محمد البرغوثي
أعتقد أن الاجتماع الوزاري، الذي عقده الدكتور أحمد نظيف يوم الأحد الماضي الموافق ١١ نوفمبر الجاري، هو أخطر اجتماع في تاريخ وزارة هذا الرجل، بل هو، بتوصياته وقراراته، أخطر حدث سياسي واقتصادي واجتماعي في تاريخ مصر المعاصر.
في هذا الاجتماع الوزاري - الذي لم ينتبه إليه أحد - طالب الدكتور نظيف الوزارات المعنية باتخاذ جميع الإجراءات التنفيذية اللازمة، لاستخدام نظام «حق الانتفاع» والتوسع في تطبيقه بالمجالات الاقتصادية المختلفة، بما يحقق مصلحة العملية الاقتصادية.
والسطور السابقة هي نص مقدمة البيان الذي أصدره مجلس الوزراء.. أما التفاصيل، التي أوردها البيان في شرح «مصلحة العملية الاقتصادية»، فهي مذهلة وكارثية.
تقول التفاصيل إن رئيس الوزراء أشار إلي إمكان تطبيق «حق الانتفاع» في طرح الأصول المملوكة للدولة لمشاركة القطاع الخاص، ضمن برنامج تدوير الأصول الذي تنفذه وزارة الاستثمار.
ثم تضيف التفاصيل أن المستشار ممدوح مرعي، وزير العدل، والدكتور محمود محيي الدين، وزير الاستثمار، أكدا، بما لا يدع مجالاً لأي شك، أن تأجير الأصول المملوكة للدولة، من مصانع وأراض، لرجال الأعمال بنظام حق الانتفاع، ليس في حاجة إلي تعديلات تشريعية جديدة لإقرار هذا الحق، وأن التشريعات الحالية تسمح بحق الانتفاع،
وليس هناك أي معوقات قانونية أو تشريعية تحول دون تنفيذه، وأكد وزير العدل أن عمليات القيد والتسجيل لهذا الحق في الشهر العقاري متاحة، وليس هناك ما يحول دون ذلك. ولكي تكتمل المصيبة، اصطحب الدكتور نظيف، إلي الاجتماع، محافظ البنك المركزي، لكي يطمئن الحاضرين إلي أن البعد القانوني يجعل حق الانتفاع قابلاً للتمويل، وقابلا لحق الرهن والائتمان، وأن الجهاز المصرفي كله يعترف بهذا الحق، وبإمكان استخدامه في التمويل.
ما الذي يعنيه هذا الكلام الضخم؟ إنه يعني، ببساطة، منح الأصول المملوكة للدولة، مثل المصانع والشركات والأراضي، لحفنة من رجال الأعمال، بنظام حق الانتفاع لمدد تبدأ من ٢٥ سنة قابلة للتجديد، وهو يعني أيضاً أن رجال الأعمال الذين يحكمون مصر الآن، انتبهوا إلي أن بيع وشراء الأصول - في إطار الخصخصة - لم يعد مجدياً،
وأن الأفضل لأي رجل أعمال أن يدخل علي أضخم مصنع في البلد ويأخذه من بابه بإيجار زهيد لمدة ٢٥ سنة قابلة للتجديد، بدلاً من أن يدفع مئات الملايين لامتلاكه، ويعرض نفسه لمخاطر تقلب الأحوال السياسية والاجتماعية، التي قد تنتهي باسترداد أصول الدولة التي سرقها رجال الأعمال.
لقد كانت المشكلة الوحيدة في حيازة الأصول الاقتصادية بنظام حق الانتفاع، هي أن هذه الحيازة لا تعطي لصاحبها الحق في رهنها للبنوك ضماناً للقروض، كما أنها لا تعطي لصاحبها الحق في تأجيرها من الباطن تأجيراً قانونياً يعترف به الشهر العقاري.
والمعروف أن رجال الأعمال، الذين يحكمون مصر الآن، حاولوا أكثر من مرة سن تشريعات جديدة تسمح بحق الانتفاع، وتعطي لأصحابه الحق في الاقتراض من البنوك بضمان «الانتفاع»، كما تعطيهم الحق في رهنها وتأجيرها والتصرف فيها لبعض الوقت أو كله، ولكنهم انتبهوا مؤخراً إلي أن محاولة سن تشريعات جديدة ستفتح العيون المغلقة وتكشف المستور، فعادوا خطوتين إلي الخلف.. ثم، في غفلة من الجميع، قفزوا قفزة واسعة نحو نهب ما تبقي من ثروات البلد.
إن هذه القفزة الواسعة نحو مرحلة جديدة من النهب، هي أقل القفزات تكلفة بالنسبة لرجال الأعمال.. فها هو وزير العدل، ومعه محافظ البنك المركزي، يقران بحق هؤلاء المنتفعين - أي المستأجرين - في الاستحواذ علي الأصول الاقتصادية لربع قرن قابل للتجديد، دون أن يدفعوا قرشاً واحداً، وها هما يؤكدان لرجال الأعمال أن هذا الاستحواذ ليس في حاجة إلي تشريع جديد، وأن البنوك كلها علي استعداد للتمويل والإقراض أيضاً!
بالله عليكم.. هل هناك ما هو أخطر من ذلك علي حاضر ومستقبل هذا الوطن؟ وهل سيأتي يوم قريب جداً، نترحم فيه علي الخصخصة بكل مساوئها وفسادها وانحطاطها؟ نعم، سنفعل، فالحضيض ليس له قاع.
Thursday, November 15, 2007
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment