بقلم محمد بغدادي
١٤/١٠/٢٠٠٧
المصري إليوم
لدينا في القانون المصري ثغرة طريفة جدا يستخدمها بعض المتهمين في القضايا الكبري.. والتي تضم عدداً كبيراً من المتهمين في قرار الاتهام.. وهذه الثغرة تتمثل فيما عرف بـ ( شاهد ملك ).. وهو ذلك المتهم الذي يعترف علي زملائه من أول كف غليظة تنزل علي قفاه.. أو بوكس يطير له صف سنانه.. أو قلم يسوره ويفقده السمع..
أو علقة سخنة ياكلها من شيخ المخبرين المخضرمين.. وعندما يبدأ هذا المتهم في الإدلاء بشاهدته ضد زملائه يشترط محاميه أن يكون «شاهد ملك».. والشاهد الملك بعد أن يودي زملاءه في ستين داهية.. ويلبسهم القضية كلها.. يطلع من القضية زي الشعرة من العجين.. ولا كأنه عمل أي شيء.. ولا كأنه كان مشتركا معهم في كل تفاصيل الجريمة خطوة بخطوة.
والحقيقة، حكومتنا الرشيدة وجدت ضالتها المنشودة في هذا الحل العبقري: «إنها تكون شاهد ملك» في كل البلاوي التي وقعت علي رأس المواطن المسكين.. وكل الكوارث التي ألمت بهذا الوطن المغلوب علي أمره.
ففي تصريح مختصر جاء بالنشرة الشهرية للأرقام القياسية للأسعار خلال شهر سبتمبر الماضي.. التي يصدرها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.. جاء ما يلي:
- ارتفاع تكاليف المعيشة بمتوسط ١٠,٥% عن العام الماضي ١٠%.
- وأكدت النشرة أن زيادة الأسعار في الطعام والشراب والمواد الغذائية جاءت في الريف أعلي من الحضر، إذ بلغت ١٩,٣% في الريف مقابل ١٦,٤% بالحضر.
- وبلغت الزيادة في التعليم ١١,١%، والخدمات المتنوعة ٩,٥% والأدوات المنزلية والأثاث ٧,٨%.
وبهذا التصريح غسلت الحكومة يدها من التهم الموجهة إليها، والتي تتعلق بزيادة الأسعار في جميع السلع.. وعدم إحكام الرقابة علي الأسواق التي سادها الاحتكار والتحكم في الأسعار من المنبع.. وتحميل المواطن الغلبان والطبقة المتوسطة - المطحونة إلي حد الاضمحلال - جميع أخطاء الحكومة.. وجشع التجار.. وتخبط السياسات الاقتصادية..
وانهيار إنتاج الغذاء في الريف والحضر.. وبذلك تحولت الحكومة إلي «شاهد ملك».. لأنها اعترفت بالجريمة وألصقتها بالمواطنين المفجوعين الذين لا يكفون عن الأكل والشرب طوال الليل وأثناء النهار.. واعتبرت أن شركاءنا في الجريمة هم التجار البشعون الجشعون.. والمحتكرون والمستوردون.. وخرجت الحكومة من التهم المنسوبة إليها «زي الشعرة من العجين»..
وبهذا الاعتراف المضحك تتباهي الحكومة بالشفافية وعدم إخفاء الحقائق عن الشعب وأصبحت بريئة براءة الذئب من دم ابن يعقوب.. وكأن الاعتراف بزيادة الأسعار بنسبة تتراوح بين ١٠ و٢٠% في جميع السلع أمر سهل وبسيط، وإنها جريمة يجب أن تمر بسلام لا لشيء سوي أنها اعترفت وصرحت بالحقيقة علي الملأ ونشرت هذه التصريحات في كبري الصحف القومية.. (عايزين إيه تاني؟!)..
وفيما تمن علينا الحكومة بزيادة المرتبات أو العلاوات سنويا بملاليم لا تغني ولا تشفي من جوع، ترفع هي الأسعار بحرية تامة ولو حد فتح فمه وطالب بزيادة الأجور والمرتبات لمواجهة غلاء المعيشة فالإجابة تأتيه واضحة وصريحة من الأمن المركزي.. وفي الدول المتقدمة لوحدثت مثل هذه الزيادة تقال فيها حكومات.. ويطير فيها وزراء .. ويستقيل فيها رؤساء أحزاب الحكومة..
الحقيقة، إحنا وطن في وضع خاص جدا.. وحالة ميؤس منها.. فلا يوجد في العالم كله مثل هذه الظاهرة.. حد يصدق إن أسعار السلع الغذائية في الريف الذي يعتبر مصنع الغذاء العالمي ومخزن الغذاء الوحيد للبشرية.. ترتفع فيه أسعار الغذاء ٢٠%.. فيه كده في الدنيا بحالها..
وهل توجد حكومة في الدنيا لايهمها سوي تسقيع الأراضي وتجريف الأراضي وضم المناطق الزراعية إلي كردون المدن وتحويلها إلي غابة من الخرسانة المسلحة ومستنقع للعشوائيات القبيحة وتغرقنا جميعا في سياسات متخبطة.. وانعدام الاستراتيجيات الزراعية وغياب خطط التنمية الحقيقية.
فمن وراء كل هذا العبث الذي نعيشه.. وفي النهاية الحكومة لا يهمها سوي الاعتراف بالذنب ولتصبح شاهد ملك.. وتنفد من التهمة وإحنا اللي نشيل القضية.. والتهمة.. والطين كمان علي دماغنا.
Monday, October 15, 2007
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment