Sunday, November 11, 2007

الفرز والاستقطاب .. ثم للأمام أنظر

صابر بركات
يا بلاد رمتنا للأسي والموات ، ما عدش حتي للسكوت طعمه ، لأننا بنموت في نفس اللحظة ميت مرة ، إمتي الرجال الناشفة تنفض خوفها ، وتقف تكتل صفوفها ، كفي أضمه لكفوفها ، نهد ونقيم من جديد ، بلاد بلا سجن ولا جلاد ، بلاد بلا سادة وعبيد ، من أشعار «محمد سيف»
كثيرا ما سمعت نداء «للأمام انظر» واستجبت إليه وأنا في صفوف الجندية إبان معركة تحرير الأرض المحتلة في الفترة من أول سنة 1970 وحتي نهاية 1974،
فقد كان المعمول به عسكريا الالتفات لليمين لرص الصفوف ونظمها، ثم النظر الجماعي والموحد للأمام استعدادا للتقدم والانطلاق، وفي تراثنا يقول المتصوفة «المتلفت لا يصل».وفي الغالب تكمن مشكلتنا في التلفت كثيرا خاصة للماضي وحواديته وعدم النظر للأمام ، وهو ما يحول دون تمكننا من التخطيط بعزم للمستقبل والإقدام علي العمل والتقدم والانطلاق.وأخشي ما أخشاه أن ينجح بعضنا في إشغال البعض الآخر بالماضي وأن يستهلكه في قصصه وتقسيماته وانحيازاته ومواقفه، فنظل نفس الفرق المتمترسة بقصص لم تقدم كثيرا وباختلافاتها التافهة التي حرمتنا حتي من متعة معرفة بعضنا البعض والعمل المشترك ، والمحاصرة في نفس أماكنها وبنفس قياداتها التاريخية «زيهم بالضبط» العاجزة المتورمة ذاتيا ونرجسيا والتي حالت معا دون تخطي حواديت الماضي وتقاسيمه التعيسة .ومازال أملي كبيرا في العقلاء الذين لا يتلفتون كثيرا، ويحرصون بإصرار وجد علي النظر للأمام ، وتنحية الماضي بخلافاته المتهافتة وانتصاراته المتواضعة وخبراته الموجعة جانبا، والذين يحرصون علي التركيز في المستقبل ، والاتفاق علي خطة للتقدم والانطلاق، تراعي الحراك الاجتماعي الصاعد وتستبشر أفقه ومستقبله وتشيد له ومعه وبه مستقبلا أفضل للوطن والناس في نهاية ثمانينات القرن الماضي وخلال أزمة في مسيرة الشيوعيين المصريين ركز عمنا «أحمد نبيل الهلالي » علي نظرية «الفرز والاستقطاب» كأداة لتطهير الحركة الشيوعية المصرية وتطويرها وتجديدها، والتخلص من الانتهازية والتحريفية والجمود والتصفوية التي تمكنت منها، وباتت تهدد وجودها ونفوذها في الشارع المصري، وبعيدا عن تفاصيل ما حدث وما وصل إليه، فإن مفاد هذه النظرية يتلخص في أن المواقف عندما تكون واضحة ومحددة لا يكون أمام العناصر المتمسكة بالاستمرار في العمل والكفاح إلا أن تحدد اختياراتها بحسم وجسارة، وتنحاز للمواقف والاختيارات التي تعتقد أن فيها الإنقاذ والصحة، ويتم الفرز الطبيعي بين الكوادر طبقا لما يختارونه من مواقف وما ينحازون له من اختيارات ، وغالبا ما يكون الفرز بين معسكرين رئيسيين ، ويبقي بعض أصحاب المصالح والمكتسبات، ومن يرتبطون بهم وبعض المترددين في حسم مواقفهم .وبعد الفرز تأتي مرحلة الاستقطاب علي أساس ما تم من اختيارات، وينضم كل رفيق إلي رفاق طريقه الذي اختاره، ومواقفه التي انحاز إليها ولتتضح الخنادق وتظهر الفوارق، ويذهب كل فريق إلي الطريق الذي اختاره مع أصحاب موقفه وقناعته.وأعتقد أنه بات من الضروري عدم الالتفات والنظر للأمام ، واستدعاء الفرز والاستقطاب في ظروفنا هذه لتعمل قواعده بين صفوف المهتمين بالشأن العام جميعا، لا فريقا سياسيا بعينه دون الآخرين ، فالأوضاع باتت واضحة والمواقف محددة والانحياز سهل وبين ، وإن كان سيظل دائما بيننا من يفضل ألا يكون واضحا وألا يكون منحازا أو محددا، وآخرون يفضلون التكلم بأكثر من لغة باعتبار أن لكل مقام مقالا ، وهات وخد وما حدش عارف الخير فين، وآخرون يجدون ذواتهم في التفرد والتميز عن الآخرين لا في شئ إلا بالعزف دائما خارج السرب بصوت أعلي وتشنج أكثر لكن منفردا متفردا، عموما ما علينا، فهذا حال الدنيا، لكنه من الممكن فرز المواقع والعمل علي استقطاب المنحازين لموقف الدفاع عن الوطن، والانحياز للشعب مع بعضهم البعض.لقد آن الأوان- إن لم يكن قد تأخر كثيرا - لرص صفوف المنحازين للحق والعدل والحرية، وتنظيم قوي مقاومة الاستغلال والفساد والاستبداد والتبعية، في كتيبة عمل منظمة ومتكاملة، تبدأ فورا في بناء بديل اجتماعي ديمقراطي وطني من أسفل، بغية إنقاذ الوطن والشعب وقواه المنتجة من اليأس والإحباط، الذي بات يخنق كل شيء في البلاد والناس. ولتكن صرخات المظلومين والمقهورين ومفارز المقاومة الاجتماعية الصاعدة والآمال المخنوقة والأحلام المكبوتة هي مرشد ونواة هذا التكتل، وبداية لحركة مقاومة شعبية وطنية واسعة لإنقاذ مصر .وليكن تنظيم وإدارة هذه الحركة بشروط وقواعد بسيطة وواضحة ترتكز علي ديمقراطية واسعة، يشارك كل من يرغب في وضع قواعدها التي تضمن الإشراف علي أعمالها ومراقبتها وتعديلها، وتراعي وضع الآليات المناسبة لإدارة الخلافات والصراعات بشكل حضاري يعتمد دائما علي منهج التوافق والتراضي «لا غالب فيه ولا مغلوب»، وأن تعتمد منهج العمل الجماعي المنظم الذي لا يقيد المبادرات ولا يخنق الاندفاعات ، ولا يحول دون حق جماعة أو حتي مجموعة من الأشخاص أو آحاد الناس في الدعاية لمواقفه وقناعاته ، بشرط الالتزام بتنفيذ دوره في الأعمال التي تتوافق عليها الحركة، ألا تكون اختلافاته معوقة للمسيرة المشتركة لأطراف الحركة وتقدمها، ولا لهدفها الموحد في إزاحة الكابوس الذي يخنق الوطن والشعب ، كما يجب أن تراعي هذه القواعد تقييد وإحباط أساليب الإبعاد أو الإزاحة أو الانفراد بالعمل تحت أي مزاعم أو هواجس .وتراهن الحركة وأطرافها علي المستقبل وحكم الشعب والتاريخ، لا علي حكم وتحكم الزعامات التاريخية والخبرات المرضية المترسبة من الماضي، عمل لا مرجعية فيه إلا ما تتوافق عليه الجماعة، وفريق العمل في كل تحرك أو عملية. حركة تعتمد علي العمل الجماعي، الذي يراهن علي ضفر المبادرات الصغيرة والمرتبطة بمصالح الناس البسيطة وهمومهم المشتركة وآمالهم العظيمة ، ورص نتائج أعمال المقاومة الاجتماعية المبعثرة، والمنطلقة هنا وهناك، بغرض الاستقواء والاستهداء والتنسيق والاستفادة من خبرة الناس في مواجهة ما يقع عليهم من استغلال واستبداد، وما يستفزهم من فساد وهوان واستسلام، وما يثير حميتهم الوطنية لإعادة بناء وطن خال من الاستغلال والاستبداد والفساد.هل نقدر علي هذا؟ هل يمكن أن يحدث ذلك؟ هل نحن أهل لها ؟ أعتقد وبكل تواضع وصدق وثقة، نعم .. نعم .. فلنجرب يا أصدقاء.. فلم يعد هناك ما نخسره أو يخسره الوطن، ما رأيكم أدام الله صبركم.

لم يبق لي إلا أن أشتغل في أعمال البناء وبيدين يائستين أبني أربعة جدران من الأمل من أشعار «مريد البرغوثي

No comments: