محمد حماد
لي صديق كان أبوه رحمه الله صموتاً، وإذا تكلم يتكلم بحساب، ينظر إليك ملياً وأنت تتحدث إليه، كأنه يتفحصك، وتجد نفسك تزيد وتعيد في النقطة نفسها التي بدأت بها كلامك معه، حتى إذا حار بك الكلام تكلم هو بكلام سريع حاسم وربما لاذع، ولا يترك مجالا لنقاش بعد كلمته، كأن الكلمة الفصل قد قيلت، أو كأن الحكم القضائي البات قد صدر، وكنا نخشي مقدمه صغاراً، ومرت الأيام وكبرنا، فإذا به يرانا في التليفزيون، ومصادفة رآني ضيفاً على برنامج بالقناة الثالثة، كان اسم البرنامج"رجل مهم جدا"، وبعدها قابلت والد صديقي فاستقبلته بما هو أهل له من الاحترام الواجب والتقدير المفعم بالحب لرجل كنا ننظر إليه باعتباره صاحب أقوي شخصية نعرفها، ولكنه قطع وصلة الاحترام التي كنا نطيل فيها تحببا إليه بقوله: خلاص أنت بقيت راجل مهم جدا، وعرفت ساعتها لماذا أراد أن يقف لحظة دخولي عليه في غرفته التي كان يتصدر مجلسها على الدوام وحوله محبيه ومريديه من أبناء المنطقة الشعبية التي يسكن بها.. ذهب عمي الحاج مع نجله (صديقي)، في يوم قراءة الفاتحة على زوجته، وهي من الواجبات التي لا يتقنها، ولا يحب أن تطول أكثر من ساعة، وكان عليه أن يضع يده في يد والد الزوجة الذي كان قد خرج على المعاش على رتبة عسكرية كبيرة، وكما توقعنا لم تطل المسألة أكثر من ساعة ضاق بعدها أبو صديقي بحبسة المكان الذي لم يتعود عليه، واشتاق إلى موقعه بصدارة غرفته بين محبيه، واستأذن منطلقا إلى حيث يريد، وكان تعليق والد الخطيبة على والد خطيب ابنته: دا شاسيه رئيس جمهورية.. وصارت مثلا.. وكنت أزاحم في بواكير الشباب لاعبي التنس، وكنت أطلب اللعب مع أبطال اللعبة ومن بينهم زملاء وأصدقاء، وكنت حسب وصف الذين يتقنون اللعبة ألعب بطريقه وبشكل يخدع الخبير ويتصور أنني لاعب من الدرجة الأولي، طريقة إمساكي المضرب، طريقة هجومي على الشبكة، إدباري وإقدامي، كلها تنبئ عن لاعب يشق له غبار الملاعب، وبعد قليل يتبين الذي يلاعبني أنه يمكن أن يغلبني بسهولة في أكثر الأحيان وببعض الصعوبة في أقل الأحيان، فكان بعض الأصدقاء يقول على أنني شاسيه لاعب تنس محترف.
. والحق أنني أري في الكثير من مظاهر الحياة من حولي تلك الشاسيهات في كل مكان وفي كل موقع، مثلاً: لدينا عودة واضحة إلى الدين على صعيد كبير ومن كافة المستويات ومن كافة الأعمار وبخاصة من الشباب، ولدينا شباب كثيرون أطلقوا لحاهم اقتداء بسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم، ولكن الغريب أن بعضاً من هؤلاء إلا من رحم ربي هم شاسيه ملتزمين.. تري بعضهم مقطبي الحواجب، منهمكين في الابتعاد عن الناس، وإذا اقتربوا، اقتربوا لينفروا، لا ليبشروا، واقتربوا ليقرعوا لا لينصحوا، اقتربوا ليولوا أنفسهم قضاة لا دعاة.. وكنت وما زلت أقول للبعض: إن الملتزم الذي لم تنصلح أحواله مع الناس عليه أن يعرف أن أحواله مع الله في حاجة إلى إصلاح، وفي الأثر: "من لم يشكر الناس لم يشكر الله"، والنبي صلي الله عليه وسلم هو القائل:" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، كأنه يقصر سبب بعثته على إتمام مكارم الأخلاق، ويا له من هدف، وأعظم به هدفا.. ولكننا شاسيهات، فارغة من المضمون والمحتوي..لدينا محجبات الآن أكثر من السافرات، ولكن كثيراً منهن (إلا من رحم ربي) هن مجرد: شاسيه محجبة تغطي شعرها (ولن أتحدث عن أغطية الرأس التي تصلح أغطية رقص)، ولكنها تغطي شعرها وترتدي المحزق والملزق من الملابس التي لا شك أنها تدخل إليها بعملية قيصرية يومية.!!! وكنا صغارا نشتري بعض الكشاكيل التي تباع بالمكتبات الكبري، ونقرأ عليها عبارة ثابتة على الغلاف الأخير:" ككشكول الوزارة"، وأخشي أن أقول هكذا نحن، أو هكذا أغلبنا:"كمتدينين"، أو شاسيه متدينين، حتى مشروعاتنا القومية الكبري لن تجد منها غير شاسيهات مشروعات، وتذكر توشكا، وانظر إلى مشروعنا النووي الذي توافق عليه الدول التي ترفضه في إيران، واعلم أنها تقبله في مصر فقط لأنه مجرد شاسيه مشروع.!! انظر حولك تجد الشاسيهات منتشرة في كل مكان وفي كل موقع، من الغفير إلى الوزير كلهم ككشكول الوزارة، أو بالأحري شاسيهات، شاسيهات غفراء، شاسيهات وزراء، شاسيهات أحزاب، وشاسيه رئيس
No comments:
Post a Comment