جمال الشاعر
أصدرت الحكومة قرارا إلي الناس بقانون السير الجديد، المشي للخلف، الناس تمشي للخلف والسيارات تمشي للخلف، حتي إن الأمهات بدأن في تدريب أبنائهن علي السير للخلف منذ مرحلة ما بعد الحبو، مع تعديل في الأغنية الفلكورية «تاتا تاتا خطي العتبة»، لتتحول إلي «تاتا تاتا ارجع عتبة»، وفي مواجهة هذه القرارات القراقوشية ظهرت حركة شعبية اسمها «أصدقاء الطريق»، لكي تعيد الأمور إلي نصابها وإلي المنطق السليم للحياة..
«المشي للخلف» هو عنوان آخر أعمال الأديب فؤاد حجازي، وهو فانتازيا قصصية لكننا نعيشها بشكل أو بآخر في مصر، التي تمشي الحياة فيها للخلف بدلا من أن تتقدم، نعيشها كوميديا سوداوية في الواقع، أيام الملكية كانت لدينا حياة حزبية وتعددية، والملك فاروق كان يعمل ألف حساب للنحاس باشا ووزرائه، وفي مقدمتهم فؤاد سراج الدين، أما نحن الآن فنعيش في زمن العشوائيات، فشلت الحكومات في تقديم تعليم حقيقي فظهر التعليم الموازي والدروس الخصوصية والعشوائيات الفكرية، فشلت الحكومات في التخطيط لشبكات الطرق والمواصلات،
فانحبس الناس في إشارات المرور وظهر «الميكروباظ» والتوك توك، فشلت الحكومات في حل مشكلة الإسكان فتم تبوير الأراضي الزراعية الرائعة، وظهرت الأحياء العشوائية في إمبابة وشق الثعبان وزينهم وقلعة الكبش، فشلت الحكومة في توجيه مدخرات الناس إلي استثمارات اقتصادية، فاتجه المواطن إلي تسقيع الأراضي وشراء الشقق وبيعها، وتحول الشعب المصري إلي شعب من السماسرة والمضاربين، راهنت الحكومات علي اقتصاد السياحة، فانهار الاقتصاد لفترات عدة بسبب عمليات إرهابية أو رصاصات طائشة،
منحت الحكومة تراخيص التليفون للشركات وجمعت المليارات، ولكن المواطن انخرب بيته من فواتير المحمول والأرضي، العشوائيات أصبحت هي الحل حتي إن البعض اقترح إنشاء وزارة للعشوائيات أو وزارتين إحداهما لإدارة الأزمات والأخري للعشوائيات،
خاصة أنه كانت لدينا وزارة اسمها وزارة التخطيط تم إلغاؤها في التشكيل الوزاري الأخير، وهو قرار صائب، لأنها لم تكن تقدم أي خطط استراتيجية لمستقبل مصر، في حين أننا في عصر محمد علي، وفي عصر توفيق كانت لدينا الخطط التوفيقية، وكان لدينا وزير فلاح اجتهد في رؤية علمية ومنهجية لمستقبل مصر.. لماذا تراجعنا؟ لماذا تخلفنا وتقدم غيرنا؟!
موريتانيا والسنغال اليوم أصبحتا مثلا يضرب في التوجه نحو الديمقراطية وتداول السلطة، حتي باكستان فيها حراك سياسي حيوي جدا بين بي نظير بوتو والرئيس برويز مشرف، ناهيك عن إيران التي نجح فيها أحمدي نجاد، القادم من المجهول، في الفوز بمنصب الرئاسة في منافسة مع عتويل اسمه رافسنجاني، تركيا تشهد نهضة سياسية واقتصادية طموحة أساسها التنافس وتكافؤ الفرص.. فلسفة بناء الدولة الحديثة الآن هي كما نعلم فلسفة قائمة علي التنافسية، فإذا انتفت التنافسية ضاع جوهر النهضة والحراك والحيوية..
انظر إلي ملاعب كرة القدم، تنافسية حرة بين الأندية واللاعبين والجماهير وشفافية في الحكم، وفي النهاية الكل يرتضي كلام حكم الملعب، وهذا يفسر لك لماذا يقبل الناس علي العضوية في الأندية الرياضية والحماس والتشجيع بكل جوارحهم، بينما لا يقبلون علي ملاعب السياسة في مصر، التي تفتقد أهم عنصرين: التنافسية والشفافية اللذين بدونهما سوف نجد مصر تواصل المشي للخلف، وكلما تقدمنا خطوة.. جاءنا هاتف يقول: «لِف وارجع تاني».
Tuesday, November 20, 2007
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment