محمد صلاح
هل يكره المصريون أنفسهم؟ طرح أحد المثقفين العرب السؤال على عدد من المصريين بعدما لاكوا جميعاً في احوال البلاد ولغة العنف التي صارت تحكم التصرفات ولهجة الصراخ التي أصبحت لغة الكلام.
وليس سراً أن حال احتقان شديدة تسيطر على فئات من الشعب المصري جعلت أي خلاف عادي بين شخصين يتطور ويتحول إلى مشاجرة ثم معركة ثم إطلاق رصاص وحرائق وجرحى ومصابين، وخبر يحتل أماكن بارزة في الصفحات الأولى للصحف المحلية والعربية والدولية وكذلك في نشرات الأخبار وعلى الفضائيات.يكاد لا يمر شهر من دون واقعة كتلك، وبالطبع إذا كان طرفاها مسلماً ومسيحياً «تنقلب الدنيا» وينشغل العالم بما يجري في قرية صغيرة تابعة لمدينة نائية في محافظة مصرية، حين يتعلق الأمر باعتناق مسيحي الاسلام أو بتنصير مسلم أو زواج مسلم من مسيحية أو العكس فإن الأمر يتجاوز مشاعر الغيرة على الدين إلى الرغبة في الإيذاء والتدمير وتصل حال الرفض أو الرغبة في الاحتجاج لدى البعض إلى حد هدم البيت على من فيه. وصار طبيعياً أن تتناول وسائل الإعلام وعلى فترات قصيرة صدامات بين عائلتين أو قريتين أو قبيلتين أو حتى مدينتين لأن مشاجرة بين مسلم ومسيحي وقعت لأي سبب وكأن الناس كانوا ينتظرون سبباً ليؤذوا بعضهم بعضاً.قبل أيام تكرر الأمر ولكن بصورة أخرى في شمال سيناء عندما كان المصريون يستعدون للاحتفال بذكرى حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973. عادت شبه الجزيرة إلى واجهة الأحداث ليس احتفالاً بالمناسبة التاريخية العسكرية المهمة ولكن لأن عراكاً جرى بين قبيلتين في شمال سيناء وصل إلى حد الهجوم على المنشآت العامة واحراق مقر الحزب الحاكم. بدا أن عنف الناس يفوق بكثير السبب الذي من أجله تفجرت الأحداث، وكما هي العادة كانت البداية عبر مشاجرة بين شخصين ينتميان إلى قبيلتين مختلفين وتطور الأمر كالعادة ليصل إلى حد أن العالم كله عرف أن هذين الشخصين تعاركا، ليس لأنهما مهمان، ولكن لأن عراكهما دشن فاصلاً جديداً من فصول الكراهية، أو سبيلاً كي «ينفس» أهالي شبه الجزيرة عما يختزنونه من غضب أو رفض أو احتجاج يطلقون عليه في وسائل الإعلام ودهاليز السياسة اسم «الاحتقان»، فأصبحوا وكأنهم يكرهون ولا يطيقون بعضهم بعضاً.حتى في أزمة الصحافة المصرية لم يقتصر الأمر على خلاف سياسي بين الصحف الحزبية والمستقلة التي تتحدث عن قيود تقاومها الصحافة وضغوط يعانيها الصحافيون وأحكام بالسجن صدرت في حق عدد منهم، وبين الصحف القومية التي يرى غالبية العاملين فيها أن تجاوزات وشتائم ارتكبت بواسطة الصحف الحزبية والمستقلة التي أساءت استخدام مناخ الحرية. تجاوز الخلاف ذلك الحد ووصل الى مرحلة الصدام بين الصحف وتبادل الطرفان «قنابل» الاتهامات بالعمالة والخيانة أو «رصاص» الاتهام بالتخاذل والتفريط في الحقوق.لماذا فقد الصحافيون أعصابهم ووصل بهم الحال إلى هذه المرحلة ما ساهم في تعقيد قضيتهم ووضع العراقيل أمام حلها؟ الصحافيون فئة من فئات المجتمع المصري، وما يجري في الصحف المصرية الآن جرى من قبل داخل الأحزاب، وما وقع في حزب «الوفد» من ضرب وحرق ليس إلا نموذج تكرر بأشكال أخرى وبدرجات متفاوتة في أحزاب «التجمع» و «الناصري». وهكذا فإن الاحتقان في عالم السياسة في مصر ليس فقط بين نخبة حاكمة وأخرى معارضة، وليس بين حزب حاكم وأحزاب معارضة، ولا بين مؤيدي الحكومة وحزبها وبين معارضين لها وله، فالاحتقان يعم حتى المنتمين إلى حزب أو جماعة واحدة، حتى بدا الاعتقاد يسود بأن المصريين صاروا يكرهون أنفسهم وأن هناك دوافع تحرك نوازع الشر فيهم وأن الحديث بين النخب لم يعد يركز على قبول الآخر والحوار معه وإنما على قبول الذات والحديث معها.* نقلاً عن صحيفة "الحياة" اللندنية
Friday, October 12, 2007
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment