ابراهيم عيسى
المشكلة انه لم تعد في مصر هيئة او مؤسسة واحدة مستقلة، فصرنا دولة مستقلة بلا مستقلين. لا شيء في بلدنا مستقل، كله تحت السيطرة ومحتل احتلالاً كاملاً من الدولة. والقضاء مؤسسة آخر ما يمكن أن تصفها به هو الاستقلال عن الدولة. إذا تأملت تجد أمور إدارة وأحوال القضاء والقضاة الوظيفية والمعيشية في يد مجلس معين غير منتخب هو المجلس الأعلي للقضاء والدولة، كلما رضيت عن واحد من رجاله مدت له قانون الخدمة بعد سن المعاش، وكلما توجست من واحد آخر الغت مدة سن المعاش. ثم لديك نائب عام معين من قبل رئيس الدولة وهو أمر يسحب فوراً من المنصب استقلاليته، فكيف يكون مستقلا وهو موظف عينه الرئيس وجاء به الي منصبه؟! ربما يكون موظفا عظيما او شخصا نبيلا لكنه ليس مستقلا بالقطع عن جهاز الدولة ولا مشروعها ولا خطتها ولا مخططاتها، ثم هو كذلك منصب لاجهاز يحاسب ولا مجلس منتخبا يراجعه وهو ما يجعل استقلالية المنصب امرا مستحيلاً. كذلك فالقضاء يستوعب داخله علي مدي سنوات حكم الرئيس مبارك عددا وافرا ومنتظما ومتضخما من ضباط الشرطة (خصوصا من جهاز أمن الدولة) الذين صاروا وكلاء نيابة ثم قضاة. والضباط تعودوا علي الطاعة وسماع أوامر رؤسائهم فضلاً عن ممارسات وصفات يكتسبها الضابط من عمله تضفي علي شخصيته ملامح لا يجوز بحال من الاحوال ان تكون موجودة في نفس وروح القاضي. ولم نسمع ابدا في حياتنا ان ضابطاً تولي وزارة العدل فلماذا نقبل بأن يجلس ضباط علي منصة القضاة، وصار طبيعياً جداً ان نلمس كثيراً هذه الأيام روح الضابط في حكم قاضي وحماس الضابط يتغلب علي وقار القاضي. ثم هناك ما ينسف اي مماحكات بادعاء استقلال القضاء في البلد حيث انتشرت ظاهرة انتداب القضاة في الوزارات والمصالح الحكومية. فالرئيس حسني مبارك حريص في كل حركة محافظين علي تقسيم التعيينات بين ضباط وأساتذة جامعة وقضاة، وهو ما يجعل استقلال القضاء أثراً بعد عين، فإذا كان القاضي ينتظر في لحظة ما جزاء وفاقاً ومكافأة دولة بتعيينه محافظاً بكل ما في المنصب من امتياز معنوي ومادي، واذا كان للقضاة نصيب دائم وقسمة معلومة في كل حركة تعيينات فطموح القاضي يعطل استقلاله، الكارثة ليست فقط في عدم وجود قضاء مستقل في مصر بل في مراوغة وتضليل نظام الحكم، والزعم بأن القضاء مستقل. والمؤكد ان في مصر قضاة مستقلين لكن ليس فيها قضاء مستقل
Sunday, October 21, 2007
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment