خالد صلاح
ما الذي يمنعك من أن تصدق الدكتور زكريا عزمي، رئيس ديوان رئيس الجمهورية، وعضو البرلمان عن الحزب الوطني، حين يعارض الحكومة بصلابة وقسوة ،وبطلقات صاخبة تحت قبة مجلس الشعب؟
هذا الهجوم علي الحكومة أصبح عادة حميدة للدكتور زكريا، يفتتح به كل دورة برلمانية، فيسابق الجميع بأن يطرح علي زملائه من الوزراء أسئلة من خارج المنهج الحزبي، ويلقي علي مجلس الوزراء والنواب خطبا ثورية لا تتسق مع نظرية وحدة العمل بين الحكومة والحزب، ويستخدم مفردات وألفاظاً من عينة الصدمة والرعب، معرياً سياسات السلطة التنفيذية، أو مهاجماً الفساد، أو منتقداً لفوضي ارتفاع الأسعار، بقفزات مخيفة تقضي - من وجهة نظره - علي أحلام المواطنين من البسطاء ومحدودي الدخل.
لا بأس هنا في أن يشعر رجل، في حجم زكريا عزمي وقامته السياسية والحزبية، بهموم المواطنين، ولا شيء أروع من أن يخرج رمز من أهل السلطة، برؤية تتلمس هموم الناس، وتري أن الحكومة تقصر في مواجهة الأسعار، وتتخلي عن الفلاحين من مزارعي القطن، وتعرض مبني بنك التنمية، الذي تكلف ١٣٠ مليون جنيه، للبيع أو للإيجار، لكن إن كان الدكتور زكريا هو رئيس ديوان رئيس الجمهورية، والرجل الأقرب للسيد الرئيس في جهاز الدولة، والرجل الأوفي للرئيس في جهاز الحزب، فما الذي يمنعه من تقديم النصح للرئيس؟ بإنهاء هذا التقصير الحكومي والتخلي الرسمي عن محدودي الدخل، وعن الفلاحين والبسطاء؟!.. وما الذي يحول بينه وبين العمل، بإصرار علي استصدار قرار رئاسي بوقف فوضي الإفراط في إنفاق المال العام علي أبنية فاخرة، يتم عرضها للبيع أو للإيجار، فور بنائها بلا تخطيط؟
ثم، ألم يكن الدكتور زكريا رفيقاً لرئيس الوزراء وللسادة أعضاء المجلس، ولقادة الحزب والدولة علي مدي ثلاثة أيام متتالية في المؤتمر العام التاسع للحزب الوطني، تحت شعار (بلدنا بتتقدم بينا)؟! فما الذي منعه أن ينفرد في ركن من القاعة بالدكتور نظيف، ويقول له بنفس الصلابة (عيب يا دكتور إن الحكومة تصرف ١٣٠ مليون جنيه علي بنك ناوية تبيعه، دي فلوس الناس الغلابة برضو يا عالم، اتقوا ربنا)؟!!
وكان في قدرة ونفوذ وتأثير الدكتور زكريا أن ينبه رئيس الوزراء إلي خطورة الارتفاع المخيف للأسعار، أو أن يهمس في أذن السيد رئيس الجمهورية، بأن استمرار هذا الارتفاع سيؤثر علي مصداقية برنامج الإصلاح، ويشكل ثغرة في خطط تنفيذ البرنامج الانتخابي لسيادته، والذي تحول إلي غاية أساسية من غايات الحكومة، وكان باستطاعته أيضا أن ينصح وزير الزراعة، بضرورة شراء محصول القطن، بدلا من إهدار كفاح الفلاحين لأيام وليال طويلة في انتظار موسم الحصاد.
الدكتور زكريا لم يفعل ذلك، لم يتحدث مع نظيف في الأمر خلال مؤتمر الحزب، وانشغل في حديث آخر مع وزير الزراعة، ولم يهمس في أذن الرئيس في قضية بهذا المعني خلال الأيام الثلاثة للمؤتمر، لقد ادخر بعناية وذكاء كل ذلك ليوم افتتاح دورة مجلس الشعب، حتي لا تنقطع عاداته البرلمانية، فيطل علي الناس بصخب يصوره وكأنه صقر من صقور النواب المستقلين، وبلغة يبتغي منها التفوق الصاخب علي اللغة لأحزاب المعارضة، أو اللغة الخشبية لمجموعة الـ٨٨ من أعضاء الإخوان.
أنت جزء من هذه السلطة التنفيذية التي تهاجمها يا دكتور زكريا، فالرئيس الذي تتشرف أنت بمسؤوليتك عن ديوانه، هو رئيس السلطة التنفيذية دستورياً وقانونياً، والحزب الذي تنتمي إليه الحكومة التي تنتقدها أنت تحت القبة هي حكومة الحزب، الذي تشغل أنت مقعداً ضمن تركيبة القمة علي رأسه.
أنت فاعل رئيسي يا دكتور، ولهذا لا نصدقك حين تنتقد من لا يملكون فعلاً حقيقياً، فكل الذين تهاجمهم أنت من الوزراء تحت قبة مجلس الشعب لا يحركون ساكناً، إلا بالأوامر التي تصل إليهم بعد مرورها أولا علي مكتبك في الديوان، أليس كذلك!!
مع محبتي..
Saturday, November 10, 2007
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment