جمال سلطان
مفارقات غريبة حدثت هذا الأسبوع في ما يتعلق بالمؤتمر العام التاسع للحزب الوطني الحاكم ، تكشف عن مدى الاستهتار بعقول الناس ومشاعرهم ووطنهم وحتى أموالهم ، هل نبدأ بأموالهم ؟ أكتفي بما أقدمت عليه مؤسسة أخبار اليوم أمس عندما نشرت "ملحقا" مجانيا ـ أكرر "ملحقا" ـ للصحيفة يتحدث عن إنجازات الرئيس مبارك بمناسبة ترشحه لرئاسة الحزب الوطني وليس رئاسة الجمهورية ، ملحق أخبار اليوم كان في أربعين صفحة ، أي أنه تقريبا ضعف بعض أعداد صحيفة الأهرام القومية خاصة أعداد وسط الأسبوع ، وحتى لا أدخل القارئ في متاهات فنية وحسابية ، فإن حاصل الكلام أن خسائر مؤسسة أخبار اليوم من هذا الملحق لا تقل عن اثنين مليون جنيه ، تكاليف الورق والطبع والتجهيز وخلافه ، وبعد خصم قيمة بعض الإعلانات القليلة التي تؤخذ بلوي الذراع ، ولو كان الأخ ممتاز القط يدفع المليوني جنيه من جيب أبوه لما أقدم على هذه الفعلة أبدا ، ولو كان يعلم أن هناك أي جهة رقابية في الدولة سوف تحاسبه على هذا "السفه" لفكر ألف مرة قبل أن يقدم على فعلته ، ولكنه مطمئن كل الاطمئنان أنه لا يوجد أي جهة رقابية في مصر ستطوله ، أو تحاسبه ، وقد أعلنها رئيس الوزراء أحمد نظيف بنفسه قبل ذلك فيما يتعلق بخسائر الصحف القومية وفضائحها ، لن يتم التحقيق ولن تحول أية مخالفات إلى النيابة العامة أو غيرها رغم أن الفضائح بالمليارات وليس الملايين من أموال الغلابة ، يعني الجماعة أخذوا الحصانة ، فاعمل ملحق ألف صفحة يا قط ، فالأموال سايبة وليس لها صاحب ، من المفارقات الغريبة أن خطاب الرئيس مبارك الذي قدمه إلى الحزب لترشيح نفسه لمنصب رئاسة الحزب أتت صيغته المنشورة أمس كالتالي " يسعدني أن أتقدم بالترشيح لإعادة انتخابي رئيسا للحزب الوطني الديمقراطي .... " ، وهذه صيغة مضحكة في أي أوراق ترشيح ، إن المرشح سواء كان سبق ترشيحه أو سبق توليه المسؤولية عندما يتقدم لمنصب فإنه يطلب ترشيحه للمنصب ، وليس إعادة ترشيحه أو إعادة تنصيبه ، وكأنها وصاية أو بغددة سياسية ، وبطبيعة الحال فإن الرئيس مبارك لم يكتب الصيغة وإن كان قد وقعها ، ولكن الذي كتب الصيغة له أحد الجهابذة الذين أعمى النفاق بصائرهم حتى أنه لم يعد يعرف كيف يكتب خطاب ترشيح لمنصب رئيس الحزب ، المفارقة الثالثة أن الصحف القومية من فرط خوفها من خسارة الرئيس مبارك في انتخابات الحزب !! حرصت على أن تكتب خبر الانتخابات كالتالي : (الوطني يختار مبارك رئيسا للحزب اليوم) والصيغة لدى الجميع بتعديلات طفيفة مثل (بالإجماع مبارك رئيسا للحزب الوطني) ، ولو كانت هناك بقية من حياء أو مهنية أو حصافة سياسية لاكتفى الخبر بأن الوطني يصوت على الترشيح لرئاسته ، مثلا ، ولكن "الدبة" التي تهين ولي نعمتها تأبى إلا أن تفضح الجميع ، وتؤكد للقاصي والداني أنها مسرحية سخيفة ، لدرجة أنها تنشر الفصل الختامي من المسرحية قبل أن يبدأ الفصل الأول المفترض ، وبعيدا عن المفارقات ، بصراحة أنا لم أستوعب حرص الرئيس مبارك على رئاسة حزب سياسي ، ما القيمة وما الإضافة ، أنت رئيس البلد كله ، ثم إن صحة الرئيس وحيويته لم تعد كما كانت أيام كان يلعب الاسكواش ويمارس السباحة ويفاجئ المصانع ويحاور النخب الفكرية والسياسة ولا تنقطع لقاءاته من قيادات الأحزاب ، فهل يقبل العقل والمنطق أن يكون لدى الرئيس وقت وطاقة لإدارة شؤون حزب يفترض أن عدد أعضائه كما يقولون خمسة مليون بلجانه ومؤسساته وقطاعاته ونشاطاته ومشكلاته ومعاركه ، في نفس الوقت الذي يدير فيه شؤون دولة في حجم مصر بكاملها ، صدقني يا ريس : قلتها أحسن !
Saturday, November 3, 2007
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment