Saturday, November 10, 2007

طمع ما بعده طمع

محمد سلماوى
أتفق تماما مع ما ذهب إليه مفتي الديار المصرية فضيلة الدكتور علي جمعة، من وصف للشباب المصريين، الذين لقوا حتفهم غرقا في البحر بأنهم «طماعون»!!
ذلك أنهم ذهبوا يبحثون عن الرزق بالعملة الصعبة ولم يقنعوا بالعملة الوطنية، كما أعجب من الصحافة التي تهاجم المفتي علي قوله هذا، وتصف الشباب الضحايا بأنهم شهداء، لأنهم تحملوا مشقة السفر في ظروف غير آمنة وغامروا بحياتهم في سبيل لقمة العيش بدلا من أن يمكثوا حيث هم راضين بالهم الذي لا يبدو أنه قد رضي بهم.
لقد كان المفتي في ذلك علي حق تماما، فرغم وجود بعض الأحاديث النبوية التي تشير إلي أن من مات غرقا فهو شهيد، وأخري تؤكد أن من خرج مجاهدا فلقي حتفه فهو شهيد، إلا أن هؤلاء الشباب لم يكونوا يسعون إلا لإيجاد فرصة عمل تدر عليهم بعض الدخل الذي قد يسمح لهم بإعالة أسرهم في مصر، وهذا بالطبع طمع ما بعده طمع، لأن هؤلاء الشباب توفوا طمعا في السفر إلي أوروبا والتكسب باليورو، بدلا من الجنيه المصري، وماله الجنيه المصري؟ أليس كبقية العملات الدولية؟ صحيح أن هؤلاء الشباب لم يكونوا يرون ذلك الجنيه كثيرا، لكن ذلك لا يهم، المهم هو أنه موجود في جيوب آخرين، أما هؤلاء الشباب فأنانيون لا يهمهم إلا أن يدخل الجنيه جيوبهم هم، وهذا طمع ما بعده طمع.
وإذا كان هؤلاء الشباب الذين ماتوا في البحر قنوعين، فقد كانت أمامهم فرص كثيرة في مصر رفضوها جميعا في صلف وعنجهية فارغة، لقد كان أمامهم أولا أن يظلوا عالة علي أسرهم أو علي المجتمع ولا يسافرون بحثا عن الرزق، بعد أن تعذر عليهم الوصول إليه في مصر، ثم كان أمامهم أيضا أن يلجأوا إلي التطرف والإرهاب انتقاما من المجتمع الذي حرمهم من أحد أهم حقوقهم الطبيعية التي نص عليها الإعلان الدولي لحقوق الإنسان، وهو حق العمل، كما كان أمامهم ثالثا أن يتجهوا إلي السرقة أو النصب أو أي من وسائل الانحراف الأخري، التي كان يمكن أن تدر عليهم قدرا لا بأس به من المكسب، وكان أمامهم أخيرا وليس آخرا أن يلجأوا إلي المخدرات كوسيلة فعالة للهروب من مشكلة البطالة والجلوس علي المقهي أو في البيت، كالعانس التي لا يريد أن يتقدم لها ابن الحلال.
هذه البدائل كانت جميعها متاحة في مصر، وقد جربها الكثير من زملائهم الصالحين ولم يلجأوا إلي السفر والمغامرة بحياتهم بحثا عن الرزق كما فعل هؤلاء «الطماعون»! الذين أضم صوتي بكل قوة إلي صوت المفتي الذي هو الضمير الديني للأمة فأدينهم كما أدانهم هو، وأرفض أن يطلق عليهم وصف الشهداء، فالشهادة هي ثمن الجهاد وحده، وهم لم يجاهدوا إلا بحثا عن الرزق الأناني لهم ولأسرهم، وذلك جهاد لا يحسب طبعا، لأن أجره باليورو وليس بالجنيه المصري الذي هو العملة الوطنية، حتي لو لم يدخل جيوب هؤلاء الشباب المنحرفين.
إنني لا أبرئ أيا من هؤلاء الشباب من غرض دفين في نفوسهم جميعا، جعلهم يغرقون بهدف إحراج حكومة الحزب الوطني الذي أقام مؤتمرا علي أعلي مستوي قال لنا فيه وزراء المجموعة الاقتصادية، إن اقتصادنا حقق تقدما كبيرا في الفترة الأخيرة وإن بيوت الخبرة الدولية تشيد ليل نهار بسياسة الإصلاح الاقتصادي التي يتبعونها، والتي دفعت بهؤلاء المنحرفين إلي البحث عن الرزق في بلاد أخري حتي لو عرضوا حياتهم للخطر، لكن هؤلاء الشباب لا يهمهم كل ذلك، وإنما يهمهم فقط أن يجدوا عملا يتكسبون منه، وتلك قمة الأنانية، وهي بالفعل طمع ما بعده طمع.

No comments: