عباس الطرابيلي
أتمني أن تدخل الحكومة معي في رهان.. هو أن تذكر لنا اسم مشكلة أو سلعة نجحت في مواجهتها. وأمامنا الدليل.. من الأسمنت إلي حديد التسليح إلي الدقيق إلي السكر.. بل وإلي مياه الشرب.. ورغيف العيش.. وآخر هذه البلاوي التي استسلمت لها الحكومة: بلوة زيت الطعام. وللأسف فإن أزمة الزيت لم تفاجئ الحكومة.. فهي تعلم حجم الاستهلاك.. وحجم الإنتاج.. وبالتالي حجم الاستيراد.. ولم تفكر في مواجهة الأزمة من سنوات
.. وأذكر هنا حكاية كان بطلها العصامي المصري العظيم: عثمان أحمد عثمان.. عندما قرر التوسع في زراعة الذرة وبالذات من منطقة الصالحية.. وأدخل هو وشقيقه وباقي الأسرة العظيمة نظام الري بالبقوت أي الري المحوري لزراعة كميات كبيرة دون فقد كميات كبيرة من مياه الري.. وكان هدفه المساهمة في إنتاج السكر والجلوكوز.. وزيت الطعام.. ولكن المشروع- لأسباب لا داعي لذكرها الآن- تعثر وانتهي هذا الحلم الجميل بسبب سطوة البعض.. وطمعهم!!
** والذي يتابع اعلانات التليفزيون يعتقد أن مصر بلد منتجة للزيوت: عباد شمس. ذرة نخيل.. بينما نحن نستورد أكثر من 90% من استهلاكنا من الزيوت.
وهنا نتساءل: ما الذي أدي إلي تزايد الفجوة بين إنتاج واستهلاك الزيوت في مصر.. ولا تقول لي: زيادة عدد السكان.. ولكنه غياب الدراسة والتخطيط والتنفيذ بين ما ننتج.. وما نستهلك.. وتعالوا نغوص أكثر في أعماق المشكلة.
** قبل زيت عباد الشمس وزيت الذرة كانت مصر تعرف زيت السيرج. وهو ينتج عن عصير السمسم، أكثر منتج من حيث الحجم.. وكانت معاصر السمسم »السيرجة« تملأ شوارع وحواري مدن مصر وقراها: وللأسف اقتصر استغلالها للسمسم علي انتاج الطحينة.. والحلاوة الطحينية.. ونسيناه كمنتج للزيت.. وكانت مصر مشهورة بإنتاج السيرج.. وكنا أيضا نأكل آخر منتجات العصير وهو »الكسبة« مثل الغموس!!
** وعرفت مصر الزيت الفرنساوي.. وهو نتاج عصر بذرة القطن.. وكان هو المنافس الأساسي للسيرج »أي الزيت البلدي« وكان الإنتاج عظيما لأن إنتاج مزارع القطن كان عظيما.. ثم انهارت صناعة زيت بذرة القطن بانهيار زراعة القطن. وخسرنا الكثير كزيت.. بل وخسرنا »الكسب« الذي كنا نتتجه من آخر مراحل عصر البذرة.. ونقدمه علفا للحيوانات من أبقار وجاموس فضلا عن خسارتنا للقطن نفسه..
** وعرفنا الزيت الحار، وهو ناتج عن عصر بذرة الكتان وكان يفضل استهلاكه شتاء. ولكن إنتاج وزراعة الكتان انهارت هي الأخري، فخسرنا الكتان كواحد من أهم الأقمشة التي عرفها المصري منذ العصر الفرعوني.. وكانت أتواب الكتان هي أفضل شيء عند المصري: في الحياة.. وفي لف الجسد بعد تمام تحنيطه.
وانتهي أيضا عصر الزيت الحار.. إلا فيما ندر.
** وعرفنا الزيت الطيب الذي ينتج من عصر الزيتون.. وكان أيضا من أقدم ما عرف المصري من زيوت!! بفضل جودة زراعة الزيتون في الاراضي الرملية في سيناء.. وفي واحة الفيوم وفي سيوة والوادي الجديد، وعلي طول الساحل الشمالي الغربي ورغم جودة بل امتياز- زيت الزيتون المصري، الا اننا نجد ان مصر غارقة في الزيت الايطالي واليوناني والاسباني والتونسي!!
** وعندما نفذنا مشروعات جديدة في مناطق جديدة: في شرق العوينات وفي توشكي وفي طريق اسكندرية الصحراوي وصحراء الاسماعيلية قالوا لنا اننا سنزرع مساحة كبيرة من هذه الاراضي الجديدة بما يوفر لنا احتياجاتنا من الزيت.
ولكن يبدو أن مافيا مستوردي الزيوت هزموا الحكومة.. وحطموا الحلم المصري في أن نقلل اعتمادنا علي الاستيراد.. وهكذا نجح المستوردون- في حكومة رجال الأعمال- في تصاعد فجوة الزيت في مصر.
** كيف نحقق الحلم.. أم أن قزازة الزيت هزمت الحكومة؟!
Sunday, October 28, 2007
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment