Sunday, October 14, 2007

العهد البائد‏

من قريب
بقلم: سلامة أحمد سلامة
العهد البائد‏!!‏

لأسباب لاتخفي علي أحد‏,‏ فجر مسلسل الملك فاروق لدي شرائح واسعة من المشاهدين‏,‏ مجموعة من المشاعر والمواقف الايجابية المتعاطفة تجاه تلك الحقبة من تاريخ مصر‏,‏ والتي دأبت كتب التاريخ والصحافة زمنا طويلا علي أن تطلق عليها وصف العهد البائد‏.‏

وعلي الرغم من عشرات المسلسلات التليفزيونية الناجحة والمثيرة التي احتشد لها التليفزيون في شهر رمضان‏,‏ وشدت أنظار الملايين‏,‏ إلا أن المفاجأة الحقيقية كانت في الاهتمام غير العادي بهذا المسلسل‏,‏ الذي لم يعرض علي شاشة التليفزيون المصري‏,‏ وحفز بالرغم من ذلك عشرات من كبار الكتاب والمعلقين علي الاشادة به‏,‏ ولفت الأنظار الي ما اتسمت به مادته التاريخية من انصاف للحقائق والشخصيات واعادة النظر في كثير من الوقائع التي جري تشويهها‏,‏ والزعامات التي حاولت كتابات كثيرة الانتقاص من قدرها ووطنيتها‏,‏ والانجازات التي تحققت في ظل نظام ملكي برلماني‏,‏ وظروف تاريخية لم تكن مصر قد حصلت فيها علي استقلالها كاملا‏,‏ بل خضعت لمؤثرات خارجية لعب فيها النفوذ البريطاني أدوار مهمة في الايقاع بين الملك والأحزاب‏,‏ والتدخل في حكم البلاد‏.‏

وربما يكون الخيال قد لعب دورا في رسم شخصيات المسلسل‏.‏ وهناك بالقطع فرق بين المعالجة الدرامية التي قد تثير العطف علي الملك فاروق‏.‏ وبين أحداث التاريخ الموثقة‏,‏ والأدوار التي لعبها السياسيون علي مختلف توجهاتهم‏.‏ ولكن اللافت للنظر أن البعض حاول أن يضفي علي هذه الحقبة من المزايا الديمقراطية والدستورية وتوازن السلطات بأكبر مما تستحقه‏.‏ وعبر البعض عن اعجابه بما حققته الديمقراطية في عهد فاروق‏,‏ مقارنة بما تحقق بعد الثورة‏.‏

وأكبر الظن أن تعطش الناس الي الديمقراطية الحقيقية‏,‏ في ظل اقتناع يتزايد بين كثير من الطبقات والقوي السياسية بأن الثورة التي أزاحت العهد البائد ووضعت نهاية غير سعيدة لحكم فاروق والنظام الملكي‏,‏ بدعوي القضاء علي الظلم والاقطاع واقامة نظام ديمقراطي‏,‏ قد أخفقت في تحقيق أهدافها‏.‏ ومازالت مصر بعد أكثر من نصف قرن علي قيام الثورة‏,‏ تراوح مكانها ـ خطوة الي الامام وأخري الي الوراء ـ في مضمار الدول التي أرست الحكم الديمقراطي والحريات المدنية وأقامت بناء برلمانيا راسخا يضمن تداول السلطة ويحول دون تكدس الثروة في أيدي قلة من ذوي النفوذ‏.‏

ولاشك أن الأزمات السياسية المتلاحقة‏,‏ بين الدولة والصحافة‏,‏ وبين الدولة والقضاء‏,‏ وبين الدولة والعمال‏,‏ وبين الدولة والاحتكارات الجديدة‏,‏ فضلا عن ظهور بؤر للفساد يصعب حصرها‏..‏ هو الذي يغري البعض بهذا النوع من النوستالجيا أو الحنين للماضي أو العهد البائد‏.‏ فضلا عن أن الكثيرين يتصورون ـ خطأ أو صوابا ـ أن الحياة الحزبية بكل فسادها في عهد فاروق كانت أكثر حيوية وتنوعا‏..‏ لم يستأثر فيها حزب الوفد بالحكم رغم شعبيته‏,‏ علي عكس ما عليه الوضع الآن‏.‏

وقبل يومين قال الزعيم الليبي معمر القذافي‏,‏ إن الديمقراطية ذات الأحزاب المتعددة هي عار تروج له الحكومات التي تعامل شعوبها مثل الحمير وتنكر عليهم السلطة الحقيقية‏.‏ ولايبدو أن هذا المفهوم للديمقراطية مقصورا علي الزعيم الليبي دون غيره من الحكام العرب‏.‏ بل ولايبدو أن المفهوم قد تطور أو تغير بمرور الزمن لتعامل الحكومات شعوبها مثل الأفيال باعتبارها أرقي درجة من الحمير‏!!‏

No comments: