د. معتز بالله عبد الفتاح
أصل التقدم واحد وله كتالوج عالمي يحتوي علي مبادئ عامة نعرفها استنباطا من الهدي السماوي أو استقراء بالخبرة والتجربة ولابد في النهاية أن يلتقيا لأن صحيح المنقول لابد وأن يتفق مع صحيح المعقول. ولنتأمل العبارات التالية ومدي تشابهها:
1- قال الله تعالي: "وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربي وبعهد الله أوفوا"
2- ابن خلدون: "الظلم مؤذن بخراب العمران."
3- فرانسيس بيكون: "إذا لم تحترم الدولة قواعد العدالة، فإن العدالة لن تحترم قواعد الدولة.
"4- أبو حامد الغزالي: "العدل أساس الملك."
5- مارتن لوثر كنج: "إن الظلم في أي مكان أو مجال تهديد مباشر للعدل في كل مكان وكل مجال.
"6- ابن تيمية: "إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة."
7- رينهولد نيبور: "إن نزعة الإنسان نحو العدل هو ما يجعل الديمقراطية ممكنة، ونزعة الإنسان نحو الظلم هو ما يجعل الديمقراطية ضرورية.
"8- برنامج الحكم الرشيد ومكافحة الفساد التابع للبنك الدولي: "إن وجود قواعد شفافة وقوانين محترمة من الجميع تصدر عن جهات منتخبة بكل نزاهة وعدالة ناجزة وسريعة يعد من أهم مؤشرات الحكم الرشيد بما يعنيه ذلك من سرعة إنجاز العمل، وإشاعة ثقافة من الثقة بين جهاز الدولة والمجتمعين المحلي والعالمي وقابلية الاقتصاد لاستقبال الاستثمارات الأجنبية."
ولنتأمل الشروط الثلاثة التي يوردها المتخصصون في الحكم الرشيد، وهي: أولا: وجود قواعد قانونية نزيهة تصدر عن جهة تحظي بمصداقية، وهذه القواعد ليست قواعد مثالية عليا فقط (مثل كرامة الإنسان واحترام حق الملكية الخاصة) وإنما لابد أن يكون فيها من التحديد الذي لا يتناقض مع خاصيتي العمومية والتجريد. ويصاب المجتمع بآفة هائلة إن لم توجد هذه القواعد، أو أن تكون غير مكتملة، أو أن تكون حمالة أوجه، أو أن تكون الجهة المسئولة عن إصدار هذه القواعد لا يعرف عنها النزاهة. وفي مصر يوجد ما يثير التأمل في هذا الصدد، فقد أحال الدستور إلي مجلس الشعب مسئولية إصدار قانون لمحاكمة الوزراء ولكن لم يقدم مجلس الشعب علي سن هذا التشريع حتي الآن. ثانيا: احترام جميع المؤسسات لجميع القواعد. تقول الكتب المتخصصة في الحكم الرشيد إنه لا ينبغي أن يكون هناك احترام انتقائي لبعض القواعد علي حساب البعض الآخر، وهو ما يؤدي عادة إلي أن تكبر كرة الثلج حتي يكون احترام القواعد هو الاستثناء، فلا تكون هذه القواعد نوعا من الشعارات السياسية وإنما أن تكون جزءا من قواعد الجهاز الإداري والتنفيذي ويراقبها الجهاز القضائي، وتكون الدولة ذاتها أول من يحترمها، والمشكلة التي تواجهنا في مصر وجود العديد من أحكام المحاكم التي لم تنفذ والتي تبدو معها السلطة التنفيذية كأول من لا يحترم القانون، كل القانون. ولكن المشكلة تتمثل أيضا في عدم حرص مجلس الشعب علي أن يكون فوق مستوي الشبهات أمام الشعب، فالأولي باحترام قواعد العدالة هم القائمون علي التشريع باسم العدالة نفسها، وهذا ما يضع مجلس الشعب المصري في مأزق المادة 93 الخاصة بحق مجلس الشعب في الفصل في صحة عضويته بعد الاطلاع علي تقارير محكمة النقض، وعلي هذا يكون المجلس خصما وحكما في صحة عضوية أعضائه علي نحو يتيح للأغلبية الحق في التخلص من القوي النابضة في المعارضة ومن ثم تدجين الكثير من العناصر التي لها حصانة برلمانية بحكم المنصب وفقا للدستور. بل إن الإبقاء علي هذه المادة دون تعديل يعطي للأغلبية في المجلس ضمنا الحق في الاحتفاظ بأعضاء نعلم يقينا أن هناك مؤاخذات كثيرة علي الطريقة التي انتخبوا بها بحكم صدور تقارير قضائية تدينهم، فيصبح المشرع الحكيم المسئول عن إصدار قوانين نزيهة تحكم المجتمع في موقع مؤاخذة بحكم عدم نزاهته في الوصول إلي مقعد البرلمان. ولست مغاليا إن قلت إن تعديل هذه المادة وحدها بحيث يكون اختصاص محكمة النقض أو غيرها من المحاكم العليا هو الفيصل في استمرار عضوية عضو مجلس الشعب كانت كفيلة بأن تعيد لقيمة العدالة مكانتها في النظام السياسي المصري. فالتزوير وشراء الأصوات ما كان ليضمن لمرشح مقعدا لو أن كل مزيف أو مزور يفقد مقعده بعد افتضاح أمره وثبوت التزوير عليه بحكم قضائي. ثالثا: ثقافة عامة تضمن ثقة المواطنين في القواعد واحترام القائمين عليها. والآفة الكبري حينما تكون الجهة التي تسن القوانين «مجلس الشعب»، ينظر إليها من قبل البعض علي أنها "كومبارس" مع اعتذارنا لحدة التعبير الذي استخدمه مثقفون آخرون لكن مجلس الشعب في سلوكه أعطي الدليل، وليس فقط القرينة - علي أن إرادته لا تحظي بالاستقلال عن إرادة رئيس الدولة. ويكفي الإشارة إلي الاتصال التليفوني الرئاسي في 14 يونيو 2005 حينما كان يناقش المجلس قانون تنظيم الانتخابات الرئاسية. وكان مطلب المعارضة والمستقلين أن يكون من ضمن شروط الترشح لمنصب الرئاسة تأدية الخدمة العسكرية وألا يكون مزدوج الجنسية وأن يقدم إقرار الذمة المالية. وقد تباري أعضاء من حزب الأغلبية في الدفاع عن القانون كما هو وكأنه قرآن نزل من السماء عليهم رغم أن التعديلات المقترحة كلها تصب في مصلحة الوطن بأي تعريف ممكن لمصلحة الوطن، لكن مصلحة شخص النائب و/أو مصلحة الحزب كانت لها الأولوية. وقد احتاج المجلس الموقر اتصالا تليفونيا من السيد الرئيس كي يذكرهم، فيما يشبه أمرا رئاسيا، بأن لمصلحة الوطن اعتبارا أيضا.
فأنا أسأل: لو قرر رئيس الجمهورية - وهو ما لا يتوقعه عاقل في ظل الرئاسة الحالية - أن يبيع الدلتا أو أن يؤجر سيناء، هل سيظل حزب الأغلبية يؤيد قراراته من قبيل الطاعة؟
Sunday, November 18, 2007
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment