Thursday, October 18, 2007

هل يتعفف الوزراء ؟

بقلم د.كمال مغيث

كل سنة وحضراتكم جميعا بخير، انتهي الشهر الكريم - تقبل الله منا جميعا - وقد اعتدنا منذ زمن علي تأجيل أفراحنا إلي ما بعد رمضان وهكذا تكثر الأفراح في الفنادق الكبيرة والشوارع وفوق الأسطح وفي السرادقات وتزخر صفحات المجتمع في مختلف الصحف والمجلات بتناول أخبار أفراح وحفلات الزفاف لأبناء وبنات الأثرياء من رجال المال والأعمال والمستثمرين ومحدثي النعمة والثراء.
واللافت للنظر في السنوات الأخيره ذلك الظهور المكثف للسادة أصحاب المعالي الوزراء ورجال الحكومة في تلك الحفلات التي قد يصل الإعلان عنها إلي تناول أسماء المدعوين أسماء المطربين والمطربات والراقصات وأنواع المشروبات والمأكولات التي قدمت من شرائح الديك الرومي الفرنسي والاستاكوزا الإيطالي والسيمون فيميه والفواجرا والكافيار والجمبري ولحم الطاووس والغزال وغيرها من المأكولات التي تعد بالنسبة لغالبيه الناس ضربا من الأساطير،
وبين السطور تتناثر صور السادة الوزراء مع الفنانين وأصحاب الفرح ولا شك أن حضور السادة الوزراء في تلك الأفراح بهذا الشكل المكثف والعلني أمر بالغ الخطورة ينبغي أن ننبه إلي خطورته ونحذر منه، فالوزراء يشغلون علي رأس الجهاز الحكومي مواقع بالغة التأثير فيما يتخذونه من إجراءات وما يقررونه من سياسات تتعلق بكل الأنشطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية،
ومن هنا فينبغي أن يهيئوا لأنفسهم من الظروف ما يضمن لهم الحيدة والنزاهة ووضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، فهل نطمئن إلي حيدة الوزراء في تعاملهم مع مصالح رجال الأعمال وهل يستطيع الوزير بعد الوليمة الحافلة أن يتجاوز المأثور الشعبي (اطعم الفم تستحي العين) وهل نضمن ألا يسعي رجال الأعمال أنفسهم إلي استغلال حضور الوزراء لعزوماتهم وأفراحهم بالمبالغة في نشر الصور التي تجمعهم معا والتي غالبا ما تكون إعلانات مدفوعة الأجر، وقد كان أحد أصحاب شركات توظيف الأموال يسعي للتصوير مع رئيس وزراء سابق متفقا مع بعض المصورين علي التقاط صورتهما معا وينشرها بعد ذلك مؤكداً أن رئيس الوزراء يبارك مشروعاته وأعماله، وهل نتخيل موظفاً بسيطاً وهو يسعي لمحاسبة أحدهم، وهو يري خلف مكتبه صورة وزيره معزوما علي مائدة رجل الأعمال هذا.
ولا شك أن الظروف المادية للسادة الوزراء اليوم لاتقارن بظروف نظرائهم في الستينيات حيث كانت الدولة تحاسب الوزير علي ما يتسلمه كل أسبوع من كوبونات البنزين لسيارته الوحيدة ، أما اليوم ففي ظل الخصخصة أصبح الوزير بحكم منصبه رئيساً للعديد من مجالس الإدارات واللجان وهو ما ينعكس عليه في هيئة مكافآت وبدلات مالية تمكنهم من اقتناء القصور علي الساحل الشمالي والمنصورية ولسان الوزراء وغيرها وفي مثل هذه الظروف التي تؤكد التقارير الدولية أن حوالي أربعين بالمائة من الشعب المصري يعيشون تحت خط الفقر ويجدون صعوبة بالغة في تدبير احتياجاتهم الضرورية من مأكل ومسكن وملبس وغذاء وعلاج، وينتظم عشرات الآلاف من الشباب لسنوات عديدة في طوابير طويلة انتظاراً لفرصة عمل ببضع عشرات من الجنيهات لا تسمن ولا تغني من جوع.
في مثل هذه الظروف بالغة القسوة كنا نتوقع أن يضرب الوزراء المثل في الزهد والتعفف أمام كاميرات التصوير علي الأقل حتي لا تنهار مصداقيتهم في قيادة شعب نصف سكانه من الجوعي والفقراء وحتي لا يساهموا في دفع الشباب العاطل بفعل مظاهر الاستفزاز هذه إلي مزيد من الغضب واليأس والإحباط والكفر بالنظام والوطن.
ومن المنطقي أن يري هؤلاء الشباب في مثل تلك الحفلات سبباً كافياً لتفسير كثير من مظاهر الفساد المالي والإداري وظواهر الرشوة والفساد والمحسوبية واستغلال النفوذ.
وإذا كان وقت الوزراء يسمح لهم بالسهر في الحفلات «لوش الفجر» فما بالنا بمواطن غلبان ينتظر توقيعاً من صاحب المعالي ويتلطم لأيام عديدة أمام مكاتب معاليه دون أن يظفر بطائل. ثم يطالع صورته سهراناً حتي الصباح هنا وهناك مبتسماً ابتسامة الواثق بما أدي ماعليه من واجبات تجاه وطنه ومواطنيه، وما بالنا إذا كانت خلفية الصورة تزخر بسيقان ملفوفة وصدور عارية وعيون ناعسة ترفل في الأبهة والترف وفراغ البال.
وقد يتساءل البعض أليس الوزير بشرا يحق له ما يحق لأحد الناس في أداء ما عليهم من ديون ومجاملات اجتماعية.
وهنا لابد أن نؤكد أن الوظيفة العامة كما تتيح لصاحبها ما لا يتاح لعامة الناس من حقوق فإنها تفرض عليهم من القيود مالا يفرض عليهم، فالتقاليد تفرض علي أعضاء النيابة والقضاء مثلا عدم التواجد في الأماكن العامة، وتزخرالتقاليد في البلاد الأوربية بالعديد من الإجراءات التي تنظم علاقة صاحب الوظيفة العامة بالمجتمع بما يتيح له أكبر درجة من النزاهة والحيدة والشفافية، ومن الممكن أن يكون أداء الوزير لواجباته ومجاملاته الاجتماعية في يوم آخر غير يوم الفرح أو في قاعة مغلقة بلا راقصات وبلا تصوير.
وأنا أعرف أن هناك العديد من الوزراء الذين ينأون بأنفسهم عن مثل تلك المهرجانات، ورغم ذلك فإن القانون ينبغي أن يحتاط لمثل تلك الظاهرة الخطيرة وهو الأمر الذي ينبغي أن يتبناه عدد من نواب الشعب الذين يضعون مصلحة الوطن فوق كل اعتبار ولا يخشون في الحق لومة لائم.
فإلي أن يقوم هؤلاء النواب بواجبهم.. هل يتعفف الوزراء؟.

No comments: