أسامة هيكل
افترض أن الحكومة كلها تغيرت.. هل يعني ذلك لنا نحن المواطنين أي شيء؟ وهل يختلف الأمر لو حدث تغيير محدود؟
الرئيس مبارك استقبل منذ أيام الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء.. جاء اللقاء مفاجئا وغامضا.. والدكتور نظيف كعادته لم يدل بأي تصريح للصحافة عقب الذي تم في رئاسة الجمهورية بمصر الجديدة.. ولا أدري لماذا تم الإعلان عن اللقاء طالما أن أحدا لن يعرف ماذا تم خلاله؟. المهم.. بمجرد نشر الخبر الغامض الذي لم يضم أي تفاصيل، والذي يأتي قبل أيام قليلة من المؤتمر العام للحزب الوطني، بدأت التكهنات من جديد بقرب إجراء تعديل وزاري، وتباري مدعو العلم في فبركة أسماء الوزراء المغادرين، وتأليف الوزراء الجدد.
وليست هذه هي المرة الأولي التي يتوقع فيها إجراء تعديل وزاري.. ولكن الغريب أن الناس لم تتعلم من التغييرات الوزارية السابقة، ولايزال هناك من يهتم بأمر التعديل المرتقب أو التغيير.. فلم يؤثر أي تغيير وزاري في حياة الناس علي مدي ربع قرن مضي.. ولا أحد يعلم لماذا خرج الوزير الفلاني، أو لماذا استمر زميله العلاني؟، تماما كما لن يعلم أحد لماذا سيخرج وسيدخل الوزراء في أي تغيير قادم وزراء..
ولكن الأمر المؤكد الوحيد في التغييرات الوزارية أن الأداء ليس الأساس الذي تقوم عليه التغييرات والاختيارات.. فما أكثر الوزراء الذين مكثوا في مناصبهم سنوات طوالاً رغم رفض الناس لهم والتشكيك في ذممهم.. وماأكثر الوزراء الذين خرجوا بعد توليهم بشهور قليلة حتي قبل أن يظهر أداؤهم!!
والتجارب السابقة تؤكد أن الرئيس مبارك يحب الانفراد دائما بحق التغيير ومفاجأة الناس به.. والتجارب نفسها في التعديلات الوزارية تثبت أنه الوحيد في مصر الذي يعلم إذا كان هناك تغيير وزاري أم لا.. وهو أيضا الوحيد الذي يحدد موعد التغيير، بل إن البعض يري أن الرئيس مبارك ربما يتراجع عن التغيير الوزاري إذا تسربت الأخبار للصحف عن هذا التغيير، لدرجة أن الوزراء يسعدون بنشر هذه الأخبار لأنها تعني أنه لاتغيير، وربما يقوم بعضهم بتسريب أنباء للصحف لإجهاض التغيير.
. ولا أعتقد أن الرئيس مبارك لو أراد التغيير سوف يبلغ رئيس الوزراء بهذه النية.. والدكتور نظيف نفسه لم يكن مرضيا عنه خلال الشهور الماضية لأسباب لانعلمها، وتوقع الكثيرون تغييره هو شخصيا، وسري الأمر كما لو كان حقيقة مؤكدة، ولكن الشهور مرت ولايزال الدكتور نظيف مكانه ولم تتغير سياساته، ولم يف بوعوده الخاصة بخفض الأسعار.
إذن نحن كمواطنين لم نكن سببا في أي تغيير وزاري في أي يوم من الأيام.. ولم تكن طموحاتنا محل اعتبار في أي تغيير من التغييرات التي تمت.. ولم نحصل حتي علي حقنا الطبيعي في معرفة أسباب التغييرات والتي يتميز معظمها بالغموض.. ولانزال كلنا نذكر كيف اخترعنا مسمي جديداً وهو التبديل الوزاري، حينما تم خلع الدكتور ممدوح البلتاجي وزير الإعلام فجأة ليتولي منصب وزير الشباب، كما تم خلع أنس الفقي وزير الشباب من منصبه ليتولي منصب وزير الإعلام..
ولم يشرح لنا أي مسؤول الحكمة من هذا التبديل لأنه لو كان بينهما وزير فاشل لوجبت الإطاحة به من منصبه وليس مجاملته بالجلوس في مقعد وزاري آخر.. وانتهي الأمر الذي فاق قدرات المواطنين العقلية علي الفهم، والذي يستعصي علي أي محلل سياسي التعليق عليه.. والتغيير الوزاري بالطبع أمر يخص الوزراء في المقام الأول، ومعهم المنتظرون لتليفون التكليف بالوزارة.. وكل هؤلاء الآن مهمومون ومشغولون بمصائرهم.. فمن يستمر في الوزارة أو يكلف بها لأول مرة سينعم بالجاه والنفوذ والحرس.. ومن يخرج منهم سيبحث عن عمل بديل، وسيزول عنه سلطانه وجاهه وحرسه.. وقلبي عند هؤلاء جميعا بسبب القلق الذي يعيشون فيه هذه الأيام.
ولكننا كمواطنين لماذا ننشغل بأمر التغيير الوزاري؟ ما الذي سيعود علي المواطن من خروج وزير ودخول آخر مكانه؟، هل لو خرج أحمد المغربي من وزارة الإسكان بعد أن أشعل أسعار الأراضي والعقارات ووصلت لأرقام غير معقولة خلال أقل من عامين، سوف يأتي مكانه من يستطيع الهبوط بتلك الأسعار لمستوياتها التي كانت عليها؟، هل لو خرج محمد منصور من وزارة النقل، وجاء وزير بعده سوف تتوقف حوادث الطرق والقطارات والعبارات؟، هل لو خرج علي المصيلحي من وزارة التضامن الاجتماعي وجاء خلف له سيعود رغيف الخبز لسابق عهده من حيث السعر والجودة والتواجد؟، هل لو خرج أي وزير تضررنا من أدائه سيحل محله من هو أفضل؟
لا أريد أن أكون متشائما.. ولكن لايوجد ضمان واحد حقيقي لتحسن الأمور لو تغير الوزراء الحاليون.. ولو كان هناك أي أمل في التحسن لكان أمر التغيير الوزاري يعنينا كمواطنين.. أي مخلوق يعيش داخل الحدود المصرية - مهما علا شأنه - يتكهن بأن هناك تعديلاً وزارياً قادماً، ويدعي علمه بموعد التغيير والأشخاص الذين سيشملهم التعديل، هو بالتاكيد كذاب أشر.. فالوحيد الذي يعلم بأمر التغيير هو الرئيس مبارك.. وهو لايقول لأي أحد ماذا ينوي أن يفعل مهما كان قريبا منه.. فلا داعي إذن لإضاعة الوقت في موضوعات تهم أصحابها فقط، ولاتهمنا نحن كمواطنين من قريب أو من بعيد.. فالتغيير الذي نريده فعلا هو تغيير علاقة النظام بالشعب، وتغيير حقيقي في السياسات، وليس مجرد خروج وزير دمه ثقيل ودخول وزير أخف دما.
Saturday, October 27, 2007
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment