Wednesday, October 31, 2007

مصر هي الباقية

مجدى مهنا

عن جد ـ بلهجة المذيعات اللبنانيات ـ وحشتني مصر هذه المرة.
لا أرغب في الدخول في تفاصيل حياتي الصحية.. المشوار طويل.. وعلي أن أتقبله بنفس راضية مرضية، وأن أشكر الله في السراء والضراء.. فليس أمامي طريق آخر لمشوار غيره، لكي أسلكه، وسوف يؤيدني الله بنصر من عنده.
وحشتني مصر، ولا أعرف لماذا؟ ولماذا في رحلة السفر الماضية كرهتها، ولم أكن أطيق سماع اسمها، ولا أريد العودة إليها، وكأنني في سبيلي إلي اتخاذ قرار مصيري بالابتعاد عن هذا الوطن الذي عشت له.
ليس هناك منطق أو فلسفة أو مبرر أقدمه.. ولا أعرف لماذا وحشتني مصر كثيرًا.. وليس لدي أسباب سوي أن الذي يحب لا يمكن له أن يعرف الكراهية.. لكنها لحظة خرجت فيها أحاسيس علي هذه الصورة، وكتبتها سابقا، وما يهمني هو الصدق .. قارئ كان دائما كريما معي.. يعرف أنني أحبه وأقدره وأخلص له.. وأعرف أنه يبادرني الشعور نفسه.
لا يمكن لي أن أكره بلدي.. إنني أكره الأوضاع التي تعيش فيها، وأريد تغييرها.. وأكره السياسات التي أوصلتنا إلي هذه الأوضاع.. وأريد نسفها.. وأكره أن يضيع العمر مني، مع ضياع الآمال والأحلام، وكل «وجع القلب» علي امتداد سنوات طويلة.
هذا ما أكرهه في مصر، ولن أكتب حرفًا واحدًا عن حبي لها، فهي تعرف من يحبها، وأنا أعرف أنني أعشقها.. فالكلام أصبح رخيصًا.. والذين يصدعون أدمغتنا بحب مصر هم أول الذين يمسكون بضرعها ويمتصون حليبها، حتي آخر نقطة، وآخر نفس. وهؤلاء تستطيع أن تشير لهم بالاسم في جميع المواقع.
أعرف أن القارئ سوف يصدقني عندما أقول له إنه ليست لي أحلام وآمال خاصة بي في هذا الوطن.. وأن آمالي وأحلامي هي أن نعيش في وطن حر وديمقراطي.. الحاكم، في أي موقع، وفي أرفع موقع، هو خادم المواطن، وليس سيده.
هذا ما أريده.. لكنني للأسف لا أري منه شيئًا يتحقق.. وربما هذا هو ما جعلني أتهور في لحظة ما، وقلت إنني لا أريد العيش في هذا الوطن.. الذي لا يستطيع أن يستوعب آمالي وأحلامي، التي هي آماله وأحلامه، دون زيادة أو نقصان، ودون رغبة مني في أن يزداد الدور الذي أقوم به أو يتقلص.. فما أكثر الشرفاء والمخلصين في هذا البلد.. لكنهم يجدون أمامهم اللصوص والانتهازيين يتقدمون الصفوف.. وأنا لا أتحدث عن الصحافة، حتي لا يفهم أحد كلامي خطأ.. إنما أتحدث عن أهل السياسة والحكم.. وحتي هذا الكلام ينطبق أيضا علي الصحافة.. لكن هذا لم أكن أقصده.
أعرف أن كل شيء تركته في وطني هو في نفس موضعه.. أو علي «حطة يدي» لا شيء قد تغير.. ولا شيء سوف يتغير.. هكذا تعودنا وتأقلمنا.. وهكذا تمضي الحياة بنا.
والحديث دائر الآن حول المؤتمر التاسع للحزب الوطني، والكلام حول التفاصيل الصغيرة واللمسات النهائية للمؤتمر.
حتي الكلام ساخن حول دور جمال مبارك.. هل يتسع في المرحلة القادمة، ويجري تصعيده، أم يبقي الحال علي ما هو عليه حتي إشعار آخر.. لم يعد يثير اهتمام أحد.. فما أشدها من خسارة أن يتحدد مصير وطن ومستقبله علي مصير ومستقبل شخص واحد؟ وما أتعسها من نهاية؟ وهذا ما يجعلني أقول دائما إنها مرحلة وستمضي إلي حال سبيلها.. لكن مصر هي الباقية.

No comments: