Tuesday, October 30, 2007

يسقط العلم ويحيا الاستعراض

محمد أبوالغار
إنه من المذهل أن تتصرف الدولة المصرية بأكملها وعلي جميع مستوياتها بهذه الطريقة تجاه التعليم ومستقبله في مصر. إذا تغاضينا عن بدايات النهضة في اليابان ومصر في عهد محمد علي، وانتقلنا إلي أربعينيات وأوئل خمسينيات القرن الماضي فإن مصر والهند ابتدأتا ثورة تعليمية مستقبلية وتذكرون جميعا أنه في هذه الفترة أنشئ المركز القومي للبحوث ومركز بحوث الطاقة النووية وأنشئ أول مفاعل ذري مصري وخرجت البعثات المصرية شرقا وغربا في العلوم والرياضيات والكيمياء والزراعة وبدأ التفكير في تطوير الجامعات المصرية التي كان بها فطاحل من العلماء ذوي المستوي العالمي.
وكانت مشكلات الهند أكبر وأصعب بسبب التعداد الكبير للسكان وتعدد العرقيات والأجناس والأديان. انظر ماذا حدث! انهارت الجامعات المصرية وأصبح المركز القومي للبحوث مكدسا بعقول مصرية لا تستطيع أن تفعل شيئا وانهارت هيئة الطاقة الذرية، وأصبح القسم الوحيد للهندسة النووية في جامعة الإسكندرية لا يلقي إقبالا، ومشروع الضبعة علي وشك التحول إلي منتجع سياحي،
بينما أصبحت الهند قوة علمية كبري بها المصانع العظيمة والأبحاث العلمية الجبارة، وأصبحت من أكبر الدول المنتجة لتكنولوجيا المعلومات والكمبيوتر خلال عام ٢٠٠٧ وحتي شهر أكتوبر كانت الاستثمارات العالمية الجديدة في الهند ٢٩ مليار دولار واستثمارات الهند في الخارج ١٨ مليار دولار، بالإضافة إلي أضعاف ذلك من استثمارات محلية وهو شيء خيالي بالنسبة لحجم الاستثمارات المصرية والأجنبية في مصر هذا هو النتاج الحقيقي للبحث العلمي والتصنيع الجاد.
كل مشروعات السياحة المصرية الحالية والمستقبلية لا تساوي قطرة من إنتاج الهند الثابت المتنامي الذي لا يمكن أن ينهار بسبب حادثة إرهاب.
وللأسف الشديد فإن الدولة المصرية البائسة قصيرة النظر لا تفكر في المستقبل، لقد تقدم د. أحمد زويل بمشروع جامعة علمية بحثية تكون نواة لإنتاج علماء مصريين وطنيين وقام مفيد شهاب وزير التعليم آنذاك بوضع حجر الأساس للمشروع الذي تحول إلي مقبرة للعلم لأنه لا أحد يريد هذا المشروع الذي لن يكون لقمة سائغة يعين فيه من يريد ويرقي فيه من يريد وليس عند أي من المسؤولين من التفكير العلمي ما يفيد ولن يكون مكانا مناسبا للاحتفاليات والمنظرة.
كل وزراء التعليم الذين تربوا في حضن السلطة همهم الأول هو المحافظة علي الكرسي والتسلط علي مرؤوسيهم، أما مستقبل الأجيال القادمة فلا يهمهم في شيء، وبينما نحن نصدر العمالة غير المدربة بمرتبات متدنية في الخليج تصدر الهند العمالة المدربة المنتظمة للخليج، أما كبار الباحثين ومطورو برامج الكمبيوتر فيصدرونهم إلي أمريكا، وفي السنة الأخيرة بدأ الهنود في العودة لبلدهم للعمل هناك لأن الفرص أصبحت أكبر والمرتبات ارتفعت ووصل الأمر الآن إلي أن أصبح أهم موقعين علي الإنترنت وهما ياهو وجوجل يعملان ويطوران من الهند وبهما مئات المبرمجين والباحثين.
تقدمت الهند بالديمقراطية والبحث العلمي الذي طور الصناعة الهندية وتخلفنا لأننا تخلينا عن الديمقراطية ونسينا العلم وركزنا علي الهمبكة والمنظرة.كلنا قرأنا ما كتبه الأستاذ المحترم لبيب السباعي رئيس صفحة التعليم في الأهرام وما قاله د. محمد غنيم مرارا وتكرارا وما كتبه حديثا الأستاذ مجدي مهنا عن الجامعة العلمية الجديدة في السعودية، ولكن لا أحد يفكر في المستقبل ولا أحد يأخذ الموضوع بجدية.
انظر مثلا إلي مكتبة الإسكندرية وهي مشروع حضاري جيد ويبذل فيه مجهود فقد أصبح في نظر الدولة واجهة العلم ومستقبل مصر، ولكن في حقيقة الأمر فإن هناك الكثير من الأمور المظهرية والاستعراضية والفخفخة التي تتكلف الملايين، مثال علي ذلك دعوة ٣٠٠ شخصية من الخارج لحضور الاحتفال بمرور خمس سنوات علي افتتاح المكتبة،
وفي النهاية لن تتقدم مصر ولن يرتفع مستواها العلمي والاقتصادي والصناعي بمشروعات المكتبة، ولكنها سوف تتقدم بمركز زويل العلمي والقواعد العلمية القوية في جامعة الإسكندرية والجامعات الأخري، ويبدو أن هناك توجها واضحا لدي الدولة الآن بأن المكتبة هي كل شيء وهي المستقبل وسوف تبتلع الجامعة والأرض والمدينة كلها بالفنادق الكبيرة وليحي الاستعراض وليسقط العلم والتكنولوجيا والبحث العلمي والمستقبل.

No comments: