بقلم فريدة الشوباشى
لا يخالجني شك في أن مسلسل «الملك فاروق» هو أحد فصول الحالة التي نعيشها منذ نحو أربعة عقود، والتي تسير بنا خطوة خطوة علي طريق شارك في رسم معالمه أطراف عديدة وبجميع الأسلحة.. الخشنة منها.. والناعمة.. وبدأ «الطريق» بالانفتاح.. السداح مداح.. والذي دفع بطبقات جديدة إلي أعلي درجات السلم الاجتماعي بعد إعادة تشكيل المجتمع اقتصاديا وواكب الأثرياء الجدد عودة الألقاب، وإن بطريقة عشوائية، من صاحب السعادة إلي معالي الوزير إلي فخامة أو دولة الرئيس،
أما ألقاب الباشا والبيه والباشمهندس والعالم الكبير والمفكر الكبير أيضًا فحدث ولا حرج.. وقد استمرأ «الموصوفون» هذه الألقاب رغم علمهم بأنها «عرفية» علي طريقة أن ما هو عرفي اليوم سيشهر رسميا غدًا.. ولما كانت «الألقاب» تقديرية، وحسب الخدمة المطلوبة أو المقدمة، فقد تباري الكثيرون في إغداقها بدرجة منفرة من النفاق، وفسدت العلاقات التي بات يلعب «اللقب» دورًا أساسيا فيها..
وارتبط «دخول» تلك الدائرة من أصحاب الألقاب الجدد بتحقيق نسب متفاوتة من الثروة التي أصبحت هدفًا عزيزًا، يستحق «العناء» من أجله.. ووسط هذا المناخ الذي عاد بالتفاوت الطبقي إلي ما كان عليه قبل ثورة يوليو، استمرت فصول الحملة الشرسة علي كل معاركها وعلي إنجازاتها «إذا اعتبرنا السد العالي وتأميم القناة ومساندة حركات التحرر وتحرير الإنسان المصري البسيط من عبودية الإقطاع والرأسمالية إنجازات».
وطالت الحملة أهدافًا محددة أيضًا في النظام خاصة المخابرات التي أذاقت العدو المر، وباختصار آن الأوان لنعتذر عن تلك الفترة «العابرة والغريبة علي عاداتنا وتقاليدنا» وأن ننقد أنفسنا نقدًا ذاتيا، لأننا وياللهول، سمحنا بخروج ملك طاهر، تقي، ورع، وطني، مخلص.. وحتي لا نغوص في بحر الأوصاف نقول: ملك كامل الأوصاف.. والشعور الذي يتولد إذن وبالضرورة المنطقية: أن الشعب المزعج هذا لابد من تغييره إذ كيف «هان عليه» مثل هذا الملك؟
إن التمهيد لعودة النظم الملكية في المنطقة العربية يفسر ظهور «براءة الملك وإدانة الشعب»، وهو يتسق منطقيا مع العودة التدريجية للحالة السابقة علي الثورة.. فالفقراء ليس لهم حقوق، وعليهم انتظار ما يجود به الرضا السامي..
وأتذكر أن أحد كبار الإقطاعيين قال لي ذات يوم «ابن البوسطجي وابن الـ.. هذا جعل للفلاح سعرًا، فقد كنا نربطه في الشجرة ونطلق عليه النار دون أي محاسبة!» وكان ردي: إن ما يجعلك تكرهه كل هذا الكره هو تحديدًا ما يجعلني أحبه.. أردت رواية هذه الحادثة قبل أن يقولوا لنا: مبروك جالك ملك!! ربما لم يصادفوا مثلها؟
Thursday, October 18, 2007
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment