بقلم سلامة أحمد سلامة
تطلب بعض السفارات والهيئات الأجنبية من موظفيها في القاهرة, الالتزام بقضاء أجازة آخر الأسبوع أو كلما سنحت الظروف خارج المحروسة التي لم تعد محروسة, بعيدا عن التلوث والهواء الفاسد والقذارة التي تقلل من قدرتهم علي العمل, وتختصم من أعمارهم, وتعوضهم دولهم عادة بزيادات معقولة في مرتباتهم لقاء مخاطر الخدمة في مصر.
وما يفعله الأجانب المقيمون في هذا البلد, يفعله أيضا كبار المسئولين والأثرياء من الطبقات العليا, بعد أن أصبحت القاهرة من أسوأ الأماكن الصالحة للسكني في العالم, خاصة بعد أن تحولت شوارعها وضواحيها إلي مقالب للقمامة, تولد عشرات الآلاف من الأطنان من المخلفات الصلبة والسائلة, والتي تظل ملقاة علي قارعة الطريق أياما وأسابيع طبعا باستثناء بعض المستوطنات المغلقة علي اصحابها ولا تعرف هيئات النظافة التابعة للدولة, والتي عادة ما تتقاضي مبالغ طائلة(9 جنيهات في المتوسط عن كل وحدة) وسيلة أخري لرفع القمامة إلا بالطرق اليدوية العشوائية... ثم تسرح عمالها للتسول بعد ذلك!!
ومنذ نحو عشرين سنة صدرت قوانين للبيئة ثم انشئت وزارة للبيئة, ولكن ذلك لم يغير شيئا في حياة المصريين, فمازالت مخلفات المصانع ومياه المجاري تتدفق في نهر النيل وتختلط بمياه الشرب, ومازالت المسابك والورش تتزاحم في شوارع العاصمة, ومازالت السحابة السوداء تخنق أنفاس الملايين كل مساء, ويتكرر الحديث عن حرق قش الأرز وتقديم المزارعين لمحاكمات صورية, دون أن تهيئ لهم السلطات أية بدائل فنية وعلمية لتدويره وتصنيعه كما تفعل سائر دول العالم, ومازالت عشرات البعثات تذهب إلي المؤتمرات الدولية في اليابان وألمانيا والصين وغيرها للاستفادة من التكنولوجيا الجديدة في معالجة المخلفات والتخلص منها دون جدوي, ومازالت المنح والمعونات تهبط علي مصر بالملايين للحفاظ علي البيئة أيضا دون جدوي.
ولم تعد المشكلة مقصورة علي ذلك, فقد أدي الإهمال الشديد في توعية الناس والتخلف المعيب في تطبيق الأساليب الحديثة لجمع القمامة وتدويرها والتخلص منها إلي تفاقم ظاهرة انتشار الفئران والجرذان والحشرات والهوام من الناموس إلي الذباب, ويكفي أن نعلم طبقا لدراسات موثقة أن شوارع وبيوت القاهرة يمرح فيها أكثر من100 مليون فأر, أي بمعدل خمسة أو ستة فئران لكل مواطن, يشاركون المصريين أرزاقهم ويستهلكون30% من إنتاج الغذاء.
ما لم يهتم به أحد هو أن نوعية الحياة في مصر تدهورت بدرجة مخيفة, رغم ما تحقق خلال السنوات الأخيرة من زيادة الدخل القومي ومعدلات الإنتاج والاستثمار, بل أصبحت مشكلة كل مصري هي أن يجد الطريقة المثلي للتعايش والتكيف مع مصادر التلوث, وسوء التهوية والتغذية والضوضاء وانتشار التسول وعدم الاكثرات بالنظافة داخل البيت وخارجه.
ويبدو أن مفهوم التكيف هنا هو التعود علي مداومة النظر إلي القبح, والقدرة علي العيش جنبا الي جنب مع ما يلفظه الشارع من مخلفات وما تلقيه البيوت من قمامات, وما يسلطه عليك جيرانك من إزعاج وضوضاء... فلا تشتبك مع أحد, ولا تشكو من مخالفة أو قذارة, لأنك تعلم أنه لا جدوي ولا فائدة, ولا من سميع أو مجيب.... وهي الدرجة التي تصبح ذهنية التعايش مع التلوث والقمامة وانعدام النظافة جزءا من التراث أو جزءا من الحالة النفسية لشعب بأكمله.. وهذه هي القضية الحقيقية في حماية البيئة.
Wednesday, October 24, 2007
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment