Thursday, November 15, 2007

أسوأ مشهد في مصر، ومفتاح فهم طبيعتنا كمصريين

إبراهم عيسى

كيف تعرف مفهوم المواطنة؟
نحن لا نبحث عن المواطنة كمصطلح في قاموس للمصطلحات السياسية، ولكنك تبحث عنه كمصطلح في الحياة اليومية، أن تقف في الطابور فلا يأت من يقول لك أخرج منه، أن ترد عليه أنا مواطن وهذا حقي، إحساسك بأنك شريك في هذا الوطن، ولك قرار ولك صوت ولك حق في هذا الوطن.الحزب الوطني يتاجر دائماً بالحزب الوطني ويرددون المواطنة المواطنة، أي مواطنة يتحدثون عنها، أن أبسط حقوق المواطنة أن أضع صوتي في صندوق الانتخابات يخرج في النهاية صوتي وليس صوتك أنت، أنا أتمكن أساساً من الدخول إلى لجنة الانتخابات، أن نصبح مثل أمريكا لنا ثمن على أساس أننا من دافعي الضرائب.

هل ترى أن المواطن له حقوق لا يستغلها، أم السلطة لا تسمح له باستغلالها، أم أن المعادلة نفسها فيها المعطيين؟
المواطن له حقوق لا يستغلها، وفي نفس الوقت لا يعرف أنها حقوقه، نسى أنها حقوق، أتعرف أبشع ما حدث في مصر هو النموذج الحي في التعايش مع القبح والظلم والمواطنة الناقصة، أن مياه المجاري عندما تطفح أمام بيوتنا كمواطنين، عندما نفشل في إجبار مصلحة الصرف الصحي أو المسئولين لإصلاح العطل، نضع قوالب طوب وأسمنت ونعبر فوقها، وسط نتن الرائحة.هذا هو أسوأ مشهد في مصر، ومفتاح فهم طبيعتنا كمصريين، نقيس على هذه المجاري كل شيء آخر في حياتنا، تعايشنا مع الفساد والاستبداد، نضع طوب ونسير، ولهذا نسينا أن حقنا أن نعيش في حياة بلا مجاري.فالمشكلة أن المواطن المصري لديها حقوق لا يعلمها، وبالتالي لا يمارسها، وإن علمها وحاول ممارستها، تمنعه الدولة عن ممارستها، ولن يمكنه ممارستها إلا إذا انتزعها من الدولة، فهو صراع السؤال هل ستدفع ثمنه؟ هل تريد حقك أركض ورائه، لا يوجد شعب حرر نفسه وهو جالس في البيت.كيف تحرر رومانيا من استبداد تشاوتشيسكو، ذلك المشهد التاريخي، قامت المظاهرة وتوجه الناس إلى القصر الجمهوري، ووقفت الشرطة أمام القصر، تقدمت المظاهرة فجاءت الأوامر بإطلاق النيران، فمات الصف الأول، استمرت المظاهرة، فضربت الشرطة الصف الثاني، فماتوا لكن المظاهرة استمرت، فتركت الشرطة، المسدسات والرصاص، فدخل الشعب القصر وسحلوا تشاوتشيسكو، فالسؤال هل أنت لديك مواطنين متمسكين بحقهم لحد الشهادة والتضحية، الإجابة لا، وربنا يستر وما يحصلش كده.

إذن أنت ترى أن التغيير لن يأت إلا عن طريق الثورة أو إنقلاب؟
الوضع الذي وضعتنا فيه ثورة يوليو يجعلنا نسجد لله لكي لا تحدث ثورات أخرى، أما الانقلاب فأنها مصيبة سوداء أن يطلب شخص حقه بالانقلاب، لأنه تغيير إلى أسوأ، أما المظاهرات فأنها أشياء تجسد المواطنة، تظاهر سلمي، واستجابة الحكومة لغضب المواطن الذي يريد سحب الثقة منها، فتقيم انتخابات مبكرة، وإذا صوت الشعب ضدها تسقط الحكومة وتأتي أخرى يختبرها الشعب، إلى أن يستقر على حكومته المفضلة.

ولكن هل سيمكن للمواطنين التظاهر في ظل قانون الطوارئ؟
هذا هو السؤال الكوني مثل "البيضة هي الأولى أم الدجاجة؟" النظام سيسمح بحرية، أم ستفرض أنت حريتك على النظام، نحن نفعل بعض الوقت، ويفعل بنا بعض الوقت، وهذا هو الضغط والضغط المتبادل، الحراك، والجدل التاريخي، ووسط هذا قد تدخل عوامل أخرى غير موضوعة في الاعتبار مثل عوامل الطبيعة، تسقط الأمطار فتفرق مظاهرة، أو يمرض الرئيس، أو يموت وزير، أو يسقط مواطن بأزمة قلبية أثناء مظاهرة فتنقلب ثورة.هناك ظرف تاريخي يحدث ونحن نمهد له، وهناك مناخ معبأ بالبنزين في مصر، والسؤال هو من أين ستأتي الشرارة التي ستشعل ذلك البنزين، وليس هل هناك شرارة أم لا، السؤال من أين سيحدث، وأخشى أن يكن من خلال الفتنة الطائفية، مصر معبأة بالغاز، تلك السحابة السوداء أراها كالغاز التي قد تشتعل في أي لحظة، وهذا ما لا أتمناه، أن يخرج الغوغاء، لأن مصر لا يوجد فيها تنظيم حزبي واضح مثل وفد ما قبل الثورة، ولا يوجد فيها زعيم سياسي، هناك حالة من النقمة والغضب.أنه شيء شبيه بما كان في أحداث 17 و18 يناير 1981، أو أحداث الأمن المركزي، فوضى تشبه ما حدث في بغداد عقب سقوطها بثلاثة أيام، والدليل الأكيد على ذلك ما حدث في نهائي بطولة الأمم الأفريقية الماضية، لماذا خرج الشباب في شارع الهرم ليحرق السيارات عندما فازت مصر؟ هل هذا تعبير عن الفرح؟ لماذا نرى العنف عند فوز الأهلي على الزمالك أو العكس؟ هذا دليل على أننا نعيش في مجتمع غاضب جداً.

القضاة والدور الذي لعبوه في الحياة السياسية مؤخرا بالإضافة إلى ظهور كليبات التعذيب في الأقسام نقطتان مطلوب منك التعليق عليما؟
الحقيقة أننا حملنا القضاة ما لا يطيقون، وحملناهم فعل ما نريده، والمفروض أنهم يفعلون ما يريدون، فالقضاة ليسوا رجال سياسة، هم موظفون محترمون لديهم ضمير ووعي وعلم، وتعاملنا معهم مثلما تعاملوا مع علي بطل فيلم "عودة الابن الضال" أرادوه أن يفعل لهم كل ما يريدون، حتى جننوا علي، ونحن فعلنا الشيء نفسه، القضاة ضمير علينا الحفاظ عليه، فهم ليسوا رجال سياسة، ولا زعماء تغيير.وأرى أن الصحافة الخاصة لعبت دوراً في تسليط الضوء على هذا الضمير، على الأقل لكي نكشف زيف من ضد هذا الضمير، لنعرف أن فيهم أسماء عظيمة ولامعة قد يصبح لهم شأناً أكبر فيما بعد، مثلاً أنا لا أجد أي غضاضة في ترشيح المستشار هشام بسطويسي لرئاسة الجمهورية يوماً ما، أو زكريا عبد العزيز ومحمود مكي لرئاسة مصر، لأن القضاة والصحافة الخاصة وحركة كفاية لعبوا دوراً كبيراً في قصة كشف عار الدولة.وبالنسبة للتعذيب فهذا كاشف أننا لدينا منهج حكم لإهانة المواطن المصري، وكشفه جاء من خلال التطور، التكنولوجيا خلقت أدلة للتعذيب، فنحن كنا نتحدث عنه طوال الوقت، فبعدما ملكنا الدليل وملكنا من خلال التكنولوجيا أيضاً طريقة نشرها كشف التعذيب، وكأنه شيء جديد، وهو ليس بالجديد، فالنظام المصري يعيش بالتعذيب، وليس السياسي فقط، وإنما الجنائي.لم يعد مقصوراً الأمر على سجناء الرأي من شيوعيين أو إخوان، وإنما اكتشفنا أن من يدخل السجن عرضة للتعذيب، والمصريون يعرفون ذلك طوال عمرهم، فالناس تفتخر دائماً "عمري ما دخلت القسم"، وعندما يتشاجر شخصان لا يبلغون للبعد فقط عن التعذيب.

www.filbalad.com

No comments: