جمال سلطان
دعونا نتفق أولا على أنه لا يمكن أن تتحقق الديمقراطية في مصر بشكل انقلابي أو بقرار رئاسي أو بصورة فجائية ، وحتى لو حدث شيء من هذا فإنه سيكون مجرد حالة هشة سهلة الكسر أو المحو بنفس السهولة والسرعة التي صدرت بها ، لأنها لم تتأسس على توازن قوى أو استقرار مؤسسي أو تراث سياسي عميق أو قاعدة إجماع وطني ، إنما تأسست عبر انتزاع فردي أو جهوي يسهل معه الانتزاع العكسي في أي لحظة ، وإنما الديمقراطية لا تتحقق إلا بمران سياسي طويل النفس وتجارب جادة ولكن مأمونة ، يكون لها سياج وطني قوي ومستقر ، يتفق عليه ، يحمي هذه التجربة من الانفلات ويمثل ما يشبه الرقيب عليها ، والحماية للأمن القومي للبلاد من أي هزات أو توابع خطرة لممارسات نزقة من بعض الساسة أو الأحزاب بفعل حداثة العهد بالممارسة الديمقراطية الكاملة ، وبصراحة كاملة نسأل : هل هناك الآن أي حزب سياسي أو قوة سياسية مصرية قادرة على إدارة شؤون الحكم في مصر ، لا أظن ذلك ، ويكفي النظر إلى هشاشة الأحزاب القائمة ومحدودية أفق الجماعات الأخرى ، فضلا عن الانشقاقات الحزبية المتتالية والتي يحسم بعضها بقوة السلاح مع الأسف ، كما أن الحزب الوطني الحاكم نفسه لا يحكم في الحقيقة ، وإنما هو واجهة سياسية للإدارة الحقيقية للحكم ، فرئاسة الوزراء والوزراء وأركان الدولة لا صلة لهم بالتكوين والفكر والخبرة والولاء للحزب والحياة الحزبية من بابها ، وإنما هي إدارة حكومية تتشكل وفق رؤية القيادة السياسية للدولة وليس للحزب ، وإذا تصورنا أن قوة سياسية حزبية أخرى سوف تمسك بتقاليد السلطة في مصر الآن فالمؤكد أنها ستعيد إنتاج نفس الرؤى والهيمنة والسيطرة والاستبداد الذي يحدث حاليا ، لأن الديمقراطية لا يمكن أن تقوم إلا إذا كانت هناك مؤسسات رقابية حقيقية وسلطات قضائية وتشريعية مستقلة ومجتمع مدني حيوي ونشيط ومتجذر في المجتمع وشرائحه وهمومه ، وخبرة في الممارسة الديمقراطية الحقيقية الجادة والعملية للطبقة الوسطى ، ووضع دستوري صارم وواضح يحدد نفوذ ومجال المؤسسة العسكرية ، وهذا غير موجود الآن في مصر ، وإن كانت مصر في الحقيقة تملك الخبرات وتملك الكفاءات الفنية والسياسية والاقتصادية والقانونية القادرة على الصياغة ، ولكنها تفتقر إلى القوى الشعبية الحزبية القادرة على احتضان الصياغات المفترضة وتحويلها إلى مشروع نهضة واقعي حقيقي ، وهنا أيضا فإن الأحزاب القائمة ليست مقياسا على خواء مصر من الفعل السياسي ، بل إن البلد مترعة برجال ونساء وشباب مفعمين حماسة وحيوية ورغبة في الإصلاح ، ولكنهم مهمشون برضاهم أو قسرا ، والملايين من المصريين ينأون بأنفسهم عن الأحزاب القائمة لأنهم يعتبرونها ديكورا وربما شراكا أمنيا ، وأن حياة سياسية جادة غير موجودة في مصر على الإطلاق ، فيطفح على السطح عادة القامات الصغيرة والشخصيات التي لا تستحق أن تكون في المستوى الثالث من قيادة أي حزب جماهيري جاد ، وفي تقديري أن عملية الإصلاح السياسي عندما تقع في مصر سيكون من أبرز نتائجه أن تختفي الخريطة السياسية الحالية بالكامل ، وتصبح معظم الأحزاب القائمة أو كلها طي النسيان وذكرى للذاكرين ، وتنشأ خريطة حزبية جديدة تعبر تعبيرا حقيقيا عن تيارات الفكر والسياسية المصرية بشكل جاد وعفي وفعال وناضج ، وأنا هنا لست في موقف فرض وصاية أو تجريح أي قوة أو حتى النقد ، كل هذا ليس في خاطري أبدا وأنا أكتب ذلك النقد الذاتي ، وإنما هي محاولة أشارك بها في تحسس مواطن الخلل وفق تصوري وكيف نبدأ الطريق إلى مصر المستقبل : ديمقراطية وحرة وناهضة .
Monday, October 22, 2007
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment