Sunday, October 21, 2007

أرض الكناية عن التخلف!

نصر القفاص

أخذتني دهشة.. قل حالة فزع.. عندما قرأت عن «توت عنخ آمون» أنه تولي حكم مصر، قبل أن يكمل عامه التاسع بأيام.. وقاد حملة عسكرية وقت أن كان قد بلغ أحد عشر عاماً.. ومات في الثامنة عشرة من عمره.. تاركاً تاريخاً لا يمكن أن يغفله التاريخ.. ومن حكايته.. رحت بذاكرتي في بحر من الأسماء.. حفروا أسماءهم بحروف من نور في تاريخ مصر.. ورحلوا، وبعضهم عاش.. لكن إنجازاتهم كانوا قد صنعوها في سن الشباب.. أذكر منهم، دون ترتيب،

الزعيم «مصطفي كامل» مؤسس «الحزب الوطني» الأصلي - وليس التايواني - الذي حمل قضية مصر الوطنية علي عاتقه.. منذ كان في السادسة عشرة، ومات قبل أن يلامس الثلاثينيات.. والزعيم «أحمد حسين»، مؤسس «مصر للفتاة» وصاحب مشروع «القرش»، قبل أن يحتفل بعيد ميلاده رقم «١٩».. وكذا الفنان خالد الذكر «سيد درويش» الذي صاغ كل هذه الموسيقي، وغادر دنيانا في الثلاثينيات من عمره.

وتطول القائمة.. لنطالع فيها «الملك فاروق» الذي جلس علي عرش مصر، بعد شهور من بلوغه السادسة عشرة من عمره.. وكان «فؤاد باشا سراج الدين» نائباً في البرلمان، قبل بلوغ الثلاثين.. ثم أصبح وزيراً خلال مرحلة الثلاثينيات.. وبقي تاريخه كواحد من أفضل وزراء الداخلية، حتي وقتنا هذا.. وكذا «جمال عبدالناصر»

الذي قاد ثورة، وحكم مصر قبل أن يصبح عمره خمسة وثلاثين عاماً.. وكل من شاركوه الحكم كان عمرهم يدور حول المرحلة ذاتها.. ونذكر أن الأستاذ «أحمد بهاء الدين» تولي منصب رئيس تحرير «صباح الخير» في منتصف العشرينيات.. ويمكن لكل منا إضافة أسماء لعشرات.. بل مئات.. من المبدعين والقادة المصريين، الذين تبوأوا مواقع المسؤولية والقيادة.. ونالوا الشهرة مع التقدير، في سنوات عمرهم الأولي.

كان هذا يحدث.. قبل أن تدخل مصر عصر الثورة التي أحكم رجالها قبضتهم علي الدولة.. واستمروا حكاماً ومسؤولين، لأكثر من نصف قرن.. حتي وصلنا إلي «زمن ما بعد الشيخوخة»، الذي نحيا فيه دون زعم بأننا نعيش.. لأن «الشعب المصري الشقيق» أصبح عبارة عن ملايين من البشر الأحياء، يعيش منهم - فقط - بضعة آلاف .. هم الذين يملكون الثروة، ويمسكون دفة المسؤولية.. يرتكبون الأخطاء،

ويباهون بأنهم وقعوا فيها.. يتحدثون عن الوطن، كما لو كان لعبة أطفال أنعم عليهم بها أصحاب القلب الكبير!! يحاسبون من يشكو تدهور الحال، باعتباره حاقداً أو عميلاً أو جاهلاً.. فكيف للملايين الذين يعيشون تحت خط الفقر، أن يحلموا بملامسة خط الفقر؟! وكيف للسذج من العلماء والمثقفين والموهوبين، الذين يشكلون قوام «الجالية المصرية في القاهرة» أن يطمحوا في الترقي؟!

منذ أن غرقنا في «زمن ما بعد الشخيوخة»، أصبح شبابنا هم الذين بلغوا سن المعاش.. نرقيهم ونفوضهم في إدارة شؤون الدولة، بعد أن نتأكد من سيطرة المرض - البدني والنفسي - عليهم.. وبإضافة الثقة في جهلهم.. نوفر لهم رواتب بمئات الآلاف، وسيارات فارهة مع وجاهة كاذبة.. لا يصدقون أنهم كانوا يمكن أن يبلغوها.. وإن صدقوا.. فعليهم تذكر أن استمرارهم مرهون بمطاردة أصحاب الكفاءات..

وإطلاق النار صوب الموهوبين.. لأنهم حراس إيقاف عجلة تقدم الوطن.. وكم سنكون سذجاً لو رحنا بفكرنا تجاه حكاية «المؤامرة».. لأن الموضوع أصبح أوضح من الشمس، في ظهر منتصف أغسطس!!

عدنا إلي زمن يمكننا إطلاق صيحة فيه.. أكاد أسمعها.. لو أينعت رأس شاب موهوب، فقطافها واجب وضروري.. لحماية القابضين علي الثروة ومواقع المسؤولية.. هكذا أعتقد، وأعلن استعدادي لمناظرة من يقول عكس ما أري.. وسيأتي يوم نكتشف فيه أن ما آلت إليه أمورنا وأحوالنا، لم يحدث بالقصور الذاتي.. ولم يذهب إليه بالمصادفة!!

ويمكنني مراجعة أفكاري، لو حدث وتم تنصيب رئيس للوزراء دون الأربعين.. يحيطه وزراء في الثلاثينيات.. ولو تم تخزين القيادات التي تذكرنا بأوائل القرن العشرين!! لأنه لحظتها ستختفي «جماعة الإخوان المسلمين المحظورة»، وشهرتها عندي «جماعة المطار السري»..

كما سيذهب «الحزب الوطني» والحزب «الناصري»، وحزب «التجمع» وحزب «أحمد الصباحي» مع الريح.. وتعود مصر أرضاً للكنانة.. بدلاً من كونها «أرض الكناية عن التخلف»!!

No comments: