Saturday, November 10, 2007

الإسلام ليس هو الحل.. بل حل إنساني يقبله الإسلام

د. معتز بالله عبد الفتاح

يظن بعض المسلمين، بحكم مفارقة اعتزازهم بالإسلام وجهلهم به، أن هناك طريقة "إسلامية" لعلاج كل مشاكل المجتمع وكأن المسلم ليس إنسانا يخضع لما يخضع له غيره من البشر من قواعد وإنجازات. وعلي هذا يظن بعض هؤلاء أن هناك طريقة إسلامية للتحول الديمقراطي وهناك طريقة إسلامية لعلاج مشاكل التصحر والمجاعات والجريمة المنظمة وهناك تنمية بالإيمان وهناك حل حضاري إسلامي لكل مشاكل المسلمين. ومثل هذه الطريقة في التفكير تحوي الكثير من العاطفة أكثر مما تحمل من رؤية ناضجة لحاجات البشر للتفاعل والتعلم المتبادل. نظريا أعتقد أن المسلم يستخدم لفظة "إسلامي" ليعني أمرا من ثلاثة. فهو إما يعني "إسلامي" أي ابتدعه الإسلام علي غير مثال سابق، وهي دائرة شديدة الضيق لا تنهض بمصالح العباد. أو ثانيا "إسلامي" بمعني أنه من فضائل الأعمال التي وجدت قبل الإسلام وحض الإسلام عليها وجعلها منه بالتوظيف دون الابتكار، وهي دائرة أوسع كثيرا من الدائرة الأولي. أو ثالثا "إسلامي" بمعني أنه لا يتناقض مع ما هو قطعي الدلالة والثبوت من مبادئ الإسلام، وهي دائرة أوسع من سابقتيها بل وينبغي أن تزداد اتساعا بحكم التطور الفكري والتكنولوجي الذي نعيشه. المعني الأول لـ"الإسلامي" أي الذي ابتدعه الإسلام علي غير مثال سابق يحسر الإسلام حسرا معيبا يجعل من الإسلام دينا يرفض التكنولوجيا والتطور ومنجزات الحضارة المعاصرة بحكم أن الإسلام هو ما نطق به الشرع صراحة وما دون ذلك "خارج عن الإسلام متناقض معه". والمسلم العاقل يعلم أن أغلب ما جاء به الإسلام ليس من ابتكاره وإنما هو استمرار لما كان سابقا عليه. فنحن نعلم مثلا أن الصيام كتب علينا كما كتب علي الذين من قبلنا وكذا الصلاة والجهاد وتعدد الزوجات بشرط العدل معهن إلي آخره، حتي عقيدة التوحيد تنسب إلي آدم عليه السلام وتسمية الإسلام نفسها تنسب إلي أبينا إبراهيم الذي سمانا المسلمين من قبل. لكن لا شك مثلا أن هيئة الصلاة التي يصلي عليها المسلم وتفاصيل الوضوء والحج وحدود العقوبات الشرعية هذه كلها تفصيلات ابتدعها الإسلام علي غير مثال سابق. وقد رفض منطق حصر الإسلام والحل الإسلامي في حدود منطوق النص الديني من قرآن وسنة، فهذا الرسول الكريم يقول لأحد أصحابه: "وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تُنزلهم علي حكم الله فلا تُنزلهم علي حكم الله، ولكن أنزلهم علي حكمك، فإنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله أم لا،" رواه مسلم. إذن فأنت لا تدري حكم الله وحكم رسول الله في أمور الحكم والسياسة وإنما أنت تجتهد، ويجوز أن يكون اجتهادك متفقا مع صحيح الإسلام أو يتناقض معه بحكم أن البشر لا يستطيعون، إلا ظنا، أن يفقهوا عن الله مراده. فكيف يستطيع بشر أن ينسب لنفسه أنه يعرف "الحل الإسلامي" أو حدود الخروج عن الإسلام في أمور يغلب عليها الاجتهاد والمصلحة المرسلة؟إن الأغلبية الكاسحة من عقيدة الإسلام وأخلاقياته (أوامره ونواهيه) التي نصفها بأنها إسلامية هي واقع الأمر من الأخلاقيات التي وجدت قبلنا وحضنا الإسلام عليها وتكفي المقارنة بين الوصايا العشر والآيات 149-151 من سورة المائدة للتدليل علي ذلك.وعليه فإن مساحة ما ابتدعه الإسلام علي غير مثال سابق ضيقة للغاية حتي في أمور المعاملات ولنأخذ مثلا مفهوم الشوري "الإسلامية" الذي يقدمه البعض كبديل عن الديمقراطية "المستوردة." فنحن نعلم بيقين أن قصي بن كلاب الجد الخامس للرسول محمد (ص) هو الذي أنشأ دار الندوة كي تتشاور قريش في شئونها. ونحن نعلم بيقين أيضا أن الرسول جاء علي فترة من الرسل لقوم خلا فيهم نذير وبالتالي فلم تكن دار الندوة استجابة لتوجيه إيماني. كما نعلم أن بلقيس ملكة سبأ قبل أن تسلم مع سليمان لرب العالمين قررت ألا تقطع أمرا حتي يشهد (أي يشير عليها) أهل الرأي في مملكتها. أي أن الشوري "الإسلامية" هي إسلامية بالحض والاستيعاب وليس بالابتداع والإنشاء. ولو عاش الرسول الكريم في غير زمانه أو عرف العرب الأولون آليات الديمقراطية الآثينية لربما ذكرها لنا القرآن أو مورست بتفصيل أكبر. وهذا ليس بغريب فكان المسلمون الأوائل يعلمون أنهم يهتدون بكتاب جامع ومنهج شامل يقول لهم "ما فرطنا في الكتاب من شيء" ويقول لهم أيضا "فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" فلا تفهم الآية الأولي إلا في إطار فهم الثانية. إن من يكتفي بالآية الأولي يفترض أن كتاب الله سيكون عند الكيمائيين كتابا في الكيمياء، وعند الرياضيين كتابا في الرياضة وهكذا. وهذا ليس بصحيح. فهو كتاب في العقيدة والأخلاقيات أساسا. وخلا هذين المجالين، فكل شيء يمكن أن يكون إسلاميا بسؤال أهل الذكر عن الفائدة والضرر من قبيل: "أحل لكم طعام الذين أوتوا الكتاب." لذا "سم الله وكل مما يليك." لا فرق إن كنت تأكل ضأنا عربيا ممتلا باللحم أو بيتزا إيطالية طالما أنها تخلو مما حرم الله كما قال الشيخ محمد الغزالي رحمة الله عليه، فالطعام في الحالتين "إسلامي" لأنه لا يتناقض مع ما هو قطعي الدلالة وقطعي الثبوت من الإسلام.ومن هنا لم يتساءل المسلمون عن طريقة إسلامية في حفر الخندق بدلا من الطريقة الفارسية التي رواها سلمان الفاراسي. ولم يرفض المسلمون الأوئل ركوب الجمال لأنها ليست "إسلامية". ولم يبحثوا عن منهج آخر غير منهج الشوري الذي مارسه غير المسلمين من قبل. ذلك أن أي حل لأي مشكلة لا يتناقض مع العقيدة والأخلاق فهو من الإسلام. وبالتالي ليس صحيحا أن منطوق الإسلام هو الحل أو أن هناك حلا إسلاميا يقوم علي النص. ولكن هناك حلا إنسانيا يقبله الإسلام وبالتالي هو من الإسلام. وعلي هذا، فأنا أرفض علي أساس ديني وفلسفي، وليس فقط سياسي، رفع شعارات من قبيل "الإسلام هو الحل" أو "الحل الإسلامي." فالحل، أي حل لا يتناقض مع القرآن والسنة، إسلامي؛ أي أن ما يحل أي مشكلة نواجهها فهو من الإسلام، وعليه فقد يجري الحل الإسلامي علي لسان شخص ليبرالي أو ماركسي أو ناصري.

No comments: