Saturday, November 17, 2007

من يتحمل مسؤولية توشكي وأخواتها؟

أسامة هيكل

لا خلاف علي ضرورة إنشاء محطات نووية مصرية لتوليد الكهرباء. بل إن الفكرة تأخرت كثيرا عن موعدها الطبيعي، الذي كان مقررا له الثمانينيات من القرن الماضي. وليس مهما إذا كان الرئيس مبارك يهدف من قراره إلي السعي لمجد شخصي، أو تسجيل فقرة في سجل التاريخ باسمه، فلا مانع أن يأخذ الرئيس حقه في هذا، مادام أنه الذي اتخذ القرار الاستراتيجي، الخاص بإنشاء المحطات النووية لتوليد الكهرباء.
وليس مهما إذا كانت الفكرة قد نشأت من فكر الرئيس شخصيا، أو من فكر أمانة السياسات بالحزب الوطني. وليس مهما إذا كانت الولايات المتحدة هي التي أعطت الضوء الأخضر لمصر، أو أن مصر هي التي اتخذت القرار أولاً، ثم باركتها الولايات المتحدة. وليس مهما مصدر الوقود النووي المستخدم في المحطات النووية المصرية، أو إلي من سيتم تسليمه بعد تشغيله.
المهم فقط أن الفكرة خرجت.. وأنها أعلنت كضرورة استراتيجية لمصر، في ظل أزمة الطاقة العالمية، المتوقعة خلال السنوات المقبلة والتي ستتأثر بها مصر سلبا.. والمهم أيضا أن تكون الفكرة مدروسة دراسة وافية ومحكمة ودقيقة، وألا تكون مجرد مغامرة فاشلة يصفق لها الناس، ثم لايجدون شيئا في أيديهم مثلما حدث في مشروعات توشكي وشرق التفريعة وشمال غرب خليج السويس.
وقد لفت نظري الأسلوب، الذي ألقي به الرئيس مبارك خطابه يوم ٢٩ أكتوبر الماضي بمحطة كهرباء شمال القاهرة.. فقد أعلن بحزم وحسم ووضوح أنه يتحمل مسؤوليته كرئيس للجمهورية عن هذا القرار الاستراتيجي.. وهذا يعني ببساطة أن الرئيس درس وناقش واطلع علي مختلف الآراء ثم اتخذ القرار، الذي يوصف بأنه استراتيجي، والذي نؤيده تماما.. ولكن السؤال: من الذي يتحمل المسؤولية الوطنية والتاريخية عن مشروعات توشكي وشرق التفريعة وخليج السويس؟
لقد أهدرت مصر مليارات لم يكن الحصول عليها سهلا علي الإطلاق.. وتبين أنها أنفقت علي مغامرات غير محسوبة.. رفضها الخبراء وأعلنوا رأيهم القاطع في هذه المشروعات، وفق دراسات علمية.. ولكن القرار كان متخذا، والتراجع كان عيبا من وجهة نظر الحكومة آنذاك.. وأصرت الحكومة علي التنفيذ.. فجاء الفشل المتوقع وأصبح حليفا لهذه المشروعات، التي لم تضف مليما لخزينة الدولة، وبدلا من أن تكون هذه المشروعات دافعة للاقتصاد المصري، أصبحت عبئا علي الميزانيات المتتالية، وتلجأ الحكومات لتدبير العجز عن طريق فرض ضرائب جديدة علي المواطنين، الذين يعانون أصلا من الغلاء ونقص الرواتب والدخول.. أي أن الفشل يدفع ثمنه المواطن وليس المسؤول عن هذا الفشل.
والتاريخ لا يسجل مرحلة حكومة الدكتور الجنزوري أو حكومة الدكتور عبيد، أو حكومة الدكتور نظيف كل علي حدة.. ولكن التاريخ سيتحدث عن فترة حكم الرئيس مبارك كفصل واحد من فصول هذا التاريخ، تماما كما نتحدث الآن عن حكم الرئيس السادات وحكم الرئيس عبد الناصر.. وربما لن يتذكر أحد اسم رئيس أي حكومة من هذه الحكومات بعد عدة سنوات. ومعني هذا أن كل هذه المشروعات الفاشلة سيتحمل مسؤوليتها التاريخية الرئيس مبارك أيضا.. فهو الذي يتحمل المسؤولية التاريخية، سواء أعلن ذلك في خطاب عام أم لم يعلن.. فهو الرئيس.. ومانعيشه حاليا هو فترة حكم مبارك.. فهل معني إعلان الرئيس مبارك تحمل المسؤولية التاريخية عن إقامة المحطات النووية السلمية أنه يتبرأ من المشروعات السابقة التي فشلت؟
لو كنت مكان الرئيس مبارك لأمرت بالتحقيق فورا مع كل مسؤول أو مستشار أعطاه النصيحة بالدخول في هذه المشروعات الفاشلة مثل توشكي وشرق التفريعة وخليج السويس.. ولو كنت مكان الرئيس لاستبعدت كل مسؤول أشار عليه بزيارة هذه المواقع مرات ومرات لترسيخ علاقته ومسؤوليته عنها.. فتوشكي لم تنتج «خيارة» تسد جزءاً من الفجوة الغذائية في مصر، رغم الإنفاق ببذخ عليها.. ومشروع تنمية شمال غرب خليج السويس لم يؤد إلي تنمية حقيقية رغم وجاهة الفكرة، فقد باعت حكومة الجنزوري المتر الواحد في هذه المنطقة الاستراتيجية بخمسة جنيهات لكل مستثمر.. وبعد أيام قليلة كان يمكن لكل منهم أن يبيع المتر نفسه بسبعين جنيها، ولكنهم لم يبيعوا فالأسعار تتزايد وتتزايد لدرجة صعوبة تحديد قيمتها الفعلية حاليا، ولم يشعر أحد بأي تأثير في الإنتاج الصناعي من هذا المشروع رغم كل الإهدار الذي تم عليه.. وقد تحول هذا المشروع الحيوي لأحد أهم مشروعات تجارة وتسقيع الأراضي في مصر.
لو كنت مكان الرئيس لأمرت بسحب هذه الأراضي التي لم يستثمرها المستثمرون بسبب سياسات حكومية فاشلة علي مدي ١٠ سنوات، وإعادتها للدولة فورا.. فمن بين مسؤوليات الرئيس التي يحاسبه عليها التاريخ، الموارد التي سيتركها للأجيال القادمة حتي يتمكنوا من تحقيق تنمية. وهذه الأرض من حق هذه الأجيال مادمنا لم ننشئ لهم فيها مشروعات تدر عائداً علي الدولة.
بكل أسف، لقد تأخرت خطوة إنشاء محطات نووية لتوليد الكهرباء في مصر.. وقد بحت أصوات الكتاب والصحفيين والمثقفين والسياسيين المعتدلين سنوات طوالا للمطالبة بهذا المشروع الاستراتيجي.. وبكل أسف، فإننا ضيعنا سنوات وأهدرنا مليارات الجنيهات في مشروعات قيل عنها وقت تدشينها إنها قومية.. فمن سيتحمل المسؤولية التاريخية عنها؟

No comments: