من قريب
بقلم: سلامة أحمد سلامة
العهد البائد!!
لأسباب لاتخفي علي أحد, فجر مسلسل الملك فاروق لدي شرائح واسعة من المشاهدين, مجموعة من المشاعر والمواقف الايجابية المتعاطفة تجاه تلك الحقبة من تاريخ مصر, والتي دأبت كتب التاريخ والصحافة زمنا طويلا علي أن تطلق عليها وصف العهد البائد.
وعلي الرغم من عشرات المسلسلات التليفزيونية الناجحة والمثيرة التي احتشد لها التليفزيون في شهر رمضان, وشدت أنظار الملايين, إلا أن المفاجأة الحقيقية كانت في الاهتمام غير العادي بهذا المسلسل, الذي لم يعرض علي شاشة التليفزيون المصري, وحفز بالرغم من ذلك عشرات من كبار الكتاب والمعلقين علي الاشادة به, ولفت الأنظار الي ما اتسمت به مادته التاريخية من انصاف للحقائق والشخصيات واعادة النظر في كثير من الوقائع التي جري تشويهها, والزعامات التي حاولت كتابات كثيرة الانتقاص من قدرها ووطنيتها, والانجازات التي تحققت في ظل نظام ملكي برلماني, وظروف تاريخية لم تكن مصر قد حصلت فيها علي استقلالها كاملا, بل خضعت لمؤثرات خارجية لعب فيها النفوذ البريطاني أدوار مهمة في الايقاع بين الملك والأحزاب, والتدخل في حكم البلاد.
وربما يكون الخيال قد لعب دورا في رسم شخصيات المسلسل. وهناك بالقطع فرق بين المعالجة الدرامية التي قد تثير العطف علي الملك فاروق. وبين أحداث التاريخ الموثقة, والأدوار التي لعبها السياسيون علي مختلف توجهاتهم. ولكن اللافت للنظر أن البعض حاول أن يضفي علي هذه الحقبة من المزايا الديمقراطية والدستورية وتوازن السلطات بأكبر مما تستحقه. وعبر البعض عن اعجابه بما حققته الديمقراطية في عهد فاروق, مقارنة بما تحقق بعد الثورة.
وأكبر الظن أن تعطش الناس الي الديمقراطية الحقيقية, في ظل اقتناع يتزايد بين كثير من الطبقات والقوي السياسية بأن الثورة التي أزاحت العهد البائد ووضعت نهاية غير سعيدة لحكم فاروق والنظام الملكي, بدعوي القضاء علي الظلم والاقطاع واقامة نظام ديمقراطي, قد أخفقت في تحقيق أهدافها. ومازالت مصر بعد أكثر من نصف قرن علي قيام الثورة, تراوح مكانها ـ خطوة الي الامام وأخري الي الوراء ـ في مضمار الدول التي أرست الحكم الديمقراطي والحريات المدنية وأقامت بناء برلمانيا راسخا يضمن تداول السلطة ويحول دون تكدس الثروة في أيدي قلة من ذوي النفوذ.
ولاشك أن الأزمات السياسية المتلاحقة, بين الدولة والصحافة, وبين الدولة والقضاء, وبين الدولة والعمال, وبين الدولة والاحتكارات الجديدة, فضلا عن ظهور بؤر للفساد يصعب حصرها.. هو الذي يغري البعض بهذا النوع من النوستالجيا أو الحنين للماضي أو العهد البائد. فضلا عن أن الكثيرين يتصورون ـ خطأ أو صوابا ـ أن الحياة الحزبية بكل فسادها في عهد فاروق كانت أكثر حيوية وتنوعا.. لم يستأثر فيها حزب الوفد بالحكم رغم شعبيته, علي عكس ما عليه الوضع الآن.
وقبل يومين قال الزعيم الليبي معمر القذافي, إن الديمقراطية ذات الأحزاب المتعددة هي عار تروج له الحكومات التي تعامل شعوبها مثل الحمير وتنكر عليهم السلطة الحقيقية. ولايبدو أن هذا المفهوم للديمقراطية مقصورا علي الزعيم الليبي دون غيره من الحكام العرب. بل ولايبدو أن المفهوم قد تطور أو تغير بمرور الزمن لتعامل الحكومات شعوبها مثل الأفيال باعتبارها أرقي درجة من الحمير!!
Sunday, October 14, 2007
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment