Wednesday, October 31, 2007

ما يحتاجه البيت.. والجامع

بقلم سليمان جودة

أهم شيء أعلنه الرئيس مبارك صباح أمس، ليس هو قرار بدء بناء عدد من المحطات النووية لتوليد الكهرباء، كما قد توحي بذلك المانشيتات العريضة باللون الأحمر في الصحف..
فقرار الرئيس في هذا الشأن كان متوقعاً بشكل أو بآخر، كما أن الموضوع في إجماله ليس جديداً بالنسبة للقارئ، فقد سبق الإعلان عنه في مؤتمر الحزب الوطني في سبتمبر قبل الماضي، وبالتالي كان قرار الرئيس بالبدء الفعلي تحصيل حاصل لما سبق الترويج له طوال أكثر من عام، من أول مؤتمر الحزب الماضي إلي مؤتمره المنعقد صباح السبت المقبل!
الجديد حقاً، والمثير فعلاً، هو أن الرئيس طلب من الحكومة، للمرة الأولي، إعادة هيكلة أسعار الطاقة، للتفرقة بين القادرين، وبين غير القادرين، المستهلكين لها.. ثم إن القيادة السياسية، للمرة الأولي أيضاً، هنأت الحكومة علي قرارها منذ شهر تقريباً، برفع الدعم عن الطاقة للمصانع كثيفة الاستهلاك لها، بما يوفر للدولة، كما أعلن المهندس رشيد محمد رشيد وقتها، ١٥ مليار جنيه، علي مدي السنوات الثلاث المقبلة.
وليس سراً أن «المصري اليوم» كانت هي الأولي، بلا منازع، ولا منافس، في المطالبة، طوال ثلاث سنوات مضت، بما أعلنه الرئيس صباح أمس.
وإذا كان لابد من ترجمة كلام الرئيس إلي مستوي آخر، بعيداً عن عبارة إعادة الهيكلة، التي تبدو صعبة بطبيعتها، فالرئيس يريد من الحكومة أن تعيد النظر في ٤٥ مليار جنيه تدعم بها الدولة مستهلكي الطاقة سنوياً، وتشعر وتعرف، في الوقت نفسه، بأن أكثر من ٩٠% من هذا المبلغ يذهب إلي غير مستحقيه، ويتسرب إلي الأثرياء.. وبالتالي فالطلب بوضوح هو أن مستحق دعم الطاقة، بدءاً من اليوم، سوف يحصل عليه، وغير المستحق لن يراه مرة أخري بعد اليوم!!.. هكذا بالعربي الفصيح!
وحين يأتي طلب من هذا النوع، من رئيس الدولة، فهو ليس مثل طلبي وطلبك، وإنما سوف يتحول علي الفور إلي قرار له قوة القانون.. ولكن الشيء الفاصل في الأمر كله، والذي لم يتضح بعد، هو الجهة التي سوف تستفيد بما سوف يتوفر من مليارات الدعم.. فالرئيس لم يحددها، ومن الطبيعي في بلد مثل مصر، يحكمه نظام رئاسي، يضع كل شيء في يده، وفي يد الرئيس تحديداً، أن الحكومة لن تحدد، وحدها، إلي أين يمكن أن يذهب عائد رفع الدعم، عن غير مستحقيه..
وإذا لم يحدد الرئيس للحكومة فلن تحدد هي، ولن يتطوع لها أحد، بتوجيه العائد إلي ما يجب أن يتجه إليه فعلاً.. ونحن في كل الأحوال لا نريد أن يتوجه العائد إلي البنية الأساسية في المناطق الصناعية، كما قيل صباح أمس عن ٢ مليار و٦٥ مليون جنيه، هي عائد بيع تراخيص الأسمنت الجديدة.
لا.. ليس هو المطلوب.. ولا هو الهدف، ولا ينبغي أن يكون.. ولابد من أن تكون هناك أولوية يتوجه إليها عائد رفع الدعم عن الطاقة، بلا نقاش، وبلا ترد.. وهذه الأولوية لا نعتقد أن أحداً سوف يجادل في أنها التعليم، ثم التعليم.. ثم التعليم.. وإذا لم يتدخل الرئيس، ويتبني هذه الأولوية، وينتصر لها، ويتمسك بها، فإن الدعم المهدر في الطاقة، سوف يتم إهداره في مواقع أخري، وبالسفه نفسه، والجنون نفسه!
وإذا كان الشيخ محمد بن راشد، حاكم دبي، قد أعلن أمس الأول، وفي نفس يوم قرار الرئيس، عن توجيه ١٠ مليارات دولار إلي المعرفة والتعليم والترجمة في بلاده، وفي العالم العربي كله.. فنحن نريد توجيه الـ٤٥ مليار جنيه إلي ذات الاتجاه، ولكن من الإسكندرية إلي أسوان.. فما يحتاجه البيت يحرم علي الجامع، وحالة البيت، من حيث مستوي التعليم فيه، كفيلة بأن تجعل كل فلوس البلد مُحرمة علي كل الجوامع، وغير الجوامع، إلي أن ينصلح الحال في المدارس والجامعات!

No comments: