جمال سلطان : بتاريخ 10 - 10 - 2007
في حديثه السنوي التقليدي إلى مجلة القوات المسلحة بمناسبة أعياد أكتوبر ، قال الرئيس مبارك كلاما مكررا لدرجة أني أتصور أنه لا يجريه كل عام وإنما يخرج نسخة جاهزة من كلام العام الماضي لإرساله للمجلة ، لأنه طبق الأصل مما قيل سابقا ، وكان من أبرز ما لفت نظري في الحديث الذي اهتمت بنشره أيضا الصحف القومية قول الرئيس الذي تحول إلى مانشيت للصحف القومية (المواطن صاحب الفضل في الإنجازات وآن الأوان ليجني الثمار) ، ولا أعرف لماذا تذكرني هذه العبارة المتكررة من سنوات طويلة في نفس الحوار بأبيات شعرية عربية قديمة يقولها شاعر القبيلة على سبيل الفخر والإدعاء دون أن يكون لها أي ظل من الواقع أو الحقيقة ، فلا المواطن يرى إنجازات وبالتالي فليس له ولا لغيره فضل أصلا ، ولا هو يجد أي ثمار لكي يجنيها سوى القهر والجوع والفقر والمرض ودمار الأكباد والكلى والسرطانات من كل شكل ولون ، منذ أكثر من عشر سنوات والرئيس مبارك يكرر نفس العبارة "... وآن الأوان لكي يجني الثمار" ، وكلما قال العبارة كلما أتت الأيام بما هو أسوأ عليه من المعاناة والغلاء والفقر والاستباحة أمام الجبروت الأمني الحكومي ، حتى كأن لسان حال المواطن البائس أصبح يستغيث : يا ريس لا نريد إنجازات كما لا نريد مزيدا من الثمار الله يخليك ، طالما ان الإنجازات هي نهب المال العام الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ مصر الحديثة ، وتدمير مقومات الوطن الاقتصادية بدم بارد ، وتحويل المؤسسات الوطنية إلى رهينة في يد مجموعات صغيرة من المغامرين الجدد الذين لا يطيقون ضوء النهار ويتفننون في تفصيل القوانين والإجراءات والقرارات لاحتلاب آخر قطرة في دم الوطن ، الإنجازات التي حولت مصر إلى أسوأ موطن للأمراض المدمرة التي لا توجد حتى في دول أفريقيا الوسطى التي تكاد تنعدم فيها الرعاية الصحية ، مثل فيروس الكبد الوبائي ، حيث نسب الإصابة والموت به في مصر لا مثيل لها في العالم كله ، ومرضى الفشل الكلوي والإصابات المدمرة بالسرطانات المختلفة بالملايين ولا يخلو بيت واحد في مصر من نكدها وبؤسها تقريبا ، وأما الثمار التي آن الأوان لكي يجنيها فهي ما تقرؤه في وجوه المصريين من بؤس وشقاء ومعاناة ، والمؤلم أنها تتزايد عاما بعد عام وبدون أي أمل في الحياة الكريمة ، وأما المواطن صاحب الفضل في الإنجازات فهو الذي تدهسه آلات القمع في أي موقف يسوقه حظه العاثر فيه أن يصطدم بجهاز أمني رسمي ، فالثمار هي عشرات الآلاف من المعتقلين الذين ضاعت أعمارهم خلف أسوار السجون وظلماتها بدون ذنب ارتكبوه ، ودمرت حياة ملايين إلى جوارهم من أزواجهم وأبنائهم وآبائهم وأهليهم ، المواطن صاحب الفضل في الإنجازات هم ملايين المصريين الذين سدت في وجوههم كل فرص العمل الكريم في وطنهم فهاجروا إلى الخليج أو أوربا بحثا عن "إنجازات" أخرى يفيضون بها على أوطان بديلة ، وبعضهم يغامر في مياه البحار وهو يعلم أنه قد يموت ، بل مات منهم المئات فعلا غرقى ، من أجل الفرار من جنة الإنجازات والفرار من الثمار المرة التي آن الأوان لكي يجنوها في مصر ، خلاص يا ريس ، كفاية إنجازات ، وكفاية ثمار !
Saturday, October 13, 2007
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment