Sunday, October 21, 2007

ناموس وطني

ابراهيم عيسى

سألني طفلي "يحيي":هو لية يابابا الناموس بياكلنا؟ .. طب لية مانديلوش أكل ياكله ويسيبنا؟.. كان السؤال رائعا ومفاجئا لي تماما ، عمري ما فكرت أن الناموس فعلا لا يأكل سوي" دمنا" لا معلومات لدي أن للناموس طعاما آخر يعيش عليه ويحيا به غير الدم البشري .. صحيح الناموس لا يقتلنا أ, علي الأقل النوع المنتشر في مصر ، لكنه يمص دمنا ويمرضنا، ولم يصلني أبدا أن ابني يحيي فكر أن يمنح الناموس طعاما بديلا عن دمنا لكي يأكله ويشبع .. ونرتاح نحن.

لكن الناموس فقط هو الذي لا يهنأ ولا يشبع ولا يعيش الا بمص الدم؟.. لا أظن.. ليس هناك أكثر من "الناموس البشري" في مصر الذي يعيش علي دم المصريين ، ولا يكف ولا يبحث عن طعام آخر يسد جوعه ويقيم حياته، والحقيقة أن نظام مبارك أطلق عبر ال26 عاما في حكمه كل أنواع الناموس في حياتنا، ناموس لا يحيي الا علي دم المصريين ونهب ثرواتهم وازهاق صحتهم، والا بماذا تسمي هؤلاء الذين لا يكفون عن زرع السم في أرضنا من خلال محاصيل يتم اخصابها بهرمونات معدلة للجينات ورشها بالمبيدات التي تسبب الامراض.. فلا توجد في مصر- واتحدي – ثمرة خوخ واحدة ليست محشوة بالتلوث، ولا عود ملوخية واحد بدون رش يفسدة، ولا خيارة ذات طعم حقيقيمثل زمان، بل صارت الخضروات والفواكة كلها اليافا من مسببات السرطان والملوثات ، نأكلها لتمص دمنا وصحتنا دونما أن نسال أنفسنا: لماذا يفعل فينا الناموس هذا .. لماذا لا يجد لنفسه بشرا يمص دمهم غيرنا؟!

عندما نتابع ما يفعلة ناموس بيع أرض مصر التي يتم تقسيمها الآن وتوزيعها في مزادات مشبوهة سياسيا ومفتوحة للاجانب ومن ورائهم اليهود والإسرائليون يصبح السؤال الملح والكئيب : ماهو سعر متر مصر هذه الأيام؟

وسيأتي اليوم الذي يكون فيه المصريون أقل نسبة ملاك لأرض بلادهم ، وسنكون مثل سكان عزبة يملكها إقطاعي ، نعم نعيش ونحيا علي أرضها ولكنها ليست أرضنا.

وهو نفس ما يفعلة ناموس بيع القطاع العاموأملاك الدولة من المصانع والشركات والبنوك ، فهو ناموس محترف مص الدم ولا يشبع الا به ولا يحيا الا عليه، لهذا هو مصمم علي البيع، ويخوض حربا مقدسة عنده "مدنسة عندنا" لبيع كل شيء .. ويقول عن هذا استثمار وهو استثمار مشروط بالبيع للاجانب ، وهو ما يوحي بأن البيع ليس هدفا، ولكن البيع للأجانب هو الهدف ، الموضوع كله هو نقل ملكية من المصريين للأجانب، كأننا نتحدث عن وجود نظام مملوكي في الاقتصاد (حيث جلب أجانب لتملك ثراوتنا الاقتصادية ) يوازي وجود نظام مملكوكي في السياسة،(حيث تحكم مصر فرق وفئات معزولة علي الشعب وتتملكة بقوة السلاح وتجلس علي العرش بقاعدة"الحكم لمن غلب").

لكن كل هذا الناموس انما يأتي من مستنقع واحد يغذي تكاثره وتوالدة.. مستنقع الاستبداد الذي تعيشه مصر حيث حاكمها هو سيدها وفرعونها وإلهها فوق النقد والمسألة والمحاسبة، تتم صناعة القوانين وفق رغباته وتفصيل دستور وفق حاجاته وإصدار الأحكام طبقا لتعليماته وتزوير الانتخابات خدمة لبقائة وتزييف ارادة الناس طاعة لأوامرة .. هذا الاستبداد الذي ينتج الناموس البشري الذي يحيط به .. يحمية ويدافع عنه، ويتغذي علي مص دماء البلد والناس ، ولكم أين المواطن من هذا كله؟ الحقيقة أننا – طوال عمرنا – نحاول "ابعاد الناموس" أو "طرد الناموس" مستخدمين حيلا قديمة مثل الشمعة في صحن الماء أو قرص ريد أو فليت العسكري ، لكن الأكيد أن مواجهة الناموس لا تكون الا بالقضاء علي المستنقع.

فاذا كان لدي واحد منكم أمل اننا يمكن أن نبعد الناموس عنا وأن يشرب شيئا غير دمنا ، فعلية ان يتخلي عن هذا الوهو فورا .. ونصيحتي له مثل نصيحتي لابني يحيي وأنا أرد علي سؤاله بحسم: وله روح أسأل أمك

No comments: