Wednesday, October 17, 2007

أبشر أيها النهر

بقلم سليمان جودة

سمعت من مسؤول كبير سابق، كان يشغل منصباً رفيع المستوي، أنه أحس وجعاً في أعماقه، بمجرد انتهائه من قراءة ما كتبته في هذا المكان، أمس الأول، عن تخصيص الشيخ محمد بن راشد، حاكم إمارة دبي، ١١ مليار دولار، لشق قناة في صحراء الإمارة، تمثل في بلده ما يشبه النيل الصغير.. بينما النيل الحقيقي، في بلدنا، يموت في اليوم مائة مرة، تحت ضغط إهمالنا، وقلة حيلتنا، وسوء حالنا.. وحماقاتنا المتوالية في حقه!.
وقد كنت أتمني، أن يصيب الوجع قلب مسؤول في السلطة، لا أن يتوجع من هو خارجها، وأن يتحول الوجع ـ والحال كذلك ـ إلي فعل، لأن صاحبه يملك، بسلطته عندئذ، أن يحول كلامه إلي ممارسة، يحس بها الناس.. وكنت أتوقع أن يتوزع الوجع، علي أكثر من مسؤول، ممن لهم علاقة بالنيل، وأن يغاروا علي ثاني أنهار العالم، وأن يقولوا لنا، بالضبط، ما خطة البلد تجاه هذا النهر!.. وكيف نفكر فيه؟!.
كنا نتمني، أن تحرك خطوة الشيخ راشد، النخوة في صدور مسؤولينا، الذين هم في السلطة، لا الذين تركوها، ولم يعد في يدهم شيء يقدمونه للنيل، ولا لغير النيل.. وكنا نأمل أن يبادر واحد، من أعضاء البرلمان، أو أكثر، بتقديم طلب تخصيص مليار دولار مثلاً في الميزانية المقبلة، من أجل البدء في تنفيذ خطة زمنية واضحة، لإنقاذ النهر، تبدأ من أسوان، علي مراحل، وتنتقل من مرحلة إلي أخري، علي مدي سنوات معلومة مقدماً، حتي تنتهي إلي الإسكندرية، فنكون، وقتها فقط، مستحقين للنيل!.. بدلاً من أن نظل نقتله علي مدار النهار!.
إن الجراجات والمباني الحكومية، بل والمساكن الشعبية، تحتل شاطئيه، في أكثر من موقع، والمصانع تصرف فيه، دون أن يحرك ذلك في نفوسنا شيئاً من الخجل، أو الحياء.. كما أن الجزر في وسط النيل، لاتزال تبحث عمن يحررها من الأدغال التي تسيطر عليها، ومن بؤر الإجرام التي تسكنها.. وليس علي شاطئ النيل في القاهرة متر واحد، لم ينشغل بالنوادي من كل لون.. والنقابات، مع مختلف الأجهزة والهيئات والوزارات، لاتزال تعتبر الاستيلاء علي أكبر مساحة ممكنة من الشاطئ، حقاً مكتسباً لا يجوز أن ينازعها فيه أحد، والحزب الوطني نفسه يضرب المثل في سوء الاستخدام، باحتلال أهم مبني علي النيل، بعد أن آل إليه من الاتحاد الاشتراكي.. وإذا كان القانون يقول إن البناء يجب أن يكون علي مسافة ٣٠ متراً من الشاطئ، فلا أحد يعرف ما الارتفاع المسموح به، وما إذا كانت الثلاثون متراً ينبغي أن تظل أرضاً فضاء، أم أنه من الممكن زراعتها، وشغلها، وتجميلها؟!.
وحين شكلت الدولة مجلساً أعلي للطاقة، ومجلساً للآثار، وثالثاً للثقافة.. ورابعاً، وخامساً، لم يكن نهر النيل في نظرها يستحق أن يتشكل له مجلس أعلي، يضم شخصيات رفيعة، وخبراء حقيقيين في شؤونه، ينشغلون به طول الوقت، بحيث يطمئن المصريون علي أن النيل في أيد تفكر في حاضره، وتخطط لمستقبله باستمرار، وتضع له البرامج الزمنية التي يجري تنفيذها، دون نقاش.. ودون تلكؤ، ولا إبطاء!.
النيل لايزال يمنحنا الحياة، ونحن نمارس كل ما يجلب له الموت.. وحين أحس مسؤول كبير بالغيرة عليه، كان، لسوء الحظ، خارج السلطة.. فأبشر أيها النهر!.

No comments: