Saturday, November 3, 2007

المشروع النووى كلاكيت ثانى مرة

د. يحيى القزاز

يا لسخرية القدر يتحدثون عن مشروع نووي ويعجزون عن إنشاء مشروع لتصنيع القطن ومنتجاته، ومشروع لتصنيع المنتجات البترولية في مصر، يبيعون البترول والقطن كمواد خام، ويدمرون مصانع الغزل والنسيج ويشردون عمالها، ويمدون الكيان الصهيونى بالغاز المصري بأسعار الماضي الزهيد ولمدة عشرين سنة قادمة. أي مشروع يتحدثون عنه
في تمام الساعة الثانية عشرة وثلث بتوقيت القاهرة ظهر يوم الاثنين الموافق 29 اكتوبر 2007، فوجئت بإعلان خبر على شاشة "قناة الجزيرة": "الرئيس مبارك يعلن البدء بإنشاء محطات نووية للاستخدامات السلمية"، استفزني الخبر، وبرغم تأهبي للذهاب للخروج من المنزل في ظرف عاجل لا يستحق التأخير، وجدت نفسي أجري إلى تجريد سلاحي من غمده (الكمبيوتر الخاص بي) لاستخدامه، وكتابة تعليق بسرعة.
أولا طريقة الإعلان تنم عن طريقة استبدادية وأحادية في اتخاذ القرارات المصيرية، فتلك القرارات تأتى بعد أبحاث علمية ودراسات وافية من علماء في الجامعات والمراكز البحثية، الأمر الذي لم يحدث.
ثانيا: الابن "جمال مبارك" أعلن العام الماضي 2006 في مؤتمر "الحزن الوطني" الثامن قيام المشروع النووي المصري (محطات نووية)، واليوم يعيد والده نفس الاسطوانة، وكأنها اسطوانة وحيدة في جعبة النظام الحاكم، وأن مشاريع الطاقة النووية في بلادنا تبدأ بمجرد الإعلان من أفواه الرؤساء، ففي كلامهم الخلطة السحرية وقوة مفعول بدء المشروعات النووية وتنفيذها، ويجهلون أنها نتاج أبحاث علمية سرية طويلة تدوم لعقود كثيرة في ظل أنظمة وطنية وليست عميلة.
ثالثا: واضح أننا أمام مشروعين نوويين؛ مشروع الرئيس الفعلي "جمال مبارك"، ومشروع الرئيس الصوري "حسني مبارك"، وفي الأنظمة الديمقراطية تكون الشفافية هي الفيصل في أي ممارسة، فهل أنجزنا المشروع الأول "مشروع الابن"، والآن بصدد مشروع آخر لمبارك الأب
رابعا: ما يحدث من الرئيسين (الفعلى والصوري) استخفاف بعقول الشعب المصري ودغدغة لمشاعرهم الراغبة في امتلاك قوى نووية تحفظ لهم كرامتهم وتدرأ عنهم الخطر الأمريكي والإسرائيلي. تكرار التصريح في موضوع هو أمنية الشعب نوع من المزايدة لا محل لها من الإعراب على قوى وطنية لا تملك ترف التصريحات.
خامسا: في نظام يستمد قوته من خارج حدوده (أمريكا وإسرائيل)، نظام يبيع قطاعه العام وأرضه وعرضه وثقافته وجامعاته، ويعهد لمشاريعه العلمية والتعليمية للقطاع الخاص من جامعات خاصة .. أمريكية وبريطانية وسوفيتيه وإنجليزية وغدا بوركينا فاسوية .. وهلم جرا، هل يمكن البدء في مشروع نووي حتى وإن كان للاستخدامات السلمية، وعندما يلغى التعليم وتتقلص ميزانية البحث العلمي، وتكون المكافأة جزاء على ولاء أستاذ الجامعة للسلطة وليس على بذله الجهد وتقدمه للبحث العلمي.. هل يمكن أن تكون هناك نهضة علمية تؤدي إلى إنشاء مشروع "تقطيع خشب" وليس مشروعا نوويا، وهل تسمح إسرائيل وأمريكا بهذا المشروع لمصر المجاورة للعصابات الصهيونية.
أعرف أن المشاريع العملاقة الضخمة تبدأ فكرتها كحلم، وتعمل القيادات السياسية المخلصة على تحقيقها، وفي حال كحالنا ونظام كنظامنا أتحدى أن يقوم مشروع نووي، وأتمنى أن يخيب ظني وأدفع عمري ثمنا على مقصلة في ميدان عام ويصدق حلم الرئيسين (مبارك وابنه)، فحياة الوطن وتحقيق مشاريعه العملاقة أغلى وأهم عندي من حياتي ومن مشروعاتي.
سادسا: بالرغم من محاولة التأكيد على عدم تغيير موقع "الضبعة" النووي إلا أنني ومن واقع خبرتنا بنظام لايفي بعهد ، ولا يصدق في وعد، وينفي ما يؤكده دوما، أعتقد أن الإعلان عن مشروع "مبارك" النووي الحالي القصد منه إلغاء موقع "الضبعة" الحالي المقترح لمشروع نووي "جمال مبارك" وتسليمه للمستثمرين بعد أن كثر اللغط حول صلاحية الموقع للمشروع النووي، فالسياحة عند النظام الحالي وإرضاء رجال الأعمال ناهبي مصر أهم من المشروع النووي لدى النظام. وبالفعل وللأسف وبحكم مهنتي أصبحت هناك خطورة بيئية حقيقة على قيام هذا المشروع في منطقة سياحية أو قريبة من سياحية، وتنامي ظاهرة الاحتباس الحراري التي سترفع منسوب المياه في البحر المتوسط، وإن تغلبنا علميا عليها، فقيام المشروع يتطلب إلغاء المنطقة برمتها من القاموس السياحي مطلقا، بالإضافة لعملية الأمان النووي، والكارثة انفجار مفاعل "تشرنوبل" النووي السوفيتي لا تغيب عنا وعجز العلماء السوفيت عن تفاديها وهم في قمة العلم ونحن على العتبة الأولى في سلم هذا التخصص.
سابعا: الرؤساء لا يعلنون عن أماني بل يقفون في موقع الإحداث يعلنون افتتاح المشروعات، ويرى العالم الاحتفال بالصوت والصورة، وهذا لم يحدث. ولم يعرف التاريخ مشروعا نوويا حقيقيا أعلن عن البدء فيه أو افتتاحه، بل يفاجأ العالم بالمنتج النووي سواء كان سلما أو حربا، أو الإعلان عنه كحقيقة واقعة للتخويف والردع، وكلنا نذكر ما قاله الرئيس الأمريكى "ترومان" للرئيس السوفيتي "ستالين" في اجتماع ضمهما في نهاية الحرب العالمية الثانية لبث الرعب في "ستالين"، قال "ترومان" مخاطبا ستالين: "لقد توصل الأمريكيون لسلاح أكثر فتكا بالبشر"، نظر إليه "ستالين" ببرود قائلا دون اكتراث: "آمل أن يستخدمه الأمريكيون بنجاح". ويرى بعض المحللين أن الهدف من ضرب اليابان بقنبلتين ذريتين أمريكيتين بعد استسلامها هو بث الرعب في الدب الروسي، خاصة إن شخصية "ترومان" كانت ضعيفة، وتحتاج لقوة تعتمد عليها في ومواجهة "ستالين"، وعرفنا فجأة بالمشروع الهندي والباكستاني والإيراني دونما إعلان مسبق من رؤسائهم، وتبقى حالتنا في الكذب والنفاق وخداع الشعب متفردة.
سابعا: أعتقد أن الرئيس مبارك كان يقصد مشروع الحمض النووي لمعرفة وتحديد نسب الأطفال الذين يتنكر لهم أبائهم
ثامنا: أمريكا وإسرائيل لن تمكن مصر من إقامة هذا المشروع وإن تم فإنني أؤكد أنه سيتم لصالح إسرائيل على أرض مصرية
تاسعا: توجد كوادر وطنية تبذل النفس والنفيس من أجل إقامة هذا الصرح، ولكن لا توجد كودار علمية مؤهلة لإقامة مشروع نووي، طبعا الاستثناء موجود والاستثناء لا يفي بغرض إقامة هذا المشروع.
عاشرا: البحث العلمي يترعرع ويزدهر في الجامعات الحرة المستقلة وليست في أقسام الشرطة (حاليا تم تحويل الجامعات إلى أقسام شرطة تابعة لوزارة الداخلية)، ونحن في انتظار إصدار وزارة الداخلية قرارا بتعيين لواءات لرئاسة الجامعات بدلا من أساتذة الجامعات.
حادى عشر: الأنظمة الديكتاتورية والعميلة والخائنة لا تنتج مشاريع نهضوية تقود الأمة للأمام وتنافس الإمبراطوريات، إنها تنتج مشاريع المذلة والعار والتبعية، فنهب الثروة وإنفاقها على ملذاتهم أهم لديهم من إرسال بعثة علمية إلى الخارج، هل حزب فيه رجال دائمو الزواج ويقدمون خاتم خطوبة بملايين الجنيهات في دولة ميزانيتها تعتمد على المعونة الأمريكية تنتج مشروعا نهضويا
ثاني عشر: هيئة الطاقة النووية المختصة بالبحث عن المعادن المشعة اللازمة للوقود النووي تحولت إلى هيئة منتجة للرمل والزلط وتصديره لسنغافورة، وهيئة الطاقة الذرية المختصة بالأبحاث العلمية في مجال الطاقة الذرية، تفرغت لصراعات، وشراء مصادر مشعة من الغرب وتهريبها أو تسريبها، وسبق أن كتبنا عن هذا الموضوع في صحيفة الدستور "المصرية"، والغريب أن الهيئتين "النووية والذرية" خاضعتان لوزارة الكهرباء، هيئات منوط بها إنتاج أبحاث أهم مشروعات القرن تتبع للأسف وزارة الكهرباء ولا تتبع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، التكنولوجيا النووية مشروع بحث علمي راق وليس مشروع شراء غاز لتشغيل ماكينة كهرباء.
ثالث عشر: وباختصار في ظل النظم الديكتاتورية والفاسدة والعميلة والخائنة، وفي تجريف الجامعات من كوادرها العلمية وانهيار العملية التعليمية وقتل البحث العلمي، وتحويل الجامعات إلي أقسام شرطة، وتبعية هيئتي الطاقة الذرية والنووية إلى وزارة الكهرباء لا يمكن أن ينتج مشروعا عظيما بقدرة المشروع النووي المقترح من الرئيس الصوري.
رابع عشر: تكرار نفس المشروع من الابن إلى الأب يؤكد غياب المسئولين عن أداء دورهم الحقيقي، ولسنا بحاجة لتأكيد فقدان ذاكرة المؤسسة الرئاسية بما تصرح. وباعتباري جيولوجي المهنة، أعرف أن أول لبنات المشروع النووي هو تأمين الحصول على المادة الخام (العناصر المشعة) اللازمة لتشغيل المشروع النووي، وهو ما يتطلب تكثيف البعثات الجيولوجية الحقيقية للبحث عنها في الصحراء، وإذا كنا غير قادرين على توفير الاكتفاء الذاتي من القمح فهل يمكن توفير الاكتفاء الذاتي من "اليورانيوم"، وأننا نعتمد في حياتنا على المعونة الأمريكية فهل نستطيع أن نشترى معدنا استراتيجيا أو هل تسمح لنا الولايات المتحدة بإمدادنا ب "اليورانيوم" وجارتنا عصابات صهيونية تحتل فلسطين، ولنا في المشرعين الإيراني والكوري عبرة لما تصنعه أمريكا وإسرائيل بهما. لا تقدم ولا مشاريع نووية سلمية كانت أم حربية في ظل دول ضعيفة ونظام فاسد وعميل وخائن ومزايد، وإن تم إنشاء هذا المشروع فحتما في ظل ظروفنا لن يكون في صالحنا.
خامس عشر: نحن بحاجة إلى إعادة بناء المؤسسات العلمية والبحثية (الجامعات والمراكز القومية للبحوث) ورصد ميزانيات ضخمة لها وإرسال البعثات العلمية الخاصة بالتخصصات النووية ولها أفرع كثيرة مكملة لها، قبل البدء في الإعلان عن مشروع نووي يداعب المشاعر ولا يرقى لحقيقة الوجود الفاعل، وأيضا إعادة النظر في هيكلة وتبعية هيئتي الطاقة النووية والطاقة الذرية، ولا يجب أن نغفل أن موقع الضبعة كان موقعا لمشروع صغير محدود لا يفي بالغرض المطلوب، وأنبه إلى أن الدراسات العلمية يجب وأن تبدأ من الآن في اختيار موقع ضخم لمشروع عظيم يبدأ العمل الحقيقي فيه بعد عقدين أو ثلاثة، يبدأ بالدراسات الجيولوجية والبيئية قبل الإنشاءات الهندسية، وفي هذا كلام يطول. ليس بالأماني تنشئ الدول مشروعاتها، وتسيطر على شعوبها. المشروع النووي منتج علمي وليس منتجا فهلويا.

No comments: