سليمان جودة
الدكتور محمد كمال، مسؤول عن التدريب والتثقيف في الحزب الوطني، ولابد، بحكم هذه المسؤولية، أن يسمي الأشياء بمسمياتها، حين يخاطب أعضاء الحزب، في داخله، أو يتكلم في افتتاح مؤتمره التاسع، صباح أمس.. وعندما قال في انطلاق أعمال المؤتمر، مساء الجمعة، إن الحكومة، ومعها الحزب يقفان مع محدودي الدخل، وينحازان إليه، بدليل الدعم المقدم لرغيف العيش والطاقة، كان يعرف، بينه وبين نفسه،
أن تقديم ٩ مليارات جنيه دعماً للرغيف، و٤٥ ملياراً للطاقة، ليس معناه، من الناحية العملية، أن هناك انحيازاً إلي محدود الدخل من الحكومة، أو الحزب.. فالعيش المدعوم - وأمين التثقيف يعرف ذلك جيداً- تأكله الفراخ في مزارع دواجن يملكها أغنياء، كما أن الطاقة المدعومة تصب، في النهاية، في جيوب أثرياء، يملكون مصانع كثيفة استخدام الطاقة..
فما معني هذا؟!.. معناه بالورقة والقلم، أن الدولة تدعم الغني، وهي تقصد أن تدعم الفقير.. ومعناه أن هناك خللاً هائلاً في الاقتصاد الوطني، سوف يظل قائماً، مادام هذا الدعم موجوداً بالصورة الحالية، لأنك كدولة، والحال كذلك، تقدم السلعة إلي مستهلكيها بغير سعرها الحقيقي،
وتقدم الخدمة بغير ثمنها الفعلي، الذي يجب أن تصل به إلي غير القادرين، ثم تحتال، كدولة أيضاً، من خلال ما يسمي الدعم، وتحاول إصلاح وضع «مايل»، لن يفلح علي الإطلاق، مادام هناك دعم من الحكومة لا يصل إلي المقصودين به، ومادامت هناك سلع وخدمات، لها أسعار في الأسواق، غير أسعارها التي تعبر بدقة عن تكلفة إنتاجها!
الحكومات المتعاقبة تقدم السلع والخدمات، بيدها اليمني، وبغير سعرها الحقيقي، ثم تستدير وتقدم بيدها اليسري، من وراء ظهرها، دعماً تتصور أنه سوف يساعد رقيقي الحال علي شراء السلع، والحصول علي الخدمات.. وهو ما لم يحدث في أي وقت.. والحكومة تعرف ذلك، والمواطن يعرفه، ويراه، ويعاني منه، ويعلم أنه مضحوك عليه،
ولكنه لا يملك أن يفعل شيئاً.. وهو أشبه ما يكون بطالب ذهب إلي مدرسته، وليس معه مصروف يكفيه، ويلجأ أبوه إلي تعويض ذلك بأن يبعث إليه من يقذف له من فوق سور المدرسة، ساندويتشاً مجانياً، أو يسرب إليه - بالمجان أيضاً - زجاجة مياه غازية، يحتاجها ليشربها، ولكنه لا يملك ما يشتريها به، بما يعبر في آخر المطاف، عن وضع مختل.. يستحيل أن يدوم!
الحزب الوطني، يعرف جيداً أن ملف الدعم، المطروح أمامه باستمرار، ليس شيئاً فريداً ننفرد به وحدنا في الكون، ويعرف جيداً أيضاً، أن دول أوروبا الشرقية عانت طويلاً، بسبب هذه التركيبة المختلفة في اقتصاد البلد، حين تكون السلع والخدمات متاحة بغير أسعارها، وكان الحل، كما اهتدت إليه هذه الدول، أن التعامل ينبغي أن يكون مع الرواتب ومستوي الدخول نفسها، علي نحو مباشر، وأن توصيل حق المواطن إليه، لابد أن يكون من خلال رفع راتبه، وتحسين مستوي دخله، وليس من إهدار مليارات علي دعم، لا يراه المستهلك، ولا يعرفه، ولكنه يسمع عنه..
فمتي يفكر الحزب الوطني، بالعقل، والمنطق، ولا يدغدغ مشاعر الناس؟!.. ومتي يصارح المصريين، ويقول علي الملأ، إنه لم يعد ممكناً خداع النفس والغير، أكثر من ذلك، وأنه من الأفضل أن يكون هناك حد أدني للرواتب، بحيث يصل إلي ألف جنيه.. مثلاً.. ثم يكون سعر السلع والخدمات، بعد ذلك، سعراً غير ملفق.. سعراً يعبر عن واقع الحال.. سعراً ليس مزيفاً في إجماله!
محدود الدخل، حين يسمع كلام أمين التثقيف، لن يقتنع به، لأن الحال يتناقض مع الكلام، ويشير بكل قوة، إلي أن هناك «شيء غلط».. ومسؤولية إصلاح هذا الغلط، علي الحزب والحكومة، وليس علي المواطن محدود الحال طبعاً.. ولن يتأتي الإصلاح أبداً، إلا بممارسة نوع من المصارحة التي مارسها جورباتشوف في بلاده، بما أدي بعد ذلك، وقتها، إلي البدء، فيما قيل إنه «إعادة بناء».. وبغير ذلك، فسوف نظل نتكلم عن شيء، ثم يري الناس في حياتهم شيئاً آخر، لا علاقة له إطلاقاً، بما يدور حوله الكلام!!.. فيصاب الفقير بالجنون!!
Thursday, November 8, 2007
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment