د. طارق الغزالي حرب
انتشرت في بر مصر في الأسابيع الأخيرة ظاهرة جديدة تضاف إلي ما تحفل به بلادنا من مضحكات مبكيات، وأعني بها ظاهرة هؤلاء الناس المجهولين الذين يقومون بعمل بلاغات للنائب العام ضد صحفيين وكتاب ورؤساء تحرير وأصحاب رأي.. منهم محامون من مناطق شعبية وآخرون من أحزاب وهمية لا يعرف أحد عنها شيئًا، وربما كانت هذه هي المرة الأولي - ونرجو أن تكون الأخيرة - التي تذكر فيها الصحف أسماء بعض من قيادات هذه الأحزاب الهلامية..
وتحفل هذه البلاغات بالعديد من الألفاظ الغليظة الطنانة، التي تتهم أصحاب الرأي هؤلاء بتهم فجة، غاية في الرعونة والاستخفاف بعقول الناس مثل الإساءة إلي مصر وتدمير الاقتصاد القومي وحتي الخيانة العظمي، وهي كما ترون تهم تستوجب الإعدام!! جمع أطراف هذه البلاغات المزرية شيء واحد هو أنهم جميعًا ليسوا ذوي صفة.. أي أنهم ليسوا ممثلين عن الشعب المصري أو من المسؤولين عنه مثلاً.. وجمعت بلاغاتهم الهشة أنها بلا دليل دامغ واحد، واعتمدت فقط علي عبارات إنشائية يكتبها بعض الموظفين في النشرات الحكومية المسماة الصحف القومية وبعض المرتزقة في وسائل إعلام أخري.
أدت هذه البلاغات الكيدية التي يقف وراءها نفر من أعضاء الحزب الحاكم إلي هذه الأزمة المستعرة بين نظام الحكم والصحافة المصرية الوطنية، وذلك لأن النظام استطاع تطويع نفر من السادة لصالح أهدافه الشيطانية في تكميم الأفواه وبث الخوف والرعب في قلوب الوطنيين الشرفاء أعداء الفساد والاستبداد.. فكانت الأحكام بالحبس علي خمسة من رؤساء تحرير الصحف المستقلة والحزبية مصير البعض، وكان الهروب والنفي الاختياري مصير بعض آخر
. إن لي رأيا أتمني أن يتبناه بعض من أصحاب الآراء الحرة والقلوب الجريئة المفعمة بحب هذا الوطن وأهله.. لماذا لا يكون الرد علي تصرفات هؤلاء الصغار الذين يحركهم البعض بخيوط من وراء ستار كما يحركون عرائس المسرح، لماذا لا يكون الرد عليهم بتقديم بلاغات إلي النائب العام ضد هؤلاء المسؤولين الذين يرتكبون يوميا العديد من الجرائم تجاه الشعب المصري، خاصة الفقراء والضعفاء منه؟!
لقد رأيت علي شاشة تليفزيون الدولة في نشرته الإخبارية مساء السبت الماضي تغطية إخبارية لحادث مروري بشع بمنطقة العياط بالجيزة راح ضحيته أكثر من اثني عشر شخصًا غير العديد من المصابين، فسمعت من المواطنين البسطاء ما يمكن أن يحدث زلزالاً سياسيا في أي بلد آخر في العالم غير مصر لو حدث هناك، فمنهم من قال إنه لا يكاد يمر أسبوع دون حدوث حادث مثل هذا بنفس المنطقة، ومنهم من قال إنهم جأروا بالشكوي من هذا الطريق لجميع المسؤولين الشعبيين والمحليين ولكن لا أحد اهتم بهم أو تحرك مسؤول لبحث الخلل علي هذا الطريق، لذلك فإنهم تعودوا علي فقد الأهل والأحباب كل يوم وأنهم ينتظرون رحمة الله ليرفع مقته وغضبه عنهم بإزاحة أولياء أمرهم الذين لا يملكون من أمرهم شيئًا!!
لماذا لا يتقدم بعض الشرفاء المهمومين بأحوال أهلهم في بر مصر ببلاغ إلي النائب العام ضد محافظ الجيزة مثلاً لإهماله في واجبات وظيفته وتقصيره وخيانته أمانة المسؤولية التي أقسم علي احترامها، فلم يفعل شيئًا والضحايا يتساقطون وتتزايد أعدادهم يومًا بعد يوم؟ إن المتقدمين بمثل هذا البلاغ لهم صفة ومصلحة حقيقية، والتهمة واضحة وضوح الشمس والأدلة والبراهين لا تحتاج إلـي تجميع محاضر الحوادث في هذه المنطقة لعام مضي فقط..
ولا أشك لحظة في أن القضاء المصري مازال يزخر بالرجال الذين لا يخشون في الحق لومة لائم، وقرارهم بإحالة مثل هذا المحافظ وجميع المسؤولين عن الطرق والمرور في محافظته إلي المحاكمة والعزل سيكون البداية لأن يتولي الشعب أمره بنفسه دون انتظار منة من أحد و فرج من الله. لقد ضربت مثلاً واحدًا لبلاغ لابد منه، ولكن والله الذي لا إله إلا هو فإن في العقل والقلب المئات من الأمثلة التي هي جرائم كبيرة في حق هذا الشعب المغلوب علي أمره تستدعي البلاغ للنيابات أهم وأكبر بكثير من تلك التفاهات المبهمة التي تقدم بها نفر خائب من أفراد الشعب المصري.. بل إنها تستدعي الدعاء إلي الله ليل نهار ألا يولي أمورنا من لا يخافه ولا يرحمنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله!!
Saturday, October 27, 2007
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment