Wednesday, October 17, 2007

أيها الوطن الغشّاش


د. نصار عبدالله
17 - 10 - 20

لماذا نلوم الطالب الغشاش ولا نلوم الوطن الغشاش ؟ ... منذ أكثر من ثلاثين عاما، وعندما كانت بلادنا لم تدمن الغش بعد، أوعلى الأقل لم تكن تدمنه على نحو ماهى الآن ،... كانت أعلى كليات القمة حينذاك تقبل الحاصلين على الثانوية العامة بمجموع يقل كثيرا عن ثمانين فى المائة ، وكان أوائل الثانوية العامة أنفسهم لا يصل مجموع درجاتهم إلى تسعين فى المائة إلا فى حالات نادرة جدا، وعلى سبيل المثال ففى العام الذى التحقت فيه بالجامعة ( عام 1962 ) ،كانت كليتا القمة هما : الفنية العسكرية، والإقتصاد والعلوم السياسية وكانتا متساويتين فى درجات القبول من طلاب القسم العلمى ، حيث إن كلا منهما كانت تقبل الحاصلين على 75% ، تليهما بعد ذلك بمجموع أقل سائر كليات الهندسة فى الجامعات المصرية المختلفة ،ثم بعدها كليات الطب!! ... فى ذلك الوقت كانت الإمتحانات لا تقيس القدرة على التحصيل فحسب ، ولكنها كانت تقيس أيضا القدرة على الهضم والتمثل والإبداع والإبتكار ..بحيث يستحيل على طالب لا يتمتع بكل هذه القدرات أن يكسر حاجز السبعين أو الثمانين فى المائة!! ، .. ومع مضى الوقت تحول التعليم إلى عدد من القوالب الجاهزة والنماذج المكررة المحفوظة التى يقوم بتلقينها للطلاب متعهدو الدروس الخصوصية ، وقد كان هذا فى حده كارثة ، غير أن الكارثة الأفدح هى أن المسئولين الحكوميين قد استجابوا لهذا الوضع الكارثى، وقاموا بتكريسه وإضفاء المشروعية عليه، عندما أصبحت الإمتحانات لا تستهدف إلا قياس القدرة على حفظ النماذج الجاهزة سلفا، وعندما كان يحدث فى بعض السنوات أن يشذ عن النماذج المحفوظة أى امتحان من الإمتحانات يحاول أن يقيس أية قدرة إبداعية للطالب، كان يواجه بثورة عارمة من أولياء الأمور من ناحية ومن تجار الدروس الخصوصية من ناحية أخرى بدعوى أنه صعب أو أنه خارج المقرر، والغريب أن الوزارة كانت دائما تعتذر عن مثل هذا الإمتحان (وكأنها قد ارتكبت إثما) ، وتتعهد بعدم تكرار هذا الأمر مستقبلا ( أى أنها تتعهد للمواطنين، وللمدرسين الخصوصيين أيضا ، تتعهد لهم جميعا بعدم العودة إلى الحق أوالتزام ما ينبغى أن يكون ) !!...وعلى مدى السنين الثلاثين الماضية أصبح من الواضح أن الجميع بلا استثناء يفضلون العاجلة على الآجلة ، ...أولياء الأمور من ناحيتهم ـ وهذا طبيعى ـ يريدون لأبنائهم أن يحصلوا على مجاميع مرتفعة بأى شكل من الأشكال حتى يضمنوا لأبنائهم مكانا فى الجامعة ، وتجار الدروس الخصوصية يريدون أن يضمنوا دوام الرواج لبضاعة النماذج الجاهزة ، والوزارة تريد أن تضمن رضاء أولياء الأمورحتى لا تجلب لنفسها وجع الدماغ والمتاعب ، الجميع يفضلون مصالحهم الشخصية العاجلة حتى لو دفعوا ثمنا لها مستقيل مصر بأكملها ونادرا ما كان يتوقف واحد من هؤلاء لكى يسأل نفسه : هل ارتفع مستوى التعليم فى بلادنا إلى ما يقرب من حد الكمال بدليل أن الكثيرين من الطلاب يحصلون على 99،9% ، أم أن المسالة فى جوهرها لا يعدو أن يكون شأنها ( شأن مسائل أخرى كثيرة) مجرد خداع للنفس وغش لها ؟ ... لماذا إذن نلوم الطالب الغشاش ولا نلوم الوطن الغشاش ؟؟


No comments: