفسه أنه مع فريق الظالمين ضد المستضعفين...

أما الحادثة الثالثة، وكانت الخاتمة التي دفعته لأحضان الإسلام، فكانت واقعة ضرب أخته فاطمة، فقد ذهب يوماً لا يعرف كيف يمضي وقته، والجاهلية كانت شعراً وخمراً وحرباً، فرأى رجلاً مسلماً فتعرض له بالأذى، فقال له: قبل أن تقترب مني اذهب لأختك فأصلح شأنها فقد أسلمت. فجُنّ عمر وانطلق على وجهه لا يلوي على شيء! اقتحم المنزل، فإذا بصهره وأخته في أيديهما صفحة يقرؤون منها القرآن، هجم على الصهر، واعتلى صدره مع اللكمات، لكن أخته خاطبته: يا عدو الله افعل ما تشاء فقد أسلمنا. بعد أن هدأت ثورته قال: أعطياني ما بأيديكما أقرأه، فأعطياه وقد أرادا له أن لا يحارب عن جهل. قرأ عمر فذهل من التنزيل، فنزلت عبراته وأسلم على يدي هذه المرأة الباسلة...

إن دور المرأة في الإسلام كان ريادياً؛ فأول من أسلم امرأة. وأول من قتل في سبيل الله امرأة. ومن كان سببا في إسلام الفاروق كانت امرأة.

الأولى خديجة، والثانية سمية، والثالثة فاطمة.

وعندما تقول لي المرأة الشابة إن أغلالها بيد غيرها؛ أقول إن القرآن جاء ليضع عنهن إصرهن والأغلال التي كانت عليهن. وأن الشيطان ليس له سلطان إلا على الذين يتولونه والذين هم به مشركون. وأن الاستعداد لقبول الظلم هو الذي ينبت الظالمين. وأن أميركا طيرت صدام، لكن نبت من ريشه ألف صدام وصدام. وأول سورة نزلت من القرآن تتحدث عن الطغيان، فك شفرتها بنصف آية توجِّهنا إلى أن كسر الطغيان يتم بعدم طاعته. وهو قانون تغيير النفوس والمجتمعات وأنه ليس من أحد له سلطان علينا، إلا بقدر ما نعطيه نحن هذا الحق.

وحين تجري الانتخابات الكاذبة المزورة، يمكن للناس أن يكسروا التزوير، لكنهم سكارى، وقد استرهبهم "السحرة" وجاءوا بسحر عظيم.