عبد الباري عطوان
بعد ستة وعشرين عاما من الحكم، والخطط الخمسية والاصلاحات الاقتصادية المزعومة والتبشير بتحسين مستوي المعيشة، دعا المسؤولون في الحزب الحاكم في مصر، وعلي رأسهم السيد جمال مبارك نجل الرئيس والحاكم الفعلي للبلاد، الفقراء، وهم الاغلبية العظمي، الي التحلي بالصبر.لم يحدد حيتان الحزب الحاكم، وهم يشاركون في المؤتمر التاسع للحزب الوطني الحاكم، ماهية سر المعجزة الذي اكتشفوه ليحققوا به الرفاهية المنشودة لهذا الشعب المكافح في سنوات قليلة بعد عجز مستمر لستة وعشرين عاما، ولا نعرف ما اذا كانوا سيتخذون قرارا في ختام مؤتمرهم بتوزيع لوحات مبروزة علي المواطنين تتضمن القول المأثور الصبر مفتاح الفرج لكي يعلقوها في مكاتبهم وحجرات نومهم وفي الميادين العامة.السيد جمال مبارك، اكد في خطابه الذي القاه امام اعضاء المؤتمر الذين صفقوا له واقفين، بان المرحلة المقبلة ستشهد اهتماما بقضايا الفقراء، وايجاد فرص عمل للشباب، وتحقيق العدالة في توزيع الدخل والاستثمارات، وتحسين الاوضاع الصحية والتعليمية.كلام جميل لكن لا احد يصدقه او يستمع اليه اصلا، فضلا عن انه ليس جديدا علي الاطلاق، وجري تكراره علي مدي الاعوام العشرين الماضية، ومع ذلك تزداد الهوة بين الفقراء والاغنياء، وتفيد الاحصاءات ان عشرين في المئة من ابناء الشعب المصري يعيشون علي اقل من دولار في اليوم اي تحت خط الفقر بمراحل.صحيح ان معدلات النمو الاقتصادي التي يتباهي بها الحزب الحاكم بلغت سبعة في المئة سنويا، وهي نسبة عالية، ولكن الصحيح ايضا ان المستفيدين من هذا النمو فئة تمثل واحدا في المئة من ابناء الشعب المصري، بنوا جمهورية خاصة بهم داخل البلاد، تتعامل بالدولار، وتستنكف عن التعامل بجنيه الفقراء، وتذهب الي مطاعمها وانديتها ومدارسها الخاصة بها، تماما مثل مقاطعات العنصريين البيض في جنوب افريقيا.منظمة الشفافية الدولية، نقلت مصر من المرتبة 70 الي ما فوق المئة، وهي نسبة متدنية جدا تقترب من مراتب الدول الاكثر فسادا في العالم مثل العراق وبنغلادش ونيجيريا. وللمصادفة تزامن استشراء الفساد مع الهجمة علي حرية الصحافة.معضلة الحزب الحاكم في مصر انه حزب لا يملك رؤية ، للحاضر او المستقبل، للداخل او الخارج، ولهذا تتقهقر مكانة البلاد وتتفاقم ازماتها. نفهم لو ان فقدان الدور الخارجي جري تعويضه بازدهار داخلي، وتحسين الظروف المعيشية للمواطن، ولكن المأساة ان الانهيار يسير في كل الاتجاهات الداخلية والخارجية، والحكومة مشغولة في تعميم سياسات التعتيم، وحجب الحقائق عن المواطن من خلال تكميم الحريات الصحافية، ولهذا احتلت مصر المكانة رقم 146 علي صعيد الحريات الصحافية عالميا، اي اقل بثلاث درجات عن بورما.
في ندوة اقتصادية لخصت رئيسة فنلندا تجربة بلادها، والمكانة الاقتصادية المتقدمة التي حققتها، في جملة بسيطة ان لجنة السياسات الاستراتيجية فيها، توصلت الي نتيجة مفادها ان هذه الدولة الصغيرة المعدومة الموارد تماما، لا يمكن ان تتحقق الا من خلال تحقيق هدفين، الاختراع و المنافسة ، وللوصول اليهما لا بد من ثورة في التعليم وتشجيع الابحاث والدراسات العلمية، وتربية اجيال جديدة مبدعة في مختلف المجالات.
عدد سكان فنلندا خمسة ملايين نسمة، وحجم صادراتها (70 مليار دولار) يفوق صادرات الدول العربية غير النفطية مجتمعة، وانتاجها القومي 175 مليار دولار سنويا، ولا يوجد شخص في العالم لا يعرف نوكيا الاختراع الفنلندي الاعظم للهواتف المحمولة، ويحتل اقتصادها مرتبة الثلاثين علي مستوي العالم. وفي وزاراتها 12 امرأة من مجموع 20 وزيرا.
ابداع الحزب الحاكم في مصر يتركز حول المسألة الاهم وهي كيفية التمهيد لعملية التوريث، اي ان يرث الابن الأب، في حياته او بعد مماته، ولهذا خرج كهنته باختراع جديد اسمه الهيئة العليا ، تكون مهمتها اقتراح اسم شخص لخوض انتخابات الرئاسة المقبلة ممثلا عن الحزب. وعززوه باقتراح آخر، اي تقليص فترة انعقاد المؤتمر العام من خمس سنوات الي اربع، بحيث ينعقد المؤتمر العام المقبل للحزب قبل عام من انتخابات الرئاسة المقبلة في عام 2011. طبعا مرشح الحزب سيكون السيد جمال مبارك وليس والده الذي سيقترب من الخامسة والثمانين، اللهم الا اذا كان سيعيش مثل سيدنا آدم اي لألف عام.النظام الحاكم جرد مصر من جميع ادوارها، مقابل مساعدة سنوية امريكية مقدارها نحو ملياري دولار باتت سيفا مسلطا علي رقاب المصريين تشل بلادهم العملاقة، وتمنع حراكها، ودون ان يستفيدوا منها، لان معظم هذه المساعدات هي عسكرية، تستفيد منها الشركات ومصانع الاسلحة الامريكية.مصر الدولة العملاقة انسحبت كليا من دائرة الفعل السياسي في المنطقة، لحساب قوتين رئيسيتين هما ايران وتركيا، فلا دور لمصر في امن الخليج، ولا نفوذ لها في العراق، وحضورها مؤتمر دول الجوار العراقي في اسطنبول الذي اختتم اعماله امس الاول كان هامشيا، وتقزم دورها في الملف الفلسطيني في كيفية احكام اغلاق معبر رفح، وكشف الانفاق المستخدمة لتهريب الاسلحة لرجال المقاومة. اما دورها في دارفور فهو مثل خيال المآتة او Scare crow، واصبحت ليبيا تملك نفوذا في القارة الافريقية بل والجوار المصري نفسه اكثر من مصر، صاحبة الدوائر المعروفة، العربية والافريقية والآسيوية.نهوض مصر من كبوتها لا يتم بسياسات الوعود التخديرية للفقراء بالصبر، والحديث عن اصلاحات اقتصادية لم تعط ثمارها لمن يستحقها، وانما باستعادة دورها الاقليمي والدولي، وفق رؤية داخلية وخارجية واضحة.الشعب المصري علي درجة كبيرة من الذكاء، ويملك رصيدا حضاريا ضخما، ولذلك لن تنطلي عليه مثل هذه الالعاب البهلوانية. انه شعب يملك صبر الجمال، ولكنه اذا ثار لن يوقفه احد، وسيجد مؤسسته العسكرية تقف الي جانبه، بل وربما امامه، تقوده الي درب الخلاص مثلما فعلت في مرات سابقة بعد ان أفرغ التـــزوير عملية الدمقرطة المزعومة من كل معانيها.
Monday, November 5, 2007
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment