Sunday, November 11, 2007

"نعمين" وحتة

الثابت تاريخياً أن المرجفين الحاقدين على نظام الرئيس حسني مبارك هم، ولا أحد غيرهم، الذين بدأوا (أيام الجنيه الجبس) حملة التشكيك والتساؤلات المستنكرة عن أمارة أو دليل واحد يوحد ربنا على أن حزب الست الحكومة "وطني وديمقراطي"، كما يسمي نفسه، غير أن التاريخ يذكر أيضاً، وبكل أسف أن انكار أي نسب أو علاقة للحكومة وحزبها والنظام كله بالوطنية والديمقراطية سرعان ما شاع وانتقل من القلة الحاسدة إلى الكثرة الغالبة من المصريين.

ولأسباب تعود غالباً إلى فضيلة التواضع وتكبير الدماغ ظل النظام وحزبه سنوات يحجمان عن الرد على هذه التساؤلات الحاقدة بل أكثر من ذلك بديا وكأنهما يتعمدان اتباع سياسات فاسدة واتخاذ مواقف مشينة والاتيان بتصرفات وممارسات يندي لها الجبين ربما إمعاناً في إغاظة وحرق دم الحاسدين. ولكن ولأن حقيقة هذا النوع من الأنظمة وأحزابها هي مثل الفضيحة، لا يمكن أن تبقي مستترة وطي الكتمان طويلاً فقد تكشفت رويداً رويداً الأدلة التي تقطع بأن حزب الحكومة "وطني" جداً قوي خالص فعلاً، فعلي رغم استمرار سياسة تمتين أواصر العلاقات الأخوية مع أمريكا وإسرائيل والإخلاص والتفاني في تقديم الخدمات المجانية لهما حتى قبل أن يطلباها، إضافة إلى ما بذله النظام من جهود جبارة لاتمام خطة هدم وتخريب الاقتصاد الوطني وإعادة تشكيله على هدي الأوامر والمصالح الأجنبية دون أدني اعتبار لمصالح الشعب المصري.. رغم ذلك كله أصبح الآن واضحاً لكل ذي عينين أن التنازل والتفريط في هذه القضايا والأمور التافهة لا علاقة لهما بالوطنية، وإنما هناك أشياء ومواقفأخرى أهم يتجلي فيها الالتزام الحقيقي بشعار "مصر هي أمي". مثلاً.. بدا النظام متولها في حب مصر وميتاً في دباديبها بينما هو يواظب على الوقوف بصلابة وحزم ضد أي تدخل أجنبي في شئون تعذيب المصريين وإهدار كرامتهم وهتك أعراض بناتهم ونسائهم علناً في الشوارع، كما مارس النظام سلوكاً وطنياً متطرفاً حين صمد أمام كل محاولات الأجانب مساعدة الشعب المصري على مقاومة أو الحد من تزوير الانتخابات للحفاظ عليها نظيفة أغلب الوقت من الناخبين (ومن المرشحين أحياناً) لضمان نجاح القطيع "الوطني الديمقراطي" في السطو المسلح على السلطة والثروة في البلاد. وإذا كانت تلك المواقف "الوطنية" الزاعقة قطعت منذ زمن ألسنة المشككين في جدارة حزب الحكومة بمسمي "الوطني"، فإن مسماه الديمقراطي بقي هدفاً لسهام الحاسدين الحاقدين وتريقاتهم، فقد أتي المؤتمر العام التاسع للحزب الأسبوع الماضي بآيات معجزات أثبتت أن الديمقراطية عقيدة راسخة فيه لعل أقواها وأهمها إصرار الرئيس مبارك على أن يجدد رئاسته للحزب المستمرة منذ 62 عاماً عن طريق الانتخاب لأول مرة، بيد أن أدب أعضاء الحزب وحسن تربيتهم جعلت الرئيس مرشحاً وحيداً للمنصب بعدما امتنع أي عضو عن التقدم لمنافسته، ومع ذلك أبدي سيادته إصراراً على تنفيذ خطة تشغيل آلية الانتخاب التي لم يسبق أن اشتغلت في هذا الحزب من قبل، وبالفعل دعي أعضاء المؤتمر الذين قارب عددهم سبعة آلاف شخص للاقتراع على اسم الرئيس والتصويت عليه ب "نعم" أو "لا"، وكانت النتيجة بعد فرز الأصوات أن الجميع قالوا "نعم" لمبارك عدا 9 فقط قالوا "لا" لسيادته. والحقيقة فإن العبد الفقير لله كاتب هذه السطور لم يستطع أن يمنع نفسه من الانبهار بهذا المنظر الديموقراطي الخلاب، لكن وساوس الشيطان عرفت بسرعة كيف تفسد سعادتي فقد عربدت في رأسي ظنون السوء بسبب ما بدا لي من تناقض ظاهر بين امتناع كل أعضاء الحزب عن الترشح أمام الرئيس احتراماً لأصول الأدب والأخلاق الحميدة وبين إقدام تسعة منهم على التصويت ضد تبؤ سيادته منصب رئيس الحزب. وفي البداية قادتني ظنون السوء إلى ترجيح احتمال قيام قيادة الحزب التي تولت الفرز باصطناع هذه النتيجة جرياً على العادة (عادة التزوير) وللإيحاء بأنها انتخابات بحق وحقيقي. لكنني بعدما استعذت بالله من الشيطان الرجيم وأعدت التقليب في الأمر ذات اليمين وذات الشمال اهتديت إلى تفسير منطقي لهذه النتيجة ينسجم مع حقيقة شيوع التربية الحسنة والأخلاق الحميدة في صفوف الحزب وقياداته، ويتلخص في أن أصحاب الأصوات التي احتسبت في خانة من قالوا "لا" للرئيس هم غالباً أعضاء مخلصون جداً لمبارك لدرجة أنهم لم يكتفوا، كباقي زملائهم بنعم واحدة، وإنما من فرط الحماس قالوا "نعمين" أو "نعمين وحتة". ولأن القيادة لا تقل عن هؤلاء التسعة أدباً واستقامة فقد رأت احتساب الورقة التي فيها نعمين على أنها "لا" عملاً بالقاعدة المنطقية القائلة بأن "نفي النفي إثبات" والعكس صحيح، أي أن نعم النعم التي هي نعمين تفعل فعل ال "لا" بدون إحراج أو إساءة أدب!!

No comments: