أحمد المسلماني
كنا طلبة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، وفي إحدي المحاضرات الخاصة بالنظام السياسي العربي سألنا الأستاذ: ما السبب الرئيسي في أزمة النظام العربي؟ وقد قلت وقال زملائي كلاما كثيرا وكبيرا.. ثم سكت الأستاذ وقال: أهذه كل الأسباب؟ ألا يوجد أي سبب آخر؟ وكان ذلك تحديا لطلبة بارعين ومغرورين يستعد العامة فيهم لمنصب السفير، ويتجاوز الخاصة فيهم حلم الوزير، وانطلقنا نقول قولا عظيما في أسباب الأزمة.
صمت الأستاذ مبتسما ثم قال: لماذا تفكرون دوما علي أساس المنطق؟ ولماذا تقصرون تحليلاتكم علي علم السياسة؟ لماذا تتصورون أن وراء كل قرار سياسي حكمة بالغة أو حسابات معقدة؟ ثم قال ضاحكا: إن أزمة النظام العربي تتجاوز علم السياسة، وهي أصعب من علم النفس وعلم الاجتماع.. إن حال العالم العربي كله خارج العلم، إنني أتصور أن الأساس في أزمة العالم العربي هو «عمل سُفلي من أعمال السحر»، ربما تكون هناك دولة شيطانية قد ذهبت إلي كبار السحرة «وعملت (عمل) للعالم العربي»، وألقت هذا العمل في قاع المحيط، وربما لا نكون في احتياج لعلماء سياسة، يشرحون لنا كيفية الحل، وربما نكون في حاجة إلي مشعوذين كبار يمكنهم الإتيان بـ«العمل» من قاع المحيط!
لقد كانت هذه الواقعة دافعا دائما لي، للنظر أحيانا فيما وراء العلم.. وكنت كلما وجدت عجزا في فهم أداء السياسة المصرية، وهو عجز نابع من عجز علم السياسة عن فهم ما الذي يجري في مصر ـ كنت كلما وجدت ذلك تذكرت محاضرة أستاذنا، لماذا لا تكون الإجابة خارج نطاق العلم.
إن علم السياسة لا يستطيع أن يشرح الحالة المصرية، ما الذي يقوله العلم في دولة بدأت تجربة النهضة فيها قبل اليابان، ثم انتهت إلي قرب الصومال؟ ما الذي يقوله العلم في عصر عبدالناصر أو عصر السادات أو عصر الرئيس مبارك؟ ما الذي يقوله في جماعة الحكومة وفي الإخوان المسلمين، في فريقين يلعبان بوطن كامل، بالنقابات والجامعات والمؤسسات، وطن جري اختصاره بين من يتاجرون بالدنيا ومن يتاجرون بالآخرة؟!
ما الذي يقوله العلم في حكومة تطلق علي محطات الكهرباء «العصر النووي»، وتناضل ضد «ضغوط الخارج»، بينما يتنافس «الموردون النوويون»، وقد يقدمون رشاوي للفوز بمناقصات المشروع؟
ما الذي يقوله العلم في بلد ينشغل شهرا بقضية «بول الرسول» وشهرا بقضية «إرضاع الكبير» وشهرا «بالرسومات الدنماركية» وشهرا بقوائم الأمن والإخوان في انتخابات الجامعات، وشهرا بالقوائم ذاتها في انتخابات النقابات، وشهرا بتوحيد الرؤية لهلال شهر رمضان، وشهرا بمؤتمر الحزب الجمهوري الحاكم، ودهرا بفتاوي أصحاب الفضيلة من مفتي الديار إلي الإمام الأكبر؟!
ما الذي يقوله العلم في علامات الساعة الصغري والكبري والوسيطة، قيادات صحفية لا تجيد الكتابة، وقيادات تعليمية لم تحصل تعليما مفيدا، وقيادات اقتصادية، قال وزير الزراعة فيها إنه فشل في زراعة أرضه وقيادات دبلوماسية، تعرف القليل عن الدبلوماسية ولا تعرف القليل ولا الكثير عن السياسة الخارجية، وقيادات سياسية تفكر ألف مرة قبل أن تتخذ القرار الخطأ؟
ثمة شخص يكره هذا الوطن، وقد استطاع أن يقنع كبير السحرة بأن يكتب له «عملا سفليا»، ثم ألقاه في غياهب البحر.. لقد أضحت مصر خارج علم السياسة!
Monday, November 19, 2007
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment