لميس الحديدي
40% من المصريين فقراء.. أو بتعبير أدق هناك واحد من كل 5 مصريين واقع في براثن الفقر.. هذه هي أرقام البنك الدولي في دراسة أخيرة حول تقييم الفقر في مصر في الفترة من 2000 ـ 2005 والذي أطلق الشهر الماضي. الأرقام ليست جديدة علي الحكومة المصرية والقائمين عليها، فالتقرير اطلق بالتعاون مع وزارة التنمية الاقتصادية ـ التخطيط سابقا ـ لكن هل ازعجت تلك الأرقام المسئولين وأرقت مضاجعهم كما كان الأمر مع أولي الأمر في الزمانات، أم أنها مجرد أرقام علي ورق لا تعني لهم الكثير؟! وأظن أن التقرير المهم قد قدم لوزير التضامن الاجتماعي هدية رائعة.. فالدكتور مصيلحي لايزال يحصي عدد الفقراء منذ بدأ عمله في وزارته الجديدة.. يدرس ويدرس ويدرس.. التقرير قدم للوزير خريطة متكاملة للفقر في مصر، ومواضعه، أماكنه، واعداده.. يمكن لوزير التضامن أن يستخدمها ويبدأ أخيرا في عمله الاساسي ألا وهو استهداف الفقر وتوجيه الدعم لمستحقيه. نعود للتقرير الذي اعتبر أن مواجهة الفقر هو التحدي الأهم أمام مصر، فقد قسم الفقر إلي ثلاث درجات: فقر مدقع "لايستطيع اصحابه أن يوفروا اساسيات المواد الغذائية وينفقون فيه أقل من 995 جنيها سنويا وهؤلاء نسبتهم 8.3%" ـ 6.2 مليون مصري عام 2005 بزيادة 31% عن عام 2000 ـ ثانيا فقر تام "ينفق أصحابه أقل من المطلوب لتوفير احتياجاتهم الاساسية"، وتلك هي فئة الفقراء المتعارف عليها وعددهم 6.16 مليون مصري (6.19% من السكان بزيادة نسبتها 17% عن عام 2000). والفئة الثالثة هي فئة القريبين من الفقر "حافة الفقر" وهم من بالكاد ينفقون ما يكفيهم لتوفير الطعام واحتياجات الحياة وهؤلاء يمثلون 5.14 مليون مصري "انخفضت نسبتهم من 26% عام 2000 إلي 21% عام 2005" المجموع إذن 28 مليون مصري من الفقراء يمثلون 40% من السكان. ماذا تعني تلك الأرقام؟ ببساطة تعني أن الفئة الأكثر فقرا كانت هي الأكثر تضررا في السنوات الأخيرة من جراء ارتفاع الأسعار والتضخم وأن الاصلاح الاقتصادي لم يصل توزيع مكاسبه إلي تلك الفئة أو إلي فئة الفقراء بشكل عام.. إلا أن نفس الأرقام تعني أن هناك فئة استطاعت أن تهرب من الفقر "حافة الفقر" وهؤلاء استطاعوا الاستفادة بزيادة فرص العمل وتحقيق معدلات النمو.. "أقل من مليوني مصري". لكن الدراسة تكشف بعد ذلك أن حدة الفقر في مصر قد زادت بشكل كبير كما ازدادت عمقا.. وتقدم الدراسة خارطة مفصلة للفقر في مصر الذي يزداد تركزا في المناطق الريفية عن الحضرية.. وفي الصعيد عن الدلتا (الصعيد يضم 66% من الفقر المدقع، 51% من الفقراء، 31% من هم علي حافة الفقر"، وتتركز جيوب الفقر العميقة في 762 قرية في 3 محافظات هي المنيا وأسيوط وسوهاج. وعلي الرغم من أن التقرير يشيد بمعدلات النمو الاقتصادي الأخيرة وتحسن المؤشرات الكلية ومعدلات جذب الاستثمار، فإنه يقف كثيرا أمام مواجهة الفقر ببرامج محددة تستهدف الفئات الأكثر فقرا.. فعلاج الفقر ـ كما يقول التقرير ـ لايحدث اتوماتيكيا، لكنه يحتاج إلي عمل حكومي جاد لمواجهته وسياسات حاسمة تصل بالدعم والمساعدة لتلك الفئة الأكثر تضررا. ومرة أخري فإن ثمار الاصلاح الاقتصادي لاتزال مقصورة علي الفئات غير الفقيرة.. يراها المسئولون وصناع القرار علي الورق، يقدمونها إلي رؤسائهم ولكنهم لايكلفون انفسهم كثيرا بزيارة واحدة من تلك القري الأكثر فقرا ليعرفوا أن ما يقومون به لايزال محدودا جدا. ويكمن الحل في كلمة واحدة رددها التقرير عدة مرات: مشاركة النمو الاقتصادي.. المشاركة هي الأساس.. عدالة التوزيع هي الحل.. وإذا انتظرنا أن تسقط الثمار وحدها بفعل الجاذبية علي رءوس الفقراء.. فإن ما سيسقط حقيقة هو السماء والبيوت والعشش ليس إلا. الفقر يحتاج إلي برامج بعينها، وعلاج جراحي ناجع.. قبل أن يموت 40% من الشعب المصري جوعا أو كمدا. ورحم الله سيدنا عمر بن الخطاب الذي ما كان ليغفل وفي أمة المسلمين فقير واحد.
Thursday, November 1, 2007
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment